الفاتورة المجمعة والأثر الرجعي – رؤية قانونية
عامر العامر
مستشار قانوني
في ديسمبر عام 2016م وافق مجلس الوزراء على برنامج تحقيق التوازن المالي (2020) الذي تضمن التدرج في فرض مقابل مالي على كل عامل وافد في القطاع الخاص ونص على تنفيذه ابتداءً من تاريخ 1/1/2018م، وكان الهدف من ذلك إعطاء دافع إضافي للمنشآت لتوظيف عدد أكبر من المواطنين كما نصت وثيقة البرنامج. وراعى البرنامج من خلال المباعدة بين تاريخ الموافقة على المقابل المالي وتاريخ نفاذه الظروف الاقتصادية المحيطة وأعطى المنشآت المشمولة به لاسيما الصغيرة منها والمتوسطة الفرصة الكافية لإعادة ترتيب أوضاعها المالية قبل نفاذه.
قام أصحاب المنشآت بإصدار وتجديد رخص العمل للعمالة التي يديرونها قبل التاريخ المحدد لنفاذ المقابل المالي الجديد 1/1/2018م. لم يجادل أحد حتى وزارة العمل نفسها في مدى قانونية ما قام به أصحاب تلك المنشآت إلا أن ذلك التصرف أثارحفيظة الوزارة لاحقاً عندما شعرت -وفقاً للسان حالها- أن أصحاب المنشآت تعمدوا التهرب من المقابل المالي الجديد مما دعاها لإصدار قواعد عمل حساب المقابل المالي التي تضمنت عزمها على إصدار فاتورة بالمقابل المالي الجديد عن الفترة التي يقع جزء من رخص العمل فيها في سنة 2018م وذلك لمن استفاد من إصدار وتجديد رخص العمل قبل نفاذ المقابل المالي الجديد وكأن تلك الاستفادة مخالفة أو جريمة تستحق العقاب.
يعد مبدأ الأثر الفوري للقانون ومبدأ عدم رجعية القانون من أهم المبادئ القانونية المتبعة وذلك نتيجة لما يطرأ على القوانين والأنظمة من تعديلات بين الحين والآخر مما يتطلب معه تحديد القانون المتبع في حال تنازع الواقعة القانونية قانونين أحدهما جديد والآخر قديم. ويقصد بهذه المبادئ أنه في حال صدور قانون جديد فإنه يطبق على الوقائع القانونية التي نشأت وتكونت بعد تاريخ نفاذه، ولا يجوز تطبيقه على الوقائع القانونية التي نشأت قبل هذا التاريخ. في ضوء ذلك، يتضح أن التزام أصحاب المنشآت بدفع المقابل المالي لإصدار رخص العمل أو تجديدها نشأ وتكون بل وانقضى قبل تاريخ نفاذ المقابل المالي الجديد، أما امتداد صلاحية رخص العمل لتاريخ لاحق على تاريخ النفاذ فلا يترتب عليه نشوء التزام جديد أو تكون واقعة قانونية جديدة.
ما قامت به وزارة العمل هو تطبيق قانونين أحدهما قديم والآخر جديد على واقعة قانونية واحدة، بحيث طبقت المقابل المالي القديم حين قام أصحاب المنشآت باستصدار وتجديد رخص العمل قبل تاريخ 1/1/2018م ثم قامت بعد هذا التاريخ باستغلال نفاذ المقابل المالي الجديد وتطبيقه على تلك المنشآت بأثر رجعي أي على واقعة قانونية تمت في ظل القانون القديم (المقابل المالي السابق)، والواقعة القانونية هنا هي نشوء الالتزام على أصحاب العمل بتسديد المقابل المالي حيث نشأ هذا الالتزام وتكون قبل نفاذ المقابل المالي الجديد.
ويعد تصرف الوزارة هذا مخالفاً لأبسط وأهم المبادئ القانونية ويؤدي إلى عدم استقرار المراكز القانونية بل إنه يخالف برنامج تحقيق التوازن المالي الموافق عليه من مجلس الوزراء الذي حدد تاريخ نفاذ المقابل المالي الجديد ابتداءً من سنة 2018م، ولا ينال من ذلك التعذر بأن تلك الفواتير صدرت بعد تاريخ النفاذ أو أن صلاحية رخص العمل المستهدفة امتدت لما بعد هذا التاريخ إذ أن العبرة هنا بتاريخ نشوء وتكون الواقعة القانونية كما سبق بيانه.
في حال عدم إلغاء وزارة العمل لقرارها فيما يتعلق بالفاتورة المجمعة التي تضمنتها قواعد عمل حساب المقابل المالي المشار إليها وقيام أصحاب المنشآت المتضررة بالتظلم منه أمام ديوان المظالم فإن موقفهم وحجتهم أقوى وفرص حصولهم على حكم بإلغاء القرار كبيرة. وفي حال استمرت وزارة العمل في عزمها على تطبيقه واضطر أصحاب المنشآت إلى دفع تلك الفواتير، فإنه يحق لهم رفع دعوى أخرى للمطالبة بتعويضهم عما تكبدوه من خسائر فضلاً عن الدعوى الأصلية المتعلقة بإلغاء القرار.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً