رسائل الجوال الإعلانية الاقتحامية وانتهاك الخصوصية
محمد بن عبدالله السهلي
صباحاً ومساءً، ومن دون أي إذن مسبق، تستقبل هواتفنا المحمولة العديد من الرسائل النصية SMS التي تتضمن دعوة للإشتراك في خدمة استقبال أبيات شعرية أو حكم وأمثال، أو تتضمن الترويج للإشتراك في مسابقات وهمية أو شراء منتجات معينة، أو الإعلان عن تخفيضات تقدمها مراكز ومحلات تجارية، وخلاف ذلك من طرائق التسويق التجارية التي أقضت مضاجعنا برنين نغمة استقبال رسالة واردة.
من المسلم به في علم التسويق أن طرائق وأفكار التسويق تتطور مع تطور وتقدم التكنولوجيا، لذا لا غرو أن تعد تقنية إرسال الرسائل النصية عبر الهاتف الجوال SMS أحد اهم الوسائل المفضلة للإعلان أو لاستخدامها في أي حملة إعلانية، ويعود ذلك إلى قلة تكلفة هذه الوسيلة، وملازمة الهاتف الجوال لمستخدمه في كل مكان وزمان، إضافة إلى اختصار الوقت اللازم لتسويق المنتج أو الخدمة بالوسائل التقليدية، حيث يمكن مثلاً إرسال أكثر من مليون رسالة في وقت قصير. لذا كان من الطبيعي أن تستغل هذه الوسيلة أيما استغلال في سبيل تحقيق مصالح المعلنين من دون إي اكتراث لما قد يتسبب به تلك الوسيلة من انتهاك خصوصية مستخدمي الهواتف الجوالة وتعريضهم للإزعاج.
لذا كيف يمكن التصدي لهذه الظاهرة المقلقة والمزعجة خاصة وأننا مقبلون على شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي تنشط فيه تلك الرسائل بشكل لا يطاق.
هناك حلول فنية وحلول قانونية للتصدي لهذه الظاهرة، الحلول الفنية هي حتماً من اختصاص أهلها، أما الحلول القانونية فهي محور اهتمامنا وتركيزنا في هذا المقام. وفي سبيل التمهيد لذلك نود أن ننوه في البدء إلى أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات كونها صاحبة الاختصاص في كل ما يتعلق بتنظيم خدمات الاتصالات في المملكة قد قامت مشكورة وعلى مدار عمل عاماً كاملاً بإصدار (المشروع الوطني السعودي لمكافحة الرسائل الاقتحامية) وقد تضمن المشروع جميع الجوانب الرئيسية للحل الشامل للرسائل الاقتحامية بما في ذلك أفضل الممارسات العالمية المتبعة في هذا الإطار، والوضع الراهن للرسائل الاقتحامية في المملكة العربية السعودية، والتشريعات الحالية الموجودة في المملكة، والجوانب المتعلقة بالتوعية والتعاون والتشريعات والتقنيات.
ورغم هذا الجهد الكبير إلا أن المشكلة بل الظاهرة لا زالت قائمة وهو أمر محير، ويزداد الأمر حيرة إذا استذكرنا عدد من التصريحات لمسؤولي الهيئة في الفترات الماضية، نذكر منها ما يلي:
في مقابلة صحفية لمعالي محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لصحيفة المدينة بتاريخ 22/2/2010 أفاد معالي المحافظ “أن الرسائل الاقتحامية مشكلة المرخص لهم من الهيئة، ولا يجوز لمن تم الترخيص له من الهيئة أن يقوم بإرسال أي رسائل لأي شخص إلا بموافقته، وهذا هو التنظيم الموجود لدينا”.
وصرح المتحدث الرسمي لهيئة الاتصالات لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 4/9/1428ه “ بأن الهيئة نبهت على جميع الشركات بضرورة احترام المشتركين وعدم إرسال أي رسائل تزعجهم في أوقات غير مناسبة، وتنتهك خصوصيتهم، مؤكداً في الوقت ذاته على أن الوصول إلى المخالفين سهل جداً، وكذلك التحقيق معهم وإيقاع العقوبة بحقهم”.
وفي تصريح لنائب محافظ هيئة الاتصالات للشؤون القانونية لصحيفة الحياة بتاريخ 23/2/1431، أكد وجود إطار لتنظيم ما يعرف بالرسائل الاقتحامية، وهي التي ترد إلى الهاتف الجوال في حين أنها ليست مرغوبة من قبل المستخدم، وأضاف أن الإطار التنظيمي لهذه الرسائل يلزم مقدمي الخدمات بعدم الارسال لمتلقي هذه الرسائل إلا بعد أخذ الموافقة اللازمة منه، وأن الهيئة عاقبت الكثير من المخالفين، وتجاوزت الغرامات المفروضة 66 مليون ريال”. وفي المملكة يعد نظام الاتصالات ولائحته التنفيذية الأساس القانوني لمنع إرسال الرسائل الإعلانية الاقتحامية ومعاقبة من يرتكب ذلك، ونظام الاتصالات وإن لم ينص بشكل صريح على موضوع الرسائل الإعلانية الاقتحامية، إلا أنه نص في المادة (37) على ما يلي: “يعد مرتكباً لمخالفة، كل مشغل أو شخص طبيعي، أو معنوي يقوم بأحد الأعمال الآتية:
إساءة استخدام خدمات الاتصالات مثل إلحاق الضرر بشبكات الاتصالات العامة، أو تعمد إجراء اتصال يخالف قواعد الآداب العامة، أو له طابع تهديدي، أو يؤدي إلى إحداث فزع أو إزعاج”.
ولا شك أن هذه الرئاسل وما تسببه من إزعاج كبير هي إساءة لاستخدام خدمات الاتصالات.
كما أن اللائحة التنفيذية لنظام الإتصالات قد نصت في المادة (57) على سرية معلومات المستخدم، من حيث إنه يجب على مقدم الخدمة عدم إفشاء أي معلومات للمستخدمين لأي طرف آخر من دون موافقة المستخدم الكتابية.
وبعد هذا الاستعراض، يتبين لنا أن مصدر الحيرة يكمن في استمرار هذه الظاهرة المزعجة رغم توفر المعطيات التالية:
إصدار المشروع الوطني السعودي لمكافحة الرسائل الاقتحامية، وقد ورد في تعريف المشروع الإشارة إلى أنه تضمن جميع الجوانب الرئيسية للحل الشامل للرسائل الاقتحامية بما في ذلك أفضل الممارسات العالمية المتبعة في هذا الإطار.
إفادة محافظ الهيئة أن الرسائل الاقتحامية هي مشكلة المرخص لهم من الهيئة.
إفادة الهيئة عن طريق متحدثها الرسمي أن الوصول إلى المخالفين سهل جداً وكذلك التحقيق معهم وإيقاع العقوبة بحقهم.
أصدرت الهيئة عقوبات كبيرة على الكثير من المخالفين، ورغم ذلك لم يتحقق الردع لباقي المخالفين.
توفر الأساس القانوني لمخالفة كل من يقوم بإرسال الرسائل الإعلانية الاقتحامية من دون إذن مسبق من مستقبل الخدمة.
الهيئة هي التي ترخص وتشرف على عمل مزودي خدمة الرسائل SMS.
مشغلي خدمة الجوال في المملكة ملتزمين بعدم إفشاء معلومات المستخدمين، ورغم ذلك فارقام هواتف الجوال متاحة لكثير من الشركات المتخصصة في إرسال الرسائل الإعلانية.
وبعد كل ذلك، يبقى التساؤل قائماً، طالما أن كل الحلول الفنية والقانونية متوفرة، وطالما أنه يمكن القضاء على هذه الظاهرة أو على أسوء تقدير الحد منها وبشكل كبير، فلماذا هواتفنا الجوالة تنوء بحمل كبير من الرسائل الإعلانية الاقتحامية، ونغمة رنين استقبال تلك الرسائل تصم آذاننا صباحاً ومساءً.
مستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً