إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ كريم الرود
باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات
من بين أهم المستجدات التي أتى بها قانون 05- 08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية هو الاعتراف للهيئة التحكيمية باتخاذ التدابير الوقتية و التحفظية، حيث كان قانون المسطرة المدنية قبل التعديل يعطي لرئيس المحكمة المختصة وحده
صلاحية اتخاد تلك التدابير ) الفصل 148 في الحالات العادية فيما يخص الأوامر المبنية على طلب و لفصل 149 ادا تعلق الأمر بالمستعجلات( و هو نفس الموقف الذي كان يسير فيه مشروع القانون رقم 08-05 حيث سكت عن هذه الأمور و كان سيمنع هيئة التحكيم من هذا الاختصاص لولا تدارك الأمر أثناء مناقشته في البرلمان [1]
حيث أقر المشرع المغربي هذه الصلاحية إلى جانب مجموعة من التشريعات التي انسجمت مع الاتفاقيات الدولية التي أسست لها[2] ، بموجب الفصل 15-327 من قانون 05-08 الذي جاء فيه :
” يجوز للهيئة التحكيمية، مالم يتم الاتفاق على خلاف ذلك أن تتخذ بطلب من أحد الأطراف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها .. “
و ما يلاحظ من خلال هذا النص أن المشرع المغربي جعل هذه الصلاحية جوازية بمعنى أنه بإمكان المحكم رفض طلب أحد الأطراف نظرا لعدة اعتبارات أهمها تقدير مدى توافر شروط اختصاصه و مدى إمكانية اتخاد مثل هذه التدابير من الناحية الواقعية نظرا لغياب سلطة الجبر لدى المحكم [3].
كما يتضح من الفصل أعلاه أن قبول الهيئة التحكيمية للطلب يدخل في نطاق السلطة التقديرية لها فهذه الأخيرة ليست ملزمة كرئيس المحكمة بمجاراة الخصوم في طلباتهم و ضرورة البت سواء بالقبول أو الرفض و إنما يتقرر لها السلطة الكاملة في قبول الطلب في ضوء كل حالة على حدة حسبما يتراءى لها من ظروف الدعوى، و بالتالي فلها أن ترفض مباشرة القيام بهذه المهمة إلا إذا ألزمها اتفاق التحكيم بذلك، أما إذا كان العكس فلها إما قبول ذلك أو رفضه لكونها صلاحية جوازية و غير مجبرة على النظر في الأمور الاستعجالية بينما تكون مجبرة بالنظر في موضوع النزاع[4] .
كما أن المشرع المغربي كان أكثر تحررا من قانون التحكيم المصري لسنة 1994 الذي لا يخول في المادة 24 منه[5] هذه السلطة لهيئة التحكيم مالم يوجد اتفاق الطرفين على ذلك و قد أخد منهج متشدد حيث جعل الاختصاص في اتخاد مثل هذه التدابير راجع للقضاء بموجب المادة 14 و اشترط لانعقاد اختصاص الهيئة التحكيمية اتفاق صريح من الأطراف بتخويلها هذه الصلاحية[6] عكس المشرع المغربي الذي بعدما أجاز تدخل القضاء بموجب الفصل 1-327 باتخاذ تلك التدابير فإنه أجاز لهيئة التحكيم أيضا ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك القيام بتلك التدابير بحيث أن الأصل هو اختصاص الهيئة التحكيمية ما لم يكن شرط مانع في اتفاق التحكيم يحول دون اختصاصها بينما المشرع المصري يجعل الأصل عدم اختصاصها مالم يورد الأطراف شرط الاختصاص، مما يفيد أن أساس صلاحية الهيئة التحكيمية بالمغرب ذات أساس قانوني بالدرجة الأولى بينما في مصر ذات أساس اتفاقي بمعنى أن الاختصاص يعود بحسب الأصل في التشريع المغربي للهيئة التحكيمية لاتخاذ أي تدبير مؤقت أو تحفظي بخصوص النزاع المعروض عليها غير أن الطبيعة القانونية للتحكيم بوصفه قضاء اتفاقي قد يقتضي أن يتفق الأطراف على ألا يختص المحكم أو الهيئة التحكيمية بإصدار الأوامر الوقتية أو التحفظية و أن يقتصر الاختصاص على قاضي الأمور المستعجلة[7] .
لكن رغم ذلك فالمشرع المغربي لم يمنح للهيئة التحكيمية اختصاص حصري لاتخاذ مثل هاته التدابير بل جعل القضاء يشاركها في الأمر بموجب الفصل 1-327 الذي جاء فيه :
” لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدئ في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها لطلب اتخاد أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا لأحكام المنصوص عليها في هذا القانون . و يجوز التراجع عن تلك الاجراءات بالطريقة ذاتها. “
و يثير هذا النص العديد من الملاحظات، فإذا كان من المبرر تدخل قضاء الدولة في مرحلة قبل بدئ الاجراءات نظرا لكون الهيئة التحكيمية لم تتشكل بعد، حيث قد يتطلب الأمر اتخاد إجراء وقتي أو تحفظي على وجه الاستعجال قبل فوات الأوان فإنه ليس مبررا اتخاد القضاء كل التدابير أثناء بدئ الاجراءات و قيام الهيئة التحكيمية بمهامها نظرا لكون المشرع منح إمكانية رقابة رئيس المحكمة بموجب طلب تنفيد أمر الهيئة التحكيمية باتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية بموجب المادة 15-327 في فقرتها الثانية.
و لعل التدخل القضائي المزدوج في هذا الإطار سيسلب للهيئة التحكيمية سلطتها في مباشرة هذه الصلاحية بحيث كان على المشرع المغربي أن يضع تقته في قضاء التحكيم و جعله ينفرد لوحده في مباشرة هذه الصلاحية، حيث أن هناك من التشريعات من كانت أكثر جرأة و منعت التدخل القضائي في هذا الإطار مثل قانون التحكيم الانجليزي الصادر عام 1992 الذي يعتبر نموذجيا لهذه القوانين حيث تقرر المادة 44/5 منه على أنه :
” لا يجوز للمحكمة أن تأمر باتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي طالما كانت هناك هيئة تحكيم اتفق الأطراف على اختصاصها بالفصل في النزاع، الا إذا كانت هذه الهيئة غير قادرة أو لا يمكنها اتخاذ الاجراء المطلوب بشكل فعال في الوقت المناسب “
و الأكثر من ذلك تقرر الفقرة التالية من المادة المذكورة – و هي الفقرة السادسة – بأنه : ” إذا أمرت المحكمة باتخاذ تدبير معين وفقا لأحكام هذه المادة فإن أثر هذا التدبير يتوقف – كليا أو جزئيا – على السلطة التقديرية لهيئة التحكيم” [8]
و بالتالي ينبغي على المشرع المغربي من أجل تدعيم الثقة في هذا القضاء الخاص و دعم هيبة الهيئة التحكيمية، أن يجعلها هي المختصة الأولى في اتخاذ تلك التدابير ومنحها إمكانية طلب مساعدة القضاء في التدابير المستعصية عليها كتوقيع الحجز على الغير نظرا للأثر النسبي لاتفاق التحكيم الذي يمنعها من هذا الأمر[9] خاصة أثناء الاجراءات على أن يبقى للقضاء إمكانية التدخل للاتخاذ هذه التدابير في خصومة التحكيم كلما عجزت الهيئة التحكيمية عن اتخاذها كوفاة أحد المحكمين مثلا أو إذا حدثت أي صعوبة تحول دون اجتماع الهيئة التحكيمية للاتخاذ هذه التدابير التي يتطلب السرعة في اتخاذها.
[3] المحكم لا تمتد سلطته إلى على الأطراف المتنازعة الموقعة على اتفاق التحكيم و لا يمكنه توقيع حجز تحفظي مثلا على الغير و من جهة أخرى لا يمكنه تنفيد التدابير الوقتية و التحفظية التي يتخذها جبرا إلا بتذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة .
[4] عبد المنعم زمزم : ” الاجراءات التحفظية و الوقتية قبل و أثناء و بعد انتهاء خصومة التحكيم “، دار النهضة العربية. القاهرة، د.ط ، 2007 ، ص 71-72
[5] تنص المادة 24 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 في الفقرة الأولى على أنه : “يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب أحدهما أن تأمر أيا منهما ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع و أن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدابير الدي تأمر به”
[6] وقد سار المشرع الكويتي في نفس نهج المشرع المصري حيث نصت المادة 137/1 من قانون المرافعات الكويتي على أن ” لا يشمل التحكيم المسائل المستعجلة مالم يتفق صراحة على خلاف ذلك ” و من ثم يعد اختصاص هيئة التحكيم في المسائل المستعجلة استثنائيا و بالاتفاق الصريح على ذلك و إلا فينعقد الاختصاص بحسب الأصل لقضاء الدولة في المسائل المستعجلة. عبد الكريم المداني، مرجع سابق، ص 61.
[7] العربي العنتوت : ” حدود سلطة المحكم في التحكيم التجاري الدولي”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية،2008-2009، ص 89-90.
[8] و يقترب هذا الاتجاه من المادة 62 و 47 من اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول و بين رعايا الدول الأخرى. للمزيد من التفاصيل أنظر : عبد المنعم زمزم، م. س، ص 15-16.
[9] اتفاق التحكيم له أثر نسبي لا يسري الا على الأطراف المتنازعة الموقعة عليه و لا أثره له ازاء الغير طبقا للقواعد العامة لنظرية العقد.
[1] أنظر : عبد الكبير العلوي الصوصي، “رقابة القضاء على التحكيم – دراسة في القانون المغربي و المقارن- “، دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، 2012، ص 73 [2] مثل المادة 24 من قانون التحكيم المصري لسنة 1994 و المادة 43 من قانون التحكيم اليمني و كدا الفصل 173/1 من قانون المرافعات الكويتي. أما بخصوص الاتفاقيات الدولية فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أقرت هده الصلاحية اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار لسنة 1965 في المادة 26 منها و المادة 29 من اتفاقية عمان العربية لسنة 1987 للتحكيم التجاري . عبد الكريم المداني : ” سلطة المحكم الأمرية في اتخاذ الاجراءات الوقتية و التحفظية – دراسة مقارنة -” ، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2008- 2009 ، ص 60 -61-62-63-64
بقلم ذ كريم الرود
باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات
اترك تعليقاً