الحاكم على التزام السلطات بالدستور
*إياس الساموك
مع حاجة المجتمعات إلى ضابط ينظم العلاقة بين مكوناتها، جاءت الضرورة لايجاد مجموعة قواعد يلتزم بها الجميع تنطوي على حقوق والتزامات، عرفت في وقت لاحق بالتشريعات.
هذه التشريعات تشكل هرماً تستند الى قانون اعلى واسمى يطلق عليه الدستور، الذي يمثل مصدر شرعية السلطات في البلدان سواء كانت تشريعية أم تنفيذية او قضائية.
فالدستور يمثل نواة اختصاصات السلطات الاتحادية في البلدان، لكن قبل ذلك هو ضمانة لموضوعة الحقوق والحريات، فلهذا نجد أن اغلب الدساتير تطرقت إلى ملفي الحريات والحقوق بشتى انواعها قبل الخوض في مهام واختصاص السلطات، وقد التزم الدستور العراقي لسنة 2005 بذلك.
مع ذلك، قد تنحرف السلطات عن الالتزام بالقواعد الدستورية وتصدر قوانين واحكام وقرارات تخالف مبادئه، ومن هنا يأتي السؤال: من هي الجهة المسؤولة عن التصدي لهذه المخالفة؟.
نحن هنا لا نتحدث عن اشخاص يرتكبون جرائم أو موظفين يخطأون في اداء مهامهم لكي تتم محاسبتهم من قبل المحاكم الاعتيادية أو الجهات الادارية المختصة، فالموضوع مختلف وهو أن يصدر تشريع يخالف نصاً دستورياً، ويبدو ذلك خطيراً اذا كان يتعلق بحقوق وحريات المواطنين.
إذن يفترض في الجهة التي تفصل في التزام السلطات بالدستور الحيادية والاستقلال، وهذه الصفات تلزم وجود جهة قضائية عليا تتشكل من كبار القضاة توصف تارة بأنها محكمة دستورية، واخرى مجلس دستوري.
لكي يفرض هذا التشكيل القضائي حكمه في ما يتخذه من احكام، فقد نصت المادة (94) من الدستور العراقي لسنة 2005 على الزامية ما يصدر عن المحكمة الاتحادية العليا -وهي المحكمة الدستورية المعنية في العراق- للسلطات كافة.
وقد اشارت بعض الدساتير السابقة إلى وجود محكمة دستورية في العراق، لكنها لم تعقد الا جلسة واحدة وفي مناسبة واحدة، وكان انعقادها بارادة ملكية في العهد الملكي.
فأذا كان اعضاؤها لا يمتلكون خيار انعقاد الجلسة، فكيف لهم الحرية في اصدار الاحكام بدون تدخلات السلطات الاخرى؟
وهكذا الامر بالنسبة للعهد الجمهوري، فقد كان هناك نص على وجود محكمة دستورية لكنه بقي معطلاً.
وبصدور قانون (30) لسنة 2005 عن السلطة الوطنية وبالذات في حكومة الدكتور إياد علاوي شكّلت في العراق اول محكمة دائمة معنية بالقضايا الدستورية تحت مسمى “المحكمة الاتحادية العليا”، تمارس مهام متعددة بموجب قانونها ودستور 2005، الذي له العلوية في التطبيق وفق احكام المادة (13) منه، مع الاشارة إلى أن المادة (130) من الدستور تنص على استمرار نفاذ التشريعات الصادرة قبل نفاذ الدستور لحين الغائها أو تعديلها وفق احكامه، ومنها قانون المحكمة الاتحادية العليا.
اصدرت المحكمة طوال سنوات تشكيلها العديد من الاحكام والقرارات واسهمت في حفظ الحقوق والحريات الواردة في الدستور والغت العديد من التشريعات التي تخالف احكامه، وهي مستمرة في ذلك، بعد أن فتح الباب امام الجميع في اللجوء اليها للتشكي من قانون يخالف الدستور متى تضررت مصالحهم منه، وعلى سبيل المثال حكمها في الدعوى رقم (34/ اتحادية/ 2008) الذي جاء في نصه بأن الدستور كفل الحرية للعراقي في السفر والتنقل داخل العراق وخارجه دون قيد أو شرط تطبيقاً لاحكام المادة (44/ أولاً) من الدستور، اضافة إلى عدم جواز تقييد هذه الحرية بنص يمكن وضعه في قانون يسن من مجلس النواب أو نظام أو تعليمات تصدرها السلطة التنفيذية، واستندت في هذا التوجه إلى المادة (2/ أولاً/ ج) من الدستور التي تنص على انه “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والاساسيات الواردة في هذا الدستور”.
• كاتب في الشؤون القانونية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً