مقال قانوني حول قضايا الزواج والطلاق وآثارها

بقلم ذ فوزية احصاد

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

باحثة
شهدت كلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عشية 30 نوفمبر 2018 مناقشة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه تقدمت بها الطالبة الباحثة فوزية أحصاد، حول موضوع “مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي”، وذلك

ضمن الأبحاث المقدمة في اطار “مركز دراسات الدكتوراه اللغات والتراث والتهيئة المجالية محور الدراسات الاسلامية”
وقد تشكلت اللجنة العلمية من :
-الدكتور الجيلالي المريني كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس رئيسا.
-الدكتورة سعاد العمراني المريني كلية الشريعة فاس عضوة.
-الدكتور محمد العلمي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير عضوا.
-الدكتور أنس سعدون، خريج كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، وعضو نادي قضاة المغرب بالمحكمة
الابتدائية بالقصر الكبير، عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، عضوا.
-الدكتور سعيد المغناوي كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس مشرفا ومقررا.
وقررت اللجنة بعد المداولة قبول الأطروحة شكلا، وفي الموضوع منح الطالبة الباحثة درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر.
وفيما يلي تقرير موجز بأهم ما جاء في مضامين هذه الدراسة.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدكتور الجيلالي المريني، الدكتور محمد العلمي، الدكتورة سعاد العمراني المريني، الدكتور سعيد المغناوي، الدكتور أنس سعدون، أيها الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد،
لا جدال في أن المغرب اليوم قد انخرط في مسلسل إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وتفعيل مقتضيات العدل والإنصاف. وإن من أهم تجليات هذه الثورة المجتمعية، ما حملته مدونة الأسرة من مقتضيات قانونية جديدة، حاول المشرع المغربي من خلالها المزاوجة بين التوجه الحداثي، الذي يرمي إلى احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، والتوجه الديني الإسلامي المرتكز على المذهب المالكي. ولعله التوجه الذي نهجه المشرع الأسري حينما أحال -في المادة 400 من هذه المدونة-على الفقه المالكي وقيم العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، في معرض حديثه عن الاجتهاد القضائي.

من هنا تكتسب دراسة “مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي” أهميتها،إذ تجد هذه الدراسة مبرراتها مما هو علمي وعملي:
فأما العلمي الأكاديمي، فيرجع إلى الإسهام في تطور التشريع، وازدهاره بصفة عامة، عبر معرفة الإضافة النوعية التي سيضيفها الفقه المالكي إلى الاجتهاد القضائي المغربي كحل ناجع للمشاكل الملازمة للتشريع، والمتمثلة في عدم الملاءمة والغموض والقصور.
وأما من حيث أهميته العملية؛ فيمكن القول أنها تتجلى في:
1. الإسهام في التكوين الفقهي والقانوني للقاضي، ورجل القانون عموما .
2.استجلاء موقف القضاء المغربي من الوضعية الثنائية للفقه والقانون في مجال الأسرة.
3.البحث عن حلول لمشاكل الأسرة المغربية في إطار الفقه المالكي، وتوحيد وتجويد الاجتهاد القضائي المغربي الأسري.
السادة أعضاء اللجنة، أيها الحضور الكريم

إن اختيار موضوع “مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي: قضايا الزواج والطلاق وآثارهما أنموذجا”، لم يكن اعتباطا، بل كان مؤسسا ومبنيا على دوافع كثيرة، من أهمها ما يلي:
1.التخصص : إذ يندرج هذا العمل تحت إشراف مختبر البحث في الأصول الشرعية للكونيات والمعاملات، المعروف لدى مختلف الأوساط العلمية والأكاديمية -داخل المغرب وخارجه-باهتمامه الكبير بالبحث عن حلول فقهية لمختلف المستجدات التي تعج بها الساحة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للمجتمع الإسلامي.
2. أهمية الفقه المالكي : يمكن القول بأن للفقه المالكي أهمية تدفع كل باحث لاستحضاره كتراث فكري وقانوني لا يمكن تجاهله، سواء من حيث بعده التاريخي، أو حاضره ومستقبله التشريعي.
3.أهمية قضايا الأسرة في بناء المجتمع والرغبة في الإسهام لإعطاء دينامية أكثر للجهاز القضائي وإغناء البحث الأكاديمي في مجال الاجتهاد القضائي.

بناء على كل ما سبق، فقد عكفت على تسطير جملة من الأهداف،وهي:
أ)- الإسهام في تطور التشريع الأسري وازدهاره، وتوحيد الاجتهاد القضائي وفق أحكام معللة وعادلة.
ب)- الحفاظ على لحمة الأسرة المسلمة، وتنظيم أوضاعها، وحماية المراكز القانونية للأفراد داخل المجتمع.
ج)- الوقوف على الإضافة النوعية للفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري.
د)- الإسهام في التكوين الفقهي والقانوني للقاضي ورجل القانون، ونشر الثقافة القانونية والشرعية في المجتمع المغربي.
ه)- رصد مكامن القوة والضعف في قاعدة الإحالة على الفقه المالكي.
و)- رسم آفاق رحبة لتبويء الفقه المالكي المكانة اللائقة له كمصدر تكميلي لمدونة الأسرة.
ز)- التنبيه إلى ضرورة مد جسور التعاون بين المجلس العلمي الأعلى ومحكمة النقض من جهة، وبين المجالس العلمية
المحلية ومحاكم الموضوع من جهة أخرى، خدمةً للاجتهاد القضائي وفق مقاربة شرعية.
وبذلك، فالمتتبع لمختلف أبواب وفصول هذه الدراسة، سيجد أن كل التساؤلات التي أثيرت في ثنايا الأطروحة وعلى عتباتها، تتمحور أساسا حول رصد مدى تمثل القاضي المغربي لأحكام الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي الخاص بقضايا الزواج والطلاق وآثارهما، ونطاق هذا التمثل مقارنة بمصادر الاجتهاد الأخرى، مع التركيز على دور الفقه المالكي في تقدم علم القانون في مجال الأسرة. ومجموع هذه التساؤلات شكلت إشكالية الدراسة، التي حاولت مقاربتها وفق تصميم ثنائي، يتناول موضوعات الأطروحة في بابين، يتصدرهما مدخل تمهيدي وفق التفصيلالآتي:

أ) المدخل التمهيدي : خصصته لدراسة مزدوجة المداخل موحدة الغاية والهدف، حيث أفردت الجزء الأول من هذا المدخل للدراسة النظرية اللغوية والاصطلاحية للعنوان ومفرداته، ثم جعلت الجزء الثاني محلا للدراسة العملية من خلال تفريغ الاستمارة التي تم توزيعها على السادة القضاة في مختلف محاكم المملكة لاستجلاء موقفهم من موضوع الأطروحة، وذلك كله إرساء لأرضية الدراسة، وصياغة للفرضيات.
ب) الباب الأول :عنونته ب “موقع الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي: الخصوصيات المجالات والآفاق “ويتضمن ثلاثة فصول:

-الفصل الأول: ينطلق من الكشف عن مراحل تطور الاجتهاد القضائي الأسري،مرورا بدراسة خصائصه للكشف عن مكانة الفقه المالكي ضمنها، ثم يدرس دور الفقه المالكي في حل مشكلات الأسرة.
-ما سيتم تحصيله من معطيات سيكون دافعا لدراسة مختلف المجالات الأسرية التي يمكن أن تكون محلالإعمال للفقه المالكي في الاجتهاد القضائي في الفصل الثاني.

-الفصل الثالث: يستهدف استقصاء واقع وآفاق تعامل القضاء المغربي مع الفقه المالكي.
ج) الباب الثاني : يعتبر هذا الباب محلا للدراسة التحليلية لواقع إعمال أو إهمال الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي بناء على ما تم التوصل إليه من نتائج أولية في الباب الأول، وكذلك اعتمادا على الأرضية التي تم الاستهلال بها خلال المدخل التمهيدي. وقد خصص بالضبط لدراسة أهم الإشكالات القضائية التي تطرحها قضايا الزواج والطلاق وآثارهما بالمغرب. لذلك تم تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة فصول:
1- الفصل الأول: خصص لدراسة مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي المرتبط بدعاوى ثبوت الزوجية.
2- الفصل الثاني: خصص لدراسة مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي المرتبط بقضايا الكد والسعاية.
3- الفصل الثالث: خصص لدراسة مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي المرتبط بقضايا إثبات النسب بالبصمة الوراثية.

وفي الأخير عمدت إلى وضع خاتمة، أفردت من خلالها الخلاصة العامة، والنتائج، والتوصيات، والمقترحات. وعصارتها كما يلي:
أولا- الباب الأول من الأطروحة كانت الفرضيات الخاصة بهذا الباب، تتمحور أساسا حول رصد المكانة التي يحتلها الفقه المالكي داخل اجتهادات السادة القضاة.
وقد مكن تمحيص هذه الفرضيات، في مختلف فصول ومباحث الباب الأول، من الخروج بخلاصات منها:
إن الفقه المالكي ظل على مر قرون مضت مرجعا اجتهاديا للسادة القضاة.
إن مدونة الأسرة الجديدة جاءت بالأساس لتجاوز هفوات مدونة الأحوال الشخصية، لتنسجم مع تطور المجتمع المغربي، ولكن في ظل احترام الدين الإسلامي وأحكام الفقه المالكي.
إن الكثير من مواد مدونة الأسرة يخضع لقاعدة الإحالة على الفقه المالكي، بالنظر إلى ما تعتريه هذه المواد من نقص أو غموض أو ثغرات.
إن أحكام الفقه المالكي وقواعده لا زالت تشكل ثروة فقهية قد يعتمدها القاضي في صياغة اجتهادات قضائية منسجمة مع واقع الأسرة المغربية اليوم.
إن مجالات إعمال الفقه المالكي في مدونة الأسرة عديدة يصعب حصرها، كما يصعب تفييؤها.
إن ميثاق إصلاح العدالة بوَّأ الاجتهاد القضائي مكانة جيدة في توصياته، إلا أنها تبقى قاصرة بالنظر إلى أهمية ومحورية هذا الاجتهاد في ضمان السلم والعدالة داخل المجتمع.
إن الإصلاحَ مسلسلٌ خيوطهُ متشابكة ويتصل بعضها ببعض، إذ لا يتصور الإصلاح تشريعيا دون النظر إلى الناحية البشرية، ولا يتم الإصلاح من الناحية البشرية، دون تصور إتاحة كافة الظروف الماديةوالمعنوية للنهوض بالعدالة، ولا سبيل للرقي بالفقه المالكي دون تثمين الموروث، واستشراف اجتهادات فقهية تواكب العصر.

ثانيا-الباب الثاني.
إذا كانت الدراسة النظرية، قد وجَّهت قناعة القارئ نحو ضرورة اعتماد الفقه المالكي كمرجع اجتهادي في قضايا الأسرة في المغرب، ورصد مكانته في الاجتهاد القضائي الأسري، وآفاق اعتماده مستقبلا. فإن الدراسة التطبيقية خُصصت لتحليل نماذج من القضايا الأسرية الشائكة في المجتمع المغربي، قصد رصد مكانة الفقه المالكي فيها إعمالا أو إهمالا، والوقوف عن كثب على واقع تفعيل قاعدة الإحالة، في إطار التصدي للإشكالية الأساسية للأطروحة،وإذا كان المنطق يقتضي ربط النتائج بالإشكالية والفرضيات، فإن ما يمكن أن أستخلصه بناء على ذلك، ما يلي:

أ-بالنسبة لقضايا ثبوت الزوجية: خلصت الدراسة إلى الكشف عن وجود خلل تشريعي يشوب المادة 16 م.أ، المؤطرة لدعوى سماع الزوجية، والذي لا مجال لحله سوى بإعمال أحكام الفقه المالكي. غير أن الاجتهاد القضائي لم يستقر في اعتماده عليه، إذ تارة يتم إعمال وسائل إثبات الزوجية المنصوص عليها فقها، تنزيلا لمقتضيات المادة 400م.أ، وأحيانا أخرى يتم إهمال ذلك.
ب-بالنسبة لقضايا الكد والسعاية: كشفت الدراسة عن وجود حالة من عدم الاستقرار في الاعتماد على أحكام الفقه المالكي لحل قضايا الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية. ولعل مرد ذلك يرجع بالأساس إلى الغموض الذي اعترى المادة 49م.أ.
ج-بالنسبة لقضايا إثبات النسب بالبصمة الوراثية: وجدت أن الاجتهاد القضائي المغربي لم يستقر بعد في تحديد موقع البصمة الوراثية من الوسائل الشرعية لإثبات ونفي النسب. ولعل ما يبرر ذلك، كون هذه الوسيلة مستجدا تشريعيا قد تعترضه من حيث التنزيل العديد من الصعوبات والعوائقخصوصا وأنها لم تحظ بعد بحقها من التأصيل الشرعي من لدن المجلس العلمي الأعلى بالمغرب.
وعلى ضوء هذه النتائج، وربطا بالإشكالية الأساسية لموضوع الأطروحة، يمكن القول بأن الخلاصة الجامعة لشتات ما سلف بيانه، أن:

“الفقه المالكي لم يجد له مكانة مستقرة داخل اجتهادات السادة قضاة المادة الأسرية سواء على مستوى محاكم الموضوع أو محكمة النقض، وهو ما يشكل أهم أسباب تضارب الاجتهاد القضائي بالمغرب من جهة، ويؤثر من جهة أخرى على دور هذا الفقه في صياغة القاعدة القانونية”.

وسيكون من الإنصاف وأنا أقدم هذا التقرير أن أشير إلى بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في الرفع من جودة الأحكام القضائية، وتدفع بعجلة الاجتهاد الفقهي المالكي إلى الأمام؛ وهذه التوصيات هي:
1.استحضار المقاصد الشرعية في الاجتهاد القضائي الأسري.
2.ربط جسر للتعاون بين القضاء والفقه الشرعي.
3.مراجعة المشرع المغربي لصياغة المادتين 49 و16 م.أ وفق الملاحظات والاقتراحات المدرجة أثناء الدراسة والتحليل. 4.جمع وترتيب الأحكام الفقهية المالكية ومراجعتها وفق ما تنص عليه أعراف هذا الزمان، وهو من اختصاصاتالمجالس العلمية، والمجلس العلمي الأعلى.
5.السهر على تكوين السادة القضاة تكوينا فقهيا يمكنهم من التعامل مع مدونات التراث المالكي ونوازله الفقهية.
6.ضرورة مدارسة سبل الحد من ظاهرة الزنا، بما يضمن للأبناء الناتجين عن هذه العلاقات غير الشرعية، حقوقهم المادية والمعنوية.
7.نشر الثقافة الشرعية والقانونية في المجتمع المغربي.

وأجدد الإيصاء بضرورة جعل قضايا الأسرة محور كل السياسات العمومية، بدءا بالتعليم الذي وجب أن يؤسس للقيم الإنسانية النبيلة بين أفراد الأسرة، ومرورا بالإعلام الذي يعتبر محكا أساسيا في بناء ثقافة المجتمع ككل، وفق مبادئ الاحترام والتقدير لكل مكونات الأسرة، ووصولا إلى القانون الذي وجب عليه أن يعتمد مقاربات متعددة لضمان لحمة الأسرة، والحفاظ على المراكز القانونية لأفرادها.
أرجو أن كون قد وفِّقت فيما هدفت إليه من إماطة اللثام عن موقع الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي الخاص بقضايا الزواج والطلاق وآثارهما، على أمل أن يفتح هذا البحث آفاقا رحبة للنقاش واستكمال البحث، باعتبار أن ما توصلت إليه من نتائج وما وقفت عليه من خلاصات هو عمل إنساني قابل للأخذ والرد، فإن وفقت في الصياغة والسبك والتحليل والاستنتاج فمن الله تعالى، وإن كنت قد قصرت فذلك مبلغي من العلم.
فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، واغفر زلاتنا وتقصيرنا.

ولا يفوتني في الأخير أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان لفضيلة الدكتور سعيد المغناوي الذي أشرف على هذه الأطروحة تصحيحا وتنقيحا وتوجيها، فإن كان فيها من حسنات فبفضل مجهوداته. أدعو الله أن يتقبل ذلك في ميزات حسناته. كما أشكر الدكاترة الأجلاء أعضاء اللجنة العلمية كل باسمه وصفته، على تفضلهم قبول مناقشة هذا البحث: أشكر الدكتور الجيلالي المريني رئيس هذه الجلسة، أشكر الدكتورة سعاد العمراني المريني، أشكر الدكتور محمد العلمي والدكتور أنس سعدون على تجشمهما عناء السفر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم ذ فوزية احصاد
باحثة

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.