كتمان العلم بالجنايات الماسة بأمن الدولة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن وجود المجتمع الآمن الذي يسوده الأمن والاستقرار وتقل فيه الجرائم وتتحقق فيه العدالة ليس مهمة رجال الأمن والقضاء والشرطة فحسب, بل ومهمة أي مواطن حريص على مجتمعه وأبناء وطنه. من هنا رأى المشرع أن يُلزم كل شخص شاهد اعتداء على الأمن العام أو حياة أحد الناس أو على ماله بالإخبار عن ذلك، فجاء نص المادة (26) من قانون أصول الحاكمات الجزائية بما يلي:
“1ـ من شاهد اعتداء على الأمن العام أو حياة أحد الناس أو على ماله يلزمه أن يُعلم بذلك النائب العام المختص. 2ـ لكل من علم في الأحوال الأخرى بوقوع جريمة أن يخبر عنها النائب العام”.
ولكن من خلال نص المادة السابقة نلاحظ أن الالتزام بالإخبار هو التزام أخلاقي لأن المشرع لم يقرنه بالمؤيد الجزائي, وبالتالي يبقى الأمر عائداً لحرية الشخص وما تفرضه عليه الأخلاق العامة. وبالنظر لأهمية جرائم أمن الدولة وخطورتها على حياة الدولة واستقرارها ورغبة المشرع في قمعها في أي مرحلة كانت، أورد القانون استثناءً على هذه القاعدة فعاقب على كتمان العلم بالجنايات الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي في المادة (388) من قانون العقوبات إذ جاء فيها: “كل سوري علمَ بجناية على أمن الدولة ولم يُنبئ بها السلطة العامة في الحال عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالمنع من الحقوق المدنية”.
وقيام هذه الجريمة يتطلب الأركان التالية:
أولاً- أن يكون الفاعل سورياً:
يستلزم قيام هذه الجريمة أن يكون الفاعل سوري الجنسية، ويحصر المشرع واجب التبليغ عن الجناية الماسة بأمن الدولة بالمواطن السوري، لأن واجب الولاء المقدس وما يتفرع عنه من التزامات هو واجب وطني لا يوجد إلا بين المواطن ووطنه. فلا ينال التجريم الأجنبي سواء أكان مقيماً في سورية أو السوري الذي فقد الجنسية، أو جرد منها قبل اقتراف هذه الجريمة. ولكن المشرع أوجب في المادة /10/ من قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 على كل سوري أو أجنبي مقيم في سورية الإبلاغ عن الجرائم الارهابية التي يعلم بها فنص على أنه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل سوري أو أجنبي مقيم في سورية علم بإحدى الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون ولم يخبر السلطة عنها”.
ثانياً- الركن المادي: كتمان العلم بجناية ماسة بأمن الدولة:
يتجلى الركن المادي في هذه الجريمة بالامتناع عن الإبلاغ عن جناية ماسة بأمن الدولة والامتناع هو إحجام شخص عن القيام بأي فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره منه في ظروف معينة, أما كتمان العلم بجنحة ماسة بأمن الدولة فلا يستلزم قيام المسؤولية والعقوبة.
زمن الإخبار: أوجب القانون في المادة (388) على كل سوري علم بجناية ماسة بأمن الدولة أن ينبئ بها السلطة العامة في الحال, فإذا قام الشخص بكتمان الجناية التي علم بها, ثم أنبأ بها السلطة العامة بعد فترة من الزمن فلا يستقيد من هذا الإخبار، ويعدّ مرتكباً للجريمة المنصوص عليها في المادة (388). وقد أراد المشرع من ذلك إلزام كل سوري أن يبادر مباشرةً بالإبلاغ حتى تستطيع السلطات العامة تقصي هذه الجناية وإحباط مساعي فاعليها والقضاء على الأخطار المترتبة عليها. ولا يشترط في هذا الابلاغ شكلاً معيناً أو صيغة محددة, فقد يكون كتابة أو شفاهة، مباشر أو بالواسطة.. المهم أن يتضمن كل ما علم به الشخص عن تلك الجناية كي يعفي نفسه من المسؤولية.
ثالثاً- الركن المعنوي:
جريمة كتمان العلم بجناية ماسة بأمن الدولة هي جريمة مقصودة يتمثل فيها الركن المعنوي في صورة القصد الجرمي العام بعنصريه العلم والارادة, إذ يجب أن يعلم الشخص بأن ما وصل إلى علمه هو جناية ماسة بأمن الدولة، وأن يمتنع عن التبليغ عنها, ولا أهمية بعد ذلك للدافع أو السبب الذي جعله يمتنع عن التبليغ، فقد يكون الخوف من السؤال والتحقيق ومستتبعاته, وقد يكون الرغبة في وقوع تلك الجناية وتحقق نتائجها المرجوة. ويترتب على ذلك أنه بانتفاء أحد هذين العنصرين ينتفي القصد الجرمي لدى الفاعل أما في حال توافرت أركان هذه الجريمة، يُفرض بحق الفاعل عقوبة جنحية هي الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالمنع من الحقوق المدنية.
اترك تعليقاً