بين الفقه و القانون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الحقيقة أنه يوجد لدينا مدرستان لتخريج القضاة والمحامين، وهي مدرسة الفقه ومدرسة القانون، ولكل مدرسة حواضنها الأكاديمية التي تخرج أبناءها، وإن كان هناك عدد من الكليات التي بدأت في الجمع بين الفقه والقانون.
هذا الأمر في الحقيقة يحتاج إلى علاج عاجل، حيث يجهل كثير من المهنيين (قضاة أو محامين) كثيرا من أدوات القانون الحديث التي من خلالها تفسر الأنظمة وتقرأها، والسبب الأساس هو أنهم لا يدرسون ذلك في كلياتهم التي تخرجوا فيها، وهناك مدرسة متشددة أيضا تأخذ موقفا سلبيا من علوم القانون الحديث، بزعم أنه وسيلة لتنحية الشريعة!
عندما يتعاطى المهني مع الأنظمة؛ فهو يتعامل مع أداة حديثة من أدوات الدولة المعاصرة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهي جزء من التجربة الإنسانية العميقة التي توصل إليها الإنسان الحديث من خلال تجاربه المتراكمة عبر القرون، وأصبحت جزءا من طريقة تعامل الدول والعالم أجمع مع بعضه البعض، وعندما يقف الإنسان أمام مثل هذه الأداة المعاصرة فهو كأنما يقف أمام استعمال الكهرباء أو الاتصالات الحديثة التي لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها.
لا يمكن أن أخفي إعجابي بالثراء العميق في الفقه الإسلامي، وكيف أن كثيرا من النظريات القانونية الحديثة لدى الغرب هي في أساسها لدى المسلمين منذ أكثر من ألف عام! إلا أننا للأسف وضعنا حواجز أمامنا منعتنا من تطوير القانون الخاص بنا بشكل يتوافق مع متطلبات الحضارة الحديثة بعامل موقفنا هذا من التقنين والقانون.
وكمهتم وممارس أيضا؛ فإن أثر الخلفية القانونية الجيدة تظهر جليا حتى في صياغة الأنظمة والتشريعات، حيث إن مدرسة القانون قد خطت خطوات طويلة ومتطورة، بينما مدرسة الفقه هي في حقيقتها تقوم على أساس الحفاظ على أسلوب الفقه التراثي غير العصري، وهذا بلا شك له أثر واضح في إنتاج المدرستين.
الحاجة اليوم تدعو بإلحاح إلى تطعيم المحاضن الأكاديمية التي تخرج المحامين والقضاة بالمواد القانونية، فلابد من دراسة أصول المحاكمات الحديثة (المرافعات) والأنظمة الإجرائية الكثيرة، إضافة إلى ضرورة دراسة القوانين التجارية والجنائية الحديثة المقارنة، كون معرفتها أساسا في استيعاب أساليب التجارة وقوانينها الدولية التي أصبحت معرفتها أساسا في أسواق العالم كلها، ولم تعد هناك حواجز حقيقية بين الدول، فما يباع في الصين تجده في أمريكا بمجرد شراء عبر فضاء الإنترنت.
اترك تعليقاً