مضمون تعبير الملكية الفكرية وتطوره
لعل بيان المقصود بالملكية الفكرية يأتي في المقام الأول ؛ وذلك لان من المعروف أن الحقوق المالية droits pecuniaires هي الحقوق المتعلقة بالذمة المالية للشخص القانوني سواء أكان شخصا طبيعيا أم اعتباريا. وجري فقه القانون علي التمييز بين الحق ومحله وهو الشيء الذي يرد عليه الحق المالي فالتمييز بين الشيء وما يرد عليه من حقوق هو عين التمييز بين الشيء والمالي. وكانت عناية القوانين تتصرف في المقام الأول إلى الأشياء المادية المحسوسة وهو ما يصلح في نظر القانون أن يكون محلا للحقوق المالية وذلك بان يكون قابلا للتعامل فيه أي غير خارج عن التعامل، أما بطبيعته (وهو ما لا يستطيع أحد أن يستأثر به أو بحكم القانون وهي الأشياء التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية لعدم مشروعيتها) أو لاعتبارات المصلحة العامة. ولم يكن القانون يعرف غير الأشياء المادية التي تنقسم إلى أشياء منقولة أو عقارات أو أن يكون محلها عملا أو امتناعا عن عمل. ومن ثم قسمت الحقوق المالية إلى حقوق عينية وحقوق شخصية.
وإذا كان انتشار الفكر يرتبط بانفصاله عن صاحبه واتخاذه هيئة مادية قادرة علي السفر والتجوال دون عائق، لذا فأنه منذ اختراع آله الطباعة، ومع تقدم الفكر البشري ونمو العلاقات الإنسانية والاجتماعية في داخل المجتمعات والدول وعبر حدود الدول السياسية أخذت أهمية الأشياء غير المادية أي الأشياء غير ذات الحيز المحسوس وهي نتاج العقل البشري من مؤلفات أدبية وفنية واختراعات ومبتكرات سواء في مجال الصناعة أو ما يخدم التجارة علي الصعيد الداخلي تنشا بالتدريج ورويدا رويدا تزداد أهميتها علي الصعيد الداخلي ثم الصعيد الدولي.
وقد أجرت التشريعات في الدول المختلفة التفرقة بين الأشياء المادية والأشياء غير المادية إلا أن منهاجها في معالجة تلك الحقوق المعنوية والتي لا ترد علي الأشياء أخذ صورا مختلفة. فبينما نظمت الحقوق التي ترد علي الأشياء المادية في نطاق القانون المدني العام. نظمت الحقوق المعنوية بموجب قوانين خاصة.
ففي البلاد اللاتينية ينصرف فقط تعبير الملكية الفكرية إلى حق المؤلف غير أن هذا التعبير استخدم علي الصعيد الدولي، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأبرمت اتفاقية اتحاد باريس عام 1833 لحماية الملكية الصناعية، ثم اتفاقية اتحاد برن عام 1886 لحماية حق المؤلف، للتعبير عن حق المؤلف والملكية الصناعية فهو يشملهما معا. وأصبح يناظر تطورهما. حيث أسندت كل اتفاقية منهما تسيير عملها لسكرتارية خاصة بها حتى عام 1893 حيث وحدت سكرتاريتا الاتحادين في سكرتارية واحدة أطلق عليها المكتب الدولي لحماية الملكية الفكرية. غير أن التعبير في الوقت الحاضر أصبح يستخدم بصورة أكثر اتساعا وبصورة عامة في للتعبير عن ثمرات الذهن الإنساني في صورة المختلفة.
Plus generale et vise toutes les creations de lesprit humain
ومع ذلك فإن المادة 2 / 8 من الاتفاقية المنشئة للمنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية لم تضع تعريفا لهذه الملكية ولكن لجأت للتعداد. حيث عددت سبعة مجالات تشملها تلك الملكية بصورة عامة هي المحل لحمايتها وهي:
1- الأعمال الأدبية والفنية والعلمية.
2- الأداء والتنفيذ الفني للمؤدين والفونجرام والبث الإذاعي السمعي والمرئي.
3- الاختراعات في كل مجالات النشاط الإنساني.
4- الاكتشافات العلمية.
5- الرسوم والنماذج الصناعية.
6- العلامات والأسماء والمسميات التجارية.
7- الحماية ضد المنافسة غير المشروعة. وكذلك كافة الحقوق المرتبطة بالنشاط الفكري في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية.
ويلاحظ أن الاتفاقية نصت علي مجال ليس هو بالاختراعات ولكنه ينصرف إلى الاكتشاف كما يلاحظ أن من التشريعات ما يجمع في مجال براءات الاختراع بين الاختراع والنشاط الخلاق أو المبدع. activite inventive et invention والتشريع الفرنسي لبراءات الاختراع لعام 1968 يتطلب للحصول علي هذه البراءات ثلاثة شروط وهي أن يكون الاختراع ذات طابع صناعي، وان يكون قابلا للتطبيق الصناعي. وان يكون مبتكرا أو نابعا عن نشاط مبدع.
ولفهم فكرة الملكية الفكرية يتعين بداءة فهم ما يعنيه تعبير الملكية. فالملكية تمثل خاصية أساسية. وهي استئثار المالك، شخصا طبيعيا أو معنويا ( اعتباريا)، بان يكون حرا في استخدام المال محلها كيفما ير وذلك في حدود ما يقتضيه المحافظة علي حقوق الغير المشروعة والمصلحة العامة، دون أن يكون للغير أن يستخدمه استخداما مشروعان دون تصريح من المالك إذ بدونه يكون هذا الاستخدام غير مشروع. ومن ثم فإذا كانت الأموال تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي الأموال العقارية والأموال المنقولة واخيرا الحقوق غير المادية لذا فان الملكية تنقسم بصفة عامة إلى ثلاث صور هي الملكية العقارية والملكية علي المنقول واخيرا الملكية الفكرية.
فحقوق الملكية الفكرية هي الحقوق المعنوية التي يتمتع بها الشخص علي إبداعاته الفكرية أو الذهنية. لذا تتعدد مظاهر الملكية الفكرية، وهذه المظاهر في حد ذاتها تتطور في تشعبها وتنوعها مع التقدم في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والتجارية والاقتصادية داخل المجتمع الوطني وعلي الصعيد الدولي فتتأثر به وتؤثر فيه. فهي تعني، بالمعني الواسع، الحقوق القانونية التي تنتج عن النشاط الفكري في المجالات العلمية والأدبية والفنية.
والدول تعمل علي سن قوانين حماية تلك الملكية، فالتشريع هو المصدر المباشر والفعال لحماية الملكية الفكرية، بقصد تحقيق هدفين:
1- فمن جانب، فهي تقنن وتنظم الحقوق المعنوية والاقتصادية لأصحاب الأعمال المبدعة، كما تقرر حقوق الجمهور في التمتع والحصول علي تلك الإبداعات.
2- ومن جانب أخر تعمل علي إنماء العمل الإبداعي وتطبيق نتائجه والتشجيع في التعامل العادل في ثمراته والتي تساهم بدورها في التقدم الاجتماعي والاقتصادي للدولة والدول علي الصعيد الدولي. فقانون الملكية الفكرية يستهدف حماية المبدعين والمنتجين للسلع الفكرية والخدمية الأخرى بمنحهم حقوقا مؤقتة محددة بمدد معنية تمكنهم من رقابة استعمال منتجاتهم الذهنية خلالها. تلك الحقوق ليس محلها الشيء المادي الذي قد يفرغ فيه العمل الذهني المخلق، ولكن ينصب علي الإنتاج الذهني في حد ذاته.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً