مقال قانوني حول مظاهر حماية التبادل الالكتروني للمعلومات القانونية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بقلم ذ عبد الحق دهبي

باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية
عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات القليلة الماضية حركة وحيوية منقطعة النظير، في جميع مجالات التشريع، وهو توجه محمود توخى من ورائه المشرع سد الثغرات التي تعرفها هذه المنظومة وإغنائها بنكهة الحداثة حتى يتسنى لها مواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها مغربنا الحديث.

وفي هذا السياق صدر بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007 الظهير الشريف رقم 1.07.129 الصادر في 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

وينقسم هذا القانون من ياب تمهيدي وقسمين : قسم أول يتناول صحة المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية، وقسم ثان يعالج النظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير والمصادقة الإلكترونية. ويتناول هذا القانون 43 مادة حاول خلالها المشرع اعتماد مقاربة قانونية تسعى لوضع قواعد قانونية تؤطر مجالا يتميز بالتطور المتلاحق والسريع بطبيعته غير المادية، كما حاول المشرع من خلاله تغطية الفراغ التشريعي الذي خلقه التطور الهائل والمتسارع للتقنيات الجديدة للإعلام، كما حرص أيضا عند سنه لهذا القانون الالتزام بمجموعة من الضوابط والقواعد المرجعية على الصعيد الدولي، باعتبار طبيعة هذه الميادين والمجالات الجديدة التي أضحت مشتركة بيت كافة الدول.

تعلمون السيدات والسادة الحضور، أن تنمية التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال تعتبر من أهم الأولويات والتحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة على الصعيد العالمي، حيث أصبح هذا الواقع يتطلب مسايرة التطورات ليس فقط على المستوى التكنولوجي، وإنما أيضا في المجالات الأخرى ومن بينها المجال القانوني، فالمواكبة التي يهدف إليها القانون المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية تتجلى في جعل الإطار التشريعي المرتبط بالتقنيات الإعلامية أحد العوامل الأساسية لتمكين هذا القطاع من كسب ثقة مختلف الفاعلين وباستقطاب الاستثمارات اللازمة لذلك.

وحتى يتسنى لهذا القانون، ومن خلاله الوثيقة الإلكترونية، أن تؤدي الدور المنوط بها في حماية حقوق الأفراد، فضلا عن تسريع المعاملات فقد أحاطها المشرع المغربي بمجموعة من المعايير الواجب توفرها فيها، منها ما هو متعلق بالكتابة، ومنها ما هو متعلق بالتوقيع الإلكتروني، ومنها ما هو متعلق بالتشفير والمصادقة.

وبطبيعة الحال، فإن هذا القانون جاء لتأطير التجارة الإلكترونية الداخلية والخارجية بحكم السياسة المتفتحة التي ينهجها المغرب مع دول العالم ودول الجوار، حتمت عليه الانصهار في هذا المحيط من العلاقات والدخول في علاقات ثنائية ما فتئت تتزايد وتتقوى، الأمر الذي حثم عليه تطوير وعصرنة منظومته القانونية.

إن التشريع الحالي يطرح اليوم تساؤلات تتعلق بمدى تلاؤمه مع التقنيات الجديدة للتبادل والتي تتميز بطابعها الافتراضي أو طابعها اللامادي، مع ما يطرح ذلك من مشاكل خاصة كأمن المعلومات والملكية الفكرية والحجية والتعاقد الالكتروني، تستدعي أجوبة قانونية محددة، وهذا الوضع لا يقتضي فقط إعادة النظر في المبادئ القانونية الأساسية القابلة للتطبيق في المحيط الجديد وإنما ينبغي تعديل المقتضيات القانونية وتتميمها حتى تغطي مجال التبادل الالكتروني المعطياتي بشكل مؤمن وموثوق. فكما تعلمون فمستوى الدقة التقنية للتبادل الالكتروني للمعطيات قد وصل اليوم درجة كافية من التطور تسمح للإرادات المعبر عنها من طرف أصحاب المراسلات الإلكترونية بخلق التزامات قانونية. وبناءا عليه، يتعين إدماج المحررات المنجزة على دعامة إلكترونية ضمن المقتضيات التشريعية العامة لاسيما تلك المتعلقة بظهير الالتزامات والعقود.

ويرتبط بموضوع البحث مفهوم تعتبر التجارة الإلكترونية واحدة من التعابير الحديثة والتي أخذت بالدخول إلى حياتنا اليومية حتى أنها أصبحت تستخدم في العديد من الأنشطة الحياتية والتي هي ذات ارتباط بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وحتى نصل إلى مفهوم التجارة الإلكترونية، لا بد من الانطلاق من تعريف واضح للتجارة الإلكترونية، حيث يوجد هنالك العديد من التعاريف التي بداء المهتمين والمعنيين والمتخصصين في هذا المجال بصياغتها بطرق مختلفة، ولذلك ظهر لدينا العديد من التعاريف للتجارة الإلكترونية، حيث نجد انه لا يوجد لغاية الآن تعريف يمكن القول على انه تعريف واضح وصريح، أو معترف به دوليا، ولكن نستطيع القول بان كافة التعاريف تنطلق من مفهوم رئيسي، أو مبنية على أساس، أو تتفق على أن التجارة الإلكترونية تعبير يمكن أن نقسمه إلى مقطعين، حيث أن الأول، وهو “التجارة”، والتي تشير في مفهومها ومضمونها إلى نشاط اقتصادي يتم من خلال تداول السلع والخدمات بين الحكومات والمؤسسات والأفراد وتحكمه عدة قواعد وأنظمة يمكن القول بأنة معترف بها دوليا، أما المقطع الثاني “الإلكترونية” فهو يشير إلى وصف لمجال أداء التجارة، ويقصد به أداء النشاط التجاري باستخدام الوسائط والأساليب الإلكترونية والتي تدخل الإنترنت كواحدة من أهم هذه الوسائط.

من خلال هذه المداخلة، سنحاول مقاربة القانون المغربي رقم 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية من زاوية رصد مظاهر الحماية القانونية للتبادل الالكتروني للمعطيات، وذلك من خلال أهم المحاور التي جاء بها القانون المغربي.

المحور الأول: مظاهر الحماية القانونية للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية من الناحية الشكلية والموضوعية:

من أهم الضمانات التي سعى إلى تحقيقها القانون رقم 05.53 وضع الأساس القانوني للمعاملات الإلكترونية من خلال وضع إطار قانوني جديد لهذه المعاملات الإلكترونية، وإعطاء المحررات الإلكترونية سواء المعدة بطريقة إلكترونية أو التي يتم تبادلها إلكترونيا نفس القوة الثبوتية والقانونية للمحررات الرسمية والعرفية،و تحديد ضوابط قانونية وإطار مرجعي واضح لمختلف المعاملات الإلكترونية المؤمنة، من خلال إقرار قواعد مرجعية لممارسة مهمة مقدمي الخدمات المصادقة الإلكترونية، وتحديد ضوابط مراقبة نشاطه من قبل سلطة وطنية مختصة، مع وضع قواعد جديدة لضمان الأمن الإلكتروني من خلال حماية المعاملات الإلكترونية عن طريق إقرار قواعد للتوقيع الإلكتروني المؤمن.

أما من الناحية الموضوعية فإن القانون يهدف:

أولا:

إلى إدراج العقد الإلكتروني ضمن العقود الأخرى التي تنجز بواسطة المراسلة أو العقود المبرمة عن بعد للتعبير عن إرادة المتعاقدين الذين لا يتواجدون ماديا في مكان إبرام العقد حسب الفصلين 24 و 25 من قانون الالتزامات والعقود، وعلى هذا الأساس تمت إضافة مقتضيات جديدة شملها الباب الأول المكرر من القانون الخاص بالعقود المبرمة بشكل إلكتروني ضمن مواد قانون الالتزامات والعقود والذي تضمن الإضافات التالية:

-العرض والقبول بطريقة إلكترونية،

-الشروط الواجب احترامها حتى يصبح العقد الإلكتروني صحيحا وبإمكانه أن يفضي إلى خلق التزامات قانونية،

-العرض التعاقدي يتضمن بعض البيانات الإجبارية حتى يتمكن المقبل على الاتفاق من التوفر على المعلومات والعناصر المطلوبة التي يقتضيها الاتفاق،

-إلزامية الاستمارة والإدلاء بعدة أصول تعتبر مستوفاة بالنسبة للمحررات المعدة بشكل إلكتروني،

-ثانيا:

الاعتراف بحجية الالتزام للعقد الإلكتروني على غرار إلزامية العقد المحرر على الورق وإقرار المعادلة بين المحرر المنجز على دعامة إلكترونية والوثيقة المحررة على الورق؛

-ثالثا:

تحديد الشروط التي يكون على أساسها التوقيع الإلكتروني مؤمنا من أجل تبيان هوية الموقع، فالتوقيع الإلكتروني يقتضي اللجوء إلى وسيلة تحدد الهوية بشكل موثوق وتضمن علاقة صاحب هذا التوقيع بالعقد المرتبط به، فالتوقيع يعتبر مؤمنا ويفترض الوثوق به وله نفس قوة الحجية للتوقيع الخطي إذا كانت وسيلة الوثوق ملائمة للمقتضيات المقترحة في هذا المشروع، أما في حالة الطعن في التوقيع فيتعين على طالب الطعن الذي يحتج على حجية الوثيقة الموقعة إلكترونيا أن يبرهن على تقيده بشروط الوثوق والحفاظ؛

-رابعا:

تأمين محتوى المحرر الموقع بشكل يضمن عدم تعرض الوثيقة المرسلة لأي تعديلات في المحتوى خلال مراحل إرسالها وحصر الإطلاع عليه من طرف المرسل إليه فقط؛

-خامسا:

مراعاة التطابق بين مواد المشروع مع توصيات المنظمات الدولية والتوجيهات الأوروبية التي تنص على أن التوقيع الإلكتروني يكون مؤمنا عندما يكون مستوفيا للشروط التالية:

أن يكون خاصا بالموقع؛

أن يمكن من تحديد هوية الموقع؛

أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة،

وأن يكون مرتبطا بالمعطيات التي يتعلق بها بشكل يمكن من كشف أي تغيير يلحق بتلك المعطيات،

سادسا:

اعتماد تقنية التشفير لحماية المعطيات وضمان سريتها وتماميتها، وهذه التقنية تهذف إلى حجب معطيات الخطاب الأصلي وتشفيره بواسطة تقنية يستحيل معها قراءته أو تعديله دون استعمال المفتاح الذي يسمح بفك الرمز.

ونظرا لأهمية التشفير باعتبارها شرطا أساسيا لضمان سرية ووثوق معطيات التبادل الموجهة بطريقة إلكترونية، فإن تقنينها أضحى ضروريا حتى تتمكن المصالح المعنية من القيام بمهامها في المجال الوقائي ومتابعة المخالفات طبقا للقانون،

وتبعا لذلك فإن القانون نص على إحداث نظام للترخيص من أجل تداول وسائل التشفير ونظام للتصريح ونظام آخر للإعفاء من الترخيص أو التصريح حسب ما تقتضيه المصلحة العامة.

كما نظم القانون شروط ممارسة أنشطة مقدمي الخدمات أو مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وشروط اعتماده وآليات مراقبته من قبل سلطة وطنية مختصة حددت مهامها بكيفية دقيقة وواضحة في إطار ضمانات محددة إلى جانب التنصيص على عدد من الأفعال الجرمية والعقوبات المتعلقة بها وإجراءات معاينتها.

المحور الثاني: العقد المبرم بشكل إلكتروني أو الموجه بطريقة إلكترونية (الباب الأول مكرر من القانون رقم 05.53)

أكد القانون المغربي رقم 05.53 أنه يمكن استخدام الوسائل الإلكترونية لوضع عُروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود، ويمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد، أو الموجهة أثناء تنفيذه، عن طريق البريد الإلكتروني، ويتعين أن يوضع رهن إشارة العموم الشروط التعاقدية المطبقة بشكل يُمَكن من الاحتفاظ بها واستنساخها، ويظل العرض ملزما به سواء طيلة المدة المحددة في العرض المذكور أو إن تعذر ذلك بطريقة إلكترونية إذا كان ولوج العرض المذكور متيسرا.

وأضاف القانون المغربي بخصوص إبرام عقد بشكل إلكتروني أنه يشترط لصحة إبرامه أن يكون من أرسل العرض قد تمكن من التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه من السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن قَبُوله، ويجب على صاحب العرض الإشعار عن ذلك القَبُول بطريقة إلكترونية ويُصبح المرسَل إليه فور تَسَلُم العرض ملزَماً به بشكل لا رجعة فيه.

ويلاحظ هنا أن هذا القانون لم يكن دقيقا بالشكل المطلوب، ذلك أن إبرام العقد إلكترونيا يتطلب إبلاغ المتلقي قبل عملية الإبرام بشكل واضح لا لبس فيه، وفقا لما يلي :

أ- مختلف التدابير التي يجب اتخاذها لإبرام العقد؛

ب- إخفاء الطابع الرسمي على العقد من طرف مقدم الخدمات؛

ج- توضع تحت تصرف المتلقي مختلف الوسائل التقنية لتصحيح الأخطاء وإدخال بيانات استفسارية؛

د- اللغة أو اللغات المقترحة من اجل إبرام العقد.

ه- مسألة التقرير بعد إبرام العقد، حيث يتعين على صاحب العرض تأكيد قبوله عن طريق البريد الالكتروني خلال 24 ساعة من قبول العرض، ويمكن للمتلقي تخزين قبول صاحب العرض والإشعار بذلك؛

2- مكان إبرام العقد، حيث أن العقود المبرمة الكترونيا بين المستهلك والشركات تكون في محل إقامة المستهلك، أما القدود المبرمة بين رجال الأعمال والشركات وفي حالة عدم التفاهم تعقد في مكان تواجد مقدم الخدمات.

انطلاقا مما سبق، يلاحظ أن القانون رقم 53.05 ، حدد شروطا أساسية لا يمكن من دونها أن يبرم العقد، وهو ما يشكل ضمانة كافية لطرفي العقد رغم أنه لم يحدد مكان انعقاد العقد، ولم يجعل من مصلحة المستهلك كشرط أساسي لإبرام هذا العقد.

المحور الثاني: التوقيع الالكتروني المؤمن والمصادقة الإلكترونية (القسم الثاني من القانون رقم 05.53)

أكد القانون رقم 05.53 أن الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية أو المذيلة بتوقيع الكتروني والمختوم زمنيا تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف على الشخص الذي صدرت عنه، أي موقعة توقيعا الكترونيا مؤمنا أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق.

وحسب مقتضيات المادة 6 من نفس القانون، يتعين أن يستوفي التوقيع الالكتروني المؤمنSécurisée، الشروط التالية:

– أن يكون خاص بالموقع؛

– أن يتم أنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية؛

– أن يضمن وجود ارتباط بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أُدخل عليه؛

– أن يوضع التوقيع بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الالكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة للمطابقة.

وأضاف القانون رقم 05.53 في المادة 10 أن العلاقة تثبت بين المعطيات التي تُمَكن من التحقق من التوقيع الالكتروني والمُوَقع بشهادة الكترونية. وتتمثل هذه الشهادة في سند يتم إعداده بشكل الكتروني، ويمكن أن تكون هذه الشهادة بسيطة أو مؤمنة.

وتعتبر الشهادة الالكترونية حسب مدلول المادة 11 شهادة الكترونية مؤمنة عندما يقدمها مقدم لخدمات المصادقة الالكترونية معتمد من لدن السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الالكترونية، وتتضمن المعطيات التالية :

– الإشارة إلى أن هذه الشهادة مسلمة باعتبارها شهادة الكترونية مؤمنة؛

– هوية مقدم خدمات المصادقة الالكترونية وكذا اسم الدولة التي يوجد مقرها بها؛

– اسم الموقع صاحب الشهادة الالكترونية المؤمنة او اسمه المستعار عند وجوده، وفي هذه الحالة يتعين التعريف بهذه الصفة؛

– الإشارة عند الاقتضاء إلى صفة الموقع حسب الاستعمال الذي خصصت له الشهادة الالكترونية؛

– المعطيات التي تمكن من التحقق من التوقيع الالكتروني المؤمن؛

– تحديد بداية ونهاية مدة صلاحية الشهادة الالكترونية؛

– الرقم السري للشهادة الالكترونية؛

– الرقم السري للشهادة الالكترونية؛

– التوقيع الالكتروني المؤمن لمقدم خدمات المصادقة الالكترونية الذي سلم الشهادة الالكترونية؛

– عند الاقتضاء شروط استخدام الشهادة الالكترونية، ولا سيما المبلغ الأقصى للمعاملات التي يمكن أن تستخدم فيها الشهادة المذكورة.

وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للقانون المغربي، فإن الجدير بالإشارة أن بعض الدول كاسبانيا تتوفر على قانون خاص بالتوقيع الالكتروني، وهو القانون رقم 59/2003 الذي عرف التوقيع الالكتروني بأنه :

“مجموعة من البيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة بيانات او سجلا اخر يؤكدان الارتباط بين الموقع وبيانات إنشاء الموقع”.

لذا، وإن كانت التجربة المغربية في مجال القانون الالكتروني لا زالت في بدايتها ولم تستجمع تراكمات تمكنها من تقييم النتائج، فقد أضحى من الواجب إصدار قانون خاص بالتوقيع الالكتروني والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.

المحور الثالث: مقدمي الخدمات الالكتروني المؤمن والمصادقة الإلكترونية (الباب الثاني من القسم الثاني من القانون رقم 05.53)

الحماية المتعلقة بالأشخاص وشؤون الموظفين: تُعد المخاطر المتصلة بالأشخاص والموظفين وتحديداً المخاطر الداخلية منها واحدة من مناطق الاهتمام العالمي لدى جهات أمن المعلومات، إذ ثمة فرصة لأن يحقق أشخاص من الداخل ما لا يمكن نظرياً أن يحققه أحد من الخارج، وتظل أيضاً مشكلة صعوبة كشف مثل هؤلاء قائمة، إن لم يكن ثمة نظام أداء وصلاحيات يتيح ذلك، وعموماً ثمة مسميات وطوائف عديدة لهذه المخاطر، أبرزها: التخفِّي بانتحال صلاحية شخص مفوض، واستغلال العلاقات الاجتماعية، أو القيام بأعمال الإزعاج والتحرّش، وربما التهديد والابتزاز، أو في أحيان كثيرة رسائل المزاح على نحو يحدث مضايقة وإزعاج بالغيْن، وكذلك القيام بقرصنة البرمجيات عن طريق نسخها دون تصريح، أو استغلالها على نحو يخلّ بحقوق المؤلف.

ثالثاً: خرق الحماية المتصلة بالاتصالات والمعلومات بأنواعها المختلفة: والمقصود بذلك الأنشطة التي تستهدف المعلومات والبرمجيات وتشمل اتجاهين:

1. هجمات المعلومات: وتشمل النسخ غير المصرَّح به للبيانات والمعلومات والأوامر والبرمجيات وغيرها، وتحليل الاتصالات، والقيام بعمل قنوات مخفيّة، تمهيداً لهجوم لاحق أو تخزين معلومات غير مشروعة.

2. هجمات البرمجيات: وتشمل: المصائد أو الأبواب الخلفية (أي اختلاس الثغرات)، والسرقة أو اختلاس المعلومة، أو الاستخدام اللحظي (سرقة أو اختطاف الجلسات)، وتشمل أيضاً: الهجمات عبر التلاعب بنقل المعلومات عبر أنفاق النقل، والهجمات الوقتية (باستغلال وقت معين لتنفيذ الهجمة)، وأخيراً استخدام البرمجيات الخبيثة، كالفيروسات، وأحصنة طروادة، والدودة الإلكترونية، والرقائق، والأبواب الخلفية، والقنابل المنطقية، والماكينات والميكروبات فائقة الصغر، والاختناق المروري الإلكتروني، ومدافع hero، وقنابل Emp، ويجمع بين هذه الأنواع أنها برمجيات ضارة تستخدم للتدمير أو التعطيل، وإن كان بعضها يستخدم في الأغراض العسكرية .

رابعاً: الهجمات والمخاطر المتصلة بعملية الحماية: تشمل هذه الأساليب والاعتداءات: العبث بالبيانات، مثل: تغييرها أو إنشاء بيانات وهمية في مراحل الإدخال أو الاستخراج، وخداع بروتوكول الإنترنت، حيث الغش والخداع والإيهام والتقليد والمحاكاة والسخرية، وإن كان استخدامه الشائع الآن يتعلق بهجمات فيروسات الإنترنت، كما تشمل الأساليب والاعتداءات المتعلقة بعملية الحماية جمْع كلمة السر والتقاطها باستخدام برمجيات يمكنها ذلك، والقيام بأساليب المسح والنسخ، والهجوم بأسلوب استخدام المزايا الإضافية.

10- أمن المعلومات = Information Security :

أمن المعلومات هي قضية تبحث في نظريات واستراتيجيات توفير الحماية للمعلومات من المخاطر التي تهددها ومن أنشطة الاعتداء عليها . ومن زاوية تقنية، هو الوسائل والإجراءات اللازم توفيرها لضمان حماية المعلومات من الأخطار الداخلية والخارجية . ومن زاوية قانونية ، فان أمن المعلومات هو محل دراسات وتدابير حماية سرية وسلامة محتوى المعلومات ومكافحة أنشطة الاعتداء عليها أو استغلال نظمها في ارتكاب الجريمة ، وهو هدف وغرض تشريعات حماية المعلومات من الأنشطة غير المشروعة وغير القانونية التي تستهدف المعلومات ونظمها ( جرائم الكمبيوتر والإنترنت).

استخدام اصطلاح أمن المعلومات Information Security استخدام لولادة وسائل تكنولوجيا المعلومات ، إلا انه وجد استخدامه الشائع والفعلي ، في نطاق أنشطة معالجة ونقل البيانات بواسطة وسائل الحوسبة والاتصال ، إذ مع شيوع الوسائل التقنية لمعالجة وخزن البيانات وتداولها والتفاعل معها عبر شبكات المعلومات- وتحديدا الإنترنت – احتلت أبحاث ودراسات أمن المعلومات مساحة رحبة آخذة في النماء من بين أبحاث تقنية المعلومات المختلفة ، بل ربما أمست أحد الهواجس التي تؤرق مختلف الجهات.

إن أغراض أبحاث واستراتيجيات ووسائل أمن المعلومات – سواء من الناحية التقنية أو الأدائية – و هدف التدابير التشريعية في هذا الحقل ، ضمان توفر العناصر التالية لأية معلومات يراد توفير الحماية الكافية لها منها:

1- السرية أو الموثوقية = Confidentiality : وتعني التأكد من أن المعلومات لا تكشف ولا يطلع عليها من قبل أشخاص غير مخولين بذلك.

2- التكاملية وسلامة المحتوى= Integrity : التأكد من إن محتوى المعلومات صحيح ولم يتم تعديله أو العبث به وبشكل خاص لن يتم تدمير المحتوى أو تغيره أو العبث به في أية مرحلة من مراحل المعالجة أو التبادل سواء في مرحلة التعامل الداخلي مع المعلومات أو عن طريق تدخل غير مشروع .

3- استمرارية توفر المعلومات أو الخدمة = Availability : التأكد من استمرار عمل النظام المعلوماتي واستمرار القدرة على التفاعل مع المعلومات وتقديم الخدمة لمواقع المعلوماتية وان مستخدم المعلومات لن يتعرض إلى منع استخدامه لها أو دخوله إليها.

4- عدم إنكار التصرف المرتبط بالمعلومات ممن قام به Non-repudiation : ويقصد به ضمان عدم إنكار الشخص الذي قام بتصرف ما متصل بالمعلومات أو مواقعها إنكار انه هو الذي قام بهذا التصرف ، بحيث تتوفر قدرة إثبات إن تصرفا ما قد تم من شخص ما في وقت معين .

الاشكالات

+ الحقوق العينية ترك القانون الباب مفتوحا لكي تتخذ كافة الإجراءات القانونية لإحاطة العقد الإلكتروني في مجال الحقوق العينية بكافة الضمانات التي تحمي الملكية العقارية مع مراعاة مقتضيات ظهير 12غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، كل هذه الأسباب كلها ولهذه الاعتبارات يتعين الإسراع في استصدار المراسيم التطبيقية الكفيلة بتطبيق هذا القانون بطريقة تؤمن التعامل بالعقد الإلكتروني وتحصنه من أجل استقرار المعاملات الناجمة عنه ومنع كل مسالك التزوير في هذا الباب، وهو ما سيمكن المغرب من احتلال موقع متميز في مجال التجارة الإلكترونية والضمانات القانونية والقضائية المحيطة بها على غرار باقي الدول.

+ إن هذا القانون لا ينتظر منه فقط إيجاد أجوبة قانونية عن إشكالات حديثة وإنما يروم كذلك التشجيع على ردم الهوة الرقمية بين المغرب والدول المتقدمة بل ومختلف بقاع المعمور، وهذا يقتضي العمل مسايرة لهدا التطور التشريعي في الولوج إلى تعلم تقنيات التواصل الحديثة وإدماجها ضمن المنظومة التربوية وما يقتضي ذلك من تأهيل للعنصر البشري القمين بتلقين وسائل الاتصال الحديثة وفتح آفاق الدراسات العليا في هذا المجال وتيسير ولوجها. كما يقتضي وضع هذا التنظيم القانوني الملائم لتبادل المعطيات القانونية إلكترونيا بدل مجهود كذلك على مستوى تأهيل السادة القضاة في مجال وسائل الاتصال الحديثة وتكنولوجيا الإعلام لتيسير تطبيق سليم لمقتضيات هذا القانون ومراكمة الاجتهاد اللازم في مادة التعاقد الإلكتروني.

+ تشير الدراسات الخاصة بمستقبل التجارة الالكترونية إلى أن 70 %من التجارة الدولية في أفق سنة 2010 سوف تتم عن طريق شبكة الاتصال عن بعد، وذلك بعد ملاءمة الأوضاع القانونية الداخلية للدول وضرورة التأطير القانوني الآني والفوري.

التساؤل المشروع الذي يفرضه نفسه بإلحاح هو هل هذا القانون المندرج في إطار تحديث المنظومة القانونية وجعلها مواكبة ومنخرطة في التحديات الحديثة لتقنيات للإعلام والاتصال عن بعد وما يطرحه من تحسين مستويات الأداء والتنافسية، هل هذا القانون كافيا لتأطير النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين أطراف المعاملات التجارية الالكترونية في ظل الترسانة القانونية المعمول بها حاليا وفي ظل هيمنة الأمية الرقمية في مجتمعنا؟

وفي هذا السياق يتعين التذكير بتأثير وسائل الإثبات الجديدة التي أفرزتها لتجارة الالكترونية، على نظرية الالتزام ومدى القيمة القانونية لهذه الوسائل، فضلا عن قصور النصوص القانونية الحالية عن استيعاب وسائل الإثبات الجديدة التي أفرزتها ا لمعاملات المدنية أو التجارية، ومن جهة أخرى فإن صعوبة إضفاء صفة الثبوتية على بعض الوسائل الحديثة كالمراسلات الالكترونية والتوقيع الالكتروني تبقى واردة دون وجود دليل على حدوث ذلك، وهذا ما يطرح تحديا أمام اعتماد الوسائل الالكترونية في الإثبات.

لذلك لا بد من تدخل تشريعي لوضع تنظيم قانوني مواكب يضمن الأمان والفعالية لوسائل الدفع الإلكترونية ويضمن حماية المستهلك حتى نساهم في التخفيف من حدة الإحساس بالأخطار المعلوماتية وإزالة الهاجس النفسي بعدم الأمان في التعامل من خلال وسائل الدفع الالكتروني، وذلك من خلال تصميم التشريع الجنائي المغربي ليشمل الجرائم المعلوماتية وليواكب التطور الحاصل في مجال تكنولوجيا الإعلام.

بقلم ذ عبد الحق دهبي
باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.