معوقات التواصل العمومي بالمغرب
مداخلة بالندوة الدولية “التواصل العمومي: المقاربات, التطورات والرهانات”
معهد الصحافة وعلوم الإعلام, مؤسسة كونراد أديناور
تونس, 12-13 أبريل 2007
1- ثلاث ملاحظات للاستهلال
ثمة ثلاث ملاحظات أولية يبدو أنه من الأساسي تقديمها, بمستهل هذه الورقة, تحديدا للسياق, رفعا لكل لبس ودرءا لكل التباس:
+ الأولى, وتتمثل في مركزية معطى التواصل بوجه عام, والتواصل العمومي تحديدا, ليس فقط في رفد العملية الديموقراطية, ومسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, بل وأيضا في الإسهام في الدفع بعمليات الانتقال الديموقراطي, بالنسبة للدول التي تتطلع إلى ذات المطلب وتتوخى ذات المطمح.
لا ينفصل التواصل العمومي بهذه الزاوية, عن التواصل السياسي, وعن التواصل المؤسساتي والاجتماعي بداخل هذا الأخير(1), بل يتداخل معه, يكمله ويفسح له في سبل التكريس والمأسسة. بالتالي, فإن رهانات العمل العمومي على التواصل, تبدو حقيقية لدرجة البداهة, كونه معطى ملازما للعمل السياسي, على الرغم من الانتقادات الموجهة للمجال السياسي بدعوى إسهامه في تمييع السياسة عبر الإكثار من التواصل, أو عمله على تسييس التواصل المحكوم بمبادئ المصلحة العامة, أو تمترسه خلف التواصل لإخفاء أزمة التمثيل المتزايدة, أو اتجاهه (المجال السياسي أقصد) بجهة تحويل التواصل إلى فضاء للإشهار وللعلاقات العامة, من شأنه إفراغ مبدأ التواصل من مضمونه ومحتواه.
+ الملاحظة الثانية, وتكمن في الاعتقاد (اعتقادنا الخاص على الأقل) بأنه لا مجال للحديث عن عمل سياسي, وعمل عمومي بوجه عام, إذا لم يعمد الفاعلون الأساس إلى تنويع أدوات التواصل, لتمرير وتصريف خطابهم ومشاريعهم السياسية والتقنية, لشرح الخيارات المعتمدة أو المراد اعتمادها, لتفسير الرهانات القائمة, وتقديم الحلول الناجعة, أو التي تبدو لهم كذلك في فضاء عام مفتوح, متاح البلوغ, غير إقصائي أو ذا طابع احتكاري.
وعلى هذا الأساس, فإن معطيات الإخبار (إخبار المتلقين) والإنصات لهم, واستشارتهم ومكاشفتهم, لا تغدو ضربا من ضروب التواصل بغرض الاتصال(2), بل تصبح رهانا لا يستقيم بتغييبه أي عمل عمومي يتغيأ التفاعل في أفق الفعل, بصرف النظر عن حجم هذا الأخير أو طبيعته.
+ أما الملاحظة الثالثة, فترتبط بامتداد لما سبق, بالجانب المؤسساتي الذي يكون للتواصل العمومي البنية الرافعة, ليس فقط في بعدها الأدواتي الخالص, بل وأيضا فيما يتعلق بالرافد القانوني والتشريعي لذات التواصل العمومي.
والمقصود هنا, إنما القول بأن التواصل العمومي لا يمكن أن يقوم إلا إذا تكرس بالنص, مبدأ الانتقال من منطق السرية إلى منطق المكاشفة, أي إلى منطق توفير المعلومة (التي هي عصب أي اتصال وتواصل) وترويجها وتداولها, وضمان البلوغ إليها دون حجز أو حجر أو إكراه.
ليس التلميح هنا مقتصرا على ضرورة وضع ترسانة قانونية وتشريعية تضمن الحق في الوصول إلى المعلومات, سيما ذات المصدر العمومي, ولكن أيضا إلى ضمان الحق في الإعلام بشقيه, الضامن لحرية الرأي والتعبير من جهة, والموفر لأدوات التصرف في ذات الحق من جهة ثانية(3).
ليس الغرض من هذه الورقة, عرض واقع التواصل العمومي في بلد كالمغرب, يتطلع لإنجاح انتقال ديموقراطي سلس وسلمي, ولا التوقف عند تمظهرات هذا الواقع على مستوى سلوك الفاعلين العموميين, دولة وأحزابا ومرافق عمومية وما سواها.
وليس القصد هنا, الوقوف عند جوانب القصور التي تطاول التواصل العمومي على المستوى الأكاديمي الصرف, وهي شبه غائبة بهذا الجانب(4). المقصود هنا, إنما التساؤل في دواعي ومسببات تقصير المؤسسات العمومية في التواصل مع من هم مكمن ومصب السياسات والإجراءات التي تثوي خلفها هذه المؤسسات, سيما بجانب بعد التواصل المؤسساتي, الذي تقوم عليه الإدارة العمومية بالمغرب مباشرة, أو يتكفل به من فوضت له صلاحيات تدبير وتسيير المرفق العام.
والمقصود هنا أيضا, العوائق القانونية والتشريعية والإدارية الصرفة, التي تحول دون أن تتحول مضامين التواصل العمومي, إلى أداة لإخبار المواطنين, للإنصات لهم ولتحفيزهم ليصبحوا جزءا من عملية التحول والانتقال الديموقراطي, الذي ينشده المغرب منذ ما يناهز العقد من الزمن(5).
والمقصود أخيرا, مساءلة الخلفيات التي تجعل عمل الدولة والمؤسسات العمومية بالمغرب ضعيف الموسطة والتموسط, على الرغم من تزايد الخطاب الرسمي, الممتطي لمبدأ الحكامة والشفافية والمكاشفة والمجاهرة ومشاركة المواطنين بالزمن والمكان, وعلى الرغم أيضا من التطلع إلى إقامة “حكومة وإدارة ألكترونية”, شابكة للمؤسسات المركزية, والجماعات المحلية, وما سواها من مرافق عمومية.
ولما كانت الدولة (ومرافقها المختلفة) هي المفعل الأساس لأي تواصل عمومي, فإنها باستمرار احتكارها للمعطيات العمومية والخاصة, وعدم إخضاعها لقانون يجبرها على توفيرها بالفضاء العام (أو على الأقل لمن يطلبها), فإنها تدفع بجهة غبن المتلقين, وإبقاء التواصل مع هؤلاء من باب التمني الصرف.
ولهذا السبب, فإننا نزعم أن المدخل الموضوعي والسليم لإقامة وإنجاح أي تواصل عمومي, إنما يبدأ أولا وأخيرا من سن هذا القانون وتعميمه, وإخضاع من يرفض الامتثال له للمساءلة والمحاسبة(6).
2- الحق في النفاذ للمعلومات كمدخل أساس للتواصل العمومي
2-1- في مبدأ النفاذ للمعلومات وتقصير الترسانة القانونية
النفاذ للمعلومات عموما, والمعلومات العمومية بوجه خاص, عنصر جوهري للحق في الإعلام والاتصال. وهو المعطى الذي لا يمكن في غيابه للفرد أو للجماعة (في المجتمعات الديموقراطية على الأقل), ممارسة الحريات العامة كاملة, والتي غالبا ما تكون مضمنة بالدساتير, وبالنصوص التأسيسية الكبرى.
بالتالي, فهو الأداة الأساس العملية والإجرائية, التي تمكن المواطنين (وقد تحصلوا على هذا الحق) من مراقبة العمل الحكومي, ومعرفة كيفية وطريقة ولفائدة من تتخذ القرارات العمومية, وتعطيهم القدرة والسلطة للمشاركة, أو المساهمة بالاقتراح, أو بالاحتجاج على ما يصدر عن الدولة ومرافقها من تدابير وقوانين, قد لا يرتضيها المواطنون, أو يرون فيها مساسا بحرياتهم, أو بواقع حالهم أو بمستقبلهم.
على النقيض من ذلك, فإن تدبير الشأن العام على خلفية من السرية والتكتم, أو التخفي خلف القوانين القائمة لحجب المعلومة, من شأنه إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وتعطيل عملية النمو الاجتماعي والسياسي. وهو حال العديد من دول العالم الثالث (وضمنها المغرب), حيث تحول ظواهر الرشوة والشطط في استعمال السلطة, وسوء تدبير العديد من مرافق الدولة وغياب مبدأ المحاسبة…تحول مجتمعة, دون إرساء قواعد العقلانية, وانسياب المعلومات, وترجيح كفة المرونة في التدابير…وبالمحصلة, غياب مقومات التواصل.
من هنا, فطالما لم يتم تكريس قانون أسمى للمعلومات, ومن خلاله قانونا في الإعلام والاتصال يحدد الحقوق والواجبات, فإن أي مجهود بجهة تخليق الحياة العامة, أو عصرنة المرافق العمومية, أو اعتماد مبدأ الإدارة الألكترونية أو ما سوى ذلك لن يفي قطعا بالغاية, غاية تطهير الإدارة من السلوكات (ثقافة وفاعلين) التي تبديها الإدارة إياها بوجه دافعي الضرائب من المواطنين(7).
وإذا كان من باب الإنصاف الاعتراف بأن المغرب يحاول, منذ ما يقارب عقدا من الزمن, بناء دولة للحق والقانون, فإن الحكومات المتعاقبة لم تعمد لحد الساعة, إلى سن قانون في النفاذ إلى المعلومات, وعبره قانونا أشمل للحق في الإعلام والاتصال, تشريعا ونصوصا تطبيقية وإجراءات على الأرض.
والسبب في ذلك, لا يكمن فقط في أن المعلومة لا تزال بيد الدولة, عنصر قوة وسلطة وتجبر, ولكن أيضا لأن معظم الفاعلين (من أحزاب ونقابات, ومنظمات مجتمع مدني وغيرها) غير واعية بأهمية هذين القانونين, أو يرى فيهما بعضهم تجاوزا على امتيازاتهم, أو نبشا في ماضيهم, أو تقصيا لحجم ممتلكاتهم, أو استقصاء لطبيعة علاقاتهم في وقت من الأوقات(8).
وعلى الرغم من اعتماد المغرب للعديد من “الإصلاحات” الجوهرية, من قبيل رفع احتكار الدولة على الأثير, واعتماد قوانين “جديدة” للصحافة, وتحرير سوق الاتصالات مع خوصصة فاعله الأساس, وخلق هيئات عليا, ولجن تحقيق برلمانية وغيرها, على الرغم من ذلك, فإن الحصيلة, على مستوى إفرازات التواصل العمومي, تبدو جد متواضعة في غياب القانونين المشار إليهما أعلاه.
إلا أن المجال ليس بورا بالكامل, ولا القائم من نصوص كبرى متجاهل للإشكالية جملة وتفصيلا, لكن ذلك يبقى مشتتا بين مجموعة لوائح وتشريعات ومراسم, تقنن مظاهر أخرى, ولا تشير إلى الجانب الذي يخصنا إلا بالتلميح, أو بالتشفير أو لتزيين الذيباجة:
+ فدستور العام 1996 المعدل, يعترف بمادته التاسعة, للمواطنين “بحرية الرأي وحرية التعبير بكل أشكالها”, ويضيف بأنه “لا يمكن تحديد ممارسة هذه الحريات إلا بقانون”.
ومع ذلك, فإن تجسيد هذه الحرية والممارسة المترتبة عنها, غير مسطرة, مادام أنه ليس ثمة تنصيصا على الحق في المعلومات, على الرغم من تنصيص نفس الوثيقة على التزام المغرب “بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا”, وعلما بأن هذه الأخيرة تضع الحق في حرية المعلومات ضمن أولوياتها, بل وفي صدارة تشريعاتها(9).
+ وقانون إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري, على الرغم من كونه يقنن لجانب من النشاط الإعلامي والتواصلي يوجد بصلب قانون المعلومات, لا يتجاوز التلميح إلى هذا الجانب في الذيباجة أيضا.
تقول ذيباجة القانون: ” اعتبارا لما ينيطه الدستور بجنابنا الشريف, من واجب صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. واقتناعا من جلالتنا الشريفة, بوجوب ضمان الحق في الإعلام كعنصر أساسي لحرية التعبير عن الأفكار والآراء, ولا سيما عن طريق صحافة مستقلة وبوسائل سمعية/بصرية, يمكن أن تتأسس ويعبر من خلالها بكامل الحرية, وبواسطة مرفق عام للإذاعة والتلفزة, قادر على ضمان تعددية مختلف تيارات الرأي وفي دائرة احترام القيم الحضارية الأساسية, والقوانين الجاري بها العمل في المملكة, وخاصة منها تلك المتعلقة بحماية الشباب وبصيانة حرمة الأشخاص وكرامتهم…”(10).
يبدو إذن, على الأقل بالارتكاز على هذين النصين التأسيسيين, أن ثمة إشارة مباشرة, لا تقبل التأويل, للحق في الإعلام والاتصال, لكن القصور هنا متأت من جعل هذا الأخير مرادفا (ليس إلا) لحرية الرأي والتعبير, وليس كقانون قائم بذاته, يحيل على ذات الحرية, ويكملها, بإبرازه مثلا لجانب المشاركة, أو لمطلب الحق في التنمية أولما سواهما.
ولعل الملك الراحل كان أكثر دقة, عندما خاطب المتناظرين بالندوة الوطنية الأولى للإعلام بالعام 1993, قائلا: “…إن الإدارة مطالبة لأن تكون أكثر تفتحا عبر كل الوسائل, للتحول إلى مصدر لا ينضب من المعلومات, التي من شأنها تمكين الفاعلين في الإعلام والاتصال من الرقي بمهمتهم داخل المجتمع, وجعل هذا الأخير قادرا على الوعي بأهمية المسؤولية, ويأخذ نصيبه في فهم المشاكل والبحث عن حلول”.
بالمقابل, نرى أن قانون الصحافة المعدل في العام 2002, يلح على أن “للمواطنين الحق في المعلومات. ولكل وسائل الإعلام بلوغ مصادر المعلومات واقتنائها من أي مصدر, إلا إذا كانت هذه المعلومات سرية بموجب القانون”.
بهذه الحالة أيضا, نحن بإزاء إثارة للإشكالية, لكن دونما التعرض لمفاصلها, أو لسبل ممارستها, أو لطرق التظلم في حالة رفض الجهة القائمة على “مصادر المعلومات” تسليمها, أو تلكؤها أو إخفاءها وهكذا.
نقطة القصور هنا هي ذاتها الواردة بالقوانين السابقة واللاحقة(11), كونها لا تشير إلى مصدر المعلومات, ولا تحدده, بل تعطي الانطباع كما أن ذلك من واجبات وسائل الإعلام, عوض أن تكون الإدارة أو الدولة ومرافقها…هذا فضلا عن أنه لا يوجد بالمغرب قانون يحدد معنى السرية, بل إن السرية هي القاعدة ما دامت المرافق العمومية هي محددها بالنهاية…هي حاميها بوجه من الوجوه.
2-2- في معوقات التواصل العمومي بالمغرب
المعلومات, معطى كانت أم صوتا أم صورة أم كلها مجتمعة, هي مادة عملية الاتصال والتواصل وصلبها أيضا, سواء بين الأفراد والجماعات فيما بين بعضهم البعض, أو بينهم وبين المستويات (العمومية فيما يخصنا) المنتجة للمعلومات, المخزنة لها بهذه الصيغة أو تلك.
ولما كانت كذلك, فإن بلوغها والنفاذ إليها يفترض عمليا ومن الناحية التقنية, ليس فقط ضمان ذات البلوغ عبر توفير البنى التحتية الأساسية لذلك, بل وأيضا توفيرها كمضامين, وكمحتويات مهيكلة يسهل استقراؤها, والتعامل معها, واستغلالها بنهاية المطاف لهذا الغرض أو ذاك(12).
من هنا, فمن التجاوز حقا الحديث عن تواصل عمومي, إذا لم يتوفر الحد الأدنى من البنية التحتية إياها التي تضمن البلوغ, والحد الأدنى أيضا من البيانات المنظمة والمهيكلة بطرق معيارية وبمقاييس محددة…ناهيك عن التأطير القانوني الذي من المفروض أن ينصص على كل ذلك دونما لبس أو إبهام أو تلميح.
إن مسألة التواصل العمومي بالمغرب عصية على الاستنبات, ليس فقط باستمرار سيادة ثقافة السرية والتعتيم, ولكن أيضا بسبب التردد في استصدار قانون يضمن الحق في المعلومات, ومن خلاله وعبره الحق في الإعلام والاتصال.
فالعوائق القانونية, التي كانت سائدة في البدايات الأولى للاستقلال, لا تزال قائمة ومشددة, وما طاولها من “إصلاحات” مس بعض عناصر الشكل, في حين أبقى على لب الجوهر كما هو. فنظام الوظيفة العمومية مثلا (والقانون الجنائي وقانون الإرهاب أيضا) لا يزال يمنع على الموظفين تسريب المعطيات والمعلومات, التي يطلعون عليها أثناء مزاولة وظيفتهم (مراسلات, مراسيم, لوائح تنظيمية داخلية, مقررات اجتماعات, وغيرها), ولا يرفع هذا المنع جزئيا على وثيقة أو معلومة, إلا بإذن من الوزير الذي يعمل الموظف تحت إشرافه.
وهو ما يسري أيضا (بمنطوق القانون الجنائي) على العاملين بالقطاع الخاص, سيما العاملين بالأنشطة ذات “الطبيعة الحساسة”, أو لها ارتباط بالأمن العام للدولة, أو بقطاعات السيادة أو بما سواها(13).
من جانب ثان, فإن كل ما يتعلق بمعلومات مؤسسة الجيش (العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الصناعية) مقننة من لدن القانون الجنائي, الذي لا يجيز بلوغ بياناته ومعطياته إلا “لذوي الصفة”. صحيح أن معظم دول العالم تعتمد إجراءات تحفظ سرية المعلومات العسكرية, أو المتأتية من الجهات المرتبطة بها, ضمانا “لأمن وطني أو قومي مشروع”, لكن القانون (بالبلدان الديموقراطية تحديدا) يحدد مجال ذلك بدقة, ويصنف المعلومات التي تطاولها السرية دون لبس. وهو ما ليس معتمدا بالمغرب, اللهم إلا بصيغ هلامية, مضببة, قابلة للكثير من التأويل.
لا يقتصر الأمر هنا على المعلومات الموجودة لدى المؤسسة العسكرية, بل يتعداه إلى معلومات العديد من المرافق الوزارية كالداخلية, والخارجية, والعديد من المصالح التابعة لرأس الدولة مباشرة.
من ناحية ثالثة, فإن العديد من النصوص القانونية والإجرائية تمنع النفاذ إلى المعلومات المصنفة “ذات الطبيعة الخاصة”, أي المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد والجماعات, لدرجة قد يتعذر معها على المرء الاطلاع على سجله, بغرض التتميم, أو إصلاح خطأ, أو التأكد من عدم تقادم البيانات المسجلة باسمه(14).
هذه العوائق القانونية الثلاثة, هي التي لا تزال, في تصورنا, حجرة عثرة بوجه أي مبادرة للنفاذ إلى المعلومات, أو صياغة مشروع متكامل لتجاوزها (العوائق أقصد), سيما لو كانت مشتتة بين مجموعة لوائح وتشريعات, يتعذر على المرء معها معرفة القاعدة من الاستثناء.
إلا أن ثمة ثلاث حالات “مضيئة”, من الإنصاف التوقف عندها هنا, على اعتبار تكريسها ولو ضمنيا, لبعض عناصر التواصل العمومي العصي على الاستنبات بالمغرب:
+ الأولى وتتعلق بحالة هيئة الإنصاف والمصالحة, التي أنشئت بالعام 2004, بغرض حصر واستقصاء وجرد الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان, والتجاوزات التي طاولت هذه الأخيرة في العقود الثلاثة اللاحقة على الاستقلال. وقد كان لها أن تبحث في حالات عديدة ومتشعبة, إما عبر شهادات الأحياء, أو الأرشيفات المتوفرة, أو مباشرة من أفواه من كانوا عرضة لهذه الخروقات, ولا يزلوا على قيد الحياة.
وعلى الرغم من كونها استبعدت جملة وتفصيلا الجانب القضائي من العملية(15), فإنها (سيما عبر العديد من اللقاءات والندوات والموائد المستديرة) قد استطاعت أن تسهم في نوع من التواصل مع الضحايا, أو مع أبنائهم بطريقة تلقائية وعفوية, على الرغم من أن تقريرها النهائي لم يفصح جهارة, عن طبيعة العوائق التي لقيتها الهيئة في بحثها عن المعطيات والبيانات, حتى بتلميحها إلى الجهات التي امتنعت عن فتح أرشيفها لها, أو سمحت بلقاء من يقومون عليها(16).
+ الحالة الثانية, وتتعلق بلجن التحقيق البرلمانية التي أقامتها المؤسسة التشريعية, لاستقصاء بعض حالات الفساد الكبرى, التي طاولت تسيير بعض المؤسسات العمومية في السنين الأخيرة(17).
وعلى الرغم من الطبيعة الاستثنائية لهذه اللجن (بالقياس إلى الوظيفة التشريعية للبرلمان), فإنها اسهمت, بتلازم والبث المباشر للأسئلة الشفوية, في انسياب مهم للمعلومات, وأسهمت أيضا, وإلى حد ما, في رفع جزء من الستار عن طرق وآليات اشتغال بعض أجهزة الدولة, سيما ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين.
والسر في ذلك متأت من كون القانون يعطي هذه اللجن, حق “الاطلاع على الوثائق العمومية, أو الخاصة التي لها علاقة بموضوع التحقيق”, ويعطي رئيس اللجنة صلاحية مكاتبة الجهات التي تحتكم على هذه الوثائق لغرض توفيرها…أو استدعاءها للاستماع إليها في كل ما من شأنه أن يساعد في التحقيقات.
إلا أن ذات الحق, الذي يعطي الانطباع بمرونة المسألة, يصطدم بالقيد الذي يفرضه القانون (القانون التنظيمي للعام 1995) على بلوغ المعلومات المتعلقة ب”الأمن الوطني والأمن الداخلي والخارجي للدولة, وعلاقات المغرب مع البلد الأجنبي”, ويرهن ذلك بموافقة الوزير الأول.
وعلى الرغم من نجاح بعض اللجن (أنشئ منها حوالي أربع لجن من 25 سنة), فإن معظمها لم يوفق في تحديد المسؤوليات بدقة, أو اصطدم بلوبيات المصالح الكبرى, أو لا زال يراود مكانه بحثا عن المعلومات, أو تم تحويله جملة وتفصيلا لمصالح وزارة العدل, عندما تبين أن بعضا من المتورطين كانوا أو لا يزالوا بأعلى هرم السلطة(18).
وبكل الأحوال, فإن عمل اللجن يبقى محدود النتائج والتبعات, كون هذه الأخيرة غير مجبرة على نشر تقاريرها, ليطلع عليها الرأي العام. بهذه النقطة أيضا, يبدو التواصل العمومي معطوبا في أساسه, مرهونا في أبجدياته, وغير قادر على التمأسس.
+ أما الحالة الثالثة فتتعلق بميدان بلوغ المعلومات فيما يتعلق بالصفقات العمومية, على اعتبار أن هذه الأخيرة غالبا ما يشار إليها بالأصبع من لدن الفاعلين الاقتصاديين, كونها تعدم الشفافية, والوضوح, والمرونة اللازمة.
صحيح أن بعض الإصلاحات قد تم اعتمادها (سيما منذ وصول حكومة “التوافق” للسلطة) من قبيل إجبار الإدارات العمومية على نشر برامج عملها بالصحافة بنهاية كل سنة مالية, وإخبار المتنافسين عن تواريخ وطبيعة العروض. إلا أن ثقل الرقابة المالية, وانتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية والزبونية, تحول دون تجسيد مبدأ الشفافية والمساواة بين المتبارين والذي دفع به القانون بهذه الزاوية(19).
بالمقابل, فإن طلبات العروض غير الممنوحة لسبب من الأسباب, غالبا ما لا تجد الإدارة نفسها مجبرة على تسويغها أو تبرير السر في ذلك, دونما (مثلا) أن تكلف الإدارة نفسها حتى عناء إرشاد المتظلم عن الجهة التي بإمكانه رفع التظلم إليها.
بالارتكاز على ما سبق (وعلى ما سبق فقط), يبدو أن عناصر التواصل العمومي بالمغرب هي أبعد من أن تتجذر, أو تتكرس بأرض الواقع. والسبب في ذلك لا يكمن فقط في المعوقات المتعددة التي اشرنا إلى بعض منها فيما سبق, ولكن أيضا إلى تعذر مشاريع “إصلاح وعصرنة الإدارة” التي لطالما وعدت بها الحكومات المتعاقبة.
3- عصرنة الإدارة كأداة للتواصل العمومي بالمغرب
نقرأ بكل الأدبيات والمشاريع الداعية, أو المتمحورة حول إشكالية الإصلاح الإداري بالمغرب, أن الغاية القصوى من هذا الأخير, إنما إدراك الأهداف الأساس التالية:
°- لامركزية في البنى الإدارية, مع إعادة تحديد وظائف الإدارة بوجه عام.
°- تقوية أخلاقيات المرفق العام وتخليق السلوكات المرتبطة به.
°- تحسين العلاقات بين الإدارة والمواطنين, عبر تبسيط المساطر واستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال لإدراك ذلك.
°- إدخال طرق جديدة لتدبير الموارد البشرية, مع اعتماد نظام جديد للتحفيز بالوظيفة العمومية.
وإذا كان المغرب قد قطع شوطا لا بأس به فيما يتعلق باللامركزية والجهوية, فإن جانب تخليق المرفق العمومي لا يزال يراود مكانه, بسبب استبعاد مسألة نشر الوثائق العمومية, وكذلك عمليات التدقيق التي تطاول هذا المرفق أو ذاك, بين الفينة والأخرى(20).
وهو ما يلاحظ أيضا على مستوى علاقة الإدارات العمومية مع المواطنين, حيث “غياب مقاربة شمولية لاستقبال وإعلام المواطنين, وضعف قدرة هذه الإدارات على تقديم معلومات دقيقة وشافية حول الخدمات المقدمة, وتدني الاعتبار فيما يخص المعلومات المطلوبة من لدن المواطنين”, وعدم أخذ هذا الجانب مأخذ الجد, فيما يخص مجهودات إصلاح وتطوير الإدارة العمومية, ناهيك عن كثرة وتعقد المساطر, و”ضعف الوسائل التي من شأنها تمكين المواطن من دفع الإدارة إلى الشفافية, والوضوح واحترام القانون”(21).
كل هذه المعوقات تحول دون تواصل حقيقي بين المواطنين و بين مرافق الدولة الكبرى, وتحد من مجالات الفعل التي قد يدفع بها هذا المرفق, ولا يتجاوب معها آخر وهكذا.
يبقى السؤال: هل مشروع “الحكومة الألكترونية” الذي تتطلع إليه الحكومة, من شأنه أن يضمن تجاوز هذه المعوقات, ويفتح في المجال لتواصل عمومي, تكون ركيزته توفر الجانبين على المعطيات والبيانات, التي تمكن ذات التواصل من التجسد في الزمن والمكان؟
قد يحتاج المرء بهذه النقطة, إلى رصد وتقييم المواقع الألكترونية التي أقامتها المرافق العمومية, وزارية على وجه التحديد. وقد يحتاج إلى الوقوف عند مضامينها, لتحديد ما تقدمه للمواطنين, من معلومات أو بيانات أو “تسهيلات”, كل فيما يخص ميدان عمله. وقد يحتاج فوق كل هذا وذاك, إلى معاينة ميدانية للوقوف عند رأي المتلقي, ومدى استفادته من المواقع إياها في معاملاته.
ولما كان الأمر يتجاوز هذه الورقة, فإن تصفح العديد من المواقع العمومية, يثير الحقائق الأساس التالية:
+ الأولى, أن تصميم هذه المواقع لا يغري قطعا بجمالية ما في المظهر, أو بفنية في الصياغة, بقدر ما تبدو في شكلها دون ما تمكنه التقنيات المتوفرة على مستوى الفنية والجمالية وما سواهما. بالتالي, فهي تبدو كما لو أنها صيغت على عجل, وقام عليها موظفون لا يفقهون كثيرا في تصميم المواقع.
من هنا, فقد يتم للمرء تصفحها, لكنه قد لا يجد الحافز للمعاودة.
+ الثانية, أنه على الرغم من المعيارية التي وضعتها لجنة “الحكومة الألكترونية”, فإن هذه المواقع لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار ولا تقيدت به, لضمان الحد الأدنى من التناسقية بين مؤسسات تشرف عليها وزارة أولى.
ومعنى هذا, أن كل موقع مصمم بطريقته, وليس ثمة التزام بتوفير حد أدنى ما من المعلومات, تفيد المتصفح أو تجعله مرتادا اعتياديا عليها(22).
+ الثالثة, أن هذه المواقع تحمل خاصية الفقر في المضامين, وطول المدة بين تحيين وآخر…ولا تحمل في العديد منها, إلا أخبار هذا المرفق العمومي, أو “إنجاوات” ذاك, دونما مجهود لتضمين المواقع معطيات تفيده…وحتى التظلمات التي تفردها بعض المواقع للمواطنين عبر بريدها الألكتروني (في حالة اشتغاله) لا تجد من يرد عليها, ليبقى هذا الجانب من باب قول الحق المراد به الباطل(23).
بالمحصلة, فهي مواقع للإشهار وللعلاقات العامة, أكثر ما هي مواقع تتغيأ توظيف الشبكة لتبسيط المساطر, أو لتقريب الإدارة من المواطنين, لا بل قل هي مواقع لمضاهاة هذا المسؤول أو ذاك, بأنه قد وضع بالمرفق المسؤول عنه, أدوات لتصريف ما يجري بالمرفق إياه, وما يعتزم القيام به استقبالا…
4- بعض “الإصلاحات المؤسساتية” كمعوق للتواصل العمومي
لا تقتصر معوقات التواصل العمومي بالمغرب على الإكراهات القانونية, التي لا تزال تعيق سريان وانسياب المعلومات بين الجهات العمومية المنتجة والمخزنة لها وبين المواطنين, بل وتتعدى ذلك إلى الجانب المؤسساتي الذي يدفع ظاهريا بالإصلاح, في حين أنه يبطن النظرة الضيقة ويحتكم إلى هاجس الأمن:
+ فالهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري مثلا أنشئت بغرض تنظيم وتدبير المجال السمعي والبصري بعدما تم إلغاء الاحتكار, وتحرير السوق المحيل على هذا المجال. لكن وظيفتها الاستشارية (لدى الملك ولدى الحكومة والبرلمان) وتركيبتها المتواضعة, والمرجعية الثاوية خلف خلقها (الفصل 19 من الدستور الذي يعطي الملك سلطات مطلقة ماديا ومعنوية), كل ذلك يجعلها مبتورة الوظيفة, مرتهنة القرار, وعديمة الاستقلالية بالقياس إلى الجهاز التنفيذي.
هي بالتالي, تنفذ سياسة الدولة بالقطاع السمعي/البصري, وليس لها الصلاحية في استحداث سياسة لإصلاح القطاع إياه, تساوقا مع يتموج به الإعلام بالعالم.
وهي, فضلا عن ذلك, تشتغل بتكتم شديد, ولا تنشر تقاريرها, ولا يستطيع المرء بالتالي محاسبتها كونها ليس فقط مرتبطة بالبلاط, ولكن أيضا لأن لا عهدة سياسية بعنقها تجبرها على المحاسبة أو كشف الحساب(24).
+ وقانون إصلاح المشهد السمعي/البصري, الذي صيغ بغرض فتح السوق على الاستثمار في هذا المجال, مبني في تصوره وخلفياته, على الجانب الأدواتي الصرف, ولا يشير بالمرة, إلى رهانات وتحديات المضامين والمحتويات, بدليل فتحه في المجال للعديد من الأقنية, دونما أن يستتبع ذلك طفرة على مستوى المضامين المبثوثة.
ليس ثمة بهذا القانون, بصيغه المختلفة, إلا إشارة محتشمة إلى إشكالية التواصل, وإلى الحق في البلوغ والنفاذ إلى المعلومات, في حين نلحظ تشديدا في جوانب الخطوط الحمر, التي من شأنها تجريم الاقتراب من العديد من المحذورات, مجرد الاقتراب.
+ وقانون الصحافة (بما فيه مشروع القانون الحالي) لم يستطع التجاوز على القوانين السابقة, بل لا يزال يعيد إنتاج العقوبات السالبة لحرية الصحفيين, والغرامات التي تتعدى حاجز المعقول, وفرضها على منبر لهذا الاعتبار أو ذاك, هو دفع له إلى الإفلاس بامتياز.
هذه المعوقات المؤسساتية (بصيغة “الإصلاحات”) هي التي تعيد إنتاج المنظومة السابقة, التي لم تتجرأ على صياغة قانون واضح, ودقيق يحدد مبدأ الحق في البلوغ والنفاذ إلى المعلومات, ويؤطر مجالها, ويحدد بدقة الجوانب السرية التي من المفروض التوافق حولها.
5- على سبيل الختم
بالبناء على ما سبق, يبدو أنه ليس ثمة ما يعتد به, للحديث عن تواصل عمومي حقيقي بالمغرب.
والسبب في ذلك, يكمن بالأساس في غياب المقومات الموضوعية (النظرية والتطبيقية) التي تبني لذات التواصل, وتؤسس له فيما بين المرافق العمومية والمتلقين, فاعلين اقتصاديين أو سياسيين, أو جماهيرا تتطلع إلى إقامة إدارة عمومية, تشتغل على خلفية منطق الشفافية والمكاشفة, والعمل عن قرب.
إن المعلومات التي لا اتصال أو تواصل بدونها, إنما لا تزال بالمغرب من مضمار الحكر على الإدارة العمومية, لا ترى من دافع أو مجبر لها, على نشرها أو وضعها رهن إشارة المستعملين. إنها تعتبر المعلومات من مجال سيادتها, مادامت غير ملزمة على اقتسامها مع ما سواها, فردا كان أم جماعة.
ولعل أهم معيق في ذلك, إنما غياب قانون أسمى لبلوغ والنفاذ إلى المعلومات, يجعل ليس فقط ما تكتنزه الإدارة العمومية (ومرافقها المختلفة) متاحا ومباحا للجماهير الراغبة في ذلك, بل وأيضا مشروطا بمدى زمني تجبر بموجبه الإدارة, على فتح أرشيفها أمام الباحثين والمستعملين, وأصحاب الحق الآخرين.
هو ليس معيقا قانونيا وتشريعيا فحسب, بل وأيضا سياسيا وثقافيا ونفسيا, خيطه الناظم منطق السرية, الذي قد يطاول المعلومات العادية (معلومات الصفقات العمومية مثلا), أو ذات الطبيعة الإجرائية (معلومات الحياة الخاصة بالنسبة لطالبها), وقد يذهب لحد فرضه (منطق السرية أعني) على الوثائق ذات البعد الأمني الصرف.
ولما كان أمر سن هذا القانون متعذرا, فإن سن قانون في الإعلام والاتصال يبقى هو الآخر مرهونا, مادام الأول هو البنية الأساس, التي لا سبيل لقيام الثاني بغيابها أو بعدم وضعها.
صحيح أن ثمة العديد من النصوص التي تتحدث عن هذه الجوانب (بالدستور أو بقانون الصحافة, أو على هامش إنشاء هيئات تقنين ذات الصلة), لكنها تبقى مشتتة, ومقتصرة على تزيين الذيباجة, ومحيلة على قوانين أخرى (كالقانون الجنائي أو قانون الإرهاب أو غيرها), تحد من مفعولها, تحيطها بسلة من الخطوط الحمر, وتقيد مداها الفعلي في الزمن والمكان.
ولهذه الاعتبارات, تبقى علاقة الإدارة العمومية بالجمهور بمختلف مشاربه, علاقة عمودية التوجه, أحادية الجانب, أبوية وموسمية في بعض عناصرها, سيما عندما يكون لها بعد إخباري, أو إرشادي, أو بيداغوجي (من قبيل حملات التحسيس بمخاطر الطريق, أو بضرورة التلقيح, أو بالاقتصاد على الماء أو بما سواها).
بالتالي, يبقى الحديث عن التواصل العمومي, ليس فقط شاغرا عند المقاربة بالمدارس أوالجامعات, بل وبعيدا عن سلوك الإدارة العمومية العام, القائم على الإخبار والتوجيه والإرشاد, وليس بأي حال من الأحوال على الاتصال المباشر أو المموسط… فما بالك بالتواصل في بعده التفاعلي.
هوامش الورقة
(1)- لن نتحدث بهذه الورقة ولاعتبارات إجرائية خالصة, عن إشكالية التواصل المؤسساتي أو الاجتماعي, على الرغم من تداخلها القائم مع التواصل العمومي, سيما فيما يتعلق بالحملات الإعلامية التي تستهدف الفعل في السلوك العام, لتحفيزه على اعتماد مبادئ في التنمية المدنية للمجتمع.
(2)- التمايز بين الاتصال والتواصل لا يرتبط فقط بطبيعة الحامل, بقدر ما يترتبط بدرجة التفاعلية القائمة بين المرسل والمرسل إليه. المعلومات بكلا الحالتين, هي المموسط الأساس, سواء تعلق الأمر بالاتصال أو بالتواصل.
(3)- المقصود بالتواصل العمومي, بهذه الورقة, هو “التواصل المقنن, الذي يهدف إلى تبادل واقتسام المعلومات ذات القيمة العمومية, وكذلك الحفاظ على الرابط الاجتماعي, وحيث تعود المسؤولية فيه للمؤسسات العمومية, أو للمنظمات المكفولة لها مهمات المصلحة الجماعية, أو العامة”.
راجع في هذا:
Zémor. P, «La communication publique», QSJ, Troisième Ed, 2005.
(4)- اللهم إلا إنشاء اليونسكو, من أشهر قليلة مضت, لكرسي في التواصل العمومي, بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
(5)- من “المتعارف عليه” بالمغرب, أن عملية الانتقال الديموقراطي ابتدأت مع مجيء حكومة التوافق برئاسة عبد الرحمان اليوسفي في العام 1998, وقيل في حينه إن عملية التداول على السلطة ستحكمها صناديق الاقتراع. إلا أن تعيين الملك محمد السادس, في أعقاب انتخابات 2002, لتقنوقراطي على رأس حكومة “سياسية”, اعتبر كما لو أنه “انقلابا على المنهجية الديموقراطية”.
(6)- قد لا يكفي سن القانون, لكن سنه ضروري كمدخل لتغيير السلوك.
(7)- للتذكير فقط,, فهناك اليوم أكثر من ستين دولة بالعالم, اعتمدت قوانين من هذا القبيل, وعشرات الدول الأخرى تضغط على حكوماتها بهذا الاتجاه, ارتكازا على نشاط فاعليها, أو توظيفا لضغوطات المنظمات غير حكومية الدولية.
(8)- التلميح هنا حصرا, إلى مسألة التقادم الذي من المفروض, إن اعتمد قانون النفاذ, أن تسقط بموجبه الوثائق العمومية تلقائيا بالفضاء العام.
(9)- راجع نص الدستور المراجع للعام 1996.
(10)- لم يخضع قانون إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري للمسطرة الإجرائية المعهودة, بل اعتمد كقانون من لدن الملك, ارتكازا على الوظيفة التشريعية التي يتقاسمها مع البرلمان. اعتمد الظهير/القانون ب 31 غشت, وصدر بالجريدة الرسمية في 2 شتنبر 2002.
وقد اعتبرنا في حينه, أن العملية وإن كانت سليمة من الناحية الدستورية, فإن اتكاءها على الفصل 19 من الدستور (والذي لرئيس الدولة بموجبه صلاحية إعلان حالة الحرب أو الاستثناء) لا تبدو مسوغة بحالة تشريعية عادية كهاته.
راجع بهذه النقطة, موقع الكاتب على الإنترنيت:
www.elyahyaoui.org
(11)- وهو ما نلاحظه أيضا بمشروع “قانون الصحافة الجديد”, الذي من المفروض أن يقدم للبرلمان في غضون هذه السنة.
(12)- راجع في الفارق بين البلوغ والنفاذ:
El Yahyaoui.Y, «De l’accès à l’usage: éléments de débat», Communication au Symposium international «Le libre accès: défis et enjeux», Centre National de Documentation, Rabat, 11-12 Décembre 2003 (communication disponible sur le site de l’auteur).
(13)- ملازمة قانون الإرهاب (المعتمد في أعقاب أحداث الدار البيضاء في ماي 2003), والقانون الجنائي, من شأنه تشديد السرية على العديد من الوثائق, وتعليق مطلب الحق في النفاذ إلى المعلومات “إلى حين”.
(14)- بالمقابل, فالإدارة العمومية لا تتوانى في توظيف هذه المعلومات, لترصد حل الأفراد وترحالهم. ولعل البطاقة الوطنية الألكترونية التي من الوارد العمل بها مستقبلا, تدخل في هذا النطاق.
(15)- لم يكن من صلاحيات الهيئة ذكر أسماء الجلادين, ولا مقاضاة من وجهت لهم أصابع الاتهام, وصرحت بأن باب المحاكم مفتوح للتظلم.
(16)- لمح رئيس الهيئة, في أكثر من مناسبة, أن الهيئة إياها لم تستطع النفاذ إلى العديد من الوثائق, بخصوص أشخاص بعينهم, من قبيل الوثائق المتعلقة باختفاء المهدي بنبركة في أكتوبر 1965, ولا يزال ملفه غامضا لحد الساعة.
(17)- من قبيل مؤسسة القرض الفلاحي, والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي, والقرض السياحي والعقاري, والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي وغيرها, والتي تعرضت “لمذبحة رهيبة” ذهب ضحيتها أكثر من 120 مليار دولار من المال العام.
(18)- أشارت الصحافة إلى أن بعضهم كان رئيسا للبرلمان, وبعضهم ضمن مستشاري الملك.
(19)- المغرب من الدول “الرائدة” في مجال الرشوة, في تصنيف منظمات الشفافية الوطنية والعالمية.
(20)- نأى المجلس الأعلى للحسابات بنفسه, ولسنين طويلة, عن مهمة التدقيق هاته.
(21)- راجع بهذه النقطة:
Centre for media freedom, MENA, «Plaidoyer pour le droit d’accès à l’information au Maroc», Novembre 2005.
(22)- في رصد ميداني قام به مركز حرية الإعلام, لمعرفة مدى استعداد بعض الوزارات المهمة بالمغرب, على التجاوب مع طلبات الجمهور, تبين أن العديد من الرسائل الألكترونية المرسلة لمصالحها لا تلقى ردا (4 من 7 أسئلة لا تجد ردا), ليخلص خبراء المركز إلى القول “بالأهمية المتدنية, فيما يتعلق بطلبات المعلومات من لدن المواطنين”. راجع التقرير سابق الذكر.
(23)- نلاحظ مثلا, أن العديد من مواقع الجامعات بالمغرب لم تحين من زمن بعيد, ولا تزال أسماء العمداء والرؤساء السابقين بالصفحة الأولى لها…بما معناه أن حتى العميد أو الرئيس, لم يتصفح موقع مؤسسته.
(24)- اليحياوي. يحيى, “الهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري بالمغرب: عندما تتخفى التقليدانية خلف الادعاء بالحداثة”, مجلة وجهة نظر, العدد31, شتاء 2007 (متوفر بموقع الكاتب).
يحيى اليحياوي
جامعة محمد الخامس, الرباط
اترك تعليقاً