مفاعيل التحقيق الدولي باستخدام “الكيماوي”
القانونية: أمل عبد الهادي مسعود
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
أعلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤخراً، مجلس الأمن نيته تشكيل لجنة ثلاثية للتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي في سورية، وتكون مهمتها تحديد المسؤول عن ارتكاب هذه الجريمة والجهة التي يتبع لها. وحسناً فعل بعد طول انتظار. فما هي القيمة القانونية لهذا التحقيق والآثار التي يمكن أن تترتب عليه من منظور القانون الدولي العام؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابد من إلقاء الضوء على مفهوم التحقيق الدولي ونشأته الأولى، والتجارب السابقة في هذا المجال، حيث أن التحقيق وسيلة جديدة من الوسائل السلمية التي ظهرت في مؤتمر لاهاي عام 1899 ضمن وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية. وفي المؤتمر الثاني عام 1907 نُظمت مبادئ وإجراءات التحقيق الدولي وتأليف لجانه ودُعيت الدول المتنازعة للجوء إلى التحقيق الدولي عن طريق تشكيل لجنة تحقيق دولية للتدقيق في الوقائع سبب النزاع, ومن ثم حصرها في المنازعات الدولية التي لا تمس شرف الدولة أو مصالحها الحيوية.. وتركت اتفاقية لاهاي للدول حرية الالتجاء إلى التحقيق.
ومهمة لجان التحقيق الدولية في ضوء ذلك تقتصر على تحديد (تدوين) حقيقة الوقائع المختلف عليها لتساعد على حل النزاع, واستقصاء الحقائق عن طريق الاستماع إلى أطراف النزاع, وفحص أقوال الشهود ومناقشة الخبراء, واستعراض الوثائق والمستندات، وزيارة المواقع.. وكل ذلك بقصد جمع المعلومات التي تحدد الانتهاكات التي حدثت وأدت إلى اندلاع النزاع. وجلسات لجان التحقيق ليست علنية, فمداولاتها تبقى سرية. أما قراراتها فتتخذ بالأكثرية، والتقارير التي ترفعها ليست ملزمة للأطراف المتنازعة، حيث يمكن للأطراف الأخذ بتقرير اللجنة الذي يتضمن مقترحات لحل النزاع أو عدم الأخذ به, أي عدم إلزامية تقرير اللجنة.
وتتألف هذه اللجان من عدد معين من الأفراد ينتمون إلى الدول المتنازعة، أو إلى دول أخرى تحظى بالاحترام والتقدير، ويتم اختيار أعضاء اللجان من الشخصيات المشهود لها بالخبرة والاختصاص. وهناك حالات جرى فيها اختيار شخص واحد للقيام بمهمة لجنة التحقيق.
واعتمدت عصبة الأمم كثيراً على طريقة لجان التحقيق؛ ففي العام 1920 عيّن مجلس العصبة لجنة تحقيق وكلفها دراسة قضية جزر (آولاند) بين السويد وفنلندا، والتعرّف على رغبات سكانها. وفي عام 1924 عيّن المجلس لجنتين للاهتمام بمشكلة الموصل التي كانت قائمة بين تركيا وبريطانيا، وكلفهما جمع الوقائع التي تسمح بتعيين الحدود بين تركيا والعراق.
وفي هذا الإطار، فلا بد من التوضيح أن ميثاق الأمم المتحدة أورد النص على التحقيق في المادتين 33 ـ 34 منه. وقد استخدمت الأمم المتحدة لجان التحقيق، فأنشأت “الجمعية العامة” فيها لجنة خاصة في العام 1947 وزودتها بصلاحيات واسعة، وكلفتها دراسة القضية الفلسطينية واستندت الجمعية إلى تقريرها عندما أصدرت قرار التقسيم عام 1947، بحيث استفاد “الكيان الصهيوني” من نتائج تلك اللجان، وقُبلت عضويته في منظمة الأمم المتحدة، وطُبّقت الطريقة ذاتها لمعالجة المنازعات التي نشأت في البلقان واندونيسيا وألمانيا والمجر.
ونلاحظ أن أسلوب التحقيق الذي أخذت تمارسه الأمم المتحدة يختلف كثيراً عن الأسلوب التقليدي. فالتحقيق أصبح عنصراً لتسوية النزاع ووسيلة لتعريف المنظمات الدولية بالمشكلة القائمة. ولم تعد لجنة التحقيق تكتفي بدراسة المشكلة من بعيد, بل أصبحت تقلّد لجان التحقيق في القانون الداخلي، فتتوجه إلى مكان الحادث للمعاينة والفحص وجمع المعلومات وتقترح حلولاً بدلاً من الاكتفاء بعرض الوقائع. ونشير إلى أن المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة تعزز هذا الاتجاه عندما تنص على أن: “لمجلس الأمن أن يحقق في أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى خلاف بين الدول, أو قد يثير نزاعاً, لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين”. ويقوم المجلس بمهمة التحقيق بواسطة لجان يشكلها ويكلفها دراسة الحالة على الطبيعة، وتقديم تقرير إليه يوضّح ما إذا كان النزاع أو الموقف سيؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين. وبالاستناد إلى عمل لجنة التحقيق، يستطيع المجلس إصدار القرارات التي يراها مناسبة لحل النزاع سلمياً.
وإذا كانت تقارير لجان التحقيق لا تتمتع من حيث المبدأ بالصفة الإلزامية، فإن ثمة اتجاه مغاير اليوم نلمسه في بعض الاتفاقيات الدولية الجماعية، ونذكر على سبيل المثال اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982؛ فالمادة الخامسة من الملحق الثامن تتحدث عن تقصي الحقائق وتخوّل الأطراف المتعاقدة الطلب إلى محكمة تحكيم خاصة إجراء تحقيق للتثبت من بعض الوقائع التي تسببت في نشوء النزاع حول تفسير أو تطبيق أحكام الاتفاقية. وتؤكد الفقرة الثانية من المادة أن نتائج التحقيق التي تنتهي إليها المحكمة تعتبر ثابتة وباتة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك. وغنيّ عن القول، أن سبب عدم استطاعة لجان التحقيق القيام بمهمتها على الشكل المطلوب هو هيمنة القوى الاستعمارية والصهيونية على المنظمة الدولية وفروعها، ناهيك عن أنّ قرارات الأمم المتحدة في هذه المواضيع ولتصبح ذات قوة قانونية تحتاج إلى إجماع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وفي هذا السياق، فإن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية حيال الحرب السورية والمتمثلة بالدعم المستمر للمنظمات الإرهابية، سواء بشكل مباشر، أو من خلال الأنظمة الموالية لها، تدعو إلى الريبة والحذر من عمل تلك اللجان، لاسيما إذا ما تذكرنا أنّ مواقف وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة نفسه، كانت دائماً غير متوازنة، واتسمت بالتعبير عن “القلق” على المعارضة (الإرهابيين) ـ دون سائر المواطنين السوريين!!
فهل ستكون لجنة التحقيق باستخدام الكيماوي منصفة ونزيهة بحق السوريين والدولة السورية، أم أداة للابتزاز والضغط كما جرت العادة في عمل الأمم المتحدة، سؤال برسم الأيام..!!
اترك تعليقاً