إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تنص المادة 504 من قانون العقوبات السوري على أنه:
“1ـ من أغوى فتاة بقصد الزواج ففض بكارتها عوقب إذا كان الفعل لا يستوجب عقاباً أشد بالحبس حتى خمس سنوات وبغرامة أقصاها خمسمائة ليرة أو بإحدى العقوبتين.
2ـ في ما خلا الإقرار لا يقبل من أدلة الثبوت على المجرم إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الأخرى التي كتبها”.
وكان قد نص في المادة 473 من ذات القانون قد نص في الفقرة الثالثة على أنه:
” في ما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها”.
وباعتبار أن جريمة إزالة البكارة بوعد الزواج هي من الجرائم المؤثرة في شرف العائلة وسمعتها، فقد رأى المشرّع أن يقيد قناعة القاضي بنوع من الأدلة، فلا يجوز سماع البينة الشخصية شهادة الشهود ولا يجوز الإثبات بجميع الطرق، إنما قيد المشرع الإثبات بنوعين من الأدلة؛ هما الإقرار والوثائق الخطية، وهذا ما جاء بالفقرة الثانية من المادة 504 من قانون العقوبات، وما استقر عليه الاجتهاد أيضاً نقض سوري جناية /983/ قرار /17/ تاريخ 17/1/1983.
فما هو المقصود بالرسائل الواردة في هذه المواد وهل الرسائل الإلكترونية التي ترسل عبر الجوال والإيميل والواتس وغيرها من التقنيات الحديثة تندرج ضمن هذا المفهوم وتصلح دليلاً لإثبات الجرم وسنداً لفرض العقوبة المنصوص عليها قانوناً على الفاعل عند ارتكاب مثل هذه الجرائم؟
يعرّف الفقه الرسالة بأنها: “هي كتابة مستبينة يوجهها شخص هو المرسل إلى آخر هو المرسل إليه، وفي الغالب تذيل الرسالة بتوقيع المرسل للدلالة على مرسلها، ويمكن أن تحرر الرسالة بخط المرسل أو بخط غيره أو بواسطة آلة الكاتبة”. وتستعمل الرسالة لأغراض شتى؛ فقد تستعمل كوسيلة لإثبات التصرفات القانونية كما في حالة التعاقد عن طريق المراسلة الذي شاع اللجوء إليه في العصر الحديث بين الأفراد؛ كما قد تستعمل للإقرار بحق أو فعل أو تصرف كما هو الحال في دعوى فض البكارة أو إثبات الزنا أثناء قيام الزوجية. وقد تنبه المشرع إلى فائدتها كوسيلة من وسائل الإثبات بعد وضع القانون المدني الفرنسي عام 1804 والذي كان خالياً من الأحكام التي تنظم الإثبات بالرسائل، وهذا ما حدا بالاجتهاد القضائي الفرنسي إلى وضع قواعد تحكم الاثبات بواسطة الرسائل؛ فاعتبر الرسالة تبعاً للظروف، وحسب تقدير القاضي، دليلاً كاملاً في الإثبات، أو مبدأ ثبوت بالكتابة، أو تكون لمجرد الاستئناس. وقد قررت محكمة النقض الفرنسية عام 1885 أن جميع وسائل الاثبات ومنها الرسائل السرية جائزة في القضايا الجزائية وتكون هذه الرسائل مستنداً للحكم بالعقوبة المترتبة على المجرم، وللزوج حق التحري عن جميع الأمور التي تثبت له إهانة الزوجة لحقوقه الزوجية وكرامته.
وفي سورية صدّقت محكمة النقض بالقرار رقم 3737 تاريخ 1969 قرار محكمة استئناف طرطوس رقم 253 والذي جاء فيه:
“ومن حيث أن القاضي الابتدائي قد استثبت الوقائع بالأدلة التي اعتمدها وهي الرسائل التي كتبها المدعى عليه إلى المدعية الشخصية وناقش مضمون هذه الرسائل بصورة سليمة وخلص إلى أن هذه الرسائل تكفي لتوليد القناعة بأن المدعى عليه هو الذي فض بكارة المدعية إذ أن ما تضمنته هذه الكتب من عبارات تبادل القبل والغزل وعض الفم هي قرائن قاطعة تؤيد وقوع فض بكارة المدعية”.
وهو ما ذهب إليه الدكتور عدنان الخطيب عن شرحه هذا الجرم في كتابه /الجرائم الواقعة على الأخلاق/ بأنه يجب أن تتضمن الرسائل ما يكفي للاعتقاد بوجود الفعل لا أن تتضمن الاعتراف الكامل وكفاية ما تضمنه للقول بصحة ما نسب إليه، إنما هي متروكة لتقدير المحكمة. وإذا كان بعض الفقهاء قد جنحوا في تفسير مفهوم الرسائل الواردة في المادة 504 عقوبات بأنه يكفي فيها ما يشكل الدليل المقنع لإثبات الجريمة دون أن تتضمن الإقرار بالفعل، فإن فريقاً آخر منهم ذهب إلى أنه لا يجوز التوسع في تفسير النص الاستثنائي توصلاً إلى الغاية التي توخاها المشرّع، مما يجعل المقصود بالرسائل هي الرسائل التي تنص وتتضمن الإقرار بفض البكارة وبوعد الزواج، ولا يمكن حملها إلى الرسائل التي تتضمن المداعبة الغرامية والتقبيل فقط، وأنه يقصد الرسائل المقبولة قانوناً في إثبات هذا الجرم هي الرسائل التي تتضمن اعترافاً صريحاً بالجرم وفض البكارة؛ فإذا اعترف بفض البكارة دون الوعد بالزواج أو قبله أو اعترف بوعد الزواج دون فض البكارة، لأنه لم يجامعها أو لأنها ثيب، فلا قيمة لهذا الاعتراف ولا يمكن تأويله أو أخذه حجة عليه إلا إذا قامت أخرى تدعمه.
وبناء على ذلك، تكون الرسائل حجة بصدورها ممن وقعها أو حررها بخط يده بما تضمنته من وقائع وتصرفات ما لم يثبت عكسه بالطرق المقبولة قانوناً؛ فإذا استطاع مرسل الرسالة أو محررها أن يثبت أنه لم يرسلها ولم يكلف أحد بإرسالها تسقط حجية الرسالة في الإثبات.. وهو ما أخذ به أيضاً المشرع رقم 17 لعام 2012 الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، عندما ذكر في المادة الأولى وضمن تعريف المعلومات المشمولة بهذا القانون الرسائل أو الأصوات أو الصور الثابتة أو المتحركة التي تحمل معنى قابلاً للإدراك مرتبط بسياق معين. حيث يجري على الرسائل الإلكترونية والهاتفية ما يجري على الرسائل العادية من أحكام وقواعد وذلك بدلالة ما جاء في القانون رقم 4 لعام 2009 الذي نظّم التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة حيث تعد الرسالة مستجمعة صفة الوثيقة الإلكترونية متى استجمعت الشروط التالية:
1ـ ارتباط التوقيع بالموقع وحده دون غيره وكفايته للتعريف بشخص الموقع؛
2ـ سيطرة الموقع وحده دون غيره على منظومة إنشاء التوقيع الإلكتروني المستخدمة؛
3ـ ارتباط التوقيع الإلكتروني بالوثيقة الكترونية ارتباطاً لا يمكن إحداث أي تعديل أو تبديل على الوثيقة دون ظهور أثر للتدقيق والكشف.
ختاماً، لقد استطاع الاجتهاد القضائي في كثير من الدول أن ينطلق من الدليل الكتابي إلى الإثبات بالوسائل الإلكترونية قبل أن يسد المشرع الثغرات التي كانت تقف في سبيل انطلاق التعامل الإلكتروني؛ لذلك ندعو المشرّع إلى ضرورة الإسراع بوضع قانون موحد للإثبات العادي والإلكتروني يحسم الجدل في هذا المجال ويكرّس مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ويحفظ حقوق الأفراد وكرامتهم من كل عبث واستهتار.
اترك تعليقاً