نهج جديد لمكافحة الجرائم الاقتصادية
أحمد الشهري
عندما لا أجد تفسيرا لبعض الظواهر والأمراض الاقتصادية أحاول التفكير في الممارسات التي قد تعطل عمل النظريات والسياسات الاقتصادية، على أمل أن أجد ما يقنعني، فقد وجدت أن الجرائم الاقتصادية بمفهومها الواسع من أكبر المهددات التي تعطل عمل السياسات الاقتصادية، وما يقوم به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمحاربة الفساد يعد أمرا حاسما لبناء اقتصاد قوي، فالفساد والجرائم الاقتصادية بجميع صورها يقوضان الثقة بمؤسسات الدولة والأسواق الداخلية والاقتصاد بشكل عام ولا سيما أن معظم تلك الجرائم يتم اكتشافها مصادفة بحسب بعض تقارير الجرائم الاقتصادية، كما أن معظم تلك الجرائم الاقتصادية لا يتم الإبلاغ عنها.
نحن في المملكة نتعامل مع الجرائم الاقتصادية عن طريق عدد من الأجهزة الحكومية المختلفة وعبر مجموعة من الأنظمة والتشريعات؛ لذا تعدد الأجهزة الحكومية وتعدد الأنظمة يقلصان من كفاءة مكافحة الجرائم الاقتصادية بمفهومها الواسع كغسل الأموال والتستر التجاري والاتجار غير المشروع ومخالفة أنظمة الضرائب واستغلال السلطة للعبث بالأموال العامة والخاصة في الشركات المساهمة أو التلاعب بالعقود الحكومية أو أي جريمة لها أثر مالي مباشر أو متعد في الاقتصاد الوطني.
كما أن الجرائم الاقتصادية في بعض الدول تأخذ أشكالا أكثر تعقيدا كتعمد كبار المصرفيين إفشال النظم الرقابية أو التواطؤ في عمليات تحويل أموال إلى خارج الاقتصاد أو تلاعب مجالس الإدارات وتواطؤهم بشكل خفي وسري؛ ما يؤثر سلبا في الثقة بالشركات المساهمة أو انتشار الاتفاقات السرية بين الشركات والمستثمرين والتجار لإيجاد عقود احتكارية سرية “كارتل” لتقاسم الأسواق الداخلية؛ وهذه كلها تؤدي إلى تقويض جهود صانع القرار الاقتصادي أو إضعاف فعالية السياسات الاقتصادية؛ لذا كل تلك الممارسات الضارة لها آثار مدمرة إذا ما تمكنت من مفاصل الاقتصاد وقد تؤدي إلى تقويض النظام الاقتصادي لأي بلد.
لا يزال المسؤولون لدينا في المملكة يواجهون تحديات في محاربة التستر التجاري وتعطيل شبكة المجرمين المالية وتعقب عوائد أموال الجرائم وجميعها جرائم اقتصادية، علاوة على ذلك أن تلك الجرائم يتم تعقبها من خلال جهات وقوانين مختلفة؛ وهذا يمثل تحديا تنظيميا وقانونيا يقلص من كفاءة مكافحة الجرائم الاقتصادية.
إن تأسيس مركز وطني مستقل للجرائم الاقتصادية تحت اسم “المركز الوطني للجرائم الاقتصادية” ونقل جميع اختصاصات الجرائم الاقتصادية إليه سينقلنا إلى مستويات جديدة في محاربة تلك الجرائم، كما يمكن أن يقوم المركز بجمع وتحليل البيانات وتقدير الخسائر ووضع السياسات التوجيهية على مستوى البلاد، على أن يرتبط المركز بمجلس أعلى لمكافحة الجرائم الاقتصادية يكون مكونا من خبراء اقتصاديين وقانونيين وأمنيين يحددون الأولويات والتهديدات ويضعون الاستراتيجيات.
أخيرا: العمل بهذا النهج سيوحد جهود وزارتي الداخلية والتجارة ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال وهيئة مكافحة الفساد وجميع الأجهزة الحكومية في مكافحة الجرائم الاقتصادية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً