مكانة القضاء في المجتمع العراقي / للقاضي زهير كاظم عبود
عرف المجتمع العراقي بتقديره وأحترامه للقضاء ، وشواهد ووقائع التاريخ دليل على تلك المكانة التي تبؤها القضاء والقضاة في المجتمع العراقي ، ويمكن أن يتم قياس هذا الأحترام وتلك المكانة بما كان المجتمع العراقي يتمسك بها .
ويمكن القول بأن احترام القضاء يعتبر من بين أهم المؤشرات التي تدلل على تقدم المجتمع ونزوعه للتطور ، ومن هذا المنطلق فقد كانت جميع الحكومات في العالم تولي القضاء والقضاة أهتماما وتقديرا عاليين ، فقد كان القضاء العراقي ولم يزل الملاذ الحقيقي والجهة المتمسكة بالحياد في سبيل انجاح دولة سيادة القانون .
ولعل الأستقلالية التي كانت على الدوام الصفة اللصيقة نصا بالعمل القضائي من بين أهم دعائم ذلك الدعم والأحترام ، وبالرغم من المواقف والقوانين والمحاكم العرفية والأستثنائية التي وقفتها وشرعتها الحكومات السابقة ، فقد بذل القضاء والقضاة جهدا متميزا من اجل ترسيخ قيم العدالة وتأسيس دولة القانون وممارسة الأستقلالية القضائية نصا وروحا وفعلا .
الأستقلالية والأحترام والتقدير من الصفات التي تستوجبها ليست فقط الضرورة التي تلتصق بمعايير تأسيس دولة القانون ، بل انها من بين أهم القيم والأعراف التي تميز بها المجتمع العراقي ، فالمجتمع له الدور الفاعل والمهم في ترسيخ تلك القيم والأعراف والتمسك بها بأعتبارها من القيم الأيجابية التي يجب ان نعتبرها من أعراف تساند التطور الأنساني للمجتمع وتقدمه ، ومن الضروري أن ننقلها الى اجيالنا القادمة لما لها من تأثير أيجابي في البناء المجتمعي ، فالمجتمع الذي يحترم القضاء يحترم القانون .
وقد اقترن احترام القضاء في العراق باحترام القانون ، ويمكن ان تكون شواهد التاريخ المعاصر دليلا على ذلك ، وقصص تاريخ العراق متعددة ومعروفة للجميع ، ولأن القضاء العراقي كان يشكل الأطار القانوني لدولة المؤسسات ، فأن جميع المحاكم الأستثنائية والطارئة لم تكن جزء من هذا القضاء ، وكانت الجزء النشاز خارج جسد القضاء العراقي ، ولهذا فقد عمدت الحكومات العراقية السابقة على انشاء محاكم لاسند لها في الدساتير ولا القوانين الخاصة بالقضاء سلبت جزء من اختصاص المحاكم لتصدر احكامها الظالمة وغير القانونية بحق العراقيين لم تأخذ من القضاء سوى اسمه فقط .
واليوم بعد ان اكد الدستور العراقي على اعتماده على مبدأ فصل السلطات الثلات ، واعتماده استقلالية القضاء فعلا وقولا ، لتتشكل السلطة القضائية الاتحادية في العراق من مجلس القضاء الاعلى ومن المحكمة الاتحادية العراقية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الاخرى التي ينظمها القانون ، فأن عهدا من الاستقلالية الفعلية للقضاء العراقي قد بدأ .
ومن الجدير بالذكر ان تتشكل ولاول مرة في التاريخ العراقي محكمة اتحادية عليا تختص بالرقابة على دستورية القوانين وتفسر نصوص الدستور وتفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ، وتفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم والادارات المحلية وتصادق على نتائج الانتخابات العامة لمجلس النواب وتفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وتفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي وهيئات الاقاليم القضائية والمحافظات غير المنتظمة باقليم ، وقرارات هذه المحكمة العليا باتة وملزمة .
أن الأنصياع للقضاء وقراراته دليل على قناعة ومساهمة اكيدة في تكوين أطار دولة القانون ، وهو طموح الجميع بما يكفل المساواة والعدالة .
وأمام حالة النقص المعرفي في الثقافة القانونية وتردي القيم والعزوف عن الأعراف الأيجابية يواجه القضاء العراقي حالات توصف بالسلبية ولاتعبر عن قناعة ممارسيها الذين يلجؤون الى الطعن بمسيرة القضاء ومحاولة ابراز الحالات السلبية وطمس معالم الخطوات الايجابية للبدء بتأسيس قضاء عراقي يتوازن مع طموح العراقيين في تأسيس دولة القانون والحريات . فليس من المعقول ان يتم الطعن بقرارات المحكمة الاتحادية والدستور يحترم هذه القرارات ويضفي عليها صفة الالزام والاحترام والقوة التنفيذية ، لطالما اعتبر الدستور تلك القرارات التي تفصل في أهم مفاصل واشكالات الدولة والأقاليم والمحافظات والقوانين بحيادية وبحكمة افترضها في قضاتها .
ويواجه القضاء العراقي حالة قد تكون غريبة لم تمارس من قبل بعض العراقيين في صفحات الأنترنيت دون غيرهم من العرب ، اذ لم يتقدم أي كاتب عربي او قانوني للطعن بشخصيات قضائية وبمسيرة القضاء في بلاده ، بقدر ما نحتاج الى ترصين تلك المسيرة وتقديم التوجيهات والأرشاد والنقد البناء في سبيل ذلك ، ونجد ان عملية التهديم التي يشارك بها البعض من على صفحات ومواقع الأنترنيت باسماء وهمية او مستترة لاتخدم المسيرة القضائية ولاتقدم اية خدمة لمسيرة العراق ، مادمنا نثق جميعا أن القضاء العراقي هو الحصن الذي يحتمي به الجميع ، وهو السلطة المحايدة والمستقلة ، وان اللجوء الى القضاء حق مكفول دستوريا للجميع دون استثناء ، واحترام القضاء يمثل اللبنة الأساسية لأحترام القانون وهيبة الدولة ، وبعيدا عن تلك الكتابات التي تمثل محاولات مقصودة كانت او غير مقصودة لعرقلة المسيرة التي لن تتوقف امام تلك التحديات لأن مثل تلك المحاولات بعيدة عن قيم العراقيين واخلاقهم ، ولأن العراقي شكل بأخلاقه وقيمه على مدى الزمن الحديث عنوانا لأحترام القضاء ، ومعرفته بابتعاد القضاء العراقي عن مساندة المحاكم الأستثنائية وغير القانونية التي تعكزت السلطات السابقة عليها ، والقضاء العراقي النزيه والذي يسعى مجلس القضاء الأعلى ان يحافظ على تلك النظافة والسمعة والسيرة للقضاة حماة القانون والعدالة جزء مهم وضروري لسيادة القانون ، وأيجاد مرجعية نستند عليها ونحتمي بقراراتها من أي ظلم او حيف يصيبنا ، وحتى تكون تلك السلطة عند حسن ظن العراقيين وجديرة بأحترامهم وتقديرهم لتأخذ دورها الريادي في عملية فصل السلطات وتأكيد استقلالية القضاء وتبوء المكانة اللائقة للقضاء العراقي في المجتمع وبين مثيلاته في الساحة القضائية .
أن نصوص الدستور حظرت انشاء محاكم خاصة او استثنائية وبذلك أصبح المواطن العراقي أمام القضاء العراقي فقط دون غيره ، فلا محاكم خاصة ولا مجالس عرفية ولا جهات امنية خاصة تحاكم وتنفذ بعد اليوم ، حيث لم تعد هناك سلطات قضائية تتمتع بها اية جهة تنفيذية ، ولم يعد هناك حجز خارج اطار التوقيف القضائي والقانوني ، كما حظر الدستور ايضا النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من الطعن فالقانون فوق الجميع .
وكلنا أمل في ان يساهم الجميع خارج القضاء او داخل السلطة القضائية في تأسيس ثقافة النقد البناء وأحترام قرارات القضاء الباتة والملزمة ، والابتعاد عن الكتابات والتصريحات البعيدة عن الواقع والتي تقصد الاهانة او الأساءة لسمعة القضاء العراقي طالما كانت النية والهدف هو عرض موضوع او قضية وشكوى رسم القانون طرق عديدة لعرضها بأحترام ووفق أطار قانوني محترم ، وطالما كانت الأحكام تصدر بأسم الشعب فانها قابلة للطعن امام الجهات التي حددها القانون ، الالتزام بمثل هذه الممارسات القانونية يجعلنا نساهم في ترسيخ أسس ودعائم دولة القانون ، لاننا جميعا بحاجة ماسة للتكاتف من اجل المساهمة في بناء الدولة التي تعتمد الحقوق وتحترم الحريات .
أن اطلاق الأحكام جزافا ودون علم يشكل ايضا اساءة بليغة للقضاء ، وحتى نجعل احترامنا للقضاء العراقي عنوان ونبراس في عملية بناء الدولة التي يساهم الجميع في رص بنيانها وتأسيسها ، علينا ان نتسلح بالثقافة القانونية وبقيم المجتمع الأيجابية ونبذ السلبية ، وان نمارس النقد الهادف والبناء أيضا .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً