واقع و إكراهات السكن الإداري و الوظيفي
يواجه موضوع السكن الإداري والوظيفي في قطاع التربية الوطنية الكثير من التحديات قي ظل المفاهيم الجديدة التي جددت مفهوم القيمة العقارية بصفة عامة، كما يواجه الكثير من العقبات الناتجة عن طبيعة الموضوع وحساسيته، خصوصا أن الأدبيات والتعليمات الإدارية تعتبره جزءا رئيسيا في عملية التدبير الإداري والتربوي للمؤسسة التعليمية، إذ قد يؤدي سوء تدبيره إلى
مشاكل لا حصر لها، تأخذ في الغالب طابع الاختلالات التسلسلية، احتلال وراء احتلال، وحرمان من حق وظيفي وكما بالمقابل، يكون حسن تدبيره وإدارته امتيازا يجعل دولاب الإدارة التربوية يدور بشكل سلس على حالته الطبيعية الوظيفية.
وزارة التربية الوطنية، ومن خلال عدد من المذكرات والوقائع المتراكمة ، وجدت نفسها مجبرة على الوقوف على الأمر وإيفائه ما يستحق من النظر والتقنين، والتذكير بالدور المنتظر أن يلعبه السكن في الحركية الوظيفية للإدارة التربوية، سواء بالنسبة إلى المسكنين بالمجان، أو إلى المسكنين بالفعل، أو بالقانون، طبقا للتصنيف الذي جاء به القرار الوزيري الصادر بتاريخ 19 دجنبر1951، زعمت أنها ستحاول سد الثغرات التي تعتقد أنها شابت المذكرة الأصلية للسكن الحاملة للعدد 124 والصادرة بتاريخ 2 دجنبر 1997، وذلك بتعديلها بالمذكرة رقم40 الصادرة بتاريخ 10ماي 2004، غير أن الواقع أثبت أن المذكرات والمراسلات التنظيمية والإجرائية تصطدم باستمرار بتقاليد التمسك بالسكن في كل الظروف، وتستفيد هذه «التقاليد» من عدد من الثغرات ذات الطبيعة القانونية والإدارية والقضائية والمعرفية نلخص أمثلة لها فيما يلي:
الثغرات القانونية، ومن بين أمثلتها غموض سلوك المشرع تجاه تنفيذ الإفراغ في حالة السكن الإداري على اعتبار فرضية واحتمال تفويته لساكنه بموجب المرسوم رقم 2.99.243 الصادر في 30 يونيو1999، والذي يغير بموجبه المرسوم2.83.659 الصادر في18 غشت1987 بالإذن في أن تباع العقارات المملوكة للدولة لمن يشغلها من الموظفين والمستخدمين العاملين في إدارات الدولة بموجب عقود، إضافة إلى اكتفاء المشرع بتكليف الإدارة بتحريك مسطرة المتابعة القضائية في حالة السكن الوظيفي ،كما ورد في الفقرة الأولى من الصفحة الثانية من المذكرة60 الصادرة بتاريخ23 مايو2005، المتعلقة بإحداث مكاتب الشؤون القانونية والمنازعات بالأكاديميات ومصالحها الإقليمية، وقد تم تدارك هذه الثغرة وأصبح مديرو الأكاديميات مخولين لرفع الدعاوى في السكن المخزني بصفة عامة وذلك ابتداء من صدور المذكرة129 بتاريخ 30 دجنبر2005، وكذا هشاشة الإجراءات القانونية النصية الواجب اتخاذها قبل اللجوء لدعوى الإفراغ ،كإعادة النظر في المبالغ المقتطعة مقابل استغلال السكن الإداري أو الوظيفي، وكذا تذبذب عمل اللجان المشتركة للتقويم، المكلفة بإعادة النظر في المبالغ المقتطعة، قصد تماشيها مع الواقع العقاري في جهة ما، وهو ما يعطي للمحتل للسكن سندا إضافيا جديدا لاستمراره في الاحتلال على اعتبار أن المبالغ المفروضة، ي حالة قيام اللجنة المشتركة للتقويم بذلك، يتجاوز التضعيف لثلاث مرات، هو أمر سخيف ومخجل ذا قورن بحقيقة وجيبات الكراء في منطقة عقارية ما، علما أن الرابط بين وزارة التربية الوطنية وموظفيها لا يقوم على علاقة كرائية، ولكنه امتياز ممنوح لبعض موظفيها بحكم التشريع .
ويتجلى أغلب الثغرات الإدارية في عشوائية تدبير ملف العقار المسكون، وقد تكون هذه العشوائية مقصودة بالنسبة إلى بعض السكان المحتلين، تفسر بالعلاقة الغامضة التي يكون قد نسجها المحتلون مع النيابات، بالنظر إلى أن عددا منهم إما موظفون سابقون بالنيابات، أو إداريون كانوا يلعبون دور المستشار الدائم والموظف الخدوم للنيابة، إلى درجة نسج علاقات «عاطفية» تجعلهم شبه محصنين بأشكال التحايل والتلاعب الذي تلجأ إليه بعض الإدارات الإقليمية لرفع الحرج في مواجهة رقابة الأكاديميات والوزارة، كالفراغ التوثيقي في الملفات الخاصة بكل سكن، وسوء تدبير بطاقات الإسناد الحاملة لرقم 1و4و5، والانعدام في تتبع الإجراءات اللاحقة للاحتلال، وعدم اكتمال الملفات المعدة لتحريك المسطرة القضائية …الخ، مما يؤخر على الأكاديميات والوزارة فرصة اتخاذ المتعين في حقهم.
الثغرات القضائية، وتتمثل في تحويل مسطرة الدعوى الاستعجالية بالإفراغ أمام المحاكم الابتدائية إلى دعوى عادية، ومن ثمة تدخل في دوامة الكر والفر التي قد تأخذ مددا زمنية طويلة، إضافة إلى ذلك فأغلب الأحكام الصادرة في الموضوع لا تقترن بالغرامات التهديدية عن التماطل في التنفيذ، على اعتبار أن التنفيذ الجبري بواسطة القوة العمومية أمر ممكن بالنسبة إلى القاضي المدني، وقد يتعلق الأمر كذلك بالأخطاء المرتكبة، بعلم أو بجهل، أصلا في مسطرة الإسناد، وكذا ببعض الحلول الترقيعية التي قد تلجأ إليها الإدارة بإسناد مرفق إداري أو تربوي بصفة مؤقتة لشاغله ليلعب دور السكن الوظيفي، فيتحول بعد ذلك ومع مرور الزمن إلى سكن واقعي، من الصعب فصل الاحتلال فيه لاعتبارات تتعلق بنظرية الإثبات والتحقق القضائية.
أما الثغرات المعرفية، فتتجلى في ضعف الثقافة القانونية لدى عدد من موظفي التربية الوطنية، والجهل غير المفهوم في الدفاع عن الحق باستعمال المتوفر من النصوص التشريعية كالحق في التعويض بسبب عدم توفر السكن الوظيفي، إذا ثبت خطأ الإدارة في عدم توفيره، علما أنها غير ملزمة بذلك، قد يرجع ذلك إلى سكونية ما يدرس بمراكز تكوين الأساتذة من طرف مكونين غير ملمين، وقد يعود ذلك إلى أن الناشط النقابي لا يتجاوز بضعة محاور في التدخل لا تتعدى مناقشة الانتقالات، أو التكليفات، أو الصراعات ذات الطابع الثنائي، وتغيب قضايا أخرى ذات طابع أعمق بكثير، وقد يكون له تأثير حاد على مفصلية السلوك الإداري وهذا بدوره سيؤثر بشكل أو بآخر على الدورة التربوية بالمؤسسة.
اترك تعليقاً