مقال قانوني حول وضع السكن العشوائي في القانون

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

خلقت الأحياء العشوائية العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، اصطلح على تسميتها “مشاكل أحزمة الفقر”.. ونادراً ما تصدى الفقه القانوني في سورية لبحث هذه الظاهرة أو معالجة المشكلات التي أفرزها هذا الواقع على الرغم من أنها تشكّل في دمشق وحدها ما يقارب80% من مجموع مساحتها العمرانية. وإذا كانت الدولة قد تعاملت مع الواقع الراهن وسلّمت به وقامت بتقديم خدمات الكهرباء والمياه والهاتف والصرف الصحي كسائر الأحياء الأخرى بالمدينة، فهي لم تتطرق أبداً إلى قوننة هذا الواقع وتنظيمه، مما خلق العديد من المشاكل والأزمات؛ فالبيوت في الأعم الأغلب مشادة على أملاك الدولة، وبالتالي يفتقد أصحابها لوثائق تثبت مشروعية إشغالها.

وعند رغبة أحدهم في بيع أو شراء منزل أو محل أو أن يوصي به أو يهبه، لا يجد صيغة أو سنداً في القانون ينظم تصرفه هذا، كما هو الحال في العقارات المحددة والمحررة.. مع الإشارة إلى أن ثمن هذه البيوت أو المحال ليس بالقليل؛ فدارٌ مؤلفة من غرفتين مع ملحقاتها تساوي أكثر من مليوني ليرة سورية؛ فإذا كانت الدار أكبر وتتوافر فيها خدمات أكثر، فقد يصل سعرها إلى العشرين مليون ليرة سورية.. وربما أكثر. وهذه الأرقام تعدّ ثروة بالنسبة لأصحابها لأنهم في العموم من ذوي الدخل المحدود.. وبالتالي نحن أمام مشكلة في حال أراد أحد الأطراف توثيق العقد أو طلب الحماية القانونية لتصرفهم، أو في حال نازعهم أحد ما، الحقَّ في هذا البيت. فالقانون لا يعترف إلا بالحقوق المسجلة في السجل العقاري مما يطرح السؤال التالي:

ما هو المصير القانوني للتصرف الذي يجريه شخص ما بشأن “حقٍّ” على هذه المخالفات؟ لاسيما وأنّ هناك فصل بين حق الملكية للعقار العائد للدولة، والبناء الذي أنشئ من قبل المواطن الشاغل له، بمعنى؛ أنه من الناحية العملية يوجد فصل بين حق الرقبة، وبين حق الاستغلال والانتفاع، والتي تشكّل عناصر أو مقومات حق الملكية بالمعنى المعروف بالقانون.. والخلاف ليس على حق الرقبة لأنه عائد للدولة، وإنما ينحصر في مشروعية التصرف باستغلال ما شيّد على هذه الرقبة، وكيف السبيل لإثبات الحق فيه عند عرض النزاع على القضاء.

في الواقع، أجاب القضاء عن هذا التساؤل حيث جاء في الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية أن: “وثائق دوائر المالية والكهرباء والمياه وإن كانت لا تصلح لإثبات الملكية كحق عيني، إلا أنها تعتبر من الأدلة فيما يتعلق بحقوق استثمار العقار لأنها من الحقوق الشخصية” ـ قرار رقم / 1946/ أساس 2824 تاريخ 20/ 9/ 1998.

وهذا الاجتهاد في محله لأن المادة 83 من القانون المدني تنص على: “كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية”.

وهذه البيوت لا يمكن وصفها عقارات بالتخصيص لأن المادة 84 فقرة 2 من القانون المدني تنص على: “ومع ذلك يعتبر عقاراً بالتخصيص الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله”. فالشخص لا يملك العقار وإنما يحوز المواد التي تشيد البناء، لذلك لا تعتبر عقارات بالتخصيص، وإنما هو فقط يحوز هذه المواد، وحيازة هذه الأنقاض محمية في القانون بدعاوى الحيازة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية بالمادة 70 منه والتي تنص على: “من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته، جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض”.

وقد حدد القانون المدة اللازمة لنشوء الحق في الحيازة بالمادة 71 منه، حيث تنص على:

1- من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة وخشي بعدها لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته كان له أن يرفع الأمر إلى محكمة الصلح طالباً وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.

2- للقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو يأذن في استمرارها وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة نقدية مناسبة، تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضماناً للتعويض عن الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبيّن بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضماناً لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها تعويضاً للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته.

وعند وجود أكثر من شخص يدعي الحق في الحيازة، ولحسم الخلاف فإن المادة 72 تنص أنه: “إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد، اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة”.

وهذا الحق منحه القانون لكل من تتعرض حيازته للخطر بالمادة 74 حيث جاء فيها: “يستفيد من حق إقامة دعوى الحيازة، المستأجر وصاحب الامتياز والترخيص الثابت في الملك العام، والمنتفع، و المرتهن، إذا كانا مخولين حق الانتفاع ضمن الشروط المبينة في المواد السابقة”، لاسيما وأن الاجتهاد القضائي في هذه الدعاوي لا يشترط إبراز قيد عقاري. ويمكن رفع الدعوى لطلب حماية الحيازة من كل معتدي أو غاصب. وهذه النصوص بمجملها لا تقدم حلاً جذرياً للمشكلة وإنما حلولاً لحالة فردية.

وعليه، نجد أن تصرف شاغلي السكن العشوائي وإن كان يفتقد إلى نص خاص ينظم أوضاعهم، إلا أنّ المبادئ القانونية العامة تسمح بعمليات البيع والشراء في حال اقتصرت على الحيازة دون غيرها، لأنها تعتبر من التصرفات الواقعة على الحقوق الشخصية في هذه الحال.. لكن حبذا لو طبقت وزارة الإدارة المحلية القانون رقم 33 لعام 2008 الذي ينص على: “تثبيت العقارات المبنية وأجزاء العقارات غير المبنية في التجمعات السكنية المعينة في منطقة عقارية محددة”، والمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 2008 الذي تضمن أنه تجوز معالجة أوضاع مناطق السكن العشوائي القائمة قبل تاريخ نفاذ القانون رقم 1 لعام 2003 داخل أو خارج المخططات التنظيمية. وللأسف لم تفعّل هذه القوانين وبقيت دون تطبيق فعلي أو جدي على أرض الواقع وما زالت المشكلة قائمة دون علاج أو حلول. ‏‏‏

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.