الوعي بالدستور
ما نقصده بالوعي بالدستور تيسير نشر الحد الأدنى من مفاهيم ومصطلحات وقيم الدستور لكافة أفراد المجتمع .. فالدستور هو الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الدولة. وهو العمود الفقري لنظام الحكم في الوطن. وهو الوثيقة التي تبين وتحدد العلاقات بين الحاكم والمحكوم ، ولذلك يطلق عليه (أبو القوانين) ويمكن بلورة أهم المحاور الأساسية لذلك الوعي بالدستور في الإجابة على التساؤلات التالية:·
ما هى ظروف وضع الدستور؟
ما هى أهم أنواع الدساتير؟·
ما هى أهم طرق (أو أساليب) وضع الدستور؟·
ما هي أهم الموضوعات التى يتضمنها الدستور ؟
أولا: ظروف وضع الدستور؟
بمعنى ما هو سبب (أو أسباب) وضع الدستور في دوله ما. لاشك ان اى دستور – سواء في قيمه او قواعده أو طريقة وضعه هو في الأصل نتاج للظروف العمليه والموضوعية التى تحيط به. بمعنى ان دستور الدوله – أى دوله – في العادة هو انعكاس لفلسفتها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وفي العادة فان قضية وضع الدستور يحددها مجموعة من الظروف لعل من أهمها: (1) حدوت انقلاب أو ثورة في الدولة مما يؤذى الى الاطاحة بالدستور القديم. أو(2) نشاة دولة جديدة أوتحصلت على استقلالها بعد ان كانت غير مستقلة. أو(3) هزيمة دوله في حرب وخضوعها لأرادة الدوله (أوالدول) المنتصرة كما حدت على سبيل المثال لليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية و العراق بعد هزيمتها فيما عرف بحرب الخليج الثانية عام 2003.
ثانيا: أنواع الدساتير:
مكتوب… و … غير مكتوب:
والسؤال هنا هو: هل لابد أن يكون الدستور مكتوبا؟ والإجابة بالطبع لا. ولكن يستحب ان تكون دساتير اليوم مكتوبة وذلك لأنه في العادة الدساتير الغير مكتوبة تكون اكثر مرونة وأقل استقرارا. وأيضا لان الدساتير غير المكتوبة هى دساتيرعرفية (بمعنى انه يغلب على قواعدها ان يكون العرف مصدرها). والدساتير العرفية لا توضع وضعا ولا تدون في وثيقة واحدة وفي العادة تكون نتاج لمرحلة تاريخية طويلة. ولعل من أهم وأشهر الدساتير الغير مكتوبة هو الدستور البريطاني. لان غالبية قواعده غير مدونة في وثيقة دستورية واحدة. وحتى قواعده الدستورية المدونة صدرت في شكل قوانين عادية عن طريق البرلمان, فهي قوانين دستورية من حيت مضمونها ولكنها قوانين عادية من حيت شكلها.
شكلي … و … موضوعي:
المعنى الشكلي للدستور ينصرف الى الوثيقة الدستورية ذاتها ولا يعدوها. فمفهوم الدستور وفقا لهذا المعنى هو انه عبارة عن القواعد والمواد القانونية الواردة في الوثيقة التي تحوى النصوص الدستورية. بمعنى ان كل مبدأ او قاعدة لا تتضمنها هذه الوثيقة لا يمكن اعتبارها قاعدة دستورية. أما المعنى الموضوعي للدستور فهو الذى ينظر الى موضوع القاعدة لا الى شكلها. ووفقا للمعنى الموضوعي فان موضوع القاعدة هو الذي يحدد طبيعتها وليس شكلها هو الذي يحدد ما اذا كانت القاعدة من طبيعة دستورية أم لا. والمشكلة الاساسية هنا هي ان أصحاب هذا الفهم للدستور لا يتفقون تماما الاتفاق على ماهية الموضوعات الدستورية والى اى مدى يمكن تفسير القواعد القانونية.
مرن … وغير مرن:
وهنا لابد من الإشارة الى ان الدساتير الجامدة ليس بالضروري مناقضة للتقدم والتطور وإنما تعنى مجرد صعوبة إدخال تعديلات عليها. أما الدساتير المرنة فهي التي يمكن تعديلها بسهولة. وفي العادة يتم تعديل نصوصها بدأت الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية وبدأت الأغلبية اللازمة لتعديل تلك القوانين.
ثالثا: طرق (أو أساليب) وضع الدستور
· المنحة:
تتم هذه العملية في العادة في الأنظمة الشمولية أوفي حالة سيطرة دوله على اخرى كما حدت عندما سيطرة أمريكا على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ففي الأنظمة الشمولية – على سبيل المثال – يقوم الدكتاتور أو الملك بتنظيم سلطاته ليضفي على حكمه الصبغة الدستورية. والسلطات التي تصدر على هذا النحو يحرص “مانحوها” على ان يحتفظوا لأنفسهم بأغلب السلطات وان ينقلوا بعضها الأخر (وخصوصا الغير مهم أو السلبي) إلى ممثلي الشعب. والأمثلة على هذا النوع كثيرة. وما يقوم به الملوك العرب اليوم (وما يصرح به سيف القذافي للإعلام هذه الأيام) من محاولة إعطاء هامشا ديمقراطيا الا نموذجا على ذلك. ولعل خير مثال على هذا الاجراء هو ما قامت به أمريكا عند سيطرتها على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. اذ قام الجنيرال دقلس ماكرتي القائد العام لقوات الحلفاء في المحيط الهادي خلال الحرب العالمة الثانية عندما أمر مساعديه عام 1946 بكتابة دستور جديد لليابان. وبالفعل لقد قاموا بكتابته وأجبروا الشعب الياباني على الموافقة علية عام 1947. 1 ولعل من الطريف في هذا الدستور هو المادة التاسعة فيه والتي تنص على منع اليابان من الاشتراك في أي حرب إلى الأبد!!! إذ تنص هذه المادة على الاتي: “تأكيدا للسلام الدولي المؤسس على النظام والعدل, يدين الشعب الياباني الحرب الى الأبد ويتنازل على حقه الوطني في التهديد باستخدام القوة كأذاة لحل النزعات الدولية.” 2 والعجيب أن أمريكا التي فرضت هذه المادة على الشعب الياباني عام 1947 ها هي اليوم تستجدى اليابان لمساعدتها في حفظ السلام العالمي!!
· التعاقد:
وهذه الطريقة لوضع الدساتير تفترض ان السلطة التأسيسية تعبر عنها أرادتان: أرادة الحاكم او السلطة الحاكمة من جهة, وإرادة الشعب أو القوى السياسية في المجتمع من جهة أخرى. والذي يحدث في هذه العملية هو أن ممثلي الشعب وقواه السياسية يقومون بوضع مشروع دستور ثم يعرضونه على السلطة الحاكمة التي توافق عليه بعد تعديله. وعند التقاء الارادتان يتم وضع الدستور ويعرض على الشعب للاستفتاء عليه. فعلى سبيل المثال في جنوب أفريقيا ثم الاتفاق عام 1994 بين الأقلية الحاكمة والأكثرية على صياغة دستور لحكم البلاد. وهذا الاتفاق ثم التوصل إليه بعد سنتين من التفاوض بين جميع الأطراف. الجمعية التأسيسية أو المؤتمر الدستوري (معينة أو مختارة)
وهى عبارة عن لقاء ممثلوا الولايات أو المناطق أو القوى السياسية والاجتماعية التي ترغب في صياغة الدستور. وهذه الطريقة تعنى أن ممثلي الشعب المختارين مباشرة (أو المعينين) لغرض وضع الدستور هم الذين قاموا بوضعه فعلا. وانه بمجرد إقرارهم للدستور في صياغته النهائية يصبح الدستور بداته نافدا دون أن يتوقف ذلك على أقرار من أحد. وتنتهي مهمة الجمعية التأسيسية (أو المؤتمر الدستوري) بانتهاء وضع وإقرار وإصدار الدستور. والحقيقة انه قد ثم وضع أغلبية الدساتير بهذه الطريقة. ولعل الدستور الامريكى الذي وضع في ما عرف بمؤتمر فيلادلفيا عام 1787 يعتبر من أهم هذه الدساتير. لقد كان المؤتمر الدستوري لكتابة الدستور الامريكى عام 1787 هو أطول المؤتمرات الدستورية في التاريخ. اذ استمر لمدة 116 يوما (من 25 مايو إلى 17 سبتمبر من عام 1787). وشارك في هذا المؤتمر 55 مندوب من مجموع 74 مندوب ثم دعوتهم يمثلون 12 ولاية من مجموع 13 ولاية – أذ ان ولاية رود اّرلند رفضت الحضور والمشاركة في هذا المؤتمر. والحقيقة ان المشاركين في هذا المؤتمر لم يكن واردا عند بدء اجتماعهم ولا عند دعوتهم للاجتماع أنهم سيضعون دستورا جديد للاتحاد. ولم يكونوا بالتالي مفوضين في وضع ذلك الدستور الذى يحكم أمريكا الان. ولعل هذا ما دعا بعض المؤرخين الى القول بأن الدستور الامريكى وضع بطريقة غير شرعية.
لقد ثم في هذا المؤتمر مناقشة مشروعين للدستور. المشروع (أو الورقة) الأولى قدمتها الولايات الكبيرة بقيادة ولاية فرجينيا وقد ثم رفض هذا المشروع من قبل الولايات الصغيرة. وكنتيجة لهذا فقد قامت الولايات الصغيرة بقيادة ولاية نيوجرزى بتقديم مشروع مضاد والذي ثم رفضه أيضا من قبل الولايات الكبيرة. مما أذى الى استمرار النقاش والجدال بين الفريقين لآسابيع عديدة. وبعد فترة من النقاش والجدال ثم التوصل الى حل وسط عرف في التاريخ الامريكى بمشروع كنيتكت او”بالحل العظيم.” والذي أذى إلى موافقة الجميع عليه وأصبح دستور البلاد الذي يحكمها حتى يومنا هذا.
الدائرة المستديرة (أولقاء المعارضة والحكومة)
هو الاداة توفر لكل من المعارضة ونظام الحكم فرصة التفاوض والحوار البناء من أجل الاتفاق على مشروع دستور جديد لكيف يتم حكم البلاد. وهذا التفاوض والحوار البناء يتم في شكل دائرة مستديرة للمفاوضات بين كل الفرقاء كما حدت في أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. فقد قام الحزب الحاكم في بولندا على سبيل المثال بدعوة كل القوى السياسية في المجتمع والتفاوض معها في صياغة دستور جديد. وقد أستمرت هذه العملية حوالى تسع سنوات. بدأت عمليات التفاوض والاصلاح التدريجي للحكم الماركسى في بولندا عام 1989. وفي هذة السنة نجحت المفاوضات في القيام باجراء تعديلات في الدستور وكنتيجة لهذه التعديلات ثم الاتفاق على ان تكون السلطة التنفيذية مشاركة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
ونتيجة لزيادة الضغط من القوى المعارضة قام رئيس الجمهورية عام 1990 باقتراح تعديل جديد للدستوروذلك بان يتم انتخاب الرئيس عن طريق الشعب بدلا من انتخابة عن طريق البرلمان. وكنتيجة لهذا التعديل أستطاع مرشح المعارضة الفوز في أنتخابات الرئاسة. وفي عام 1991 قام البرلمان الذى سيطرت عليه المعارضة بتشكيل لجنتين دستوريتين: واحدة في مجلس الشيوخ والثانية في مجلس النواب. وفي عام 1992 نجحت المعارضة في اقناع البرلمان بالموافقة على ما أطلق علية “بالدستور الصغير.” وثم ايظا اعتماد أجراءات من اجل كتابة دستور دائم للبلاد. وكنتيجة لهذة الاجراءات ثم الموافقة على الدستورالدائم في أستفتاء شعبى عام 1997.
أما في جنوب أفريقيا فلقد قام الحزب الحاكم (الحزب العنصرى) بدعوة كل القوى السياسية الاساسية في المجتمع للجلوس على دائرة مستديرة لصياغة دستور جديد. وقد أخدت عملية صياغة الدستور أكثر من سبع سنوات (من 1989 الى 1996). فقد مرت أربع سنوات ما بين أول أجتماع بين زعيم المعارضة نلسن ماندلاى زعيم المؤتمرالوطنى الافريقى ورئيس الحكومة “بوثن” عام 1989. لقد ثم في هدا اللقاء الاتفاق على كتابة دستور مؤقت واجراء أول انتخابات غيرعنصرية عام 1994. وفي عام 1993 اجتمعت كل القوى السياسية الرئيسية في البلاد (26 مجموعة سياسية) من أجل الاتفاق على صياغة دستور جديد لانهاء العنصرية. ونظرا لان هذة المجموعات كانت غير منتخبة من الشعب فقد أتفقوا على أن يكون الدستور الذى وافقوا علية بعد مفاوضات دامت ست شهور هو مجرد “دستورا مؤقت.” وقد أتفقوا أيضا على ان يكون هذا الدستور المؤقت هو الاساس والموازنة التى يجب أعتبارها والالتزام بمبادئها عند كتابة الدستور الجديد. وبالفعل فقد ثم في عام 1994 ثم اجراء أول انتخابات برلمانية شارك فيها كل ابنا الشعب وكانت نسبة المشاركة قد فاقت 86%. هذا وقد ثم تكليف البرلمان الجديد بان يقوم بدور الجمعية الدستورية التى ستكتب الدستور وفقا للمبادى التى نص عليها الدستور المؤقت.
وفي نوفمبر 1995 نجحت اللجنة الخاصة بكتابة الدستور في الاتفاق على الصياغة الأولى وفقا لشروط الدستور المؤقت الصادر عام 1994. وبعد نقاش طويل قامت الجمعية الدستورية بتقديمه الى المحكمة العليا – كما اشترط الدستور المؤقت – لمراجعته. وفي المدة ما بين يوليو الى سبتمبر 1996 قامت المحكمة العليا بمراجعة مواد الدستور المقترح وأرجعته إلى الجمعية الدستورية من اجل تعديلة وبالفعل قامت الجمعية بذلك. وفي نوفمبر تم إرجاعه الى المحكمة العليا بعد أجراء التعديلات عليه. وبالفعل قامت المحكمة العليا بالموافقة على المشروع في ديسمبر من نفس السنه أعتمده الرئيس نلسون مانديلا وتم اعتماده كدستور دائم للبلاد.
رابعا: أهم الموضوعات التى يتضمنها الدستور:
(1) تحديد حريات وحقوق وواجبات المواطن:
القضية الاولى التى يجب على الذين سيكتبون الدستور التعامل معها هى قضية ” تحديد حريات وحقوق وواجبات المواطن.” بمعنى ما هى أهم القضايا التى يجب الاتفاق عليها وتعريفها هى قضية الحريات ومجموع الحقوق التى يجب أن يتمتع بها والواجبات التى يجب ان يقوم بها كل انسان في الدوله. بمعنى ما هى أهم الحريات التى يجب الا تخضع لآى سلطة؟ وهل يحق للانسان ان يعمل ما يشى متى شاء واينما شاء. وما هى الحقوق التى يجب على السلطة توفيرها لكل مواطن؟ بمعنى هل التعليم المجانى – على سبيل المثال – حق لكل مواطن؟ وهل توفير العلاج لكل انسان من واجبات الدوله؟ وهل توفير السكن اللائق لكل محتاج من مهام المجتمع؟
(2) الفصل بين السلطات:
القضية الثانية التى يجب على الذين سيكتبون الدستورالتعامل معها هى قضية “الفصل بين السلطات.”
والغرض الاساسى من الفصل بين السلطات هو منع الاستبداد وتركيز السلطة في يد مجموعة صغيرة من الأشخاص. ولعل من أشهر أنواع الفصل بين السلطات هو الفصل بين الوظائف في الحكومة الواحدة وخصوصا الفصل بين الوظائف الرئيسية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. بمعنى أن المسؤلين الذين يصنعون القوانين يجب الا يكونوا هم الذين ينفذونها والذين لهم حق تفسير هذه القوانين يجب ان يكونوا مجموعة ثالثة. والسؤال المهم في هذا الصدد هو الى أى مدى يمكن فصل هذه السلطات؟ وهل يثم الاكتفاء بمجرد الفصل بين هذه السلطات؟ والإجابة بالطبع لا وذلك لان فكرة الفصل بين السلطات يجب الا يكون غاية في حدّ ذاتها. ولابد لهذا الفصل لكي يكون ناجحا ومؤثرا ان يرتبط ببعضه البعض. ويمكن تحقيق ذلك بتطبيق مبدا “المراقبة والاتزان.” وذلك بإعطاء كل سلطة الأدوات الدستورية الضرورية لمراقبة السلطات الأخرى والمشاركة معها في اتخاذ القرارات من أجل تحقيق التوازن.
ولعل أحسن مثال على ذلك هو ما أعطاه الدستور الامريكى لرئيس الجمهورية من نقد قرارات مجلس التشريع (الكونجرس). وفي نفس الوقت أعطاء الحق لمجلس التشريع لإلغاء “حق النقد” إذا وافق المجلس بأغلبية الثلثين على القرار. ومن جهة أخرى أعطى الحق للمحكمة العليا لمراجعة كل القرارات للتأكد من دستوريتها. والحقيقة انة إلى جانب مبدأ الفصل بين الوظائف هناك العديد من الأساليب لتحقيق هذا الهدف.
ولعل من أشهرها هذه الأساليب الاتى:
(أ) تعدد المجالس (ازدواج مجلسي البرلمان).
(بوسائل الاختيار (أساليب مختلفة لاختيار المسؤلين السياسيين).
(ج) اختلاف الفترات الانتخابية (أو التعيين).
(د) توزيع السلطات بين سلطتين أو أكثر.
) تعدد (أ) ازدواج مجلسي البرلمان قد يتم لأغراض عدة لعل من أهمها: التمثيل الجغرافي أو التمثيل العددي أو تمثيل الأجيال (العمر). ففي بعض الدول يتكون البرلمان من مجلس واحد وفي البعض الأخر يتكون من مجلسين. وفي الحالة الأخيرة يقال ان الدولة “تأخذ بمبدأ ازدواج مجلسي البرلمان. ويعد ازدواج مجلسي البرلمان — كما يرى بعض علماء الفقه الدستوري الفرنسي — أحد ضمانات الحريات في المجتمع.”
والحقيقة أن فكرة المجالس التشريعية من مجلسين لم تتكون اعتباطا ولا للرغبة في تأليف هيئات مختلفة العناصر. ففي العادة حينما تتكون الهيئة التشريعية من مجلسين فان احد المجلسين يتكون من الأعضاء الأصغر سنا ويسمى مجلس النواب والمجلس الثاني يتكون من الأعضاء الأكبر سنا ويسمى عادة بمجلس الشيوخ.
أو كما هو الحال في برلمان بريطانية فان احد المجلسين يضم أعضاء من الشعب بينما الثاني يضم أعضاء من دوى الثرى والنفوذ والدين في الدولة. لقد نشاء البرلمان ذو المجلسين في انجلترا بسبب النزاع الذي كان قائما بين الملك وأمراء الأقاليم وكان الملك هو صاحب السلطة المطلقة في البلاد. ولكن أمراء الأقاليم كانوا أصحاب سيادة على أقاليمهم وكذلك كانت سلطة هؤلاء الأمراء قيدا على سلطة الملك … “
(ب) أساليب مختلفة لاختيار المسؤولين السياسيين. وهذا الأسلوب لتحقيق الفصل بين السلطات يقوم على أساس التركيز على الكيفية التى يتم بها حصول المسؤولون على وظائفهم. كأن يتم تعيين بعضهم وانتخاب بعضهم الآخر.
(ج) اختلاف الفترات الانتخابية (أو التعيين). وهذه الأسلوب لتحقيق الفصل بين السلطات يقوم على أساس اختلاف الفترات الزمنية التى يحق لكل مسئول أن يبقى في منصبه بعد انتخابه أو تعيينه. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة يتم انتخاب عضو مجلس النواب لمدة سنتين, ويتم انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات, ويتم انتخاب عضو مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات, ويتم تعيين عضو (قاضى) المحكمة العليا مدى الحياة. وهذا الاختلاف في الفترات الانتخابية (أو التعيين) يقود في العادة الى الاستقرار في الحكم ومنع السيطرة بسهوله من قبل أى مجموعة على السلطة.
(د) توزيع السلطات بين حكومتين أو أكثر. وهذا باختصار يعنى وجود نظام حكم فدرالي تتم فيه توزيع السلطات بين الحكومة الفدرالية (المركزية) والمحافظات (أو الولايات) بحيث تكون السلطة مشاركة بين كل الحكومات في الدولة.
(3) علاقة الحاكمية بالمشروعية الدستورية
القضية الثالثة التي يجب على الذين سيكتبون الدستور التعامل معها هى قضية “علاقة الحاكمية بالمشروعية الدستورية.” والمشروعية تعنى ببساطة ان كل القوانين لابد ان تكون مقبولة من قبل الشعب ولكي تكون مقبولة لابد ان تكون وفقا للدستور. بمعنى ان كل قانون يجب ان يكون موضع احترام من الجميع حتى من السلطة التى أصدرته وحتى من الذين لا يتفقون مع غرضه أو هدفه. أما الحاكمية فاقصد بها هنا هى المرجعية التي نلجى لها عند الاختلاف في شى ما. وهذا يعنى احترام ما يطلق عليه “بالمشروعية الكلية,” أى احترام قاعدة التسلسل (أو التدرج) في التصرفات القانونية واحترام ما أفره الدستور. ومن جهة أخرى تعنى ضرورة مطابقة
كل القوانين الصادرة عن الدولة ومؤسساتها لنص الدستور.
(4) علاقة السيادة القانونية بالرقابة الدستورية
القضية الرابعة التى يجب على الذين سيكتبون الدستور التعامل معها هى قضية ” علاقة السيادة القانونية بالرقابة الدستورية.” هذا يعنى ان رقابة الدستور وسيادة القانون هما أمران متلازمان. أذ بغير رقابة دستورية تفقد فكرة سمو الدستور معناها. والذي أعنيه بالرقابة القضائية هنا هو التاكيد على دستورية كل القوانين.
وعليه فلابد من وضع ضمانات لتحقيق سيادة الدستور وذلك بفرض رقابة دستورية على القوانين لمنع كل محاولات الاستبداد والطغيان. وتنظيم الرقابة الدستورية يمكن أن يتم بالاتي:
أ. المرجعية القضائية:
يعنى حق السلطات القضائية في مراجعة القوانين والقرارات التنفيدية لمعرفة مدى دستوريتها. فعلى سبيل المثال: في امريكا أعطى الدستورالامريكى المحكمة العليا الحق في النظر في اى قانون او قرار ادارى والتاكد من دستوريته. وفي الهند أعطى الدستور الهندى المحكمة الدستورية العليا الحق في مراجعة (والغاء) حتى التعديلات الدستورية للدستور نفسه
ب. المرجعية السياسية:
وهذة الرقابة تفترض ان الدستور قد عهد الى هيئة معينة لمباشرة هذة المهمة مثل: (أ) لجنة متخصصة منبثقة عن المجلس التشريعي. كما هو الحال في بريطانيا. أو (ب) عن طريق إنشاء مجلس دستوري (خبراء) كما هو الحال في فرنسا وإيران.
(5) شكل الحكومة (برلمانية أو رئاسية أو ملكية).
القضية الخامسة التى يجب على الذين سيكتبون الدستور التعامل معها هى قضية “شكل الحكومة.”
وهذا يعنى: كيف بتم تطبيق الديمقراطية؟ وما هى أهم المؤسسات والآليات الانتخابية التى يمكن أستخدامها من أجل إنجاح النظام السياسي؟ وكيف يتم الثمتيل؟ وباختصار كيف يتم الربط بين الحاكم والمحكوم؟ بمعنى ما هو شكل الحكم الذي يمكن تطبيقه؟ والحقيقة أن هناك نمادج عديدة لعل من أهمها الاتى:
أولا: النموذج الملكي الذي يقوم فيه الشعب بتنصيب شخص منهم كملك عليهم. ويقوم هذا الملك ومساعديه بتمثيل الشعب وأدارة شئون البلاد نيابة عنهم. ويقوم النظام الملكي على أساس ان هناك شخصا او عائلة لها الحق الداتى في تولى الحكم. يمتد حكم الملك مدى الحياة وتنتقل السلطة من بعده إلى أحد أولاده أو بناته جيلا بعد جيل بمقتض قانون التواريت المنص عليه في الدستور. ولهذا النموذج من الحكم عدة أنواع. كالملكية الاستبدادية وتتميز بأن حكم الملك هو القانون. والملكية المطلقة وتتميز بأن السلطة العليا تتجمع في يد الملك الذي يخضع للقانون ولكن له أن يغيره بإرادته. والملكية الدستورية المقيدة وتتميز بالتسليم بحق الشعب في مشاركة الملك مهمة الحكم والتشريع.
ثانيا: النموذج البرلماني وهو الذي يقوم على أساس ان الشعب يختار ممثلوه إلى المجلس التشريعي. ومن ثم يقوم المجلس التشريعي باختيار الحكومة ورئيس الوزراء. وهذا النموذج هو أكثر أنواع الحكم انتشارا في العالم. ولعل من أهم مزاياه الاتى:
(أ) الشعب يختار المجلس التشريعي.
(ب) المجلس التشريعي يختار ويوافق على الحكومة.
(ج) في هذا النظام لا يوجد فصل بين السلطات. بمعنى البرلمان يملك حق التشريع وحق التنفيذ للقرارات التي يشرعها.
(د) على الحكومة أن تقدم سياساتها وتتحمل مسئولياتها أمام المجلس.(هـ) من حق المجلس ان يسحب الثقة من الحكومة متى شاء.
ثالثا: أما النموذج الثالث فهو النموذج الرئاسي الذي ترجح فيه كفة الرئيس ولكن يوجد فصل واضح ما بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. بمعنى ان الرئيس في هذا النموذج لا يعتمد على البرلمان لان الرئيس يتم انتخابه عن طريق الشعب مباشرة. ومن جهة أخرى لا يستطيع البرلمان عزل الرئيس إلا إذا نص الدستور على ذلك. ولهذا يمكن اعتبار الظام الرئاسي أكثر استقرارا من النظام البرلماني. ولكن من أهم عيوب النظام الرئاسي هو تصادم (في بعض الأحيان) الرئيس مع البرلمان خصوصا عندما يكون الرئيس من كتلة سياسية تختلف عن كتلة سياسية المسيطرة على البرلمان.
(6) علاقة الدستور بالدستورية:
القضية السادسة التي يجب على الذين سيكتبون الدستور التعامل معها هي قضية “علاقة الدستور بالدستورية.” والدستورية تعنى ضرورة ان تكون كل القواعد القانونية التي يسنها الجهاز التشريعي في الدولة متفقة مع أحكام الدستور وغير مخالفة له. كذلك يجب على الجهاز التنفيدى أن يكون دائما في حدود الأطر الدستورية. والدستورية هي العقيدة السياسية التي تقوم عليها الدولة والفكرة التى يقوم عليها الحكم الدستوري.
وبمعنى اخر هي مجموعة المثاليات والقيم التي تؤكد محدودية الحكومة وحماية حقوق الإنسان في الدولة.
محفوظ بن خميس السعدي
اترك تعليقاً