التغيرات السياسية والإقليمية التي تطرأ على الدولة
إن المبدأ العام هو أنه مهما صادف الدولة من تغييرات على المستويين الداخلي والخارجي فإن هذا لا يؤثر على شخصية الدولة، فمتى نشأت الدولة واستمر وضعها في المجتمع الدولي باعتراف الدول بها كشخص قانوني دولي، فإنها تحافظ على هذه الشخصية الدولية، رغم ما يطرأ عليها من تغيرات.
المبحث الأول : النتائج المترتبة على تغيير نظام الدولة الداخلي
* لا يؤثر تغيير نظام الحكم على شخصية الدولة ولا على وضعها القانوني بالنسبة للدول الأخرى ويستمر تمتع الدولة بالحقوق المترتبة لها وللحكومة الجديدة أن تمارس كل الحقوق والمزايا والمطالبة بالحقوق المترتبة في ذمم الدول الأخرى وبالمقابل تلتزم بما على الدول من واجبات وديون حتى إن رتب ذلك الحكومة السابقة، لأن هذه الحكومة كانت تعمل باسم الدولة.
* وعلى الدولة إبلاغ الدول الأخرى بما حدث فيها من تغيرات حتى تعترف بالحكومة الجديدة والغرض من الاعتراف هو تسهيل مهمة اتصال الحكومة الجديدة بالدول الأخرى ولتحديد السلطة التي تقوم بتمثيل الدولة والتي يجب أن يتم التعامل معها فيما يتعلق بالشئون التي تهم علاقة هذه الدولة بالدولة الأخرى، وبتمام الاعتراف بالحكومة الجديدة تظل الأخيرة ملتزمة بجميع التعهدات الدولية للحكومة السابقة عليها.
المبحث الثاني : النتائج المترتبة على التغيرات التي تطرأ على إقليم الدولة
قد يطرأ على إقليم الدولة تغير بأن تفقد الدولة جزء من إقليمها باستقلاله أو بضمه لدولة أخرى أو عن طريق ضم الدولة لكل أو بعض إقليم دولة أخرى، وهاتان العمليتان مرتبطتان كل منهما بالأخرى فالانفصال يقابله حتماً انضمام الإقليم المنفصل إلى دولة أخرى ويترتب على ذلك تغير السيادة على الإقليم المنفصل أو المضموم ويدرس الشراح النتائج القانونية التي تترتب على الغيرات الإقليمية التي تطرأ على إقليم الدولة تحت اسم “الميراث الدولي” قياساً على ما يحدث عند انتقال تركة شخص إلى ورثته.
ويشترط لتمام عملية الميراث الدولي انتقال كل أو بعض إقليم الدولة من سيادتها إلى سيادة دولة أخرى، فالميراث الدولي قد يكون كلياً وذلك بانتقال إقليم الدولة بكامله إلى دولة أخرى وقد يكون جزئياً حينما تفقد الدولة بعض إقليمها فقط مع احتفاظها بشخصيتها الدولية. وهناك عدة جوانب يؤثر عليها الميراث الدولي سندرسها بالتفصيل.
أولاً- أثر الميراث الدولي على المعاهدات:
– في حالة الانفصال:
تبقى دولة الأصل ملتزمة بالمعاهدات التي أبرمتها لأن الانفصال لا يؤثر على شخصيتها الدولية، في حين لا تسري هذه المعاهدات بحق الإقليم الذي انفصل سواء انضم إلى دولة أخرى أو شكل دولة مستقلة إلا إذا كانت المعاهدة تنصب مباشرة على هذا الإقليم كمعاهدات تعيين الحدود أو تنظم حق الملاحة النهرية، أما الدول التي نالت استقلالها حديثاً، فبعضها تحلل من المعاهدات التي أبرمتها الدولة الاستعمارية وبعضها استمر على التزامه بها على أن يتم حسم الأمر بشكل لاحق في حين أن دولاً أخرى التزمت باحترام المعاهدة.
– في حالة الانضمام:
إن إبرام المعاهدات من أعمال السيادة وبالتالي يخضع الإقليم المنضر للمعاهدات التي أبرمتها الدولة قبل انضمامه إليها، أما إذا كان قصد الدول الأطراف في المعاهدة هو أن يقتصر تطبيقها على الأقاليم الخاضعة لكل منها وقت إبرامها، أو كانت طبيعة الإقليم المنضم لا تتفق مع طبيعة المعاهدة ففي هذه الحالة لا يخضع لما تقرره هذه المعاهدة من أحكام وغني عن البيان أنه يجوز الاتفاق على خلاف ما تقدم بشرط عدم المساس بحقوق الدول الأخرى المكتسبة على الإقليم المنضم.
ثانياً- أثر الميراث الدولي على الديون العامة:
فرق هنا بين حالة الميراث الكلي وحالة الميراث الجزئي:
– الميراث الكلي: تنتقل كافة ديون الدولة المورثة طبقاً للرأي الراجح من ذمتها إلى ذمة الدولة الوارثة، وذلك نظير استفادتها من موارد الإقليم الذي ضمته.
الميراث الجزئي: نفرق بين الديون المحلية والديون غير المحلية:
الديون المحلية: هي التي تكون الدولة المورثة قد التزمت بها لمصلحة الإقليم المنفصل فهذه الديون تنتقل بأكملها إلى الدولة الوارثة، وعلى الرغم من أن القاعدة العامة لا تعف الدولة من ديونها عند انفصال إقليم عنها، إلا أن ما تقدم تبرره مقتضيات العدالة حيث إن الديون التي نشأت في ذمة الدولة المورثة كان أساسها منفعة تتعلق بالجزء المنفصل على وجه التحديد وبالمقابل الدولة المورثة فقدت جزء من مواردها انفصال الإقليم عنها.
الديون غير المحلية: وهي التي تعقد لمصلحة الدولة المورثة ككل بما فيها الإقليم المنفصل، ولا توجد قاعدة بشأنها ولكن مقتضيات العدالة والضرورات الاقتصادية تقضي بوجوب تحميل الإقليم المنفصل نصيباً منها تلتزم به الدولة الجديدة التي نشأت فيه أو الدولة التي ضمته إليها.
وانقسم الفقه في هذا الشأن إلى عدة اتجاهات، فهناك رأي يحدد نصيب الإقليم من تحمل الديون بقدر مساحته الجغرافية ولكن يعاب على هذا المعيار أن مساحة الإقليم ليست مقياساً حقيقياً لقيمته الاقتصادية والمالية فقد يكون هذا الإقليم صحراء وينادي رأي آخر بأن يكون عدد السكان هو المعيار ولكن كثافة سكان إقليم معين ليست بالضرورة مؤشراً لثراء هذا الإقليم، وأما الرأي الذي يحظى بتأييد كثير من الشراح فهو الذي نادى به “بلنتشلي” والذي يرى أن يكون أساس التحديد هو نصيب الإقليم من مجموع ضرائب الدولة المورثة، وعلى هذا الرأي جرى العمل ولقد أخذت به معاهدات الصلح لعام 1919.
ثالثاً- أثر الميراث الدولي على الأملاك:
في حال الميراث الكلي فإن الأموال العامة والخاصة التي كانت تملكها الدولة المورثة تنتقل بالكامل إلى ملكية الدولة الوارثة. أما في حالة الميراث الجزئي فتنتقل جميع الأملاك العامة الموجودة على هذا الإقليم إلى الدولة الوارثة مع احتفاظها بصفتها كأملاك مخصصة للمنفعة العامة كالطرق والسكك الحديدية… أما بالنسبة للأملاك الخاصة فتظل في ملكية الدولة المورثة ما لم يتفق على خلاف ذلك الدولتين صاحبتي الشأن أو إذا ورد شرط مخالف في المعاهدة التي ارتبطت بها الدولة المورثة مع الدولة الوارثة، وأخيراً لا تتأثر الأملاك الخاصة بالأفراد بانتقال الإقليم إلى سيادة الدولة الوارثة.
رابعاً- أثر الميراث الدولي على النظام القانوني الداخلي:
1- التشريع:
يخضع الإقليم بعد ضمه إلى دستور الدولة الوارثة والنظام السياسي مباشرة دون حاجة إلى أي إجراء، أما بالنسبة للقوانين الأخرى كالجنائية والإدارية يحتاج تطبيقها إلى بعض الإجراءات كالإصدار والنشر ليعلم بها سكان الإقليم وقبل سريان هذه القوانين أي في الفترة الانتقالية تطبق الدولة الوارثة مؤقتاً القوانين القديمة التي كانت سارية على الإقليم المنضم قبل انضمامه إلى أن تحل محلها قوانين هذه الدولة تدريجياً، غير أنه يجب المحافظة على الحقوق المكتسبة لرعايا الإقليم المنضم في ظل التشريعات القديمة، كما يجب احترام الحقوق الخاصة التي تكون قد منحت للشركات الأجنبية أو الأفراد بمعرفة الدولة المورثة على الإقليم المنضم.
2- القضاء:
وهنا يجب التفرقة بين الدعاوى التي تكون مطروحة أمام محاكم الإقليم قبل حصول الضم والتي لم يكن قد فصل فيها نهائياً، والأحكام النهائية التي أصدرتها هذه المحاكم قبل الضم ونبحث كل حالة من هذه الحالات في إطار المسائل المدنية ثم المسائل الجنائية.
أ- المسائل المدنية:
إذا لم يفصل نهائياً في الدعوى قبل حصول الضم تنتقل إلى محاكم الدولة الحديثة مع مراعاة الإجراءات السابقة فهي تعتبر حق مكتسب لذوي الشأن، كما يجب تطبيق القانون الذي رفعت الدعوى في ظله كلما أدى عدم تطبيقه إلى مساس بحق مكتسب لأطراف الدعوى حتى لا يضار المتقاضون وتصان حقوقهم المكتسبة قبل ضم الإقليم.
* أما إذا كان قد صدر في الدعوى حكم نهائي من محاكم الإقليم ولم يكن قد تم تنفيذها قبل الضم، كان هذا الحكم حقاً لمن صدر في صالحه وله أن يطلب تنفيذه على الوجه التالي:
– إذا كان التنفيذ على أرض الدولة المورثة فإنه يتم دون حاجة إلى أي إجراء جديد.
– إذا كان التنفيذ على أرض الإقليم المنفصل فقد جرى العرف على أن يتم دون حاجة إلى إجراء جديد وذلك تيسيراً على أطراف الدعوى.
– إذا كان التنفيذ على أرض الدولة الورثة وجب لإمكان القيام به الحصول على إذن بالتنفيذ من قضائها على اعتبار أن الحكم في هذه الحالة صادر من قضاء دولة أجنبية.
ب- المسائل الجنائية:
إذا لم تكن المحاكم الجنائية قد بدأت من أجل جريمة وقعت قبل ضم الإقليم فيقدم المتهم للمحاكمة أمام محكمة الدولة الوارثة، وتتم إجراءات المحاكمة وفقاً لقانونها وتقوم الدولة الوارثة عند محاكمة المتهم بمراعاة المبادئ العامة للقانون الجنائي فلا يحكم على المتهم بعقوبة أشد مما كان سيحكم به عليه وفقاً لقانون الدولة المورثة والتي وقعت الجريمة في إقليمها، أما إذا كان قانون الدولة الوارثة لا يعاقب على مثل الفعل منسوب إلى لامتهم فلا يجوز معاقبة الجاني في مثل هذه الحالة.
أما إذا كان المتهم قد كان حكم عليه نهائياً قبل الضم فتقوم الدولة الوارثة بتنفيذ هذا الحكم على الجاني بعد أخذ موافقة قضائها على ذلك مع مراعاة القواعد العامة السابقة الذكر.
ولما كانت المسائل الجنائية تثير صعوبات نتيجة لاختلاف التشريعات الجنائية والعقوبات من حيث نوعها وطريقة تطبيقها من دولة أخرى فإنه غالباً ما يتم النص في المعاهدات التي ينتقل بموجبها إقليم من سيادة دولة إلى سيادة دولة أخرى على كل الأمور التي يجب إتباعها بشأن هذه المسائل.
خامساً- أثر الميراث الدولي على الجنسية:
يفقد رعايا الدولة المورثة دون الأجانب المقيمين على الإقليم المنفصل جنسيتهم ويكتسبون جنسية الدولة الوارثة، ولكن مراعاة لمصالح الأفراد وميولهم جرت العادة على إعطائهم حق الخيار بين الاحتفاظ بجنسيتهم القديمة وبين اكتساب جنسية الدولة الوارثة في حال اختيار الفرض الأول عادة ما يرحلون عن الإقليم على أن يقوموا بتصفية أملاكهم فيه قبل مغادرتهم للإقليم.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً