المسؤولية الجنائية في الغش التجاري
المحامي – زامل شبيب الركاض
يعتبر حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه وأسرته وماله من أن يلحق به أذى أحدى الضرورات التي تقوم عليها مقاصد الشرع باعتباره أصلاً من أصولها، وكل ما تضمن هذا الأصل فهو مصلحة وكل ما يفوته فهو مفسدة يجب دفعها، وبذلك قررت الشريعة المسؤولية تجاه الغير لقوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } فلا يجوز شرعاً للإنسان ان يتعدى على نفسه فضلاً عن الغير لأنها ليست ملكاً له وذلك لقوله سبحانه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} وقوله صلى الله عليه وسلم “من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا”، فإخفاء العيب والغش والتدليس في البيع حرام بكل أنواعه وأشكاله قال الله تعالى: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
وحيث ان الحياة المدنية الحديثة قد تشعبت فيها انواع المهن والحرف مع قلة في الامانة وضعف في الذمة. خصوصاً بعد تطور اساليب الاحتيال والغش الذي لم يعد مقصوراً على انقاص الوزن بل تعدى الى مكونات الغذاء والدواء (والعبث بتاريخ الصلاحية) وقطع الغيار في المركبات.. وغيرها، ليحدث ضرراً متعمداً بصحة وسلامة المواطن ويشكل قضية خطيرة يجب التصدي لها على كافة الأصعدة الحكومية والأهلية لإيقاف هذه الجريمة وتطويق الخطر الذي يهدد الإنسان في صحته وبيئته وسلامة أجياله. وتبدأ مكافحة الغش التجاري من خلال معرفة حقيقة وأبعاد هذه الظاهرة واسبابها ومدى خطورتها على الوطن والمواطن، ومعالجة الأسباب المساعدة على انتشار الغش التجاري وتصحيح أوضاع الايدي العاملة المتخلفة وأبعادها من البلاد ومنع أي تأشيرات استقدام بقصد الاثراء بدون سبب مشروع لأنها جريمة في حق المجتمع، وتشديد العقوبات في حق المواطن المشترك في الجريمة وتطوير الجهات المختصة بمكافحة الغش التجاري وتزويدها بالكوادر البشرية والفنية، وتوعية المستهلك بخطورة هذه الجريمة ، وتشجيع المواطن في التبليغ عن المخالفين كواجب ديني ووطني لإزالة هذه المفسدة عن المجتمع، ووضع مكافآت مالية (تخصم من الغرامات المالية) وأخيراً تفعيل دور الهيئة الوطنية للغذاء والدواء للحد من هذه الظاهرة ونشر الوعي الصحي والاستهلاكي بين المواطنين.
وجريمة الغش التجاري تعتبر من الجرائم التعزيرية التي يكون للحاكم سلطة تقديرها وفقاً لما تقتضيه المصلحة خاصة مع تزايد المخاطر التي تحتم معاملة التاجر الغاش بنقيض قصده فهو يهدف الى الإثراء غير المشروع فلزم تغليظ العقوبات المالية لتتناسب مع الضرر، والسجن والإبعاد عن المجتمع، والتشهير بالمخالفين في وسائل الإعلام، وإقفال نشاط المنشأة المخالفة لمدة مناسبة، وأخيرا تطبيق أقصى العقوبات التعزيرية في حق أولئك المجرمين الذي يعبثون بصحة الإنسان واقتصاد الوطن. وفي هذا الصدد تشدد الأنظمة العالمية العقوبة في جريمة الغش التجاري لدرجة تعويض المستهلك المتضرر إضافة للعقوبة الجنائية المنصوص عليها في قانون العقوبات، وكما هو معروف ان العقوبة الجنائية تكون لحق المجتمع، أما الحق الخاص فيجبر بالتعويض فقد تصل مطالبات المصابين بسبب الغش التجاري الى ملايين الدولارات تطال كل من أهمل او تسبب في هذه الإصابات، وتقديراتها تتم على أسس دقيقة وتشتمل حتى على ما سيتحصل عليه او يحققه المصاب في مستقبل أيامه لولا هذه الإصابة التي تعرض لها نتيجة المخالفة للمواصفات والمقاييس.
وحيث أن المسؤولية عند الفقهاء هي التزام شخص بضمان الضرر الواقع على الغير نتيجة تصرف قام به، ويعرفها القانونيون بأنها تعويض للضرر الناشىء عن عمل غير مشروع، فنخلص الى ان المسؤولية الجنائية تتحقق بمجرد الشروع في جريمة الغش، ويتوفر القصد الجنائي إذا قام التاجر او من يعمل لديه بفعل يحصل به الضرر للغير بغض النظر عن طبيعة ذلك الفعل، فمجرد الشروع في الغش يعتبر جريمة يعاقب عليها النظام.
اترك تعليقاً