الخيانة الزوجية في القانون الجنائي المغربي
الخيانة كمفهوم تعني الإخلال بوعد الوفاء والإخلاص كقيمة تبنى عليها العلاقة بين شخصين، أما الخيانة في العلاقة الزوجية فتعني ممارسة الجنس مع شخص آخر غير الشريك، في المجتمع المغربي أصبحت ظاهرة الخيانة الزوجية منتشرة إلى حد أصبح الكلام عنها أو القيام بها جزءا من المسلمات نظرا لتساهل المجتمع معهاخصوصا إذا كانت تحمل توقيع الرجل الذي يتم التعامل مع خيانته كشر لا بد منه عكس المرأة التي تواجه خيانتها من طرف المجتمع بكثير من القسوة. ونظرا لاستفحال الظاهرة ظهرت وكالات وشركات تقدم لزبنائها رصد تحركات الأزواج المشكوك في تصرفاتهم ومراقبتهم. وقد خص المشرع المغربي جريمة الخيانة الزوجية بأهمية قصوى من خلال التعاطي معها في فصول القانون الجنائي، الأستاذ العربي ثابت يلقي الضوء على الخيانة الزوجية من وجهة نظر قانونية من خلال هذا الحوار.
– ما الفرق بين الخيانة الزوجية والفساد؟
قبل الإجابة على هذا السؤال أود التوضيح ان المشرع المغربي كان حكيما في تخصيصه الباب الثامن من الكتاب الثالث من القانون الجنائي لتناول الجنايات و الجنح ضد نظام الأسرة و الأخلاق العامة و خصص لهذه الجرائم الفصول من 449 إلى 504.
أما الفرق بين جريمتي الخيانة الزوجية و الفساد، فهو فرق واضح يتجلى في عنصر العلاقة الزوجية، بالنسبة لأحد طرفي العلاقة الجنسية الغير المشروعة، بحيث تُعَرَفُ جريمة الفساد في الفصل 490 من القانون الجنائي، بأنها “كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية.” أما جريمة الخيانة الزوجية، و إن كان المشرع المغربي قد سكت عن إعطاء تعريف خاص لها. إلا أنه قد بين عناصرها. بحيث يكفي لقيام جريمة الخيانة الزوجية، أن ينطبق على الفعل المكون لها، وصف جريمة الفساد، بالإضافة إلى كون أحد طرفي العلاقة الجنسية متزوجا بشخص ثالث، يتوقف على شكواه تحريك المتابعة في مواجهة الزوج الخائن أو الزوجة الخائنة و كذلك الشريك.
كما تختلف الجريمتان أيضا على مستوى العقوبة المقررة لهما بحيث يعاقب على جريمة الفساد بالحبس من شهر واحد إلى سنة في حين أن جريمة الخيانة الزوجية يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى سنتين.
– كيف تتم المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية؟ وما هي شروطها؟
من أبجديات القانون أن المسؤولية الجنائية تتحقق بقيام ركني الإسناد المادي (الفعل المادي المكون للجريمة) و الإسناد المعنوي (عنصر الإثم أو القصد الجنائي) و في جريمة الخيانة الزوجية بالإضافة إلى هذين العنصرين فإن مرتكب الجريمة لا يمكن متابعته و لا متابعة شريكه إلا بناءا على شكاية تتقدم بها الزوجة أو الزوج المجني عليه.
بحيث أن الشكاية في هذه الحالة تعتبر عنصرا أساسيا من أجل المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية. و أنه يستفيد من عدم تشكي الزوج أو الزوجة المجني عليها، بالإضافة إلى الزوج أو الزوجة مرتكب الفعل، أيضا مشاركه. غير أنه إذا وقعت المتابعة و تم بعد ذلك تنازل المشتكي أو المشتكية فإنه لا يمكن أن يستفيد من هذا التنازل مشاركة الزوج أو مشارك الزوجة في الخيانة الزوجية.
و قد حاول القضاء المغربي في مناسبات عديدة تكييف جريمة الخيانة الزوجية التي تنعدم فيها شكاية الزوج المجني عليه على أنها جريمة فساد إلا أن المجلس الأعلى باعتباره محكمة القانون و الساهر على توحيد الاجتهاد القضائي المغربي قد أقر أنه لا يمكن متابعة الزوج أو الزوجة بتهمة الفساد طالما أنه متزوج و ان الزوجة أو الزوج المجني عليه لم يتقدم بشكاية في الموضوع.
– هل تطبق على الزوجة نفس المقتضيات القانونية التي تطبق على الزوج في حالة الاعتداء على زوجها؟ وما هي هذه المقتضيات؟
المشرع المغربي كان و إلى وقت قريب يميز بين المرأة و الرجل بخصوص هذه النقطة بحيث كان يوفر عذرا معفيا من العقاب للزوج حال ارتكابه جريمة قتل أو ضرب أو جرح ضد زوجته و شريكها حال ضبطهما متلبسين بالخيانة الزوجية.
إلا أنه قد عدل عن هذا التمييز بين الجنسين بمقتضى القانون رقم 24-03 الذي عدل الفصل 418 من القانون الجنائي بحيث أصبح يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب إذا ارتكبهما أحد الزوجين ضد الزوج الآخر و شريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.
فالوضعية الحالية في القانون الجنائي المغربي و هي الاستفادة من عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل و الضرب الجرح في حال ضبط أحد الزوجين للزوج الآخر و شريكه متلبسين بالخيانة الزوجية يستفيد منها سواء الزوج أو الزوجة طالما أن كل منهما يتأثر بخيانة الآخر.
– ما هي أركان إثبات جريمة الخيانة في القانون الجنائي؟
القاعدة في قانون المسطرة الجنائية أن الجرائم يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات من اعتراف و شهادة الشهود و قرائن و غيرها. لكن جريمة الخيانة الزوجية و الجرائم الجنسية بشكل عام تتميز بخصوصية على مستوى الإثبات. و ذلك لخصوصية الفعل المادي فيها. بحيث ان المشرع يشترط العلاقة الجنسية و هذه الأخيرة كما هو معلوم في غالب الأحوال لا تتم علنا بحيث لا يمكن إثباتها بشهادة الشهود أو بقرائن أخرى غير الاعتراف أو حالة التلبس.
أما أن ترتكب جريمة الخيانة الزوجية علنا و أمام الجمهور فإن الجريمة في هذه الحالة يمكن أن توصف بأكثر من وصف واحد بحيث ينطبق عليها وصف جريمة الخيانة الزوجية إذا ثبت زواج احد طرفي العلاقة و تشكي الزوج المجني عليه. كما ينطبق عليها وصف جريمة الإخلال العلني بالحياء العام التي ينص عليها الفصل 483 من القانون الجنائي.
كما أن جريمة الخيانة الزوجية يمكن أن تثبت بمجموعة من القرائن الأخرى التي تفيد التلبس كأن يضبط الفاعلان في منزل واحد في وضع تعري أو ما يدل على ارتكاب الفعل الجنسي. و كل ذلك يدخل ضمن مرحلة البحث التمهيدي الذي يمكن أن تقوم به الضابطة القضائية.
– ما هي العقوبة التي ينص عليها القانون الجنائي في حال ثبت فعل الخيانة على احد الزوجين؟
في حال ارتكاب احد الزوجين لجريمة الخيانة الزوجية ينص الفصل 491 من القانون الجنائي على أنه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية و لا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناءا على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه” و ذلك انطلاقا من مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الفصل 5 من الدستور المغربي.
كما أن قضاء المجلس الأعلى قد ذهب في نازلة معينة إلى نقض قرار محكمة الاستئناف والتصريح ببراءة مرتكبي جريمة الخيانة الزوجية و الذين كانا كلاهما متزوجين و استفادا من تنازل الزوج و الزوجة و تمت متابعتهما من طرف محكمة الموضوع بتهمة المشاركة في الخيانة الزوجية. و استفاد من هذا القرار القاضي بالبراءة كل من الرجل و المرأة طالما أن مركزهما القانوني واحد.
– في حال تنازل احد الزوجين عن شكايته هل تسقط الدعوى؟
تنازل الزوج أو الزوجة المجني عليها في جريمة الخيانة الزوجية يضع حدا لمتابعة زوجه كما انه إذا وقع بعد صدور حكم نهائي فإنه يضع حدا لأثار الحكم بالمؤاخذة بمعنى انه يضع حدا للعقوبة. غير انه لا يسقط الدعوى العمومية باعتبار أنها تستمر في مواجهة الشريك.
و في هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى إلى اعتبار ان واقعة الخيانة الزوجية التي يكون طرفاها متزوجان و يتنازل لهما الزوجان. لا يمكن متابعتهما من اجل المشاركة باعتبار ان المتزوج لا يمكن متابعته إلا من اجل الخيانة الزوجية و لا يمكن تغيير الوصف القانوني للجريمة في حقه. و ذلك اعتبارا لكون الغاية من توقف المتابعة على شكاية الزوج المجني عليه او الزوجة المجني عليها هو الحفاظ على بناء الأسرة.
– هل يستفيد مشارك الزوجة أو مشاركة الزوج من التنازل؟
لا يستفيد مشارك الزوجة أو مشاركة الزوج مطلقا من التنازل بل و يعاقب بنفس العقوبة المقررة لجريمة الخيانة الزوجية باعتبار أن فصول القانون الجنائي العام حينما توضح مفهوم المساهم و المشارك تقرر أنه يعاقب المشارك و المساهم بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي.
ما يجب التذكير به في هذا المقام و إن كان على سبيل الدعابة و لا يحمل أي تغيير في المركز القانوني للمشارك في الخيانة الزوجية هو أن المشرع المغربي يعتبر مشاركا في الجريمة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها و لكنه أتى أحد الأفعال السابقة على ارتكابها و تسهيلها. و يعتبر مساهما كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها.
من خلال هذين التعريفين يبدو الوصف الأنسب للمشارك في الخيانة الزوجية ليس هو صفة مشارك بل مساهم باعتباره من قام بأعمال التنفيذ المادي لها. و إن كان كما قلت هذا النقاش لا يغير شيئا في المركز القانوني لهذا المشارك أو المساهم باعتبار انه في نهاية المطاف يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي.
– في حال غياب الزوج أو الزوجة خارج المملكة، كيف تتم التابعة، وهل يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى؟
المشرع المغربي كان حكيما عندما خول للنيابة العامة إمكانية المتابعة تلقائيا للزوج الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة و ذلك في حالة غياب احد الزوجين خارج تراب المملكة إلا أن تطبيق هذه الفقرة يجب أن يحاط بمجموعة من الضمانات باعتبار انه و كما سبقت الإشارة فغاية المشرع المغربي من توقف المتابعة على شكاية الزوج أو الزوجة المجني عليها هو الحفاظ على نظام الأسرة لذلك فإن تحريك النيابة العامة تلقائيا للمتابعة لا يجب أن يتم إلا في حال تعاطي الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة. و أيضا ان يكون الزوج المجني عليه غائبا خارج تراب المملكة بحيث يتعذر عليه أن يعلم بتعاطي زوجه أو زوجته للخيانة الزوجية.
من زاوية أخرى فإن النيابة العامة في أغلب الأحوال التي تلجأ فيها إلى المتابعة في هذه الحالة فإنها لا تكيف الفعل على انه خيانة زوجية بل تذهب إلى اعتباره فسادا مما يجعل الأحكام الابتدائية و القرارات الاستئنافية معرضة للنقض من طرف المجلس الأعلى.
– هل هناك بعض النقاط التي تثيرها جريمة الخيانة الزوجية ولم يقدم لها القانون المغربي جوابا؟
– هل يمكن اعتبار أحد الزوجين الذي يمارس أفعال الشذوذ الجنسي أيضا مرتكبا لجريمة الخيانة الزوجية؟ خصوصا و أن الفصل 491 لا يحدد مفهوم الخيانة الزوجية.
– إن بناء المسؤولية الجنائية كما قلت سابقا يتوقف على توفر عنصري الإسناد المادي و الإسناد المعنوي هذا الأخير الذي يدخل في تكوينه عنصرا العلم و الإرادة و إذا كان انعدام الإرادة يعفي من المسؤولية سواء بالنسبة للزوجة الخائنة أو بالنسبة للمشاركة في الخيانة الزوجية كلما تعلق الأمر باغتصاب. فهل يمكن الحديث عن انعدام الإرادة لدى الزوج أو لدى المشارك في الخيانة الزوجية إذا كان هذا الأخير مسلوب الإرادة خصوصا و أنه في الآونة الأخيرة بدأت تظهر بعض الممارسات التي توحي بإمكان اغتصاب المرأة للرجل خصوصا بعد الأحداث التي وقعت في بعض الدول العربية. و من زاوية أخرى كيف يمكن أن يلعب عنصر العلم بواقعة الزواج دورا في الإعفاء من المسؤولية لدى المساهم في الخيانة الزوجية؟
– كل هذه الأسئلة لا يقدم القانون المغربي جوابا عليها و لم يحدث بحسب علمي ان عرضت على القضاء المغربي ليجيب عنها لكن ذلك لا يمنع من تصور وقوعها خصوصا و أن القواعد القانونية قبل أن تصير قواعد فهي تكون عبارة عن تصورات و افتراضات.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً