مقال قانوني رائع عن الصرف التعسفي في قانون العمل
إعداد: نادر عبد العزيز شافي
(دكتوراه دولة في الحقوق -محام بالإستئناف)
مجلة الجيش
العدد 274 – March, 2008
عقد العمل، أو عقد الاستخدام، وفقاً لتعريف الفقرة الأولى من المادة 624 من قانون الموجبات والعقود اللبناني، هو العقد الذي يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يجعل عمله رهين خدمة الفريق الآخر وتحت إدارته، مقابل أجر يلتزم هذا الفريق أداءه. فلكي نكون أمام عقد عمل، يجب أن تتوافر عناصر هذا العقد، وهي: العمل، الأجر، وتبعية الأجير لرب عمله والقيام بالعمل لحسابه وإئتماره بأوامره وخضوعه لإشرافه وإدارته وتعرضه للتدابير عند تقصيره في العمل، وهي تبعية قانونية استناداً إلى معيار موضوعي لا يتوقف على الوضعية الاجتماعية أو الاقتصادية للأجير
ويعتبر عقد العمل من عقود المدة، أي من العقود التي تستغرق مدة محددة تنتهي بانتهائها، أو مدة غير محددة فينتهي إما بإرادة أحد طرفيه المنفردة أو بإتفاق الطرفين أو بقوة القانون، كالإنتهاء بسبب قوة قاهرة تؤدي إلى إستحالة تنفيذ العمل نهائياً لسبب لا يمكن دفعه ولا يد للطرفين فيه، كما ينتهي عقد العمل بوفاة الأجير أو عجزه بصورة دائمة عن القيام بعمله. وقد حظّرت المادة 11 من قانون العمل على الانسان أن يرتبط بعقد عمل ما لمدة حياته كلها أو أن يتعهد مدى الحياة بالإمتناع عن الاشغال في مهنة ما، وكل عقد مهما كان شكله يؤول إلى هذه النتيجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة يعتبر باطلاً حكماً.
وعقد العمل غير المحدد المدة هو العقد الذي يحتفظ فيه كل من الطرفين بالحق في إنهائه ساعة يشاء بعد انذار الطرف الآخر خلال مدة يعينها القانون أو اتفاق الطرفين، فهو يعطي لكل من موقعيه الحق بإنهائه متى شاء شرط انذار الفريق الآخر خلال فترة زمنية معينة قانوناً أو اتفاقاً. وقد نصت المادة 50 من قانون العمل على حق كل من صاحب العمل والعامل أن يفسخ في كل حين عقد الاستخدام المعقود بينهما لمدة غير معينة.
لكن حق كل من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة في انهائه عندما يشاء بإرادته المنفردة قد يكون مفاجئاً للطرف الاخر ومضراً به، لذلك، وبغية التوفيق بين الحق في انهاء عقد العمل غير المحدد المدة وبين وجوب عدم إلحاق الضرر بالطرف الآخر، اشترط المشترع اللبناني في المادة 50 من قانون العمل، توجيه انذار للطرف الآخر، وعدم التعسف في ممارسة هذا الحق، وفي حالة الإساءة أو التجاوز في استعمال هذا الحق، يحق للطرف المتضرر المطالبة بتعويض عن التعسف، إضافة إلى التعويض الذي يحدده القانون.
الإنذار السابق لانهاء عقد العمل
يتسبب إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة بنتائج سيئة على الطرف الآخر، إذ ان الصرف المفاجئ للأجير سيحرمه من أجره الذي يعتبر مصدر رزقه الرئيس إن لم يكن الوحيد، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات ضارة على حاضره وواقع أفراد اسرته. كما أنه بالنسبة إلى رب العمل فإن الفسخ المفاجئ من قبل العامل قد يعرض المؤسسة إلى مخاطر شتى قد تصل إلى توقفها إذا كان مركز الأجير أساسياً.
والإنذار هو اعلان صادر عن إرادة احد طرفي عقد الاستخدام، يعبر عن رغبته بصورة قاطعة في انهاء العمل بالعقد غير المحدد المدة. وقد اشترطت الفقرة ج من المادة 50 من قانون العمل أن يكون الانذار خطياً، وأن يبلغ إلى صاحب العلاقة، ويحق لهذا الاخير أن يطالب توضيح أسباب الفسخ إذا لم تكن واردة في نص الانذار
• المهلة القانونية للإنذار: يجب على كل من صاحب العمل والعامل أن يعلم الآخر برغبته في فسخ العقد في المهل التالية:
– قبل شهر واحد إذا كان قد مضى على تنفيذ عقد الإستخدام مدة 3 سنوات وما دون.
– قبل شهرين إذا كان قد مضى أكثر من 3 سنوات وأقل من 6 سنوات.
– قبل 3 أشهر إذا كان قد مضى أكثر من 6 سنوات وأقل من 12 سنة.
– قبل 4 أشهر إذا كان قد مضى 12 سنة فأكثر.
ان مهل الانذار المذكورة تتعلق بالانتظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفة هذه المهل، إلا إذا كانت لمصلحة الاجير، فالإتفاق على مدة أطول للانذار الذي يوجهه رب العمل يعتبر في مصلحة الاجير، ويتعرض الطرف الذي يخالف هذه الأحكام لدفع تعويض إلى الطرف الآخر يعادل بدل أجره مدة الانذار المفروضة عليه قانوناً.
• حالات عدم جواز توجيه الانذار:
منعت المادة 52 من قانون العمل رب العمل عن توجيه الانذار في الحالات الآتية:
– إلى المرأة الحامل.
– إلى المرأة المجازة بداعي الولادة.
– إلى كل أجير في أثناء الإجازات العادية أو خلال الإجازات المرضية.
على أن رب العمل يصبح بحل من هذه الموانع إذا عمل الاجير في محل آخر خلال تلك المدة.
– إذا كان الاجير عضواً نقابياً منتخباً وفقاً للأصول يمنع توجيه انذار له طوال مدة ولاية عضويته، فيتوجب على رب العمل الذي يريد صرف الاجير المذكور مراجعة مجلس العمل التحكيمي المختص. ولصاحب العمل أن يوقف العامل عن العمل فوراً حتى صدور قرار المجلس التحكيمي بأساس القضية. فيقوم رئيس المجلس التحكيمي خلال خمسة ايام من تاريخ المراجعة بعقد جلسة خاصة يدعو فيها الطرفين الى المصالحة. وفي حال فشل المصالحة، يبت المجلس بكامل هيئته بالقضية بمهلة لا تتجاوز الشهر، فإذا وافق على الصرف يقضي بتصفية حقوق العامل، وإذا لم يوافق على الصرف يقضي بإلزام صاحب العمل أن يعيد العامل إلى عمله تحت طائلة تضمينه علاوة على ما يستحقه من تعويضات قانونية، مبلغاً إضافياً يراوح بين ضعفي وثلاثة أضعاف بدل الصرف التعسفي للأجير (م 50/هـ عمل).
• حالات الاعفاء من توجيه الانذار:
حددت المادة 74 من قانون العمل الحالات التي يجوز فيها لرب العمل أن يفسخ العقد دونما تعويض أو علم سابق، وهي الآتية:
– إذا انتحل الأجير جنسية كاذبة.
– إذا استخدم الأجير على سبيل التجربة ولم يرض رب العمل خلال 3 أشهر من استخدامه.
– إذا أثبت أن الأجير ارتكب عملاً أو إهمالاً مقصوداً يرمي إلى الحاق الضرر بمصالح رب العمل المادية. على أنه يجب على رب العمل للتذرع بهذا السبب أن يعلم خطياً بهذه المخالفة مصلحة الشؤون الاجتماعية خلال 3 أيام من التثبت منها.
– إذا أقدم الأجير بالرغم من التنبيهات الخطية التي توجه اليه على ارتكاب مخالفة هامة للنظام الداخلي 3 مرات في السنة الواحدة.
– إذا تغيّب الأجير بدون عذر شرعي أكثر من 15 يوماً في السنة الواحدة أو أكثر من 7 أيام متتالية.
– إذا حكم على الأجير بالحبس سنة فأكثر لارتكابه جناية أو إذا إرتكب جنحة في محل العمل وفي أثناء القيام به، وإذا حكم على الأجير لاجل الافعال المعاقب عليها في المادة 344 من قانون العقوبات (التي تتعلق برفض أو ارجاء تنفيذ قرار تحكيمي أو صادر عن محاكم العمل).
– إذا اعتدى الاجير على رب العمل أو متولي الادارة المسؤول في محل العمل.
كما حدّدت المادة 75 من قانون العمل الحالات التي يحق فيها للأجير أن يترك عمله قبل انتهاء مدة العقد ومن دون علم سابق، وهي:
– إذا أقدم رب العمل أو ممثله على خدعة في شروط العمل عند إجراء العقد، على أنه لا يحق للأجير التذرع بهذا الحق بعد انقضاء 30 يوماً على دخوله في الخدمة.
– إذا لم يقم رب العمل بموجباته نحو الأجير وفقاً لأحكام قانون العمل.
– إذا ارتكب رب العمل أو ممثله جرماً مخلاً بالآداب في شخص الاجير أو عضواً من أعضاء عائلته.
– إذا أقدم رب العمل أو ممثله على إرتكاب اعمال عنف في شخص الاجير.
التعسف في انهاء عقد العمل
إذا كان القانون قد أعطى لطرفي عقد العمل غير المحدّد المدة حق إنهائه، فهذا الحق يبقى مقيداً بشرط عدم التعسف باستعماله، على أنه في حالة الإساءة أو التجاوز في استعمال هذا الحق يجيز للفريق المتضرر أن يطالب بتعويض سنداً للمادة 50 من قانون العمل التي تنسجم مع القواعد العامة التي ترعى العقود بوجه عام لا سيما في المادتين 124 و 248 من قانون الموجبات والعقود اللتين تلزمان بالتعويض من يضر الغير بتجاوزه باستعمال حقه حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله منح هذا الحق أو خلافاً لروح القانون أو العقد.
ويسمى التعويض بتعويض الصرف إذا كان بفعل رب العمل، وتعويض الترك التعسفي إذا كان بفعل الاجير.
• حالات الصرف التعسفي بفعل رب العمل:
حدّدت الفقرة د من المادة 50 من قانون العمل الحالات التي يعتبر فيها الصرف من قبيل الإساءة أو التجاوز في استعمال الحق، وهي:
– لسبب غير مقبول أو لا يرتبط بأهلية العامل أو تصرفه داخل المؤسسة أو بحسن إدارة المؤسسة والعمل فيها، كالصرف بسبب الحمل أو الوضع أو المرض أو التوقيف القضائي أو الاضراب أو لأسباب غير صحية.
– لإنتساب العامل أو عدم انتسابه لنقابة مهنية معينة أو لقيامه بنشاط نقابي مشروع في حدود القوانين والأنظمة المرعية الاجراء أو إتفاق عمل جماعي أو خاص.
– لتقدمه للإنتخابات أو لانتخابه عضواً في مكتب نقابة أو لمهمة ممثل للعمال في المؤسسة وذلك طوال مدة قيامه بهذه المهمة.
– لتقديمه بحسن نية شكوى إلى الدوائر المختصة تتعلق بتطبيق احكام قانون العمل والنصوص الصادرة بمقتضاه، كما وإقامته دعوى على صاحب العمل تبعاً لذلك.
– لممارسته حرياته الشخصية أو العامة ضمن نطاق القوانين المرعية الاجراء.
ويجدر بالاشارة أن المشترع اللبناني أجاز لصاحب العمل بموجب الفقرة و من المادة 50 من قانون العمل، حق انهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الانهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام انتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل. وفي هذه الحالات، على صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في انهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الانهاء، تراعي معه اقدمية العمال في المؤسسة واختصاصهم واعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي، وأخيراً الوسائل اللازمة لاعادة استخدامهم. ويعتبر الاخلال بشرط تبليغ وزارة العمل من قبيل الاخلال بشرط جوهري ويجعل الصرف لسبب غير مقبول وتعسفياً.
وقد اعطت الفقرة ز من المادة المذكورة نفسها العمال المصروفين لتلك الاسباب، حق الأولوية في العودة إلى العمل في المؤسسة التي صرفوا منها، لمدة سنة تبدأ من تاريخ تركهم العمل، إذا عاد العمل في المؤسسة إلى طبيعته وامكن استخدامهم في الاعمال المستحدثة فيها.
• حالات الترك التعسفي بفعل الأجير:
هو الفسخ التعسفي الصادر عن العامل لغير الاسباب التي يجيزها القانون والذي يسبب ضرراً أو احراجاً لصاحب العمل.
وتقتضي الاشارة هنا إلى أن حالات الصرف التعسفي هي الأكثر وقوعاً في قطاع العمل، إذ تندر الملاحقة القضائية من رب العمل ضد الاجير بالنظر لعدم ملاءة الاجير ولإختلاف المركز الاقتصادي لكل منهما، بينما يحرص الاجير على ملاحقة رب العمل قضائياً للحصول منه على أكبر قدر ممكن من التعويض بسبب صرفه تعسفياً من العمل.[/justify]
• نتائج الفسخ التعسفي:
إذا كان الصرف تعسفياً بفعل رب العمل، يحق للأجير أن يطالبه بتعويض يقدر على أساس نوع عمل العامل، ومدة خدمته، ووضعه العائلي والصحي، ومقدار الضرر، ومدى الإساءة في استعمال الحق، على ألا ينقص التعويض الذي يحكم به عن بدل أجرة شهرين وأن لا يزيد عن بدل أجرة 12 شهراً، وذلك بالإضافة إلى ما قد يستحقه العامل من تعويضات قانونية نتيجة فصله من الخدمة، كتعويض الانذار وتعويض عدم حصوله على إجازة سنوية، فضلاً عن تعويض نهاية الخدمة الذي يقبضه الاجير من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يعادل شهر عن كل سنة خدمة.
أما إذا كان العامل أحد اعضاء مجالس النقابات وفقاً للأصول، فلا يجوز صرفه إلا بعد مراجعة مجلس العمل التحكيمي المختص، كما سبق وذكرنا.
وإذا كان الفسخ صادراً من قبل العامل لغير الاسباب التي يجيزها القانون، وتبين أنه سبب ضرراً أو إحراجاً لصاحب العمل، يقدر تعويض العطل والضرر بما يعادل أجرة شهر حتى أربعة أشهر، حسب مقتضى الحال، وذلك بالإضافة إلى تعويض الانذار المذكور سابقاً.
وقد حدّدت الفقرة ب من المادة 50 من قانون العمل اجراءات المطالبة بتعويض الفسخ التعسفي (الصرف التعسفي أو الترك التعسفي)، فنصت أنه على من يتذرع بأن الفسخ حصل نتيجة لإساءة استعمال الحق أو لتجاوزه، أن يقيم الدعوى بذلك أمام مجلس العمل التحكيمي خلال مهلة شهر من تاريخ ابلاغه الفسخ، وله أن يثبت صحة إدعائه بجميع طرق الاثبات، وعلى المجلس التحكيمي أن يبت بالقضية بمهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.
هوامش:
– د. عصام القيسي: قانون العمل اللبناني، منشورات عشتار، بيروت، 1990، ص 214.
– د. محمد عبده: قانون العمل اللبناني، منشورات زين الحقوقية، بيروت 2007، ص193.
– تمييز مدني رقم 4/92/ تاريخ 28/1/1992/ كتاب قضايا العمل للمحامية نبيلة زين، 1993، ص 160.
اترك تعليقاً