مقال قانوني عن حلّ نزاعات عقود الوكالات التجارية بطريقة التحكيم
شيماء “محمد عصام” المومني
يعتبر حلّ النزاعات بطريق التحكيم من الوسائل البديلة لحسم الخلافات ، والتي ما فتيء المتنازعون يلجؤون إليها لحلّ منازعاتهم وخاصة ً التجارية منها ، لما يوفره التحكيم من ميزات وعوامل جذبٍ تتوائم وطبيعة المعاملات التجارية والنزاعات الناجمة عنها ؛ ذلك أن التحكيم “يتلائم مع ما تتطلبه التجارة من سرعة في حسم النزاع ، واقتصاد في النفقات ، وتقليل في الاجراءات التي نجدها في اقامة الدعوى أمام القضاء والسير فيها حتى صدور الحكم القضائي”(1).
و تعدّ مسألة تحديد مدى جواز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية من المسائل الشائكة، وذلك في ظل نص المادة (16/أ) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين رقم (28) لعام 2001 والتي يذهب البعض إلى تفسيرها بأنها تعطي اختصاصاً وجوبياً للمحاكم الأردنية لنظر النزاعات الناجمة عن عقد الوكالة التجارية ، وعندئذٍ تثور العديد من التساؤلات القانونية التي تستفهم حول تفسير الإختصاص الحصري للمحاكم الأردنية بالإستناد لقانون الوكلاء والوسطاء التجاريين بمعزل عن اللجوء لأحكام الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم التي إنضمت إليها الأردن والتي يذهب الإجتهاد الفقهي والقضائي إلى القول بسموّها على القانون العادي ؟ ثم كيف لنا أن نوازن ما بين نص المادة (16/أ) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين وقانون التحكيم الأردني رقم (31) لعام 2001 ؟ وهل إستقرّت اجتهادات محكمة التمييز الأردنية على الأخذ بالإختصاص الحصري للمحاكم الأردنية ، أم أنها تذهب في عدد من قراراتها إلى جواز التحكيم بهذه المنازعات؟
و لإمكان الإجابة على هذه التساؤلات القانونية وغيرها ، تبدو الحاجة ملحـّـة للحديث عن مشروعيـّة التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية ضمن إطار مكوّنات النظام القانوني الأردني بجميع مشتملاته ، ومن بين ذلك الإتفاقيات التي إنضمت إليها المملكة الأردنية (2) ، والتي باتت تشكـّل جزءا ً من مصادر التشريع الأردني ؛ إذ أنه وبالرغم من عدم وجود نص صريح على مرتبة هذه الإتفاقيات ضمن الهرم التشريعي ، إلا أن الإجتهاد الفقهي والقضائي مستقرٌ على سموّ هذه الإتفاقيات على القانون الوطني (الأردني) ، ومؤدى ذلك أنه وفي حال وجود تعارض ما بين أحكام هذه الإتفاقيات و القانون الوطني ، فإن السموّ في التطبيق يكون للإتفاقيات الدولية على حساب القانون الوطني (الأردني).
وبناء على ذلك فإن إتفاقيات التحكيم الدولـيـّة والإقليميـّة التي إنضمّ إليها الأردن تسمو على نص المادة (16/أ) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين الأردني ، و يتجلى هذا السموّ في ظلّ التعارض ما بين نصوص إتفاقيات التحكيم ومن بينها المادة (2) من اتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف بقرارات التحكيم (1958)(3) و نص المادة (16/أ)(4) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين الأردني ، فإن الأولوية بالتطبيق تغدو لإتفاقيات التحكيم ، وذلك على خلاف ما ذهبت إليه بعض اجتهادات محكمة التمييز الموقرة في قولها بأن هذا الإتفاق يعد مخالفاً للنظام العام(5).
و يستتبع ذلك القول بأنه “إذا ما تمّ الإتفاق على التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية إستناداً للمادة الثانية من اتفاقية نيويورك ، أو استناداً إلى أحكام الإتفاقيات التحكيمية الأخرى ، فإنه لا يجوز القول بأن هذا الإتفاق مخالف للنظام العام الأردني إستناداً إلى نص المادة (16) من قانون الوكلاء و الوسطاء التجاريين”(6)
و بالرجوع لقانون التحكيم الأردني رقم (31) لعام 2001 ، نجده ينص في المادة (3) منه على أن (تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم اتفاقي يجري في المملكة و يتعلق بنزاع مدني أو تجاري بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع ، عقدية كانت أو غير عقدية) وبذلك يتبين لنا أن هذا النص يتناول كلٍ من المنازعات المدنية والتجارية على إطلاقها ، ويستتبع ذلك شمول قانون التحكيم لمنازعات عقد الوكالة التجارية بإعتبارها ذات طابع تجاري ، كما و نجد أن المادة سالف الإشارة إليها تحتوي ضمن بوتقتها المنازعات العقدية وغير العقدية ، فهي بذلك تشمل منازعات عقد الوكالة التجارية لكونها تندرج تحت طائفة العلاقات القانونية العقدية المشمولة بنصوص قانون التحكيم.
كما أن المادة (16/أ) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين لعام 2001 تنص على أن (تختص المحاكم الأردنية بالنظر في أي نزاع أو خلاف ناشيء عن عقد الوكالة التجارية أو عن تطبيق أحكام هذا القانون) وهي بذلك لم تتضمن صراحة ً و لا ضمناً ما يفيد بإستبعاد اختصاص المحاكم الأردنية أو الوسائـل الأخرى لحل المنازعات – ومن بينها التحكيم – ، وذلك على خلاف نص المادة (20) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين (الملغى) رقم (44) لعام 1985(7) ، إذ كانت تنص على إختصاص المحاكم الأردنية حصراً على النحو التالي : (بالرغم من كل اتفاق مخالف تعتبر محاكم المحل الذي يمارس فيه الوكيل نشاطه هي المختصه في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية).
وقــد ذهبــــت محكــــــــمة التمييـــــز الأردنيــــة إلى أبعــد مـــن ذلــك في قــــــرارهاتمييز (حقوق) رقم (2486/1999) تاريخ 26/3/2000 – هيئة خماسية / LawJO والذي جاء فيه (وعن جميع أسباب التمييز التي تنعى فيها المميزة على محكمة الإستئناف خطأها بتصديق قرار محكمة بداية عمان الذي قضى بوقف السير بإجراءات الدعوى وإحالة النزاع إلى التحكيم ، مع أن المادة (20) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين قد تضمنت نصاً آخراً يمنع من نزع اختصاص القضاء الأردني للنظر والفصل في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية المعقودة مع وكيل أردني ، وتجعل الإختصاص للفصل في هذه النزاعات من اختصاص القضاء الأردني بغض النظر عن أي اتفاق مخالف.
وعن جميع هذه الأسباب ، نجد أن قرار محكمة بداية عمان بوقف السير في إجراءات المحاكمةلم يتضمن ما يستشف منه أنها قضت بعدم إختصاصها للنظر والفصل في النزاعات التي تثار أو تنشأ عن تنفيذ عقد الوكالات التجارية ، و إنما صدر القرار بوقف السير بإجراءات الدعوى بعد أن تبين لمحكمة البداية ان فريقي الدعوى قد اتفقا مسبقا على حلّ النزاعات التي تثور بينهما حول عقد الوكالة التجارية عن طريق التحكيم ؛ إذ جاء في المادة (20) من الإتفاقية الموقعة بينهما بتاريخ 11/4/1992 (أي نزاع أو اختلاف ينجم عن هذه الإتفاقية يحال إلى التحكيم من قبل محكّم واحد يتفق على عليه من قبل الفريقين وإذا لم يتم الإتفاق يعيّن بناء على طلب أي من الفريقين من قبل قاضي القضاة في جمهورية اليمن الديمقراطية).
وجاء في المادة (21) من الإتفاقية ذاتها (يطبق قانون الجمهورية اليمنية الشعبية الديمقراطية في كافـّة القضايا الناشئة عن هذه الإتفاقية).
وبما أنه ليس في المادتين المذكورتين أعلاه ما يشكـّل نزعاً لإختصاص القضاء الأردني أو ما فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية ، و بما أنه ليس في التشريعات النافذة في المملكة الأردنية الهاشمية ما يمنع من تنفيذ شرط التحكيم المسبق (اتفاق التحكيم) أو ما يمنع من الإتفاق على تطبيق قانون أي دولة أخرى على نزاع ينشأ بين طرفي عقد ما ، وعلى العكس من ذلك فإن نصوص المواد (20 ، 27 ، 28 ، 29) من القانون المدني تتضمن جواز تطبيق القانون الأجنبي من قبل المحاكم الأردنية إذا توفرت الحالات اللمنصوص عليها في تلك المواد.
لكل ما تقدّم نجد أن جميع أسباب الطعن لا ترد على القرار المطعون فيه ، لذلك نقرر رد التمييز و تأييد القرار المميز).
و في ضوء ذلك يتبيـّن لنا أن إعتبار محكمة التمييز وقف السير في اجراءات المحاكمة بسبب إتفاق أطراف الدعوى على إحالة الخلافات التي تنشأ بينهما حول عقد الوكالة التجاريـة إلى التحكيم لا يشكـّل نزعاً لإختصاص القضاء الأردني أو ما يخالف النظام العام أو الآداب في المملكة ، بل وأن القانون الأردني يتضمن في متنه من النصوص القانونية التي تجيز تطبيق القانون الأجنبي من قبل المحاكم الأردنية ، وقد صدر هذا القرار في ظل سريان نص المادة (20) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين رقم (44) لعام 1985 والتي أوجبت على أنه و بالرغم من كل اتفاق مخالف تعتبر محاكم المحل الذي يمارس فيه الوكيل نشاطه هي المختصه في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية ، إذ يتبيــّن ويتضح من هذه المادة إستثناء أي إتفاق مخالف لنزع الإختصاص من المحاكم الأردنيـــة من دائرة التطبيق ، إلا أن محــكمة التمييز الموقـرة قد قررت بأن الإتفاق على التحكيـــم لا يشكل نزعاً لإختصاص المحاكم الأردنية و إنما فيه تطبيق لقواعد النظام القانوني الأردني.
وبالرجوع لنص المادة (16/أ) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين رقم (28) لعام 2001 والتي تنص على إختصاص المحاكم الأردنية بالنظر في أي نزاع أو خلاف ناشيء عن عقد الوكالة التجارية ، وهذا النص لا يتضمن استثناء أي إتفاق مخالف لنزع الإختصاص من المحاكم الأردنية فعنئذٍ يكون و من باب أولى إعتبار نص المادة (16/أ) غير سالبٍ لإختصاص القضاء الأردني وغير مخالف للنظام العام أو الآداب في المملكة ، و يستتبع ذلك القول بجواز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية.
في ضوء ما تقدم يتبين لنا أن منازعات عقد الوكالة التجارية تعد من قبيل المنازعات التجارية ، كما أن طبيعة العلاقة القانونية التي تدور حولها هذه المنازعات عقدية ، وهي بذلك تندرج تحت مظلة قانون التحكيم الأردني رقم (31) لعام 2001 ، كما أن النظام القانوني الأردني بجميع مشتملاته يضمن جواز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية إلا أن إجتهادات محكمة التمييز تباينت وتضاربت بخصوص مدى جواز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية ، فذهبت في بعضها إلى البطلان و ذهبت في البعض الآخر إلى الإجازة ، مما يخلق حالة من عدم الإستقرار للإجتهاد القضائي بخصوص النقطة موضوع البحث.
و بهذا الصدد نتمنى على القضاء الأردني ممثلا ً بإجتهادات محكمة التمييز الموقرة ، أن يوحد إجتهاده بخصوص اتفاق التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية ، بأن يستقر على مبدأ قانوني يجيز التحكيم بهذه المنازعات في ضوء الأدوات القانونية الحالية . كما و نتمنى على المشرّع الأردني أن يورد صراحة ً نصوصاً قانونية ً خاصة تجيز و تتيح وتسهّل اللـّجوء إلى التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية ، و نأمل من المشرّع الأردني و/أو الجهات ذات العلاقة ، إستحداث غرفاً قضائية تجاريـة – أسوة ً بالتشريعات المقارنة – مما يساهم في رسم سياسة تشريعية و قضائية متخصصة تنتصر لخصوصية المنازعات التجارية ، بما يساهم في استصدار الأحكام القضائية الأكثر عدالة ً وموائمة ً لطبيعة النزاعات التجارية.
(1) د.فوزي سامي ، التحكيم التجاري الدولي ، ط2 ، دار الثقافة ، عمان ، 1992 ، ص20.
(2) إنضم الأردن للعديد من الإتفاقيات المنظمة للتحكيم ومنها: 1.اتفاقية الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وإنفاذها (نيويورك – 1958) ، 2.اتفاقية تسوية المنازعات الإستثمارية بين الدول ورعايا الدول الأخرى (واشنطن – 1965) ، 3.اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري (1978) ، 4.اتفاقية الرياض للتعاون القضائي (1983).
(3) والتي تنص على أن :
1. تعترف كل دولة متعاقدة بأي اتفاق مكتوب يتعهد فيه الطرفان بأن يحيلوا إلى التحكيم جميع الخلافات أو أية خلافات نشأت أو قد تنشأ بينهما بالنسبة لعلاقة قانونية محدذذة ، تعاقدية أو غير تعاقدية ، تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم.
2. يشمل مصطلح “اتفاق مكتوب” أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي إتفاق تحكيم موقّع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة.
3. على المحكمة في أية دولة متعاقدة، عندما يعرض عليها نزاع في مسألة أبرم الطرفان بشأنها اتفاقا بالمعنى المستخدم في هذه المادة، أن تحيل الطرفين إلى التحكيم بناء على طلب أيهما ، ما لم يتبين لها أن هذا الإتفاق لاغ وباطل أو غير منفذ أو غير قابل للتنفيذ.
(4) والتي تنص على أن: (تختص المحاكم الأردنية بالنظر في أي نزاع أو خلاف ناشيء عن عقد الوكالة التجارية أو عن تطبيق أحكام هذا القانون).
(5) انظر قرار محكمة التمييز الأردنية رقم (365/2006) تاريخ 1/11/2006 – هيئة خماسية / LawJO ( … نجد أن الإجتهاد القضائي مستقر على أن الشرط الوارد في أي إتفاقية يتعلق بحل الخلافــات عن طريق التحكيم في بلد أجنبي لا يجوز إعماله لمخالفته لقاعدة دستورية تتعلق بالسيادة الوطنية … )
(6) لافي محمد درادكة (2008) “السياسة التحكيمية في منازعات عقد الوكالة التجارية في القانون الأردني” مؤته للبحوث والدراسات ، المجلد الثالث والعشرون ، العدد الأول ، ص 20.
(7) المنشور على الصفحة (1235) من عدد الجريدة الرسمية ، رقم (3338) ، تاريخ 1/9/1985 ، و الملغي بموجب قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين رقم (28) لعام 2001.
اترك تعليقاً