ضمانات مبدأ المشروعية
المحامية / منال داود العكيدي
يقصد بمبدأ المشروعية في معناها الواسع هو سيادة القانون أي خضوع جميع الأشخاص بما فيها السلطة العامة بكل هيئاتها وأجهزتها للقواعد القانونية السارية المفعول في الدولة. وبمعنى اخر وجوب توافق كل التصرفات التي تصدر من المواطنين وسلطات الدولة مع القواعد القانونية المختلفة المصدر المتعارف عليها من قبل.
اما المعنى الضيق لمبدا المشروعية او ما يسمى بالمشروعية الادارية فهو مبدأ خضوع الإدارة للقانون بمعنى أن كل أعمال الإدارة يجب أن تكون أعمالاً مشروعة لا تخالف القانون وهذا يعني أن الإدارة ملزمة عند مباشرتها لأوجه نشاطها احترام القواعد القانونية أياً كان شكلها ومصدرها وأية مخالفة لمبدأ المشروعية يرتب بطلان عمل الإدارة سواء كان قانونا ام فعلا ماديا،،
وفي تفسير هذا المعنى ظهرت ثلاثة اتجاهات الاتجاه الأول يرى انه يجب أن تكون أعمال الإدارة تطبيقا لقاعدة قانونية أي أن عمل الادارة يكون مشروعا إذا كان عبارة عن تطبيق للقانون وهذا اتجاه يوسع من مدلول مبدأ المشروعية على حساب سلطة الإدارة وحريتها في التصرف.
اما الاتجاه الثاني فيذهب في تفسير معنى المشروعية الادارية انه يجب أن تكون أعمال الإدارة صادرة استنادا إلى القانون، أي أن أعمال الإدارة تكون مشروعة إذا كانت صادرة بناء على أساس قانوني وغير ذلك يعتبر عمل الإدارة غير مشروع ومآله الإلغاء، في حين ان الاتجاه الثالث يرى انه يجب أن تكون أعمال الإدارة غير مخالفة لأحكام القانون بمعنى أن أعمال الإدارة مشروعة ما لم تخالف القانون وهذا الاتجاه يوسع من سلطة الإدارة بلا شك ،لكن الراي الراجح في الفقه جمع بين الاتجاه الثاني والثالث أي ان هناك تكاملاً بين الرأيين.
وهناك مجموعة من الضمانات القانونية التي تضمن سيادة وتحقيق مبدا المشروعية واولى هذه الضمانات هي مبدأ الفصل بين السلطات الذي يحدد كل سلطة في الدولة مجال وحدود اختصاصها حتى لا تتعدى اختصاصات سلطة أخرى وهذا حسب مقولة الفقيه منتيسكيو (السلطة توقف السلطة ) ، اما الضمانة الثانية فهي خضوع الإدارة للقانون أي مطابقة أعمال الإدارة لروح ونص القانون ، اضافة الى تكريس مبدأ تحديد الاختصاصات الإدارية: أي تحديد للإدارة الاختصاصات المقيدة والتقديرية للسلطات الإدارية. وكذلك إخضاع الإدارة لرقابة القضاء: وهي حتمية لسيادة مبدأ المشروعية وحمايته وكذا حماية حريات وحقوق المواطنين تجاه نشاط الإدارية غير المشروعة . وهناك ضمانات اخرى لمبدأ المشروعية يطلق عليها الضمانات الفعلية او العملية وتتمثل بوجود صحافة حرة ومستقلة ووجود أحزاب سياسية مستقلة وحقيقية وكذلك وجود رأي عام مؤثر.
اضافة الى كثرة المنظمات المعبرة عن مصالح الأفراد وفئات المجتمع وارتفاع المستوى الثقافي والفكري للمجتمع . ويستمد مبدأ المشروعية قواعده وأحكامه من مصادر مختلفة ومتنوعة فمنها ما يرد من مصادر مكتوبة ومنها مايكون مصادر غير مكتوبة ، وتشمل المصادر المكتوبة لمبدأ المشروعية التشريع بمعناه الواسع على اختلاف درجاته من الدستور، والقانون والتنظيم.
فالدستور هو القانون الأسمى الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية ويضمن الشرعية على ممارسات السلطات ويكفل الحماية القانونية في مجتمع تسوده الشرعية فالدستور يتميز بالسمو بالنظر إلى مصادره (السلطة التأسيسية) وبما يتضمنه من مبادئ تعتبر أساسية لبناء المجتمع في مختلف جوانبه ، وقد اعتبر الراي الفقهي الراجح ان المبادئ والأحكام القانونية المتضمنة في الديباجة فهي كبقية مواد الدستور وبالتالي على السلطات الالتزام بها تحت رقابة القضاء ، أما ما تتضمنه من توجيهات وإرشادات فهي تختلف في طبيعتها عن الأول، والجدير بالذكر أن المجلس الدستوري الفرنسي قد فصل في الإشكال بنصه صراحة في مادة دستورية تقرّ بإلزامية ديباجة الدستور الفرنسي .
وياتي بالمرتبة الثانية التشريع العادي او القانون ويقصد به مختلف القوانين التي تضعها السلطة التشريعية ايا كانت تسميتها البرلمان اوالمجلس الشعبي الوطني اومجلس الأمة في المجالات التي يخولها إياها الدستور ، وللحفاظ على مبدأ المشروعية فالإدارة العامة ملزمة بهذه القوانين شريطة أن تكون مطابقة للدستور سواء كانت قوانين عادية ام الاتفاقات والمعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية بعد موافقة البرلمان فهي تعتبر ايضا جزءاً من النظام القانوني للدولة مع سموها على القوانين لكنها تخضع لرقابة دستورية أيضا.
وهناك مصدر اخر من مصادر الشرعية المكتوبة وهي التشريع الفرعي او اللوائح التنظيمية وهي كل ما تصدره هيئات وأجهزة الإدارة العامة من قرارات إدارية تنظيمية تتعلق بالأوضاع والمراكز العامة ، ويظهر التشريع الفرعي أساسًا في السلطة التنظيمية المخولة لبعض هيئات الإدارة العامة بحيث تسن قواعد عامة ومجردة لا تختلف عن القانون العادي من الناحية المادية لكن الاختلاف يظهر من الناحية الشكلية حيث تستند السلطة التنظيمية لكل من رئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية مثلا من حقه ممارسة السلطة التنظيمية في غير المسائل المخصصة للقانون بواسطة التوقيع على المراسيم الرئاسية، وتعتبر سلطة واسعة وغير محددة.
واستنادا لذلك فإن مبدأ المشروعية يتحقق باحترام تدرج هذه المصادر المكتوبة طبقًا لتدرج القواعد القانونية بحيث تأخذ القاعدة قوة ورتبة الجهة المصدرة لها.
اما المصادر غير المكتوبة للمشروعية الادارية فتتمثل بالعرف الاداري الذي يقوم على ركنين أساسيين هما:الركن المادي: وهو اعتياد الإدارة العامة في تصرفاتها على سلوك معين ومتكرر ،
اما الركن المعنوي: يتمثل باعتقاد بإلزامية هذه التصرفات سواء من إدارة ام متعاملين معينين، فالعرف الإداري يعتبر مصدرا لمبدأ المشروعية الإدارية فهي تخضع له في ممارسة أعمالها ويترتب على مخالفتها بطلان تلك الأعمال، لكن شريطة أن لا يكون هذا العرف مخالفا للتشريع وهذا ضمانا لمبدأ تدرج القواعد القانونية بالدولة.
اما المصدر غير المكتوب الثاني فهو المبادئ العامة للقانون والتي يقصد بها مجموعة المبادئ العامة للقانون وغير المكتوبة ويعتبر منشئ القضاء الإداري (مجلس الدولة الفرنسي) من خلال أحكامه وقراراته، ومن أهم هذه المبادئ نجد مبدأ كفالة حق الدفاع، مبدأ العدل والإنصاف، مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، مبدأ استمرارية المرافق العامة والتي تسري على الادارة في مختلف جوانبها ، أما من ناحية قوتها الإلزامية فهي ذات مصدر قضائي خالص حسب الفقيه الفرنسي دي لوبادير ، أما من حيث مرتبتها فيذهب أغلبية الفقه إلى ضرورة إلزام السلطة بها وعدم مخالفتها لما لها من قيمة قانونية من أجل المحافظة على مبدأ المشروعية.
اترك تعليقاً