قانون الإرادة
يتميز التجار والشركات التجارية في إطار المنازعات الخاصة الدولية بصفة أساسية تفتقد عند عموم الأشخاص المتاجرين في المجال الداخلي ألا وهي قرينة الاحتراف, بالإضافة إلى ضرورة المرور بالاتفاقات التمهيدية[1]
التي تسبق إبرام العقد, على أساس أن هده العملية هي من العمليات الشاقة التي تستغرق جهدا ووقتا ونفقات.
بل يمكن القول أن المفاوضات التي يهيئ لها بشكل جيد تنتهي غالبا بإبرام عقد ناجح يتم الاتفاق عليه وتنفيذه بطريقة سليمة هادئة يحقق لكل طرف ما يبتغيه من ورائه [2]
الأمر الذي يصدق على التحكيم التجاري الدولي حيث أن هذا التحديد قد يكون صريحا تلعب فيه الإرادة كامل دورها في هذا المجال, وقد تغيب ويتم البحث عنها إما باستقراء الإرادة الضمنية , أو عن طريق المنهج التنازعي, أو المنهج المادي من خلال الجزئيات التالية :
1 : حالة وجود الاختيار الصريح لقانون الإرادة
وفقا لما سبق وأن عرفناه من خلال النقطة الأولى يتبين أنه قد أضحى اختصاص قانون الإرادة بحكم اتفاق التحكيم واقعا,غير أن الابتعاد قليلا عن المجال النظري , يتبين أنه يندر في المجال العملي أن يقوم الأطراف المحتكمون بتحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم أيا كانت صورة ذلك الاتفاق .
فمن حيت اتفاق التحكيم الذي يأخذ صورة شرط في العقد يكون عبارة عن بضعة أسطر, فالعقد الأصلي يحتوي فقط على تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد ذاته بخصوص إبرامه وتفسير أثاره وتنفيذه .
وهاته الملاحظة أيضا تصدق في حالة مشارطه التحكيم ,حيث أنها تجيئ خالية من أي تحديد من جانب الأطراف للقانون الواجب التطبيق عليها باعتبارها اتفاق تحكيم .[3]
على أنه يجب وبشكل أساسي على المتعاقدين الدين يبرمون اتفاق التحكيم أن يقوموا بتعيينه وان عانوا في ذلك كل مشقة , حتى يتسنى لهم معرفة القانون الواجب التطبيق بواسطة إرادتهم, إلا أن أهم تساؤل يثار في هده النقطة هو: ماهو الوقت الذي سيتم فيه تحديد هذا القانون الواجب التطبيق؟ .
إن تحديد هدا القانون عادة ما يتم عند تحرير العقد ,حيت تتضمن بنود العقد بندا يحدد فيه القانون الواجب التطبيق [4] .
على أن هدا لا يمنع من إمكان تحديد الأطراف للقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم بعد إبرامه في اتفاق مستقل مكتوب أو شفهي ,أو حتى أمام الهيئة التحكيمية قبل الفصل في النزاع وهدا بالفعل ما يقتضيه التيسير علي المتعاقدين وتحقيق فعالية القاعدة المادية في مجال التحكيم التجاري الدولي ألا وهو اختصاص قانون الإرادة بما يضفي على الاختيار الصريح من فعالية,لكن إذا كان هذا هو المبدأ فما هي الحدود المسموح فيها ممارسة ذلك الحق ؟ هل لهم اختيار قانون ليست له صلة باتفاق التحكيم أو حتى بالعقد الأصلي المبرم الاتفاق من أجله ؟
2 : حدود المبدأ في المنهج التنازعي
اتجه جانب من تشريعات التحكيم إلى أن اختيار الأطراف القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم يكون عديم الفعالية ولا قيمة له ، ما لم توجد صلة جوهرية بين ذلك الاتفاق والقانون الذي اختير لحكمه . فاختيار الأطراف لذلك القانون ليس بالمتروك تماما لتقديرهم و إلا فتح بذلك أمامهم طريق الغش والتحايل على القانون [5]
ومن تلك التشريعات نذكر قانون التحكيم الاسباني [6] رقم26 سنة 1988 ، والذي نص في مادته 16 على أن ” يحكم صحة اتفاق التحكيم و أثاره القانون الذي حدده الأطراف صراحة, بشرط أن يكون على صلة بالعقد أو العلاقة القانونية غير العقدية ، أو موضوع النزاع المبرم بشأنه دلك الاتفاق . فان تخلفت تلك الصلة كان للهيئة القضائية، المطروح أمامها النزاع بشأن وجود أو صحة اتفاق التحكيم ، أن تطرح ذلك القانون جانبا ، وتنهض بتحديد القانون الذي تتوفر معه تلك الصلة” .
وقد تبنى الفقه بزعامة الفقيه Battifole باتيفول هذا التوجه من منطلق اقتناعه بكون إرادة الأطراف يتلخص دورها في تركيز العقد في مكان معين[7] . غير أن هناك اتجاها أخر يذهب إلى إعطاء الأطراف حرية تامة في اختيار القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، استنادا إلى أن استلزام الصلة بين دلك القانون واتفاق التحكيم يعد قيدا يتناقض مع التسيير الواجب للأطراف في المبادلات والمعاملات الخاصة الدولية .
كما أن القانون الذي سيحدد مع وجود أي قيد لايمكن اعتباره قانونا للإرادة وهو مالا يتماشى مع التوجه نحو تحرير عمليات التجارية الدولية من سطوة وهيمنة سلطان القوانين الوطنية .
وان كان الفقه المصري ممثلا في الأستاذ عبد الكريم سلامة [8]
لايجا ري هده الأطراف ويرى بضرورة الاكتفاء بتوفر صفة فنية بين القانون المختار والعقد الأصلي أو موضوع النزاع , مستندا في دلك إلى أن جانبا كبيرا من عقود التجارة الدولية ، الوارد بخصوصها اتفاق التحكيم ، يتم بموجب عقود نمطية متعارف عليها ، في مجال سلعة معينة ، ومقبولة في أوساط التجارة الدولية ، وهي عادة لا تتصل بدولة معينة ومن تم بالنسبة له فلا حاجة لاشتراط أن يكون القانون المختار لحكم اتفاق التحكيم على صلة بالعقد الأصلي أو بموضوع النزاع وربما عدم تسليمه المطلق بهاته المسألة تذهب في كونه من أنصار المنهج التنازعي الجديد[9] .
ورغم التسليم بوجود منهج قائم بذاته ألا وهو المنهج الموضوعي أو منهج القانون الخاص الدولي الذي أصبحت تؤكده مجموعة من المؤيدات[10] ,
فاختيار الأطراف للعادات وأعراف التجارة الدولية وما استقر عليه التعامل في المجال التجاري الدولي هو الذي يعطيه يجعله المنهج الصالح للمواجهة تطورات التجارة الدولية .
ليبقى أمامنا المجال مفتوحا للانطلاق إلى نقطة أخرى وهي تلك المتعلقة بحالة غياب قانون الإرادة والبحث عن القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم
[1] Xavier Leclercq ; les contrats commerciaux , top management 2000 p185
: قانون العقد الدولي , احمد عبد الكريم سلامة الطبعة الأولى دار النهضة العربية 2000-2001 الصفحة 31 ومايليها .[2]
: التحكيم التجاري الدولي عبد الكريم سلامة المرجع السابق الإشارة إليه ص 301 ومايليها .[3]
[4] حيت انه إذا كان القانون قد اعترف للمتعاقدين بالحق في تعين أو تحديد القانون الذي يحكم عقدهم , فإن المقتضى الطبيعي أن يمارس هؤلاء ذلك الحق بإرادتهم الصريحة .
إن قانون هاته الدولة أو تلك أو حتى القواعد الموضوعية التي استقرت في مجال معين هي القانون الواجب التطبيق فإن تم دلك كنا بصدد الاختيار الصريح أو الإرادة الصريحة VOLANTE EXPRESSE لقانون العقد وكنا فعلا بصدد قانون الإرادة LEX VOLANTE للمزيد من التوسع في هذه النقطة يرجى الرجوع إلى كتاب الاستاد احمد عبد الكريم سلامة قانون العقد الدولي السابق الإشارة إليه ص 189 ومايليها
[5] :يقصد بالغش أو التحايل على القانون قيام أطراف العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي بتغير أحد المعاير التي يتحدد بمقتضاها القانون الواجب التطبيق وفقا لقواعد الإسناد, ويشترط لإعمال الدفع بالغش أو التحايل نحو القانون توافر شرطين او عنصرين
عنصر مادي : يتجلى في تغير معاير الإسناد
عنصر معنوي: يتجلى في توافر نية الغش نحو القانون
للمزيد من التوسع يمكن الرجوع إلى كتاب الاستاد محمد تكمنث السابق الإشارة إليه ص 123 ومايليها وكذلك
M. de Boisséson l’arbitrage et La fraude Rev arb 1993 n 1 p3 est s
: وارد في كتاب الأستاذ عبد الكريم سلامة ص 304 السابق الإشارة إليه.[6]
[7] لحماية القانونية للعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص الأطروحة السابق الإشارة إليها25 ص وما بعدها .
[8] أحمد عبد الكريم سلامة المرجع السابق الإشارة إليه ص 304 ومايليها.
[9] يعتببر المنهج التنازعي الجديد من المناهج المحدتة للمنهج قاعدة التنازع حيث يذهب هدا الاتجاه الى كفاية قاعدة الاسناد وعدم الاعتامد على أي منهج اخر ودلك عن طريق تحديت قواعد الاسناد لتواكب التطورات التي يعرفها مجال المعاملات الخاصة الدولية ويتزعم هدا الاتجاه في الفقه العربي الاستاد عبد الكريم سلامة .
[10] للمزيد من التوسع حول مؤيدات وجود منهج القواعد الموضوعية يرجى الرجوع الى المؤيد المرجع السابق وكدلك تنازع مناهج التنازع السابق الاشارة اليهما
اترك تعليقاً