المعنى القانوني للجريمة
أ/ عبد الله كامل مجادين
يوجد للجريمة – بصفة عامة – معنيان أحدهما قانوني والأخر غير قانوني ( أخلاقي أو اجتماعي ) وفقا لمعناها القانوني ، بأنها الفعل الذي يجرمه القانون ويقرر له جزاءا جنائيا . أما المعني غير القانوني للجريمة ، فلقد تباينت آراء الفقهاء بشأنه : فمنهم من يؤسسه على الأخلاق ومنهم من يرده إلي القيم الاجتماعية .
أ- فالاتجاه الأول : يربط بين الجريمة وقواعد الأخلاق ، فالجريمة لهذا الاتجاه هي كل فعل يتعارض مع المبادئ الخلقية .
إلا أن أنصار هذا الاتجاه انقسموا على أنفسهم إلي قسمين :
القسم الأول : يجعل العلاقة بين الجريمة والأخلاق قاصرة على مخالفة بعض القواعد الخلقية كلها .يتزعم القسم الأول الفقيه الإيطالي جاروفالو ، وهو أحد أقطاب المدرسة الوضعية الإيطالية . يري هذا الفقيه أن الجريمة هي كل فعل أو امتناع اُعتبر جريمة في كافة المجتمعات المتمدينة ، والتي اعتبرت كذلك على مر العصور بسبب تعارضها مع قواعد الإيثار والرحمة والأمانة والنزاهة . يطلق جاروفالو على هذه الجريمة اسم ” الجريمة الطبيعية ” ومن أمثلها القتل والسرقة . وبالنظر إلي تعريف الجريمة على هذا النحو يلاحظ أنها يجب أن تكون واحدة بالنسبة لجميع المجتمعات ، ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، وأنها تخالف بعض قواعد الأخلاق لا جميع هذه القواعد . وقد تعرض مفهوم جاروفالو لفكرة ” الجريمة الطبيعة ” للنقد الشديد .
أ- فالقول بوحدة الجريمة وعدم تغيرها في الزمان والمكان أمر يكذبه الواقع والتجربة ، فالتجربة والواقع يثبتان أن فعلا معينا يعد جريمة في ظروف معينة ، ولا يعد كذلك إذا ما تغيرت الظروف .
ب- يضاف إلي ما تقدم ، أن قصر مفهوم الجريمة على الأفعال التي تتعارض مع بعض قواعد الأخلاق فيه تضيق لنطاقها .
القسم الثاني : يجعل العلاقة بين الجريمة والأخلاق شاملة لكل القواعد الخلقية دون تمييز
ولتفادي الانتقادات السابقة ذهب أنصار القسم الثاني إلي تعريف الجريمة بأنها كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم الأخلاقية المتعارف عليها في المجتمع . يتضح من هذا التعريف الربط بين الجريمة ومخالفة كل قواعد الأخلاق لا بعضها كما ذهب أنصار القسم الأول .
مع ذلك فقد تعرض تعريف الجريمة على هذا النحو للنقد أيضا ، ويقوم هذا الاعتراض أساسا على عدم وجود تطابق بين القانون الجنائي والأخلاق
1- فهناك أفعال لا تتعارض مع القيم الأخلاقية ويجرمها القانون
2- يضاف إلي ذلك أن القيم الأخلاقية فكرة مثالية ، والمثالية هي ما ينبغي أن يكون ، ومن ثم فإن التعريف السابق لا يضع تعريفا للجريمة كما هي كائنة في الواقع ، إنما لما يجب أن يكون جريمة . وهذا عن الاتجاه الأول الذي يربط بين الجريمة والأخلاق .
ب- الاتجاه الثاني : فيقوم التعريف الاجتماعي للجريمة لديه على أساس الرابط بينها وبين القيم الاجتماعية . وتعددت زعماء هذا الاتجاه فمن قائل بأن الجريمة هي كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم والأفكار التي استقرت في وجدان الجماعة ومن قائل بأنها تلك التي تتعارض مع المقتضيات الأساسية الخاصة بحفظ وبقاء المجتمع لا شك في أن التعريفات السابقة للجريمة تبين جوهرها وحقيقتها ولكنها تفتقر إلي التحديد الدقيق لمفهومها.
1- ذلك أن ” القيم الاجتماعية ” التي تؤسس عليها هذه التعريفات ، فكرة غير منضبطة تحتاج إلي بيان حدودها .
2- ثم – وهذا هو الأهم – من هو صاحب السلطان في تقرير هذه القيم وتحديدها
لو ترك الأمر لكل باحث لتضاربت الآراء حول الجريمة ومن ثم فقدت هذه الدراسة صفة العلم التي توصف بها .
ولذات الأسباب السابقة يأخذ الاتجاه الغالب بالتعريف القانوني للجريمة في مجال علم الإجرام ، فالجريمة وفقا لهذا التعريف – كما أشرنا من قبل – هي الفعل الذي يجرمه القانون ويقرر له جزاءا جنائيا . وعلى الرغم من أن الاتجاه الغالب في الفقه هو الرجوع إلي هذا المعني القانوني لتحديد أي من الأفعال يعد جرائم ، إلا أن هذا الاتجاه انقسم بشأن أي من هذه الجرائم يصلح لأن يكون موضوعا لدراسة علم الإجرام . فالجرائم ليست على درجة واحدة من الجسامة ، منها ما هو شديد الجسامة ومنها ما هو متوسطها ومنها ما هو أخف جسامة ويطلق على النوع الأولي الجنايات والثاني الجنح والثالث المخالفات . فهناك من يري استبعاد المخالفات من دراسة علم الإجرام ، نظراً لتفاهتها من جهة ولأنها لا تكشف عن شخصية إجرامية أو تكوين إجرامي من جهة أخري . مع ذلك فإن استبعاد كل المخالفات أو بعضها لا يتفق والمفهوم القانوني للجريمة الذي اعتمدناه أساسا لدراسة علم الإجرام ، يضاف إلي ذلك أن المخالفة مهما كانت تفاهتها أو عناصرها . فهي في كل الأحوال سلوك يحظره المشرع ويري فيه اعتداء على قيم اجتماعية جديرة بالحماية ومن ثم كانت مقاومة هذا السلوك ضرورية ويكون ضروريا بالتالي دراسة العوامل الدافعة إليه .
ولهذا فمن المناسب أن يكون مفهوم الجريمة في علم الإجرام شاملا لكافة أنواع الجرائم بما فيها المخالفات . وعلى العكس من ذلك ، فإنه يخرج من نطاق دراسة علم الإجرام أي سلوك لا ينطبق عليه وصف الجريمة بالتحديد السابق ، مهما كانت درجة مخالفة هذا السلوك القيم الأخلاقية أو الاجتماعية ، بل مهما كانت درجة خطورة الشخص الذي يصدر عنه مثل هذا السلوك .
اترك تعليقاً