مقال قانوني في إلغاء الحد الأقصى للرسوم القضائية في الإمارات

إلغاء الحد الأقصى للرسوم القضائية في أبوظبي: تحليل مقارن ودراسة التأثيرات

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

هل سيسهم التشريع الجديد الخاص برسوم المحاكم في الحد من الدعاوى العبثية أم أنه سيكون عائقاً أمام إنصاف الذين يرفعون دعاوى ذات قيمة عالية ومبررة؟ يعاين زهدي يكن- الشريك في مكتب ’بيت المحاماة‘ للمحاماة والاستشارات القانونية- في السطور التالية التبعات المحتملة لهذا التشريع.

بموجب القانون الجديد رقم (6) لعام 2013 بشأن الرسوم القضائية في إمارة أبوظبي (القانون الجديد)، الذي ينظم رسوم المحاكم الواجب سدادها عن القضايا المرفوعة أمام المحاكم واللجان القضائية في إمارة أبوظبي، فقد تم إلغاء الحد الأقصى لرسوم المحاكم (الحد الأقصى للرسوم)؛ مما يعني أنه في حال انطوت الدعاوى على مبالغ كبيرة من المال، سيكون على المتخاصمين التفكير مرّتين قبل الإقدام على رفع أي دعوى. ومن الناحية النظرية، ستساهم هذه الخطوة في تقليص الدعاوى الابتزازية، ولكن بالمقابل من المرجّح أن يعاني أصحاب الدعاوى التي تنطوي على مبالغ كبيرة ومبررة، من صعوبة في الحصول على حقوقهم.

مقارنة عامّة

بموجب القانون السابق، القانون رقم (16) لعام 2008 بشأن الرسوم القضائية في إمارة أبوظبي (القانون السابق)، ووفقاً للمادة رقم (9) منه، فإن الرسوم القضائية لرفع الدعاوى القضائية (المعلومة القيمة) أمام محاكم أبو ظبي تبلغ 4 بالمائة من قيمة الدعوى أو المطالبة، على ألا تتجاوز الحد الأقصى للرسوم الذي يبلغ 20,000 درهم إمارتي؛ أي أن الحد الأقصى للرسوم التي يدفعها المتخاصمون يجب أن لا يتجاوز 20,000 درهم بغض النظر عن قيمة المطالبة.

وعلى نحو مشابه، فإن قانون رسوم المحاكم رقم (1) لعام 1994 في إمارة دبي، كما هو معدل (قانون دبي)، يقرّ حداً أقصى للرسوم يبلغ 30,000 درهم إماراتي على الدعاوى/المطالبات المعلومة القيمة ، والمرفوعة أمام محاكم دبي. وبموجب المادة (19) من قانون دبي، يتم احتساب الرسوم المطبقة على أساس شرائح كما يلي: (1) 7.5 بالمائة عن أول وثاني 100,000 درهم إماراتي أو أي جزء منهما، (2) 6 بالمائة عن ثالث 100,000 درهم إماراتي أو أي جزء منها، (3) 5 بالمائة عن أي قيمة تزيد على 300,000 درهم إماراتي. وفي جميع الحالات، تخضع هذه الرسوم لحد أقصى قدره 30,000 درهم.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد لا يتعامل مع الرسوم المتعلقة بالمحاكم الاتحادية، والتي يتم تنظيمها بموجب القانون الاتحادي رقم (32) لعام 2005 بشأن الرسوم القضائية أمام المحاكم الاتحادية، كما هو معدل (القانون الاتحادي). وبموجبالمادّة (6) من القانون الاتحادي، فإن رسوم المحاكم المطبقة على الدعاوى/المطالبات المعلومة القيمة يتم احتسابها كما يلي: (1) 4 بالمائة عن أول 100,000 درهم إماراتي و(2) 5 بالمائة عن أي مبلغ يفوق 100,000 درهم إماراتي. وفي جميع الحالات، تخضع هذه الرسوم لحد أقصى قدره 30,000 درهم إماراتي. أما بموجب القانون الجديد، فقد اختار المشرّع في أبوظبي إلغاء الحد الأقصى للرسوم، والذي كان منصوصاً عليه في القانون السابق، وقانون دبي، والقانون الاتحادي، لينحو بدلاً من ذلك منحى آخر بخصوص القضايا المدنية والتجارية؛ إذ تفيد المادة (28) من القانون الجديد على أنه لا تخضع إلى الحد الأقصى للرسوم أي دعوى أو مطالبة ذات طبيعة مدنية أو تجارية (والتي تكون معلومة القيمة)، وإنما يتم تطبيق رسم يبلغ 3 بالمائة من مبلغ الدعوى/المطالبة في جميع الحالات. ومن المفارقة، فقد حافظ المشرّع على الحد الأقصى للرسوم والذي يبلغ 10,000 درهم إماراتي بالنسبة لدعاوى الاستئناف المرفوعة ضد أحكام المحاكم الابتدائية، وخفض رسوم المحاكم المطبّقة على قيمة الدعاوى/المطالبات من 4 بالمائة (بموجب القانون السابق) إلى 3 بالمائة (بموجب القانون الجديد).

توقعات المتخاصمين وتأثير القانون الجديد عليهم

أحياناً قد يكون لدى البعض توقعات غير واقعية حول المبالغ التي يستحقونها أو التي يجب سدادها لهم؛ حيث أنهم غالباً ما يضخمون من قيمة ما قد يستحق لهم، ولكن بموجب القانون الجديد لم تعد هذه الوسيلة صالحة، فإذا كان المراد المطالبة بمبالغ باهظة، عندها يتوجّب على المدعي دفع رسوم عالية عن ذلك.

لم تكن تشكل سابقاً القضايا ذات القيمة العالية والخاضعة للحد الأقصى للرسوم الذي هو منخفض نسبياً (يبلغ 20,000 درهم إماراتي بموجب القانون السابق) مانعاً أمام المتخاصمين من رفع دعاوى ذات طبيعة تخمينية. أما الآن، ومع إقرار هيكلية الرسوم الجديدة تم الغاء الحد الأقصى للرسوم وإقرار رسوماً ثابتة تبلغ قيمتها 3 بالمائة من إجمالي قيمة الدعوى في كافة الحالات، سيكون على المتخاصمين التفكير مليأً فيما إذا كان رفع الدعوى هو أفضل الخيارات المتاحة. وسيكون أصحاب الدعاوى أكثر واقعية وأكثر ميلاً لعدم المبالغة في مطالبهم من أجل تجنب أي رسوم قضائية هم بغنى عنها، لاسيما وأنهم سيضطرون إلى دفع هذه الرسوم جنباً إلى جنب مع أتعاب المحامين.

على سبيل المثال، بموجب القانون السابق، كانت رسوم دعوى قيمتها 100,000,000 درهم إماراتي تبلغ 20,000 درهم إماراتي (أي الحد الأقصى). وبموجب قانون دبي، كانت رسوم الدعوى ذاتها تبلغ 30,000 درهم إماراتي (أي الحد الأقصى). أما بموجب القانون الجديد، فستبلغ رسوم الدعوى ذاتها- في نزاع مدني أو تجاري- إن تم رفعها أمام المحكمة الابتدائية في أبوظبي 3,000,000 درهم إماراتي. ويبيّن هذا المثال حجم التغيير الهائل الذي طرأ على الرسوم القضائية الواجبة الدفع. ونظراً لهذا التعديل، فإنه من المحتمل أن تقوم الاطراف المتعاقدة في العقود العالية القيمة بتغيير/تعديل الأحكام الخاصة بالقانون المطبق والإختصاص بحيث أنه من الممكن أن تشترط في العقود، على سبيل المثال، أن يكون الإختصاص لمحاكم دبي (أو أية محاكم أخرى غير محاكم أبوظبي) وذلك للفصل في نزاعاتها، أو قد تلجأ إلى وسائل أخرى لحل النزاعات.

خطوة مرحب بها، ولكن لماذا الوقوف عندها؟

يعتبر خفض نسبة الرسوم القضائية من 4 بالمائة (بموجب القانون السابق) إلى 3 بالمائة (بموجب القانون الجديد) خطوة مشجعة للمتخاصمين الساعين إلى استعادة حقوقهم أمام محاكم أبوظبي. ولكن الأمر قد لا يكون كذلك في حال كان المتخاصمون (وبالدرجة الأولى من الشركات الصغيرة والمتوسطة أو الأفراد) لا يمتلكون الموارد المالية الكافية لمتابعة قضاياهم الكبيرة ذات القيمة العالية؛ حيث ستصبح عملية اللجوء للتقاضي باهظة التكلفة لدرجة تمنع اللجوء إليها بالنسبة لهذه الفئة من المتخاصمين.

وفي إزالة الحد الأقصى للرسوم بدلاً من الاكتفاء برفعه، سيكون على المتخاصمين أخذ هذا العنصر الإضافي في عين الاعتبار، ومن المحتمل أنهم سيستنفذون من الآن فصاعداً كافة الوسائل الودية لحل المنازعات قبل اللجوء إلى القضاء. وقد يشكّل الجانب المالي لهذه العملية عبئاً. ومن المرجح أيضاً أنه حالما يتم اختيار المحامين سوف يتم إجراء تقييم وتثمين للدعوى المراد رفعها، بما يشمل تقييم ما اذا كانت أضرار معيّنة -مثل الأرباح الفائتة، أو الأضرار المعنوية أو خسارة السمعة- لها أسس متينة لنجاح الدعوى، وإلا فسوف يجد المتخاصمون أنفسهم قد دفعوا رسوماً قضائية عالية دون تحقيق الغاية المرجوة.

وعلى سبيل المقارنة، فإن أغلب مؤسسات/ مراكز التحكيم تقسّم مصاريف وأتعاب التحكيم – أتعاب المحكّم (المحكّمين) بالدرجة الأولى- إلى عدة شرائح تبعاً للمبلغ المتنازع عليه أو المبلغ الذي تتم المطالبة به.

وتكون كل دعوى تندرج في إطار الشريحة المحددة خاضعة لما يلي: (1) حد نقدي أدنى لهذه الشريحة، بالإضافة إلى (2) نسبة مئوية محددّة من مبلغ الدعوى. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة المئوية تنخفض كلما ارتفعت قيمة الدعوى، حتى تصل قيمة الدعوى إلى عتبة معيّنة. وبمجرد تجاوز هذه العتبة، لن تتغير نسبة الرسوم بغض النظر عن أي حد ترتفع فيه قيمة الدعوى.

وإذا كانت رغبة المشرّع في أبوظبي هي الحفاظ على مبدأ “لا حد أقصى” بموجب القانون الجديد، وهو ما يشكل جوهر التغيير الذي تم تبناه المشرّع .

فإننا نأمل أن يتم خفض نسبة 3 بالمائة في الدعاوى ذات القيمة العالية أو العالية جداً. فمن الممكن للمشرع أن يلجأ إلى اعتماد منهجية شبيهة لتلك المتبعة في قانون دبي أو تلك التي تعتمدها أغلب مؤسسات/مراكز التحكيم، أي تقسيم قيمة الدعاوى إلى شرائح وتطبيق رسم معيّن عن كل شريحة، بحيث ينخفض الرسم كلما زادت قيمة الدعوى.

وفي حين نعتقد أن المشرّع لا ينوي تشجيع الأطراف المتعاقدة في العقود العالية القيمة على اختيار اختصاص محاكم أخرى غير محاكم أبوظبي، ولكن للأسف أصبح هذا الأمر مرجح الحدوث. وأهم ما في الأمر أن الموارد المالية قد تكون عائقاً للعدالة في إنصاف المدعين عندما تكون المطالبة محقة وقيمتها عالية. وفي جميع الأحوال، إذا كان رؤية دائرة القضاء في أبوظبي تهدف إلى التشجيع على اتباع الوسائل البديلة لحل النزاعات، فإن ذلك سيحدث دون شك، وإذا كان الهدف هو توليد مزيد من الدخل للإمارة، فإنه من المرجح لهذا الأمر أيضاً أن يتحقق. وإن كانت الغاية هي تقليص عدد الدعاوى والحد من المطالبات العبثية، فإن مبدأ “لا حد أقصى ” سيحقق الهدف المنشود.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.