تحقيق الأمن التعاقدي وكونه رهين بتوحيد التوثيق
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ محمد ساسـيوي
رئيس المجلس الجهوي لعدول مكناس النائب الأول لرئيس الهيأة الوطنية للعدول
تحت عدد: 108
بدأت بعض البوادر تلوح في الأفق بترسيخ منظومة التوثيق بالمغرب، نتيجة التوجه التشريعي في إقرار مبدأ رسمية التعاقد بصورة تدريجية في العقار عموما، المحفظ وغير المحفظ، وظهر ذلك جليا من خلال مقتضيات النصوص لمجموعة من القوانين المتعلقة بالعقــــــــار، حيث أوجب المشرع إبرام كافة التصرفات العقارية بواسطة الموثقين المعتمدين والمؤهلين في الميدان وهم : العدول الموثقون والموثقون العصريون، وأسند إليهم هذا الاختصـــــــــــاص، وجعله مقتصــــــــرا عليهم.
ولعل هدف المشرع من هذا التوجه، هو توفير الأمن التعاقدي لأجل حماية الحقوق والمصالح وتشجيع الاستثمار، وتوفير الطمأنينة والارتياح في نفوس المتعاقدين : ملاكين ومستثمرين، ومنعشين عقاريين وغيرهم، ولما تكتسيه التصرفات العقارية عموما من اهتمام خاص، سيما مع ما يعرفه العقار من طابع التعددية حيث تم إخضاع كل نوع منه لقوانين وأنظمة لكل منها طابعها وخصوصياتها، وبذلك كان من اللازم مراعاة هذه المصالح، وتجنب كل المخـــــاطر، لأجل النهوض بعمليات الإشراف على التعاقد، وحمايتها ممن لا يخضعون لأي ضوابط أو معايير تذكر في هذا الميـــــــــدان.
ولأن علم وفقه التوثيق يقتضي من المنتسبين إليه الإحاطة الدقيقة بكل ضوابط وقواعد صياغة العقود، والإلمام الكافي بكل مستجدات التشريع العقاري والقانون المدني والجبـــائي، وقانون التحفيظ وغيره من فروع القانــــــــــــــــون، فكان واجبا إذن على الدولة أن تكفل هذا المجال الحيوي، وتحيطه بالحمــــــــــــــــــاية اللازمة والعنـــــاية المطلــــوبة من كل عبث أو استهتــــــــــــار.
وكان الإحباط والمفاجأة أخيرا سيدي الموقف بظهور مشروع قانون يمنح صلاحيات توثيق العقود الثابتة التاريخ لوكـــــــلاء الأعمال والكتاب العموميين ، تحت ذريعة
ظهير 12/01/1945، ولأن هذه الفئة ستزاول مهــــــــامها تحت إشراف ومراقبة النيـــــــــــابة العـــــــــــــــامة، ولن تعطى لهم صلاحيــــــــــــــات استلام الأموال، أو القيـــــــــام بإجراءات تسجيل العقـــــــــــــود، وتقييدها بالمحافظــــــــــــة العقــــــــــــــــارية، وتصفيـــــــــــة الضرائب نيـــــــــابة عن المتعـــــــــــاقدين، إسوة بالعدول والموثقين .
وكل هذه التبريرات لا نرى لها انسجاما مع المنطق، والتوجه العام نحو إجبارية رسمية العقود والتصرفات العقــــــــــــــــارية، الذي فرضته الكثير من القوانين، آخرها قانون مدونة الحقـــــــــــــــــوق العينية، ولذلك فإن هذا المشروع جاء غير واضح، ويكتنفه الغموض والثغرات، في غيـــــــاب دراسة وفلسفة عميقة للنتــــــــــــــائج والعواقب التي يمكن ان تنتج عنه ، وتؤثر بشكل سلبي على اسقرار الأمن التعــــاقدي المنشــــود.
وكنا نأمل أن تؤخذ ملاحظات واقتراحــــــــــــــــات الهيأة الوطنية للعدول وهيأة الموثقين بعين الاعتبار، وتعطى لها العنـاية والاهتمــام اللازمين، لأنهم معنيون بالموضــــــــــــــــوع وبشكل مباشر، ما دفع إلى التنديد به واستنكـــــــــــــــــاره من طرف الهيأتين، أمام كل من وزارة العدل، وغرفة البرلمان .
ودون الخوض في التفاصيل، أعتقد وبكل أسف بأننا أصبحنا فعلا نوجد أمام الأمر الواقع ، نرجو أن يتدارك الأمر نواب الأمة بحكمتهم وتبصرهم، وإرجــــــــاع الأمور إلى نصابهــا، بتصحيـــــــح كل السلبيــــــــــــــــات المرتبطــــــة بهذا الملف.
وفي هذا السياق انعقدت أشغال الندوة العلمية التي قامت بتنظيمها الهيأة الوطنية للموثقين يومي : 18و19 أبريل 2014 بالصخيرات، انصبت أشغالها حول الأمن التعاقدي وتحديات التنمية، وانبثقت عنها عدة توصيــات كنا نأمل أن تشمل كذلك المطالبة بتوحيد التوثيـــــــــــــق بالمغرب، وتجــــــــــــــاوز هذه الازدواجية المقيتة.
ونرى أنه آن الأوان أن نجدد هذا المطلب للجهات المسؤولة، وننــادي برفع هذا التقسيم الذي فرض على جهاز التوثيق ببلدنا لعقـــــــــــــــود من الزمن، وهو تقسيم لا إرادي ولا رضـــــــــــــــائي، يعبر فعـــــــــــــــــلا عن وجود خلل في التشريع، ويذكرنــــــا ببصمــــات وإرهاصات الاستعمــــــــــــــار الفرنسي وآثـــــــــــاره.
هذا الاستعمار الذي كان السبب المباشر في فرض هذا الإشكال على المغاربة، منذ صدور أول قانون للتوثيق بتاريخ : 04 ماي 1925 ، الذي كانت أغلب مقتضياته تخاطب الموثقين الفرنسيين بصريح العبارة، وتم وضعه آنذاك لفائدة الفرنسيين المستعمرين، ومصــــــــــــــالحهم الخاصة، ضدا على العدول المغاربة الذين واجهوا المستعمر ورفضوا رفضا قاطعا توثيق عقود التصرفات العقارية للفرنسيين،
وامتنعـــوا عن كل ذلك بكل جرأة وشجاعة كشكل من أشكال المقاومة من قبلهم لمحــــــــــــــــاربة المستعمر، وكان ما كان، وهو صدور الظهيــــــــــر المشار إليه.
ولقد كان هذا التوثيق الجديد يسمى بالتوثيق الفرنسي، قبل أن يستبدل بالتوثيق العصري، ثم صدر القانون الجديد المنظم للمهنة، وبعد طول انتظار طبقا للظهير رقم : 1.11.179 الصادر بتاريخ : 22/11/2011 القاضي بتنفيذ القانون رقم : 32.09 الذي نعتبر من حسناته أنه أزال عبارة العصرنة، واكتفى بعبــــــــــــــارة التوثيق، وألزم الموثقين تحريــــر العقد بلغة البــلاد الرسمية، وهي اللغة العربية عوض الفرنسية إلا للظرف القاهر.
وسواء العدول أو الموثقون الذين نبادلهم الاحتــــــــــرام فهما ملزمان الآن بالحفـــــــــاظ على جسر التواصل والتنسيق بينهما، والعمل المشترك، وانفتـــــــــــــــاح كل منهما على الآخر، وتبادل الخبرات، وتوفير حسن النوايا، من أجل صيانة جهاز التوثيق وحمايته والرقي به نحو الأفضل . فهما يؤديان رسالتهما المهنية بالمسؤولية المطلوبة من خلال ترجمة إرادة المتعاقدين بتلقي الإشهاد ، وتحرير العقــــــــــــــــــود طبقا لما تقتضيه وتسمح به مقتضيات القوانين المعمــــــــــــــــول بها ، فكلاهما تخرج من المعـــــــــــــــاهد العليا، وتلقى تكوينـــــــــــــا أساسيــــــــا هامــــــــــــا، وبذلك يمكن توفيـــــــــــــر أرضيـــــــــــة مشتركة للتوحيــــــد ونبذ الازدواجيـــــــــــــة والتقسيم.
إن توحيد النظامين وإصدار مدونة للتوثيق على غرار ما هو معمول به في باقي الدول يعتبران من المطــــــــــالب الأســــــــــــــاسية للهيأة الوطنية للعدول، حتى تقف المؤسستان على قدم الإنصاف والعدل والمساواة بينهما، تنزيلا لأحكام الدستور، وإرسـاء وتوفير مناخ الأمن التعاقدي، وإصلاحــا لورش القضاء الذي انخرط المغرب بكل جدية في مسلسله، وهذا يندرج كذلك في تأهيــــــــــــــل المهن القضائية بصفة عامـــة، ومؤسسة التوثيـــــــــق بصفة خــاصة .
إن هذا المطلب هو جزء لا يتجزأ عن باقي المطالب الأخرى التي كثيرا ما نادينا بها، ويصعب التراجع عنها.
وهي مناسبة كذلك للمطالبة بإسنــــــــــــــاد العمليات المتعلقة ببيع كل وسائل النقل:
– حافلات، شاحنات، سيارات…الخ، والبيوعات، التي تتم عبر المزاد العلني بالمحاكم لجهاز العدول للإشراف على توثيقها، وتحريــر عقود رسمية بشأنها، وقد كان العدول في السابق يحضرون الجلسات القضائية، ويدونون الأحكـــام.
بقلم ذ محمد ساسـيوي
رئيس المجلس الجهوي لعدول مكناس النائب الأول لرئيس الهيأة الوطنية للعدول
اترك تعليقاً