مقال قانوني في مضمون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية

بقلم ذ حمزة التريد

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

طالب باحث بماستر ” الوسائل البديلة لفض النزاعات ” بكلية الحقوق بفاس
تحت عدد: 317
يشكل مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية في الفترة الراهنة أحد أهم الدعائم الأساسية للاقتصاد ببلادنا ، خصوصا في مجال جذب الاستثمار الأجنبي وتشجيعه من خلال العمل على

توفير بنية قانونية قادرة على الاستجابة لرهان الملائمة للمستجدات التي أصبحت تعرفها التجارة الدولية .

لذا فمجرد الحديث عن مشروع قانون خاص بالتحكيم ، فهو بدوره يجسد قفزة نوعية في مجال الارتقاء بعجلة الاقتصاد الوطني الى مصاف العالمية .

مشروع لم يكن وليد اللحظة بل أتى كنتيجة حتمية للعديد من المحطات الأساسية التي ساهمت بالأساس في رسم واغناء الأبعاد القانونية لهذا المشروع ، بدءا من الشكل النظامي الذي كان عليه أول مرة في ظل قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 ، مرورا بالتعديل التشريعي لسنة 1974 ، قبل أن تتعرض أحكام هذا الأخير الى النقد بسبب عدم انفتاح أحكامه بما فيه الكفاية على التحكيم الدولي ، لذا أضحت ملائمة التشريع المغربي في مجال التحكيم مع المبادىء الدولية في التحكيم ضرورة ملحة استلزمت معها اصلاحا تشريعيا عجل بصدور قانون رقم 05-081 المغير بموجبه الباب الثامن من القسم الخامس من قانون المسطرة المدنية 2، والذي أتى بهدف تزويد المنظومة القانونية المغربية بالأدوات الضرورية لتطبيق القرارات التحكيمية وادخال شكل جديد من التسوية البديلة للنزاعات وهو الوساطة الاتفاقية3 .

لكن نظرا للتطور الاقتصادي الكبير والسريع الذي أصبحت تعرفه بلادنا في السنوات الأخيرة بشكل أضحت معه ضرورة ملائمة المقتضيات القانونية للتحكيم مع المستجدات التي أصبحت تعرفها التجارة الدولية أمرا ملحا ، وكذا بالنظر للعديد من المرجعيات الأساسية التي تشكل خريطة الطريق ونقطة انطلاق من بينها التعليمات الملكية السامية الواردة في الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 ، والذي أكد فيه جلالته على ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح ، أضف الى ذلك التوصيات التي خلص اليها ميثاق اصلاح منظومة العدالة بخصوص تشجيع اللجوء الى الوساطة والتحكيم والصلح لحل النزاعات ، من أجل الانفتاح على مشروع قادر على تحقيق طموحات المستثمر الأجنبي وكذا تشجيع الاستثمار الأجنبي .

لذا فصدورمشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية بهذا الزخم التشريعي ، الذي حاول من خلاله المشرع استدراك مجمل النواقص والشوائب التي تخللت ثنايا فصول القانون المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 05-08 ، والانفتاح على رؤية جديدة وفق منظور جديد ، سنحاول من خلال هذه القراءة المتواضعة الوقوف على أهم المستجدات التي حملها هذا القانون في طياته ، من خلال قراءة ثنائية همت بالأساس الجانب الشكلي (أولا) و الموضوعي (ثانيا) .

أولا : من ناحية الشكل

تأتي في مقدمة الملاحظات الشكلية التي يمكن ابدائها بخصوص هذا المشروع ، هو انفصال المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم والوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية ، وهو مايشكل بدوره استجابة والتفاتة تشريعية للنقاش الفقهي الذي لطالما حث على ضرورة تنظيم وتجميع النصوص القانونية لنظام التحكيم سواء التحكيم الوطني أو الدولي وكذا الوساطة الاتفاقية في قانون موحد شامل وجامع .

وفي اطار الملاحظات الشكلية أيضا ، ينبغي الاشارة الى تضخم عدد الفصول من 91 فصلا في ظل قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية الحالي الى 104 مادة في ظل المشروع ، وهو بالمقابل تضخم أتى ليراعي خصوصية الأقسام الثلاث التي حملها المشروع في طياته ، بين قسم احتل العتبات الأولى ليخصه أعضاء لجنة المشروع ( للتحكيم ) وبين أخر (للوساطة الاتفاقية ) ، و أخر ثالث تضمن أحكاما اتفاقية تم الاحتفاظ في ظلها على الطرح الذي تضمنه الفصل 327-70 فيما يخص عدم تنافي مقتضيات هذا الباب أو القانون كما أصبح عليه الأن في ظل المشروع مع كل الاجراءات المتعلقة بتسوية بعض النزاعات التي جاءت في قوانين خاصة ، بالاضافة الى زيادة في عدد فصول هذا القسم بثلاث مواد منها ماهو مخصص للحديث عن كون الأجال الواردة في هذا القانون هي أجال كاملة 4، ومنها ما هو متعلق بحالات تطبيق القانون الحالي5 بشكل انتقالي ، وكذا ما خصص منها لتحديد المجالات القانونية محل نسخ هذا القانون 6.

ثانيا : من ناحية الموضوع
اذا كان من بين أولى المستجدات التي أبان عنها أعضاء لجنة المشروع في ظل مذكرة التقديم هي كالأتي :

التوجه نحو اضفاء طابع الاستقلالية والخصوصية على ألية التحكيم من خلال تبني خيار عدم اخضاع المحكم لرقابة أي جهة قضائية ، والتي تفيد في ظل المرجعية القانونية للتحكيم الحالية (قانون 05-08 ) ما يعرف بالتصريح لدى النيابة العامة من قبل الأشخاص الراغبين في ممارسة المهام التحكيمية بالمغرب 7، وهو الأمر الذي أصبح متجاوزا في ظل المشروع بعد الاجماع الذي أبان عنه أعضاء اللجنة المكلفة باعداد المشروع على ترك موضوع تعين المحكم لاجراء تنظيمي8 أي مايفيد ترك أمر تحديد لائحة المحكمين لنص تنظيمي ، وبالتالي الانتصار لخصوصية واستقلالية المحكم في توليه للمهمة التحكيمية بعيدا عن المراقبة القضائية

الجدير بالملاحظة بخصوص هذا المستجد ، أن تبني أعضاء اللجنة لهذا التوجه يعتبر صائبا ، لأنه حسم بالمقابل في النقاش الفقهي الكبير الذي أبان عن معارضين كثر لهذا الفصل نظرا لكونه يجعل رقابة القيام بوظيفة التحكيم لجهاز النيابة العامة البعيدة كل البعد عن وظيفة التحكيم الاختيارية ، مما يشكل بدوره ضربا صارخا لحرية الأطراف في اختيار المحكمين .

اذا كان الموقف التشريعي بخصوص الجهة التي أناط بها المشرع في ظل القانون الحالي رقم 05-08 صلاحية البث في طلب تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية يتخلله نوع من الغموض واللبس ، بيحث نجده تارة يتحدث عن رئيس المحكمة التجارية هو المقصود في هذا القانون (الفصل 312 9) ، بينما نجده تارة أخرى يتحدث عن رئيس المحكمة المختصة ، فانه بالمقابل قد أبان المشروع عن رؤية واضحة المعالم بخصوص هذه الجهة من خلال اسناده الاختصاص لاضفاء الصيغة التنفيذية على الأحكام التحكيمية بناء على معيار موضوعي يتعلق بموضوع النزاع ( رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس المحكمة الادارية أو رئيس القسم المتخصص في القضاء الاداري بالمحكمة الابتدائية ، أو رئيس المحكمة التجارية ، أو رئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية ) ، مما سيؤدي بدوره الى الحسم بشكل لارجعة فيه في الاشكال الذي كان يثير مفهوم “رئيس المحكمة” .

ليس هذا فقط ، بل من أجل ايضاح الرؤية التشريعية بخصوص الغموض والبس الذي تخلل بعض المقتضيات القانونية للتحكيم في ظل القانون الحالي ، قد استطاع المشرع في ظل المشروع الحسم في الاشكال الذي لطالما أثارته مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 31010 من خلال منح صلاحية التذييل بالصيغة التنفيذية لرئيس المحكمة الادارية أو رئيس القسم المختص في القضاء الاداري بالمحكمة الابتدائية الذي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي الوطني في دائرتها وذلك بدل مصطلح “المحكمة الادارية” ، أو لرئيس المحكمة الادارية بالرباط عوض مصطلح “المحكمة الادارية بالرباط ” عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني ، وهذا بحسب ما أبانت عنه مذكرة التقديم قد أتى بهدف توحيد جهة الاختصاص المانحة للصيغة التنفيذية في شخص رئيس المحكمة كل بحسب اختصاصه .

وفي اطار الحرص على تعزيز الضمانات القضائية على مستوى أحد أوجه الرقابة التي يمارسها القضاء على التحكيم من خلال البث في طلب منح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية ، كان من بين أهم المستجدات التي أتاه المشروع النص على اجراء منح الصيغة التفيذية في اطار”مسطرة تواجهية” في جميع الأحوال سواء كان التحكيم وطنيا أودوليا ، وذلك من خلال ما أتته مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 65 من مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية بنصها على أنه : ” لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا ……. في اطار مسطرة تواجهية “، وكذا مقتضيات الفقرة الأخيرة منها .

أما فيما يخص الشق المتعلق بالتحكيم الدولي ، فقد استهلته لجنة المشروع بمستجد يروم الى التراجع عن التعددية على مستوى المعايير المعتمدة لتحديد دولية التحكيم ، والتي قد حددها المشرع المغربي وفقا للمادة الأولى من القانون النموذجي الذي وضعته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة (unistral) ، في مقابل انفتاح المشروع على المعيار الموضوعي كأساس لتحديد دولية التحكيم ، وهذا ماكرسته مقتضيات المادة 70 من المشروع بنصها على أنه : ” يعتبر دوليا ، حسب مدلول هذا الباب ، التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج “.

وفي اطار التحكيم الدولي أيضا ، ومن أجل استكمال مشوار توحيد جهة الاختصاص المانحة للصيغة التنفيذية في شخص رئيس المحكمة كل بحسب اختصاصه ، توجه المشروع نحو الحسم في اشكالية الاختصاص باعطاء الصيغة التنفيذية بالنسبة للأحكام التحكيمية الدولية سواء الصادرة في المغرب والتي يتم انعقاد الاختصاص للبث فيها لرئيس المحكمة التجارية أو لرئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية التي صدرت في دائرة نفوذهما تلك الأحكام (الفقرة الثانية من المادة 77 ) ، أو تلك الصادرة خارج المغرب بحيث ينعقد الاختصاص لنفس الأشخاص لكن باختصاص مكاني أخر (التابع لهما مكان التنفيذ ) (الفقرة الثالثة من نفس المادة ) ، لكن اذا صدرت هذه الأخيرة في مادة ادارية فالاختصاص المكاني يبقى نفسه لكن الأشخاص تختلف فتصبح رئيس المحكمة الادارية أو رئيس القسم المتخصص في القضاء الاداري بالمحكمة الابتدائية .

هذا وتجدر الاشارة هنا ، الا أن استقرائنا لمضامين النصوص المؤطرة لهذا المشروع خصوصا في الشق المتعلق بالتحكيم توصلنا الى نتيجة أساسية مفادها :

– أولا: أن وعي المشرع بكون التحكيم ليس بمسطرة خاصة فقط ، كما هو عليه الأن في ظل قانون المسطرة المدنية ضمن القسم الخامس المخصص للمساطر الخاصة ، وانما هو ببديل عن القضاء الرسمي وعن المسطرة القضائية قد بات واضحا ولعل الدليل على ذلك هو افراد هذه المؤسسة بقانون خاص .

– ثانيا : أن المنظور الذي أعد وفقه هذا القانون بعيد كل البعد عن الطرح الذي هي عليه الأن نصوص القانون رقم 05-08 لا سواء فيما يخص التعديلات الجوهرية التي أبانت عنها مذكرة التقديم بشكل مفصل ولا سواء من ناحية الصياغة البناءة التي طالت العديد من المواد القانونية منها ماهو مخصص لايضاح الرؤية التشريعية بخصوص بعض المفاهيم التي كان يشوبها الغموض واللبس (رئيس المحكمة – المحكمة الادارية ..) وكذا بعض الصياغات المعيبة للنصوص التي كانت تخالف روح مؤسسة التحكيم ، كلها أبعاد تعكس في طياتها عمق هذا البعد التشريعي ورهان ملائمته للمستجدات التي عرفتها التجارة الدولية.

بقلم ذ حمزة التريد
طالب باحث بماستر ” الوسائل البديلة لفض النزاعات ” بكلية الحقوق بفاس

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.