الإشكالية القانونية من حيث الشكل و المضمون
علي عطايا و مجتبى مرتضى
الإعلان الدستوري الجديد للرئيس مُرسي: الإشكالية القانونية من حيث الشكل و المضمون.
شكلت القرارات الأخيرة للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وهو أول رئيس مصري مدني مُنتخب منذ الإطاحة بالملك فاروق و في أعقاب الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق محمد حسني مبارك، مادة نقاش سياسي وقانوني على كافة المستويات في المجتمع المصري. وأن كان هذا الامر يعبّر عن مدى الحيوية ألتي انتجتها الثورة التي قادها الشعب المصري الا أنها تطرح تساؤلات عن عمق الأزمة التي لم تستطع النخبة الحاكمة أن تتجاوزها والتي تضع الثورة ومكتسباتها في خطر يستوجب العمل السريع على تحديد الاطر الصحيحة لعملية أتخاذ القرار. قبل الولوج في موضع البحث نستعرض القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي والتي أدت الى التطورات المتسارعة التي نشهدها حاليا في مصر لتيسير فهم الإشكالية القانونية الناتجة عن الإعلان الدستوري الجديد الذي اعلنه الرئيس مُرسي.
أصدر الرئيس مُحمد مرسي إعلانًا دستوريًا جديدًا قضى بموجبه بتصحين و منع حلّ الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة دستور جديد لمصر وهي الجمعية التأسيسية الثانية التي تتشكل لصياغة الدستور الجديد بعد ان سبقها تشكيل لجنة تأسيسية اولى صدر حُكم قضائي سابق من محكمة القضاء الإداري في مصر ببطلان تشكيلها. وتجدر الإشارة الى ان الجمعية التأسيسية الثانية تنتظر ايضاً صدور حكم من الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى للفصل في الطعون الرامية الى حلّها. إلا ان قرار الرئيس مرسي أطاح بسلطة وولاية المحكمة الإدارية عبر نص المادة الخامسة من الإعلان الدستوري الجديد حيث جاء فيه: ” لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور”. مما يجعل هذه الجمعية التأسيسية عصّية على اي رقابة قضائية. كما أن الرئيس مرسي لم يكتفي بقطع يد القضاء الإداري المصري ومنعه من بسط رقابته في النظر في الطعون الموجهة ضد الجمعية التأسيسية بل تخطى ذلك الى ما هو اكثر خطورة بمراحل عندما اعطى لنفسه بوصفه رئيسا للجمهورية المصرية “عصمة” في إتخاذ القرارات إذ تنبع اهمية الإعلان الدستوري الجديد في انه يحصّن قرارات رئيس الجمهورية، ويجعلها نهائية ونافذة، ولا يمكن وقف تنفيذها أمام أي جهة قضائية طبقا لنص المادة الثانية من الإعلان الدستوري الجديد حيث جاء فيها: “الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية”. المادة الثانية من الإعلان الدستوري الجديد جعلت قرارات الرئيس غير خاضعة لأي رقابة من اي نوع كان ومن اي جهة. اما المادة الثالثة من الإعلان الدستوري الجديد فتتعلق بقرار الرئيس مرسي في مسألة تعيين النائب العام المصري وهو رأس الهرم في النيابات العامة المصرية وممثل جهة الإدعاء العام في الدعاوى الجزائية وبطبيعة الحال يُمثل النيابة العامة التي تُطالب بإسم المجتمع بطبيق القانون والعقاب لمن يرتكب الجرائم في مصر ونصت المادة الثالثة من الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي على ما يلي: “يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء، وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري”. ومن البديهي القول ان نص المادة الثالثة من الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي جاءت لكف يد المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المصري الذي عيّن في هذا الموقع في فترة حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك في سنة 2006 خلفا للمستشار ماهر عبد الواحد. ويهدف الرئيس مُرسي من خلال إصدار المادة الثالثة من الإعلان الدستوري القفز من فوق القانون خاصة نص المادة 119 من قانون السلطة القضائيةالتي تحمي وتحصّن موقع ومنصب النائب العام في مصر من الإقالة او العزل من قبل السلطة السياسية إلا عن طريق بلوغ النائب العام السن القانوني للتقاعد او الوفاة او عن طريق تقديمه طوعياً وإرادياً إستقالته من منصبه. تنص المادة 199 من قانون السلطة القضائية في مصر على ما يلي:”النائب العام يكتسب حصانةمن العزل أو الإقالة، حيث لا يبعده عن منصبه شىء سوى الوفاة أو بلوغ سن التقاعد أو تقديم استقالته بمبادرة منه شخصيا”. وتكملة للمادة الثالثة من الإعلان الدستوري التي اعلنها الرئيس مُرسي فقد سارع الأخير الى اصدار قرار بتعيين نائب عام جديد بدلاً من المستئارعبد المجيد محمود هو المستشار طلعت إبراهيم محمد عبدالله لمدة 4 سنوات. وتجدر الإشارة الى ان الرئيس مرسي سبق ان حاول إزاحة النائب العام المستشارعبد المجيد محمود من منصبه عن طريق تعيينه سفيراً لمصر في الفاتيكان على ان يقوم احد مساعدي النائب العام بمباشرة اعمال النائب العام و هذا ما رفضه صراحة المستشار عبد المجيد محمود مستندا لنص القانون الصريح لاسيما المادة 119 من لقانون السلطة القضائية ومتسلحاً بموقف اكثرية القضاة الداعمين لموقفه ولسيادة نصوص القانون وعدم مخالفتها وقد لقّي موقف النائب العام دعماً واضحاً وصريحاً من نادي قضاة مصر مصدر قوة وموقف اكثرية قضاة مصر. اما المادة الأولى من الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي فتقضي بإعادة التحقيقات والمحاكمة بكافة الجرائم المنسوبة للرئيس السابق محمد حسني مبارك ورموز النظام السابق وكل من إرتكب جرائم ضد المتظاهرين اثناء الثورة والتي صدر قسم كبير من الأحكام بحقهم من قبل القضاء المصري لكنها لم تُرضي شرائح واسعة جداً من اكثرية المصريين واقطاب الثورة حيث جاء في نص المادة الأولى من الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي ما يلي: “تعاد التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التى ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبا سيًاسيًا أو تنفيذيا في ظل النظام السابق وذلك وفقا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين”. ونلفت النظر الى اننا اثرنا عدم عرض مواضيع ومواد الإعلان الدستوري الجديد الذي اصدره الرئيس مرسي بالترتيب الموضوعي اي من المادة الأولى الى المادة الأخيرة بالتسلسل كما جاءت في نص الإعلان الذي اصدره الرئيس المصري كي لا يتوهم القارئ للمقال او يتأثر عاطفياً او ثورياً بالمادة الأولى التي غلّفت الإعلان الدستوري الصادر بإعادة التحقيقات والمحاكمات بشأن الجرائم التي ارتكبها الرئيس السابق محمد حسني مبارك و رموز نظامه ومن ارتكب الجرائم ضد المتظاهرين اثناء الثورة محاولة من قبلنا تجنيب القارئ عدم التركيز او السهو عن خطورة القرارات الواردة في الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي الغير متعلقة بمحاكمة الرئيس السابق مبارك واعوانه وباقي المجرمين الذين قاموا بالإعتداء على المتظاهرين اثناء الثورة.
مما لا شك فيه ان المشكلة الأساسية المتعلقة بالإعلان الدستوري الجديد الذي اصدره الرئيس مُرسي تتعلق بالصلاحيات الواسعة التي منحها الرئيس مُرسي لنفسه دون اي سند قانوني ويخشى اصحاب الرأي القانون في مصر ان تتحول هذه الصلاحيات الى سلطة مطلقة وبالتالي العودة بمصر الى واقع ما قبل الثورة مع الفارق بأن هذه الصلاحيات تستند الى شرعية الثورة وبالتالي فأنها تصبح مقدسة بعد أن كانت مذمومة في عيون ألثوار قبل أنطلاق الثورة.
لكل ما سبق فأن هذه القرارات الصادرة بإعلان دستوري حسب تصنيف الرئيس مرسي لقراراته فقد أثارت مسألة خطيرة جداً و اساسية وجوهرية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة ( التشريعية, التنفيذية والقضائية) الذي يهدف إلى عدم تركيز وظائف الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد واحدة لمنع إستبداد الحاكم وهيمنة السلطة التنفيذية على التشريع والقضاء . من البديهي القول أن تقدم الدول وارتقائها يتوقف على مدى احترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة كما اكد المفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو في كتابه “روح القوانين” حين يقول في كتابه ان مبدأ فصل السلطات هو أحد مبادِئ الديمقراطية فهو نموذج للحكم الديمقراطى للدول. مما لا شك فيه ان الأنظمة الديموقراطية لا تقوم لها قائمة دون الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية وتوازنها واستقلاليتها التي تعتبر من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي، ما يحول دون استئثار سلطة واحدة بالحكم على النقيض تماماً من قرارات الرئيس مرسي الأخيرة في إلاعلان الدستوري الذي اصدره حيث استباح الرئيس مرسي بقراراته الأخيرة هذه المبادئ استباحة كلية وبشكل صريح و فظ. لكل هذه الإعتبارات كان لابد من عرض وتفسير وشرح كافة الأراء القانونية التي صدرت تعقيبا وتعليقاً على قرارات الرئيس مرسي الأخيرة وتحديدا من ناحية سلامة شرعيتها المشكوك فيها وخاصة في تحديد مسألة ما اذا كان الرئيس مرسي يحق له قانوناً اصدار اعلانات دستورية.
– سنبدأ أولا بأستعراض مدى سلامة القرارات التي اصدرها الرئيس مرسي من حيث الشكل، ومن ثم سنتناول من حيت المضمون سلامة وقانونية القرارات التي اصدرها الرئيس مرسي في إلاعلان الدستوري والنقاط التي تناولتها قرارات الرئيس المصري والمبادئ التي تتعلق بها ومدى اتفاقها معها او انتهاكها ومخالفتها لها.
اولاً: هل يتمتع الرئيس محمد مرسي بسلطة إصدار اعلانات دستورية جديدة من حيث الشكل؟
للإجابة على هذا السؤال يكفي ان نستعرض بأختصار ابرز الآراء التي أطلقها القضاة واصحاب الاختصاص في شرح وتفسير الدستور. يمكن القول بدون تردد ان اغلب الردود جاءت حاسمة بالرفض لهذا الاعلان الدستورلأن الرئيس مُرسيي.لا يملك الحق بإصدار اعلان دستوري جديد بمعنى ادق ان مجرد اصدار الرئيس مرسي لقرارات تحت اسم او عنوان او مسمى إعلان دستوري لا يعني انها فعليا انها بصحيح الكلمة إعلان دستوري طالما انه لا يملك السلطة من الناحية الشرعيى من حيث الشكل على إصدار غعلان دستوري جديدي.
وفي إستعراض لأهم الآراء القانونية، اعلن صراحة الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، عن رفضه للإعلان الدستورى الجديد الذى أصدره الرئيس مُرسي، ووصف هذا الإعلان الدستوري بأنه: ” قضى على دولة القانون، وجاء ليقوض آخر دعامة فى الدولة”. اعتبر رئيس نادى قضاة مجلس الدولة المستشار حمدي ياسين عكاشة أن الرئيس محمد مرسي لا يحق له إصدار إعلان دستورى والسبب برأي المستشار حمدي ياسين عكاشة هو “أن الشرعية الثورية انتهت بانتخاب الدكتور محمد مرسى رئيسًا للجمهورية، ولم تعد هناك شرعية ثورية تعطى له حق إصدار إعلان دستورى جديد”. المستشار أحمد عبد الفتاح، رئيس نيابة بلقاس، اعتبر أن الرئيس بإصداره الإعلان الدستورى الجديد أرجعنا لعصر ديكتاتورى حجرى. واكد المستشار حمدي ياسين عكاشة ان السلطة التأسيسية امتلكها سابقاً المجلس العسكري عندما تولي شؤون البلاد بعد تنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك وان هذه السلطة التأسيسية التي تخّول من يمتلكها ميزة وشرعية إصدار اعلانات دستورية جديدة او مراسيم بقوانين او اي تعديل على قانون معيَن لا يمتلكها حالياً الرئيس مرسي لإصدار اعلانات درستورية جديدة كون الشرعية الدستورية للسلطة التأسيسية انتهت حكماً بعدما افرزت الإنتخابات رئيسا جديدا بطريقة ديموقراطية هو الرئيس مُرسي وبالتالي انتهى مفعول الثورة على صعيد السلطة التأسيسية لاسيما وان مرسي رئيس سلطة ويمتلك فقط بعض الاختصاصات المتعلقة بالسلطة التشريعية نتيجة غياب مجلس الشعب، ولا يجوز له أن يُصدر أية إعلانات دستورية وبالتالي فإن الشرعية الثورية انتهت بانتخاب الدكتور محمد مرسى رئيسًا للجمهورية، ولم تعد هناك شرعية ثورية تمنحه هذا الحق لإصدار إعلان دستورى جديد ونحن نؤيد ما خلُص إليه المستشار حمدين ياسين عكاشة ونضيف عليه ان عدم وجود سلطة او حق اصدار اعلان دستوري جديد للرئيس مرسي لا يشكل خيارا له بل هو قيد عليه يجب ان يلتزم به. وتجدر الإشارة الى ان اعضاء مجلس ادارة نادي قضاة في مجلس الدولة عقدوا مؤتمراً صحافيا طالبوا فيه الرئيس مرسي بسحب الإعلان الدستورى الذى أصدره و ايضاً بسحب جميع قراراته التي وصفوها “بالمنعدمة”. واضاف اعضاء مجلس ادارة نادي قضاة مجلس الدولة أن الإعلان الدستورى الجديد الذي اصدره الرئيس مُرسي يحتوي على العديد من المخالفات الدستورية منها ما يتعلق بإنتهاك القواعد الدستورية والقانونية ومنها ما يتعلق بـ غصب السلطة التأسيسية على حد وصفهم من قبل الرئيس مرسي وإضافتها لمجموع سلطاته الرئاسية التنفيذية والتشريعية. كما اكدوا بوضوح أن الرئيس مرسي لا يملك رخصة او حق إصدار إعلان دستورى جديد بعد صدور الإعلان الدستورى الذى نشأ على أساسه وبناء عليه حق الرئيس فى السلطة التنفيذية والسبب المباشر لذلك هو انه تم إسناد السلطة التأسيسية للجمعية التأسيسية المكلفة بإعداد دستور جديد لمصر وبالتالي فإن الرئيس مرسي لم يعد له أية سلطة تأسيسية لتأسيس شرعية اي اعلان دستوري جديد بناء عليها.اما سامح عاشور نقيب المحامين فإعتبر ان قرارات الرئيس مرسي الواردة في الإعلان الدستوري الجديد تمثل “إهدار للقانون في دولة الثورة” والسبب يكمن في ان الرئيس محمد مرسي لا يتمتع بحق إصدار إعلان دستوري جديد إذ أن الصلاحيات الخاصة به اصبحت محددة حصراً في الإعلان الدستوري الأول اي الذي اصدره المجلس العسكري بوصفه سلطة تأسيسية.
من جهة اخرى اعتبر الدكتور رجب عبد الكريم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، إن قرارات الرئيس محمد مرسي الصادرة في الإعلان الدستوري الأخيرة تشكل اعتداء صارخ على الشرعية، واكد الدكتور رجب عبد الكريم ان هذه الأمور لا تُظم بإعلان دستوري، ويرى أيضا بانه لم يكن هناك اي مبرر لقيام الرئيس مرسي بالتدخل بواسطة إعلان دستوري جديد. وصف الدكتور رجب عبد الكريم الإعلان الدستوري بأنه ” تعتبر ردة عن الشرعية لأن الرئيس مرسي طالب كثيرا حتى في محاكمات الرئيس السابق باحترام الدستور والقانون، وهذه القرارات في تقديري ليس لها سند من القانون . ويُستنتج بوضوح من رأي الدكتور رجب عبد الكريم ان قرارات الرئيس مرسي الأخيرة فاقدة للشرعية.
اما المستشار حسن بدراوي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا فإعتبر إن قرارات الرئيس محمد مرسي تجاوزت كل الأعراف القانونية والدستورية مؤكداً أن هذه القرارات تُشكل أقصى انحراف للسلطة و وصفها بأنها غير قانونية بتاتاً معتبراً ان الاختلاف على عدم قانونية هذه القرارات التي اصدرها الرئيس مرسي شبيه بالإختلاف على خروج الشمس من المشرق أم المغرب.
وتجدر الإشارة الى ان البعض غمز من قناة المحكمة الدستورية العليا وإمكانية عزلها للرئيس مرسي بوصفه رئيسا خارجاً عن الشرعية بعد الإعلان الدستوري الجديد الذي اصدره إلا ان رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار ماهر البحيري خرج ليوضح أن المحكمة الدستورية العليا لا تملك حق عزل رئيس الجمهورية.
من جانبها المستشارة تهانى الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، إعتبرات ان القرارات التي اصدرها الرئيس مرسي بناء على اعلانه الدستوري يُعد خروجًا على الشرعية الدستورية والقانونية التى أتت به كرئيس للدولة، وشددت المستشارة تهاني الجبالي على ان الرئيس مرسي وبخروجه على الشرعية الدستورية والقانونية يُعد فاقداً للشرعية كرئيس لمصر و بالتالي يُعد فاقداً لمنصبه الرئاسي. اكثر من ذلك اكدت المستشارة تهانى الجبالى ان الرئيس مرسى فقد شرعيته بإلغائه الإعلان الدستورى الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو اي الرئيس مرسي أصبح منتهكًا للشرعية الدستورية والقانونية للدولة المصرية، التى انجبته للسلطة كرئيس لمصر ولذلك فإن أى قرار يتخذه فهو “باطل باطل” ولا يعتد به على ما أكدت المستشارة تهاني الجبالي. ونحن من جانبنا اذ نشاطرالمستشارة الجبالى الرأي نؤكد بقناعة تامة على انه لا يجوز بأى حال من الأحوال وصف ما اتخذه الرئيس مرسي من قرارات بأنها قرارات ثورية لأن الرئيس مرسي هو رئيس مدنى جاء الى سثدّة الرئاسة بواسطة إنتخابات شرعية ديموقراطية، ولم يأت من ميدان التحرير كثورى يشكل حالة ثورية اوصلته مباشرة الى سدة الرئاسة، ولذلك ترى المستشارة تهاني الجبالي بأن الرئيس مرسي لا يُعد رئيساً ثورياً كما يصفه أنصاره”. واضافت المستشارة تهانى الجبالي “إن مرسى حلف اليمين الدستورى أمام المحكمة الدستورية العليا وأعضائها وجاء بانتخابات شرعية وبإعلان دستورى صحيح، وبرغم منذ ذلك خرج عن هذه الشرعية وانتهك الحقوق والحريات، وهدم السلطة القضائية، ولذلك يعتبر شخصا عاديا وليس رئيسًا لمصر”.
اما رئيس محكمة الزقازيق المستشار هشام الرفاعى فقد اعتبر قرارات الإعلان الدستورى الجديد التي اصدرها الرئيس مُرسي بأنها تُعد قرارات إدارية وبالتالي يجوز الطعن عليها أمام القضاء الإدارى، بالرغم من انها صدرت بغلاف إعلان دستوري إلا ان قيمتها لا تتعدى كونها قرارات إدارية تحت عنوان “إعلان دستورى”. اما محمد صلاح أبو رجب المستشار في مجلس الدولة فقد اكد انه من الناحية القانونية لا يملك الرئيس مرسي حق إصدار الإعلانات الدستورية. بالنسبة للمستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى الأسبق، فإن معظم القرارات التى أصدرها الرئيس محمد مرسى عبارة عن قرارات غير دستورية لأن اصدار الرئيس مرسي لإعلان دستورى جديد هو فى حد ذاته غير دستورى والسبب هو أن حالة الضرورة لا تستدعى إصدار إعلان دستورى جديد فى ظل وجود جمعية تأسيسية على وشك الانتهاء من إعداد دستور جديد للبلاد. بدوره اعتبر الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ القانون الدستورى والنظم السياسية بجامعة القاهرة، أن الرئيس مُرسى “لا يملك حق إصدار إعلان دستورى، لأن الإعلانات الدستورية تحتاج إما جمعية تأسيسية أو وقوع انقلاب وثورة، لذا فلا يمكن تصنيف ما أصدره سوى أنها قرارات غير عقلانية”.
في المقابل وفي مواقف “يتيمة” مؤيدة لقانونية قرارات الرئيس مرسي الاخيرة لكن ضعيفة جداً من الناحية القانونية أكد الدكتور داوود الباز، أستاذ القانون الدستوري وعضو الجمعية التأسيسية، “أن الضرورة والخوف على الوطن من الانزلاق إلى الهاوية هو من دفع رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي لإصدار إعلان دستوري يحصن مؤسسات الدولة المنتخبة وحمايتها من التدمير، مضيفًا أنه من حق رئيس الجمهورية إصدار إعلانات دستورية في حالة غياب المجالس التشريعية”. اما الدكتور عاطف البنا، أستاذ القانون الدستورى، فبرر قرارات الرئيس مُرسي الأخيرةبالقول: “إن من صالح مصر الآن القبول بهذا الإعلان الذي أتى للحفاظ على سلامة الدولة التى هى فوق كل الاعتبارات، وسط جو من قوى متربصة بمصلحة مصر من الداخل والخارج”. بدوره أكد الدكتور رمضان بطيخ، أستاذ القانون الدستوري وعضو الجمعية التأسيسية، أن إصدار إعلانات دستورية حق أصيل لرئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مُرسي. اما الفقيه الدستوري ثروت بدوي فإعتبر مؤيدا قرارات الرئيس مُرسي، ان مصر تمر بظروف صعبة وخطيرة واستثنائية تهدد كيان البلاد وتستلزم تدخل الرئيس لإتخاذ قرارات مصيرية وصفها بالقرارات الثورية لمواجهة و منع القوي المخربة من التمادي في جرائمها والاستمرار في بث الشائعات المسيئة والمقلقة. وبناء عليه يبرر الفقيه الدستوري ثروت بدوي الإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس مرسي دون ان يبيّن على اي منطق قانوني ارتكز الرئيس في اصداره هذه القرارات او هو كفقيه دستوري على اي مبدأ او منطق قانوني يبرر ما قام به الرئيس مرسي من الناحية القانونية. ونميل للقول الى ان ما ورد في تبريرات الفقيه الدستوري ثروت بدوي لجهة ان الإعلان الدستوري كان قرار ثوري لمواجهة القوى المخربة و الإشاعات وغيرها فتبدو بعيدة عن المنطق القانوني ولا تصلح للإستعمال في اللغة القانونية بل هي مجرد خطاب سياسي كلاسيكي قديم مرّ الزمن عليه وتلاشى وهو حتى لا يصلح للإستعمال إعلامياً ويُذكرنا بالجو التبريري الذي كان سائدا لإضفاء الشرعية القانونية على قوانين الطوارئ القديمة في الدول العربية التي عاشت سنوات عديدة في ظل انظمة استبدادية تقوم على تبرير قانون الطوارئ للسيطرة على الحكم وعلى الشعب ومقدرات البلاد بعيداً عن الدستور والشرعية والقانون. الملفت ايضا ان الفقيه الدستوري ثروت بدوي يمهّد على ما يبدو لتبرير اعلانات دستورية جديدة قد يلجأ إليها الرئيس مرسي في المستقبل عبر القول ان هذه الظروف الخطيرة في مصر قد تستدعي اتخاذ إجراءات أخرى من الرئيس مُرسي لمواجهة المخربين لاسيما وان سلطة رئيس الدولة في اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة ظروف استثنائية أمر تقرره جميع الشرائع الديمقراطية حسب رأي الفقيه الدستور ثروت بدوي. من جهة اخرى لاقت قرارات الرئيس مرسي الجديدة التي اصدرها بناء على اعلان دستوري جديد التأييد من جانب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية المستشار أحمد الخطيب الذي اكد ان الإعلان الدستوري الجديد الذي اعلنه الرئيس مرسي يستمد شرعيته من الثورة المستمرة وانه يحقق المصلحة الوطنية ولكنه يتوقف على شرط اساسي لنجاحه هو القدرة علي تطبيقه علي ارض الواقع وتوفير الدعمين الشعبي والسياسي له، مثلما حدث عند الغاء الإعلان الدستوري المكمل سابقا. وللتوضيح فإن الإعلان الدستوري المكمل سبق و أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة والغاه الرئيس مرسي بعد وصوله للرئاسة واقال المشير طنطاوي والفريق سامي عنان خلافاً لنص المادة 53 مكرر في الدستور التي تمت اضافتها بواسطة الأعلان المكمل الذي اصدره المجلس العسكري حينها بوصفه يتمتع بصلاحيات السلطة التأسيسية وتنص المادة 53 مكرر على ما يلي : يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومدِّ خدمتهم، ويكون لرئيسه، حتى إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع”.تجدر الإشارة الى ان الإعلان الدستوري المكمل كان يحتوي على ثلاثة مواد تتعلق بحلف يمين الرئيس القادم (قبل انتخاب مرسي) امام المحكمة الدستورية العليا في حال عدم وجود (بسبب حل المجلس) مجلس شعب ليحلف الرئيس الجديد اليمين امام اعضائه و ايضا يتعلق بإحتفاظ المجلس العسكري بصلاحية التشريعية لحين انتخاب مجلس شعب جديد الذي تناط به وظيفة التشريع اساساً.
ثانياً: في سلامة وشعرية قرارات الرئيس مُرسي من حيث المضمون:
بعد أن تناولنا عدد كبير من الآراء المعارضة وهي الطاغية على الساحة القانونية في مصر، وكذلك الآراء المؤيدة لهذا الأعلان الدستوري والتي جاءت ضعيفة في بُنيانها الفكري والمنطقي والقانوني. سنتناول في الجزء الثاني من المقال الإنتقادات القانونية لقرارات الرئيس مُرسي من حيث المضمون بعد ان خلصنا انه من حيث الشكل لا يتمتع الرئيس مُرسي بحق او بسلطة إصدار الإعلان الدستوري الجديد حسب رأي اغلبية الآراء القانونية. يمكن أن نجمل المواضيع التي نتجت عن القرارات الأخيرة للرئيس المصري من حيث مضمونها والتي ستكون محور بحثنا على الشكل التالي:
1- تحصين قرارات الرئيس بمواجهة اي رقابة قضائية
2- إلغاء سلطة القضاء في الرقابة على الجمعية التأسيسية
3- التعدي على استقلالية القضاء بعزل النائب العام من منصبه وتعيين نائب عام جديد بدلا منه
4- إعادة التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بالرئيس السابق حسني مبارك واعوانه وكل من ارتكب جرائم ضد المتظاهرين اثناء الثورة.
1- قرار تحصين الرئيس مرسي لقراراته عن اي رقابة قضائية :
جاء في المادة الثانية من الإعلان الدستوري الجديد الذي اعلنه الرئيس مرسي ان “الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة ، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية”. اعتبر الدكتور رجب عبد الكريم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية ان قرار الرئيس مرسي الأخير الوارد في الإعلان الدستوري الجديد الذي يقضي بتحصين قراراته عن اي رقابة كانت سواء قضائية او غير قضائية يُشكل مخالفة للأعراف والدستور. بدوره المستشار احمد الزند، رئيس نادى قضاة مصر اكد أن الرئيس مرسى بعد اﻻعلان الدستورى قام بتحصين نفسه واصبح رئيس ضد العزل. الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية اعتبر ان المادة الثانية من الاعلان الدستوري الذي صدر اليوم يضع الرئيس فوق كل السلطات. اما المستشارة تهاني الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا فقالت منتقدةً قرارات الرئيس مرسي: ” هو فيه رئيس جمهورية يعطى لنفسه كل هذه الصلاحيات ، الرئيس مرسى يفتت الدولة ويضع دستورا بصلاحياته رغم انه جاء بانتخاب حر مباشر عن طريق صناديق الاقتراع ، لذلك ما فعله هو انقلاب على الشرعية الدستورية التى اتت به من خلال الانتخابات وبذلك تسقط عنه شرعيته ويفقدها كرئيسا للبلاد “. اما الدكتور يحيى الجمل، أستاذ القانون الدستورى فعلّق على قرارات الرئيس الأخيرة قائلاً: «ما أصدره الرئيس من تحصين لقراراته وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من الحل، هو مخالفة واضحة وصريحة لما أقسم عليه وتعهد به من الحفاظ على القانون والدستور”.
بدوره نادى قضاة مجلس الدولة اعلن في بيان صادر عنه، بطلان وانعدام ما تضمنته المادة الثانية من الإعلان الدستوري الجديد الذي اصدره الرئيس مري والمتضمن تحصين الإعلانات الدستورية والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد واعتبارها نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن بأى طريق وأمام أى جهة وعدم جواز التعرض لقرارات الرئيس بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وانقضاء جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أى جهة قضائية وذلك لصدورها بالمخالفة لكل من الإعلان الدستورى ومشروع الدستور الجديد الذى تعده الجمعية التأسيسية، والمؤكدين على عدم جواز تحصين أى من القرارات الإدارية من الطعن عليها أمام القضاء وهو أمر لم يحدث مطلقا فى أي من بلاد العالم.
تعليقاً على النص الوارد في الإعلان الدستوري الجديد بأن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن الرئيس منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة غير قابلة للطعن ومنع أى جهة قضائية من حل الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى، اكد المستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى الأسبق أن الأصل فى جميع الدساتير والإعلانات الدستورية المعمول بها هو عدم منع أى مواطن من اللجوء للقضاء خلافاً لما جاء في الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي الذي منع بموجبه المواطنين من اللجوء للقضاء للطعن على قرارات الرئيس وهو ما يخالف ما قامت عليه ثورة 25 يناير، فهذه القرارات سلبت أحد أهم حقوق المواطنين وهى حق التقاضى. اما الدكتور جابر نصّار، أستاذ القانون الدستورى فإعتبر ان:”الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس يخالف لكل الأسس الديمقراطية والدستورية، ولم يحدث فى التاريخ البشرى إصدار إعلان دستورى بهذ الشكل، من تحصين لقراراته السابقة واللاحقة”.
وتناول رئيس محكمة الزقازيق المستشار هشام الرفاعى المسألة غامزا من قناة التيار الديني السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس مرسي قائلاً أن الإعلان الدستورى الجديد يشكل ضربة للدولة وهو مخالف للشريعة الإسلامية لأن الخلفاء الراشدين لم يحصنوا قراراتهم من رقابة القضاء، واردف قوله متسائلاً: كيف لا ينظر القضاء قراراته، هل هى قرارات إلهية؟
2- تحصين الجمعية التأسيسية والشورى ضد الطعن القضائي:
اعتبر المستشار الدكتور مجدي الجارحي نائب رئيس مجلس الدولة أن “تحصين مجلسي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية من الحل يعتبر تعطيلا للقضاء وتدخلا في عمل السلطة القضائية بما يمثل جريمة يعاقب عليها القانون، وقال إن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الذي وضعنا فيه رئيس الجمهورية هو سحب الإعلان الدستوري وما يترتب عليه من آثار”. يرى الدكتور رأفت فودة أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة إن الرئيس مرسي بتحصينه المجالس المنتخبة كالتأسيسية والشورى يمثل خطوة استباقيه لافتا في هذا الصدد إلى أن الرئاسة والقضاء يتبادلان الأسبقية فيمن ينظم الأحداث، والرئيس مرسي يسعى لتأمين وجود التأسيسية والشورى .اما المستشار الزند رئيس نادى قضاة مصر ردا على قرارات رئيس الجمهورية أعتبر بأنه “لم يعد هناك أي داع لوجود المحاكم والقضاة بعد اليوم”، موجها كلامه للقضاة قائلا: “كل واحد يشوف له شغلانة تانية من النهاردة”. من جهته أكد المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة الدستورية العليا، إن المحكمة عازمة على عقد الجلسة المحددة سابقا في الثاني من ديسمبر القادم، لنظر القضايا المحددة سابقا أمام المحكمة، بما فيها قضية حل مجلس الشورى، وبطلان معايير الجمعية التأسيسية للدستور، بجانب عدد من القضايا الأخرى. وأكد المستشار ماهر البحيري أن المحكمة الدستورية لن تعلّق على قرارات الرئيس محمد مرسى الأخيرة، مشدداً على أن المحكمة الدستورية التي يرأسها عازمة على تطبيق صحيح للقانون والدستور. اما المستشار ياسين عكاشة، رئيس نادى قضاة مجلس الدولة فإعتبر إن النصوص الدستورية لا يجوز لها أن تكبل السلطة القضائية عن ممارسة دورها ومنعها من التصدى لاختصاصها لأن منع السلطات القضائية عن اختصاصها، فضلاً عن أن سن إعلان دستورى لا يجوز أن يمس الاختصاص المقرر لمجلس الدولة القاضى للمشروعية فى ظل دعاوى منظورة بالفعل أمامه تتعلق بالجمعية التأسيسية، ولا يجوز تحصين أى قرارات من اختصاص القضاء بالفصل فيها.وأكد عكاشة أن الدستور الساقط “دستور 71” الذي كان يحكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك بموجبه لم يكن يتيح تحصين قرارات معينة، ذلك كما أن الإعلان الدستورى المؤقت نص على عدم جواز تحصين أى قرار من الطعن عليه، بالإضافة إلى أن مشروع الدستور الحالى المنظور أمام الجمعية التأسيسية يحظر ذات الأمر.
تجدر الإشارة الى ان اعلان الرئيس مرسي مخالف لنص المادة 21 من الإعلان الدستوري المكمل الذي سبق واعلنه المجلس العسكري وينص على ما يلي: “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا .ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء “. ومن هنا يتبادر الى الذهن سؤال منطقي جدا وهو هل المجلس العسكري حريص على سيادة القانون وتوفير ضمانات التقاضي للمواطنين اكثر من الرئيس المدني المنتخب ديموقراطيا الدكتور محمد مرسي؟! من الواضح ان الإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس محمد مرسى كان الوسيلة التي بمقتضاها إستطاع الرئيس ان يفتت مبدأ استقلالية السلطات الثلاثة عبر جمع السلطة التنفيذية ، والتشريعية والقضائية في الدولة معا في شخصه وبيده.
3- الرئيس مرسي يهمّش وينتهك مبدأ استقلالية القضاء :
يرى المستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى الأسبق أن الأصل أن تتصف القوانين عند إصدارها بميزة الحياد والموضوعية والتجرد وأن قرار الرئيس مرسي بتعيينه مدة ولاية للنائب العام محصورة بـ4 سنوات ومن ثم تطبيقها بأثر رجعي على النائب العام محمود عبد المجيد وبالتالي هي وسيلة القصد منها فقط تعيين نائباً عاماً جديداً تحت ستار نص عام، لذلك يمكن القول ان الرئيس مرسي اتخاذ قراره ضد شخص بعينه وهو المستشار عبد المجيد محمود وبالتالى أفتقد هذا القرار أهم مقومات صحته كما يؤكد المستشار عادل فرغلي. بدوره أكد الدكتور رأفت فودة أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أن قرارات التي أصدرها الرئيس مرسي جاءت لتهدئة الثوار ولكن على حساب هيبة القضاء وأشار ان هناك قرارات مخالفة للقانون ، كالتعدي على هيبة السلطة القضائية وهو ما لا يتفق مع معنى دولة القانون، وبذلك حسب رأي الدكتور رأفت فودة فإن الرئيس مرسي يضرب استقلال القضاء بهذه القرارات. اما المستشار احمد الزند، رئيس نادى قضاة مصر فإعتبر بعبارات صريحة وواضحة ان الاعلان الدستورى باطل وانتهاك للسلطة القضائية وتوجه الى الرئيس بالقول أن هذا الأعلان “يعاقب عليه بالحبس يا سيادة الرئيس”، مشيرا انه تجريف لدولة القانون. اما نادى قضاة مجلس الدولة فأصدر بيان اعتبر فيه المادة الثالثة من القرار باطلة وأن الاعلان الدستوري منعدم اصلاً فيما تضمنه من تعديل على أسلوب وإجراءات تعيين النائب العام وما احتواه من عزل للنائب العام الحالى لما يتضمنه من عيب انحراف بالسلطة حسب وصف نادي قضاة مجلس الدولة في بيانه الذي اكد ايضا ان الرئيس مرسي بقراراه يُهدر من غير سند من القانون موافقات المجلس الأعلى للقضاء على التعيين كما يُهدر ايضاً استقلال القضاء والقضاة. بدوره اعتبر المستشار هشام الرفاعى، رئيس محكمة الزقازيق ان القرار الخاص بالنائب العام المستشار عبد المجيد محمود الصادر بالإعلان الدستورى يُشكل التفاف على الدستور والقانون. اما المستشار بمجلس الدولة محمد صلاح أبو رجب فقد اشار أن الرئيس مرسي أنهى استقلال القضاء واكد ايضا ا أن النائب العام يعيّن من مجلس القضاء الأعلى والرئيس يعتمد ذلك فقط لاغير.
4- إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم الرئيس السابق مبارك واعوانه والجرائم المرتكبة ضد المتظاهرين إثناء الثورة :
ردّ نادى قضاة مجلس الدولة ، فى بيانه على قرار الرئيس مرسي في هذا الشأن واكد بطلان ما تضمنه قرار الرئيس المتعلق بإعادة التحقيقات والمحاكمات فى جرائم القتل والشروع فى قتل المتظاهرين لمساسه بمبدأ حجية الأحكام القضائية التى تعلو على النظام العام لاسيما وان هذا القرار يتعرض لقضايا منظورة أمام المحاكم و يرى نادي قضاة مجلس الدولة انه كان على الدولة واجب تقديم ما لديها من أدلة ومستندات إلى محاكم الطعن، وخاصة ما لدى لجنة تقصى الحقائق ومحاسبة كل من ساهم او قام بتلف الأدلة المتعلقة بهذه الجرائم المقترفة. و نحن نبدورنا ُضيف على ان المحاكم كانت تعاني من مشكلة عدم وجود ادلة توفّر قناعة تامة ثابتة يقينية للقضاة كي يصدروا احكام ادانة في هذه الجرائم التي ينظرون فيها في محاكمهم. ومن الضروري التأكيد هنا من قبلنا ان الأدلة تلعب دورا حاسماً في إصدار الحكم الجنائي في موضوع الإدانة لأن حكم الإدانة لا يُبنى على الترجيح او التأويل بل فقط وفقط على اليقين التام للقاضي عكس حكم البراءة الذي يمكن ان يُبنى على عدم توفر ادلة ادانة او مجرد الشك في الدليل الذي يفسر لمصلحة براءة المتهم لأن دليل الادانة متفق عليه بإجماع القضاء والفقه انه يجب ان يعبّر عن قناعة تامة يقينية للقاضي كي يحكم به ومن المبادىء التي قررتها احكام محكمة النقض المصرية هو” تفسير الشك لمصلحة المتهم”.بدوره يعتقد محمد صلاح أبو رجب المستشار بمجلس الدولة إن إعادة محاكمة المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين مخالفة لمبدأ عدم جواز محاكمة الشخص مرتين وقد اوضح ايضاُ أن القاضي لن يحكم على شخص صدر حكم ببراءته من قبل في نقس موضوع القضية .اما نحن فنرى ان الثورة عندما تطالب بتنحي الحكم الظالم يجب ان تحوّل دولة البوليس الذي كانت سائدة الى دولة القانون او الحق Etat de droit وبالتالي يجب ان تقدم الثورة نموذجاً في محاكمة المتهمين ومن و اولهم الرئيس مبارك واعوانه محاكمات عادلة ومنصفة تفسح لهم المجال في تقديم دفاعهم وتحكم عليهم فقط بناء على وجود ادلة حاسمة تُقنع القاضي يقينيا بإصدار حكمه بالإدانة دون ان يكون للإنتقام السياسي او الثوري اي دور في تكوين قناعة القاضي وإلا تكون الثورة تُطالب بالإنتقام عن طريق المحاكمة وبالتالي تٌصبح شبيهة بنظام الرئيس محمد حسني مبارك في لجوءها لتسخير المحاكم وجعلها اداة انتقام وبالتالي كان من الأفضل عدم تدخل الرئيس مُرسي في قضية اعادة المحاكمات وإثارة اكثرية قضاة مصر ضده بعد ان انتهك استقلال القضاء خاصة وان هناك طرق اخرى واساليب قادرة على انتاج نفس النتيجة كإعادة المحاكمة مجددا في بعض القضايا إذا تم تقديم ادلة جنائية حاسمة و جديدة لم تُقدم من قبل الى محاكم الطعن.
اترك تعليقاً