الحصانة التنفيذية للدبلوماسيين
لقد اتضح لنا مما تقدم أن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي تعتبر امتداد لحصانة البعثة القضائية ومن ثم لحصانة الدولة القضائية وهذا هو أيضاً ما ينسحب على الحصانة التنفيذية والتي تعنى عدم اتخاذ أي تدابير تنفيذية كالحجز والإخلاء والتوقيف والتفتيش وغيرها من التدابير التنفيذية ، وتشمل الحصانة التنفيذية جميع مرافق الدولة وأشخاصها من موظفين دبلوماسيين وقنصليين ورؤساء دول وحكومات . ووفقاً لذلك فإن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة تنفيذية قائمة بذاتها ومستقلة عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها.
والتنازل عن الحصانة القضائية لا يعنى التنازل عن الحصانة التنفيذية فالتنازل عن الحصانة التنفيذية يتطلب هو الأخر موافقة دولته الصريحة وبناءً على ذلك فإن الحكم الصادر على الدبلوماسي بناءً على تنازله عن الحصانة وموافقة دولته لا يمكن أن ينفذ إلا بعد موافقة الدولة أيضاً على التنفيذ وقد نحى الفقهاء للتمييز بين الحصانة القضائية والحصانة التنفيذية واعتبار كل حصانة مستقلة عن الأخرى . فقد يتنازل الدبلوماسي عن حصانته و توافقه دولته على ذلك إلا انه عند تنفيذ الحكم عليه قد ترفض الدولة التنفيذ ولا تعطى موافقتها إذا رأت أن التنفيذ يضر بمصالحها أو يمس سياستها أو كرامتها أو استقلالها وخير مثال لذلك السابقة القضائية القطرية .
ففي دولة قطر أصدرت الدائرة الثانية بمحكمة الاستئناف الشرعية برئاسة القاضي السوداني العالم مولانا عبد الرحمن محمد شرفي , حكماً بالرقم 16/جنايات لسنة 2004م قضى بإلغاء القرار الصادر من المحكمة الابتدائية الشرعية دائرة الجنايات و الحدود في القضية رقم 2681/2003م في مواجهة المتهـم المستأنف فلاح لأخـي العجمي الكويتـي الجنسية ابن المبعوث الدبلوماسي ( مستشار سفارة الكويت بدولة قطر ) . والذي قضت المحكمة الابتدائية بإدانته بجريمة قيادة مركبة برعونة وعدم احتراز والتسبب في القتل الخطأ . وقضت بحبسه لمدة شهر مع وقف التنفيذ ومراقبة التزامه بضوابط المرور لمدة شهرين وتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف ريال . وإلزامه بأداء دية المتوفى كور ماك ميشيل جيمسى الايرلندي الجنسية إلى ذويه وقدرها مائة ألف ريال قطري . وجاء في حيثيات محكمة الاستئناف بأن المحكمة الابتدائية قد أخطأت عندما أصدرت حكمها بتنفيذ العقوبة لأن الإذن الصادر من سفارة الكويت كان بالتحقيق مع المتهم وفق الإجراءات المتبعة لذلك.
وان تنفيذ العقوبة يتطلب إذن صريح من السفارة الكويتية وفقاً لنص المادة (32) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961م والتي تنص على أن (التنازل عن الحصانة القضائية في دعوى مدنية أو إدارية لا يفترض فيه أنه يعنى التنازل عن الحصانة بالنسبة لإجراءات تنفيذ الحكم و لا بد فيما يتعلق بهذه الإجراءات من تنازل قائم بذاته) وقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي بالإدانة وأمرت بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بحبس المتهم (المستأنف) وتغريمه ثلاثة آلاف ريال قطري واشترطت عند تنفيذ الحكم النهائي بالدية الحصول على إذن جديد بالتنازل عن حصانة التنفيذ من دوله الكويت أو من رئيس بعثتها الدبلوماسية بسفارة الكويت بدولة قطر .
ولقد توخت اتفاقية فيينا هذا المنهج حيث ميزت بين الحصانة القضائية والتنازل عنها والحصانة التنفيذية والتنازل عنها وذهبت إلى أن التنازل عن الحصانة القضائية لا يستتبع التنازل عن الحصانة التنفيذية بصورة تلقائية أو مفترضة بل لا بد أن يتبع التنازل عن الحصانة القضائية تنازلاً آخر في مرحلة التنفيذ مستقل تماماً عن التنازل الأول الخاص بالتنازل عن الحصانة القضائية .
وبالرجوع إلى نص المادة (32) من الاتفاقية نجده ينص على أن ( التنازل عن الحصانة القضائية بالنسبة إلى أي دعوى مدنية أو إدارية لا ينطوي على تنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم بل لا بد في هذه الحالة الأخيرة من تنازل مستقل ) .
بل أن اتفاقية فيينا قد أكدت وأمنت على حصانة التنفيذ بغض النظر عن التنازل عن الحصانة القضائية وذلك حتى عندما لا يتمتع الدبلوماسي بحصانة قضائية فيما يتعلق بالمسائل المدنية والإدارية أو حتى تلك المستثناء في البنود أ و ب و ج من المادة 31(1) إذ اشترطت الاتفاقية حتى في هذه الأحوال إمكانية اتخاذ تلك الإجراءات دون المساس بحرمة شخص الدبلوماسي أو مسكنه.
الحصانة القضائية لبقية أفراد البعثة من غير الدبلوماسيين
لقد ميزت اتفاقية فيينا لسنة 1961م بين أفراد البعثة الدبلوماسية والآخرين حيث اعتبرت أن كل أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي من أهل بيته يتمتعون بجميع الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي ويشمل ذلك على الحصانة القضائية والتنفيذية ويشترط ألا يكونوا من مواطني الدولة المتعمد لديها . أما فيما يتعلق ببقية أفراد البعثة وهم الموظفين الإداريين والفنيين وأسرهم فإنهم يتمتعون بالحصانة القضائية الجنائية أثناء وخارج ممارستهم لوظائفهم ، أما فيما يتعلق بالحصانة المدنية والإدارية فإن الحصانة تشمل فقط الأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم وظائفهم أما الأعمال التي يقومون بها خارج نطاق وظائفهم فلا تشملها الحصانة القضائية المدنية والإدارية . وكل ذلك بشرط ألا يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها سواء كانت الحصانة جنائية أو مدنية.
أما فيما يتعلق بمستخدمي البعثة الذين ليسوا من مواطني الدولة المعتمد لديها أو المقيمين فيها إقامة دائمة فإنهم لا يتمتعون بالحصانة القضائية إلا بالنسبة للأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم لوظائفهم ، أما فيما يتعلق بالخدم الخاصين لأفراد البعثة من غير حاملي جنسية الدولة المعتمد لديها وغير المقيمين بها إقامة دائمة فإنهم لا يتمتعون بأية حصانة قضائية إلا بقدر ما تسمح به الدولة المعتمد لديها. أي ترك الخيار للدولة المتعمد لديها بمنح ما تراه مناسبا من الحصانات للخدم الخاصين بيد أن الاتفاقية قد اشترطت في هـذه الحالة على الدولة المعتمد لديها عند ممارستها لقضائها على هؤلاء الأفراد ألا تعيق بشكل زائد وظائف البعثة
اترك تعليقاً