مقال حول جريمة الإفتراء في القانون اللبناني
ا/ عيسي العماوي
تنص المادة 403 من قانون العقوبات اللبناني على ما يلي :
” من قدم شكاية أو إخبارا إلى السلطة القضائية أو إلى سلطة يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية فعزا إلى أحد الناس جنحة أو مخالفة يعرف برائته منها أو إختلق عليه أدلة مادية على وقوع مثل هذا الجرم عوقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات . إذا كان الفعل المعزو يؤلف جناية عوقب المفتري بالأشغال المؤقتة عشر سنوات على الأكثر . و إذا أفضى الإفتراء إلى حكم بالإعدام أو بعقوبة مؤبدة فلا تنقص عقوبة الأشغال الشاقة عن عشر سنوات و يمكن إبلاغها إلى خمس عشرة سنة .”
إذا بحسب هذه المادة فجريمة الإفتراء تتمثل بتقديم شكاية أو إخبار إلى السلطة القضائية أو إلى سلطة يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية تتضمن إسناد واقعة جرمية إلى أحد الناس و هو بريء منها أو إختلاق أدلة مادية على حدوث مثل هذه الواعة الجرمية .
لا بد لنا لدراسة جريمة الإفتراء من تناول المواضيع التالية :
الركن المادي لجريمة الإفتراء .
الشروط الواجب توافرها لقيام هذه الجريمة .
الركن المعنوي للجريمة .
العقوبة المقررة للجريمة .
* الركن المادي لجريمة الإفتراء :
لا تقوم جريمة الإفتراء إلا بوجود ركن مادي يتمثل في نشاط جرمي صدر عن المفتري في إحدى صورتين .
الأولى : تقديم شكاية أو إخبار ،
و الثانية : إختلاق أدلة مادية .
1 – تقديم شكاية أو إخبار :
الشكاية : الشكوى في جريمة الإفتراء مقدمة من المفتري ، وليس ممن وقعت عليه الجريمة فعلا ، و لكن المفتري تمكن من التظاهر بأنه هو الشخص المجني عليه ، أو شخص سواه ، أو زعم بوجود جريمة لم ترتكب ، و في كل هذه الحالات ، فإن السلطة المختصة تتلقى هذه الشكوى ، و كأنها شكوى صادقة و تستند إلى معلومات صحيحة .
و بسبب هذا التظاهر فإن الشكاية المقدمة من المفتري إلى الجهات المختصة تشكل الصورة الأولى لتكون الركن المادي لجريمة الإفتراء .
الإخبار : إن الإخبار في جريمة الإفتراء يقدم من المفتري ، متضمنا عزو جريمة كاذبة لشخص معين ، إلا أن الجهة المختصة تتلقى هذا الإخبار على أنه واقعة صحيحة ، و بالتالي فإنه يشكل أحد العناصر التي يقوم بها الركن المادي في جريمة الإفتراء .
2 – إختلاق الأدلة المادية في جريمة الإفتراء :
يقوم الركن المادي لجريمة الإفتراء أيضا على إختلاق أدلة مادية على وقوع الجريمة موضوع الإخبار أو الشكاية ، و تجدر الإشارة إلى أن الركن المادي لجريمة الإفتراء ينهض بتوافر تقديم شكاية أو إخبار فحسب ، و قد وضعت الحالة الثانية ” إختلاق أدلة مادية ” على سبيل الإحتياط للحيلولة دون إفلات المفتري من العقاب في بعض الحالات .
و بناء على ذلك يعتبر من قبيل الأدلة المادية على وقوع الجريمة كافة الأدوات و الوسائل و المواد التي لها كيانها المادي الملموس كالسلا ح و السكاكين و العتاد و المواد المخدرة .
كما يعتبر أدلة مادية كافة الآثار المادية المتخلفة عن وقوع الجريمة كالبصمات و العلامات و الدم و مظاهر التكسير .
و كما تعتبر من الأدلة المادية أيضا كافة الوسائل غير الميدانية ، و التي ممكن ان تقدم كأدلة مادية محسوسة ضمن أوراق الشكاية كالوثائق و السندات المصطنعة غير الصادرة عن صاحبها .
و بهذا المفهوم لإختلاق الأدلة المادية التي تثبت وقوع جريمة معينة ، فإن كافة البينات غير المادية تخرج عن نطاق تطبيق هذه الصورة ، لغايات نهوض الركن المادي لجريمة الإفتراء . فالشاهد الذي يستعين لمفتري بشهادته لإثبات إفترائه لا يعتبر دليلا ماديا لغايات نهوض جريمة الإفتراء و إنما يمكن إعتباره وسيلة إثبات ، يعتمد عليها المفتري .
* الشروط الواجب توافرها لقيام جريمة الإفترء :
تنهض جريمة الإفتراء بتوافر شرطين :
أولا – أن ينصب الإفتراء على واقعة جرمية كاذبة .
ثانيا – أن يوجه الإخبار أو الشكاية موضوع جريمة الإفتراء إلى جهات محددة قانونا .
1 – أن ينصب الإفتراء على واقعة جرمية كاذبة :
إن جريمة الإفتراء تنهض في ظل القانون اللبناني بصرف النظر عن نوع الجريمة موضوع الإفتراء إذ تستوي أن تشكل جناية أو جنحة أو مخالفة و بالتالي فإن الإفتراء يعتبر جناية أو جنحة أو مخالفة حسبما تكون الجريمة المنسوبة للمفترى عليه سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة .
و تجدر الإشارة إلى أن الواقعة الجرمية التي تنهض بها جريمة الإفتراء يجب أن تكون واقعة جرمية كاذبة ،ذلك أن الإخبار عن واقعة جرمية صحيحة يعتبر حق من الحقوق المقررة للأفراد في المجتمع و واجبا مفروضا عليهم .
يعتبر كذب الواقعة الجرمية من أهم العناصر المكونة للركن المادي لجريمة الإفتراء، إذ لا يتكون الركن المادي لجريمة الإفتراء دون أن ينصب على واقعة جرمية كاذبة.
و تعتبر الواقعة الجرمية موضوع الإفتراء كاذبة ، عندما يتبيّن أنها مغايرة للحقيقة ، أو لا وجود لها أصلا ، و على الرغم من ذلك يقوم المفتري بإسناد مثل هذه الواقعة للمفترى عليه ، و هو يعلم أن الواقعة الجرمية التي ضمنها في إخباره لا أساس لها من الصحة ، أو أنه لم يرتكبها ، و أن كل ما يهدف اليه هو إلصاق هذه الواقعة الجرمية الزائفة بالمفترى عليه ، للنيل منه و الإساءة إليه و الإضرار به .
2 – أن يوجه الإخبار أو الشكاية موضوع الإفتراء إلى جهات محددة قانونا :
ذكرنا بأن جريمة الإفتراء لا تقوم إلا بإسناد المفتري للمفترى عليه واقعة جرمية محددة غير صحيحة . غير أن القانون يتطلب أيضا أن يقدم الإخبار أو الشكاية موضوع جريمة الإفتراء إلى جهات محددة على سبيل الحصر ألا و هي السلطة القضائية أو أي سلطة يتوجب عليها إبلاغ السلطة القضائية و في حال قدم الإخبار الكاذب إلى جهات لم يحددها القانون فإن جريمة الإفتراء لا تتوفر ، و لو توافرت سائر أركان هذه الجريمة .
و يقصد بالسلطة القضائية كافة المحاكم على إختلاف أنواعها و درجاتها و هي بالتالي تعتبر جهات قانونية صالحة لتلقي الإخبارات و الشكاوى موضوع جريمة الإفتراء ، بإستثناء بعض المحاكم كالمحاكم المدنية و التجارية و الدينية سواء شرعية أو مذهبية .
و القاعدة في هذا الصدد أن توجه الإخبارات أو الشكاوى التي تتعلق بالمواد الجزائية بشكل عام ، أو بجريمة الإفتراء بشكل خاص إلى سلطة قضائية مختصة بتلقي مثل هذه الإخبارات أو الشكاوى و أن تقوم هذه السلطة بإتخاذ الإجراءات الجزائية الناشئة عنها ، بغية توقيع العقوبة الجزائية بحق المشكو منه .
و الجهات التي تعتبر صالحة لتلقي الإخبارات أو الشكاوى المتعلقة بجريمة الإفتراء التي يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية بذلك تنحصر في ثلاث فئات و هي :
1 – المواطنون الذين يعلمون بجناية تمس أمن الدولة .
2 – الموظفون المكلفون بالبحث عن الجرائم و هم :
– موظفو الضابطة العدلية المساعدون .
– الموظفون المختصون بضبط بعض المخالفات .
– الموظفون المخولون صلاحية الضابطة العدلية بموجب قوانين خاصة بهم .
3 – الموظفون الذين يعلمون بوقوع جناية أو جنحة أثناء وظيفتهم أو بسببها .
*الركن المعنوي لجريمة الإفتراء :
لا يكفي لقيام جريمة الإفتراء توفر الركن المادي ، بل يشترط أيضا توفر الركن المعنوي . و الركن المعنوي للجريمة يتمثل في تلك العلاقة التي تربط المفتري بماديات جريمته .
و يقوم الركن المعنوي في جريمة الإفتراء على القصد الجرمي العام ، الذي يتألف من عنصري العلم و الإرادة .
العلم : يشترط لنهوض القصد الجرمي في جريمة الإفتراء ، أن يعلم المفتري بأن الواقعة التي يسندها للمفترى عليه هي واقعة غير صحيحة ، بحيث ينصب هذا العلم على كافة الصور غير الصحيحة لهذه الواقعة .
فقد تكون الواقعة الجرمية لا أساس لها من الصحة بمعنى أنها من نسج خيال المفتري ، و بهذه الحالة فإن العلم بهذه الواقعة أمر بديهيا. و قد تكون الواقعة قد حدثت و حصلت فعلا على أرض الواقع فيسارع المفتري بإسنادها للمفترى عليه زورا و بهتانا مع علمه بأنه ليس له أدنى صلة بها .
و تجدر الإشارة إلى أن العلم بعدم صحة الواقعة يجب أن يكون علما يقينيا لا علما مفترضا ، و هذا يتطلب أن يكون المفتري مدركا بأنه يقدم إخبارا أو شكاية من المفترى عليه يقلب فيها الحقائق أو يشوهها إن لم يختلقها من نسج خياله .
و يترتب على ذلك أنه إذا ما قام المفتري بإسناد واقعة جرمية للمفترى عليه ، معتقدا أنها صحيحة ، ثم تبين أن مثل هذه الواقعة غير صحيحة ، فإن جريمة الإفتراء لا تنهض بحقه لإنتفاء القصد الجرمي لديه .
كما ينبغي أن يحط المفتري علما بأن إفترائه الكاذب الذي ينسبه للمفترى عليه ، ينبغي أن يقدم إلى جهات قضائية أو جهات أخرى معينة بتلقي الإخبارات و الشكاوى .
الإرادة : تعتبر الإرادة العنصر الثاني لقيام القصد الجرمي في جريمة الإفتراء ، و هي الحالة النفسية التي تتجه إلى إرتكاب هذه الأفعال . و بناء على ذلك فإنه يتعين على المفتري توجيه إرادته إلى إرتكاب الأفعال المكونة للركن المادي لجريمة الإفتراء إضافة غلى العناصر و الشروط اللازمة لقيام هذه الجريمة .
وينبغي لقيام المسؤولية الجزائية بمواجهة المفتري في جريمة الإفتراء أن تكون إرادته حرة و معتبرة و يعتد بها القانون. و بمعنى آخر فإنه يتعين أن يمتلك المفتري القدرة على توجيه نفسه للقيام بالنشاط الجرمي موضوع الإفتراء .
يجب أن تكون الإرادة صادرة عن شخص مميز و يملك حرية الإختيار ، و أن يكون نشاطه ثمرة لإرادة حرة غير مدفوعة و هذا ما يسمى بالطابع العفوي لجريمة الإفتراء .
*عقوبة جريمة الإفتراء :
حدد قانون العقوبات اللبناني عقوبة جريمة الإفتراء حسب نوع الجريمة المسندة للمفترى عليه بحيث قسم الواقعة الجرمية من حيث وصفها القانوني إلى جنايات و جنح و مخالفات و اتخذ من جسامة العقوبة معيارا لهذا التقسيم.
و يترتب على ذلك أن الإفتراء يعتبر مخالفة إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المفترى عليه من نوع المخالفة .
و يعتبر جنحة إذا كانت الجريمة المعزوة للمفترى عليه من نوع الجنحة .
و يعتبر جناية إذا كانت الجريمة المنسوبة للمفترى عليه من نوع الجناية .
– إن العقوبة المقررة للمخالفة في قانون العقوبات اللبناني هي الحيس من يوم إلى عشرة أيام ( حبس تكديري ) و بالغرامة .
– و تعتبر الواقعة الجرمية موضوع الإفتراء جنحة إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مع التشغيل ، أو الحبس البسيط أو الغرامة . و تتراوح عقوبة الحبس الجنحية بين عشرة أيام و ثلاث سنوات.
و تعتبر الواقعة من نوع الجناية إذا كان القانون يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة ، أو الإعتقال المؤبد ، أو الأشغال الشاقة المؤقتة ،أو الإعتقال المؤقت .
و الحد الأدنى للعقوبة الجنائية المؤقتة هو ثلاث سنوات بينما الحد الأقصى لها هو خمس عشرة سنة .
اترك تعليقاً