ظاهرة تبييض الأموال عبر البنوك
تعتبر ظاهرة تبييض الأموال مظهرا من مظاهر الجريمة المنظمة التي تتضمن على العموم الفساد المالي والإداري في المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة وكذلك قطاع الإدارات الحكومية، وقد تفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة تبعا للعولمة السياسية والاقتصادية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد استرعت ظاهرة تبييض الأموال انتباه واهتمام الرأي العام والحكومات والمجتمع الدولي إلى ضرورة مكافحة هذه الآفة التي تتعارض أساسا مع المفاهيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، وزاد من تسارع وانتشار هذه الظاهرة تغلغل العولمة السياسية والاقتصادية وسيطرة راس المال على القرار السياسي وسيادة الدول على أراضيها لان العالم أصبح بمثابة قرية صغيرة موحدة معلوماتيا ومتضامنة ولو على مضض بخصوص محاربة جريمة غسيل الأموال القذرة أو تبييض الأموال الوسخة لما لها من اثر سيئ على الاقتصاد الوطني والعالمي وعدم استقرار الأسواق وخاصة السوق المالية. وتفشت هذه الظاهرة مع زيادة تقدم وسائل تقنيات المعلومات بفضل ما توفره من طرق حسابية متطورة، وأخذت دائرة غسيل الأموال تتسع باستغلال نتائج الثورة التكنولوجية، وهكذا نجد أن البنوك هي صمام الأمان وعنصر الاستقطاب المساعد في تنفيذ تبييض الأموال وغسيلها وتبعا لذلك إظهارها وكأنها مال حلال لا شبهة فيه، علما أن الحرام كل لا يتجزأ، ولا يتم التركيز على عنصر وإغفال عناصر أخرى لان المخالفات الناشئة عن جرائم المخدرات والخطف والقرصنة وجرائم البيئة والمتاجرة في الأسلحة والذخائر وكذلك الرشوة والاختلاس والاحتيال وخيانة الأمانة كلها من العناصر التي يحاربها الدين والشريعة الإسلامية ولان العدالة الإسلامية النابعة من المبادئ الثابتة في الفقه الإسلامي لا تتغير بتغير الأهواء والأمزجة، فمن بين الآثار المترتبة على جريمة غسيل الأموال تبرز زعزعة الاقتصاد الوطني والدولي، ضرب المشاريع الاقتصادية الناجحة وزيادة الثراء الفاحش دون بذل أي جهد مع ما يتبعه من تبذير للأموال وفساد أخلاقي واجتماعي واقتصادي خدمة لأعداء الدين الإسلامي والمجتمع الإسلامي برمته الذي يعاني من الفقر والتفكك الأسري وهدر الطاقات المنتجة وتهميش الكفاءات العلمية النادرة بمعنى تجسيد المبدأ الصهيوني “الغاية تبرر الوسيلة”، وقد جاء في القرآن الكريم، وفي سورة البقرة ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون ” الآية 187.
فتبييض الأموال عبر قناة البنوك والاستفادة من سرية تسيير حسابات العملاء، ليست عملية شريفة ومشروعة لأنها تقوم على إضفاء القيمة القانونية الشرعية للأموال التي يجرى تبييضها انطلاقا من التلاعب بالمصطلحات، أي من كلمة تبييض بمعنى جعل الشيء ابيضا، لذلك يقتضي وضع الأمور في نصابها القانوني والتنبيه بان هذه العملية هي من النشاطات المخالفة للمفاهيم الإنسانية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، ومن هنا وحتى لا يحصل أي إلتباس خاطئ للمقصود بتبييض الأموال، كان من الأفضل استعمال التبييض غير المشروع للأموال، وسوف نستعمل تارة مصطلح التبييض وتارة مصطلح الغسيل لكي نوضح أن لهما نفس المعنى. تظهر الدراسة إشكالية تبييض الأموال في البنوك مع إشارة إلى ظاهرة الرشوة باعتبارها محفزا لانتشار هذه الآفة و دراستها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، كما تظهر الدراسة طرق مكافحة الرشوة قبل وقوعها وبعد وقوعها من خلا ل ما يعرف بالسياسة الوقائية والعلاجية في الفقه الإسلامي، وهذا ما يميز التشريع الإسلامي عن سائر القوانين والاتفاقيات الثنائية والدولية الخاصة بغسيل الأموال، فالعولمة تقوم أساسا على تمويه المعلومات، خاصة إذا ما تعلقت بالبلدان الإسلامية وهكذا فانه من واجب البنوك والمؤسسات الإسلامية الالتزام الدقيق والكامل بالشرع في المعاملات من منطلقات التاريخ، تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وبدون عقدة،فان تدريس التاريخ ودراسته لم تقم في العالم العربي الإسلامي على أساس فهم الماضي بقدر ما كانت تهدف إلى تمجيده بصفة مطلقة ، وقد أصبح تمجيد الماضي وسيلة للصمود النفسي وأداة للتعبئة السياسية والمعنوية ضد الاستدمار كما يقول العلامة عبد الحميد بن باديس ، على أساس أن ماضينا أحسن من ماضيه ،فلماذا لا يكون مستقبلنا أفضل من مستقبله ؟ إذن لابد من التخلي عن المحرمات المتفق عليها حتى تكون أعمال البنوك مطابقة لدين الله ومتفقة مع إسمها…
اترك تعليقاً