توضيحات قانونية حول التسليم الدولي للمجرمين
عبود السراج
استرداد المجرمين أو تسليمهم هو عملية قانونية اتفاقية، تتم بين دولتين، تطلب إحداهما من الأخرى تسليمها شخصاً يقيم على أرضها، لتحاكمه، أي الدولة الطالبة، عن جريمة من اختصاص محاكمها، ويعاقب عليها قانونها، أو لتنفذ فيه حكماً صادراً عن هذه المحاكم. واسترداد المجرمين هو نوع من أنواع التعاون بين الدول لمكافحة الإجرام، بإلقاء القبض على المجرمين الفارين، ومحاكمتهم، وتنفيذ العقوبة بهم.
تاريخ استرداد المجرمين
استرداد المجرمين معروف منذ القديم. وكانت أحكامه تنحصر بالمعاهدات التي تعقد بين ملوك الدول ورؤسائها وأمرائها، فيتعهد هؤلاء بموجبها تسليم الخصوم السياسيين المعادين لنظام الحكم، أو تسليم الأشخاص الذين يرتكبون جرائم ماسة بالسلطة الحاكمة.
واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن بدأت الدول تشعر، في القرن الثامن عشر، باستفحال خطر المجرمين العاديين، وسهولة فرارهم من دولة إلى أخرى، وبضرورة التعاون على إلقاء القبض عليهم أينما كانوا، وتسليمهم إلى الدولة صاحبة الحق في محاكمتهم.
وفي مستهل القرن التاسع عشر، بدأت دول العالم بإدخال تنظيم الاسترداد في تشريعاتها الداخلية، بغية وضع أساس ثابت لهذا التنظيم، يمكن أن تنطلق الدولة منه عند إجراء عملية الاسترداد أو التسليم، وإن كان هذا الأمر لم يلغ لجوء الدول إلى الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية لتسهيل إجراءات الاسترداد وضمان تحقيقه بأفضل السبل وأقصرها.
وظلّ تنظيم استرداد المجرمين غير معروف في تشريعات الدول العربية إلى وقت قريب. فقانونا الجزاء وأصول المحاكمات الجزائية العثمانيان خليا من أي أحكام تتعلق بالاسترداد. وكذلك الأمر فيما يتصل بالتشريعات العربية المحلية الأخرى. وكانت السلطة العثمانية، ومن بعدها سلطات الانتداب تمارس عملية الاسترداد، استناداً إلى اعتبارات سياسية قبل الاعتبارات الحقوقية.
وقد بدأت أكثر الدول العربية بتنظيم الاسترداد وإدخال أحكامه في تشريعاتها المحلية بعد الحرب العالمية الثانية. وأهم خطوة قامت بها هذه الدول، عقد اتفاقية تسليم المجرمين والإعلانات والإنابات وتنفيذ الأحكام في إطار جامعة الدول العربية، بتاريخ 14/9/1952. وظلت هذه الاتفاقية مطبقة إلى أن عقدت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي بين دول الجامعة العربية في 4/4/1983.
وبدأت سورية بتنظيم استرداد المجرمين أول مرة بالمرسوم الاشتراعي ذي الرقم 80 المؤرخ في 30/6/1947. وعندما صدر قانون العقوبات في عام 1949، ألغى هذا المرسوم، وتضمن في المواد 30 – 36 شروط استرداد المجرمين وآثاره. ثم تلاه القانون ذو الرقم 53 المؤرخ في 5/4/1955، فتضمن أصول تسليم المجرمين العاديين والملاحقين قضائياً بجرائم عادية، وخول سلطة النظر في طلبات الاسترداد إلى لجنة قضائية سماها «لجنة استرداد المجرمين».
وتجدر الإشارة إلى أن سورية لم تكتف بتقنين أحكام الاسترداد في تشريعها المحلي، بل لجأت في ذلك إلى الاتفاقيات العربية والدولية. علماً بأن أول اتفاقية من هذا القبيل كانت مع تركية في 30/5/1926، وجاء بعد مدة الاتفاق القضائي مع لبنان في 25/2/1951، واتفاقية تسليم المجرمين والإعلانات والإنابات وتنفيذ الأحكام مع دول الجامعة العربية في 14/9/1952، والاتفاق القضائي مع الأردن في 23/12/1953، واتفاقيات قضائية أخرى مع ألمانية الديمقراطية (1970)، وبلغارية (1976)، ورومانية (1978)، والإمارات العربية المتحدة (1979)، وتونس (1980)، والجزائر (1981)، واليونان (1981)، وتركية (1981)، وتشيكوسلوفاكية (1984)، والاتحاد السوفييتي (1984)، وبولونية (1985)، وقبرص (1985)، وهنغارية (1986). هذا فضلاً عن «اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي» التي عقدت بين دول الجامعة العربية، فألغت اتفاقية تسليم المجرمين التي عقدت بين هذه الدول من قبل.
وتجدر الإشارة إلى أن استرداد المجرمين صار في الوقت الحاضر عرفاً دولياً سائداً. ففي حال غياب التشريع الداخلي أو الاتفاقيات الدولية في دولة من الدول، فإن بإمكان هذه الدولة أن تطلب الاسترداد، أو أن تقوم بالتسليم، استناداً إلى الأعراف الدولية.
شروط استرداد المجرمين
تتفق أكثر التشريعات العربية والأجنبية، والاتفاقيات الدولية، على أن الاسترداد لا يمكن أن يتم إلا إذا تحققت فيه شروط معينة هي:
ـ أن يكون التجريم مزدوجاً: ومعنى هذا الشرط أن يكون الفعل موضوع الاسترداد مجرّماً في قانون الدولتين: طالبة الاسترداد، والمطلوب منها التسليم. وأساس هذا الشرط في الدولة طالبة الاسترداد، هو أنه لا يمكن تصور وجود دعوى جزائية، وحكم جزائي بعقوبة، من أجل فعل لا يعد جريمة. أما أساسه في الدولة المطلوب إليها التسليم، فهو أن الممارسة العملية لإجراءات التسليم، تفرض على هذه الدولة دعوة الشخص المطلوب استرداده لاستجوابه قضائياً، وتوقيفه إن اقتضى الأمر ذلك، إلى حين إتمام إجراءات الاسترداد. وهذه الإجراءات لا يجوز أن تتخذ من أجل فعل لا يعد جريمة.
ـ أن تكون الجريمة على قدر معين من الأهمية: وهذا الشرط تفرضه اعتبارات عملية، تتعلق بإجراءات الاسترداد الطويلة والمعقدة والباهظة التكاليف. فالاسترداد لا يمكن اللجوء إليه إلا من أجل الجرائم المهمة والخطيرة، لكي لا تشغل أجهزة الدولة في جرائم قليلة الأهمية، كالمخالفات والجنح البسيطة.
والمعيار المتبع في أكثر التشريعات العربية والأجنبية لتحديد أهمية الجريمة أو خطورتها، هو نوع العقوبة ومقدارها. ونوع العقوبة المطلوب عادة هو العقوبة السالبة للحرية، وحدّها الأدنى يُراوح ـ بحسب الدول ـ بين سنة وسنتين إذا كان المطلوب استرداده متهماً، وبين شهرين وسنة إذا كان المطلوب استرداده محكوماً عليه.
ـ ألا تكون الجريمة مما يحظر التسليم فيها قانوناً أو عرفاً: وتحظر أكثر الدول تسليم الجاني من أجل بعض الجرائم، وهذه الجرائم هي الجرائم السياسية، والجرائم العسكرية، والجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي. ففيما يتصل بالجرائم السياسية: يعدّ مبدأ عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين مبدأ عالمياً، فرضه العرف الدولي، وتبنته جميع التشريعات في العالم، صراحة أو ضمناً. وقد أجمعت الدول العربية في اتفاقية الرياض لسنة 1983 (المادة 41/ الفقرة أ) على عدم جواز التسليم «إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تُعدّ بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم جريمة لها صبغة سياسية». وقد استثنت هذه الاتفاقية من الجرائم ذات الصبغة السياسية ـ وإن كانت بهدف سياسي ـ الجرائم التالية: التعدي على ملوك ورؤساء الدول العربية أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم، والتعدي على أولياء العهد أو نواب الرؤساء لدى الأطراف المتعاقدة، والقتل العمد والسرقة المصحوبة بإكراه الأفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصلات.
وفيما يتعلق بالجرائم العسكرية: يقضي العرف الدولي أيضاً بعدم جواز التسليم من أجل جريمة عسكرية. وهذا العرف قديم، قد أقره مجمع القانون الدولي المنعقد في أكسفورد عام1880. وإذا كانت بعض التشريعات في العالم لا تنص على هذا الشرط، فإن أغلب الاتفاقيات الإقليمية والثنائية تحتوي عليه، ومنها اتفاقية الرياض المذكورة آنفاً (المادة 41/ الفقرة ب).
وتجدر الإشارة إلى أن الجرائم العسكرية التي لا يجوز التسليم من أجلها هي «الجرائم العسكرية الصرفة»، أي «جرائم الإخلال بواجبات عسكرية»، كجرائم الفرار، وعدم إطاعة الآمر، واغتصاب قيادة عسكرية، والعصيان العسكري… ويخرج عن نطاق هذه الجرائم، جميع الجرائم العادية التي يرتكبها العسكريون، كالقتل والجرح والتزوير والسرقة والاحتيال.
وفيما يتصل بالجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي: فقد نصت على هذا الشرط بعض قوانين الدول العربية كالقانون السوري. ومن العقوبات التي يعدّها المجتمع الدولي مخالفة للنظام الاجتماعي عقوبة الحرق والوسم والتشويه الجسدي، والإعدام في الدول التي ألغت هذه العقوبة.
وعلى أية حال، يحق للدولة المطلوب إليها التسليم، أن توافق على التسليم، وتضمِّن مرسوم التسليم شرطاً يتعلق بعدم تنفيذ بعض العقوبات التي تراها مخالفة لنظامها الاجتماعي، كعقوبة الإعدام، أو عقوبة التجريد المدني، أو أي عقوبة أخرى تمس كرامة المحكوم عليه أو تحط من إنسانيته.
ـ أن يكون الاختصاص القضائي منعقداً للدولة طالبة الاسترداد: وهذا الشرط نتيجة منطقية لطبيعة مؤسسة الاسترداد. فطلب الاسترداد يعني قبل كل شيء، أن الدولة الطالبة هي صاحبة الحق قبل غيرها من الدول الأخرى، بملاحقة الشخص المطلوب استرداده، ومحاكمته، وإنزال العقاب المستحق به. أما إذا كان قضاء هذه الدولة غير مختص في الأصل بالنظر في الجريمة المرتكبة، فإن طلب الاسترداد يفقد مسوّغه ومعناه.
ـ ألا يكون الاختصاص القضائي منعقداً للدولة المطلوب إليها التسليم: فللدولة المطلوب إليها التسليم أن ترفض طلب الاسترداد إذا كانت محاكمها مختصة بالنظر في الجريمة موضوع التسليم اختصاصاً إقليمياً أو عينياً أو شخصياً. وهذا الشرط يفرضه مبدأ السيادة. فما دامت الدولة المطلوب إليها التسليم مختصة أيضاً بمحاكمة الشخص المطلوب، فلا يوجد ما يسوّغ تنازلها عن اختصاصها، إلا إذا قبلت بذلك، وقامت بالتسليم بمحض إرادتها.
ورفض التسليم لا يعني ترك الشخص المطلوب استرداده من دون محاكمة، بل يجب على الدولة الرافضة أن تحاكمه أمام محاكمها في حدود اختصاصها. ولكي يكتمل التعاون الدولي في هذه الحالة، فإن على الدولة طالبة الاسترداد أن تزود الدولة التي قررت محاكمة الشخص المطلوب أمام محاكمها، بما لديها من وثائق ومستندات ومعلومات وأشياء تثبت جريمته. وعلى الدولة التي حاكمته أن تعلم بالمقابل الدولة طالبة الاسترداد بنتيجة المحاكمة عند انتهائها.
وفي جميع الأحوال فإن للدولة التي طلبت الاسترداد في المرة الأولى ورفض طلبها، أن تتقدم بطلب استرداد آخر، بعد انتهاء محاكمة الشخص المطلوب، لتتولى هي تنفيذ الحكم الصادر بحقه.
وتتجه أكثر دول العالم إلى تبني مبدأ عدم تسليم رعاياها أو مواطنيها، وقيامها هي بمحاكمتهم وفرض العقوبة المستحقة عليهم، وتنفيذها بهم، وذلك حماية لهم من أي تعد أو تعسف أو إخلال بحقوقهم. وقد تبنت اتفاقية الرياض هذا المبدأ وأجازت في المادة (39) للدولة أن تمتنع عن تسليم مواطنيها، على أن تحدد الجنسية بتاريخ وقوع الجريمة المطلوب من أجلها التسليم. وعلى هذه الدولة أن تلاحق المطلوب إذا ما تلقت من أي دولة موقعة على الاتفاقية طلباً بالملاحقة مصحوباً بالملفات والوثائق والأشياء والمعلومات التي تكون في حيازتها، شريطة أن تكون الجريمة معاقباً عليها في قانون كل من الدولتين بعقوبة سالبة للحرية مدتها سنة، أو بعقوبة أشد.
ولكنّ لمبدأ عدم تسليم المواطنين معارضيه. فمنذ عام 1880، دعا مجمع القانون الدولي المنعقد في أكسفورد دول العالم إلى قبول مبدأ تسليم الرعايا، مستنداً إلى أن محاكمة الجاني في مكان ارتكاب الجريمة، أو في الدولة التي وقع الاعتداء على أمنها، أجدى لحسن سير العدالة ولمكافحة الجريمة والمجرمين. وقد أقر هذا الاتجاه الفقه الحديث، وأكثر المؤتمرات الدولية، ومعاهد القانون الدولي والجزائي. ولكن مع ذلك ظل الأخذ به محدوداً. ومن الدول التي تقبل اليوم بتسليم مواطنيها إنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية وإيطالية. وتشترط الأولى والثانية ألا يتم التسليم إلا لدولة تقبل المعاملة بالمثل، وتشترط الثالثة ألا يتم التسليم إلا تطبيقاً لأحكام اتفاقية دولية.
ـ ألا تكون الدعوى العامة أو العقوبة قد سقطت بأحد أسباب السقوط كالتقادم أو العفو العام أو العفو الخاص: وهذا الشرط تفرضه المبادئ العامة للقانون الجزائي. فسقوط الدعوى العامة بأحد أسباب السقوط، لا يترك محلاً، استناداً لهذه المبادئ، لإجراء عملية الاسترداد.
ـ ألا يكون قد قضي بالجريمة قضاء مبرماً في الدولة المطلوب إليها التسليم: وهذا الشرط تتمسك به الدول استناداً إلى مبدأ السيادة. فتسليم شخص إلى دولة أخرى لمحاكمته بعد أن تكون محاكم الدولة المطلوب إليها التسليم قد حاكمته وحكمت عليه بصورة نهائية، فيه مساس بهيبتها وقدرة قضائها على تحقيق العدالة الجنائية. فما دامت الغاية من الاسترداد هي محاكمة الشخص محاكمة عادلة، وتبرئته إن كان بريئاً، ومعاقبته إن كان مذنباً، فقد تحققت هذه الغاية في الدولة التي لجأ إليها هذا الشخص. لكن يبقى أمام الدولة طالبة الاسترداد، أن تعدل طلبها، وتطلب الاسترداد لتنفيذ الحكم الصادر بحق المحكوم عليه في سجونها.
إجراءات الاسترداد والتسليم
تختلف إجراءات الاستردادعن إجراءات التسليم.
إجراءات الاسترداد: تبدأ إجراءات الاسترداد في أكثرالدول العربية بعد أن تأخذ النيابة العامة علماً بوقوع الجريمة، وبفرار مرتكبها إلىدولة أجنبية معينة. فالنيابة العامة ترفع في هذه الحالة كتاباً إلى وزير العدل،الذي يرفعه إلى «لجنة تسليم المجرمين» (بمقتضى التشريع السوري)، وهي الجهة المختصةبتقديم طلب الاسترداد، وبالنظر في طلبات الاسترداد التي تصل إلى سورية من دولةأجنبية. وتتألف «لجنة تسليم المجرمين» في سورية من معاون وزير العدل رئيساً وهوقاض، ومن قاضيين يعينان بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل، ويسمى مع عضويّ اللجنةعضو ملازم لإكمال النصاب. وتتمتع لجنة تسليم المجرمين بجميع الاختصاصات التي يملكهاقاضي التحقيق، ولها أن تنيب من تشاء من القضاة لممارسة اختصاصاتها كلها أو بعضها. ويعود إليها أمر بت طلبات الاسترداد سلباً أو إيجاباً بقرارات معللة غير خاضعةللطعن.
ومتى قررت الجهة المختصة في أي دولة عربية تقديم طلب الاسترداد، فإنعليها أن تعد طلبها كتابة، وترسله إلى الجهة المختصة في الدولة المطلوب إليهاالتسليم، مصحوباً بالوثائق التالية: بيان مفصل عن هوية الشخص المطلوب استرداده،وأوصافه وجنسيته وصورته إن أمكن، وأمر القبض على الشخص المطلوب تسليمه، أو أصل حكمالإدانة الصادر طبقاً للأوضاع المقررة في قانون الدولة الطالبة، أو صورة رسمية عنهمصدق عليها من الجهة المختصة لدى الدولة الطالبة، أو أي وثيقة أخرى لها القوة نفسهاصادرة عن الجهات المختصة، ومذكرة تتضمن تاريخ ومكان ارتكاب الأفعال المطلوب التسليممن أجلها ووصفها، والمقتضيات الشرعية أو القانونية المطبقة عليها، مع نسخة معتمدةمن هذه المقتضيات، وبيان من سلطة التحقيق بالأدلة القائمة ضد الشخص المطلوب تسليمه (اتفاقية الرياض، المادة 42).
ويجوز في أحوال الاستعجال أن تطلب الدولةطالبة الاسترداد القبض على الشخص المطلوب وتوقيفه مؤقتاً، وذلك إلى حين وصول طلبالاسترداد والمستندات اللازمة. ويبلغ هذا الطلب مباشرة بطريق البريد أو البرق أوبأي وسيلة أخرى يمكن إثباتها كتابة. وفي جميع الأحوال يجب أن يتضمن هذا الطلبالإشارة إلى وجود الوثائق والمستندات اللازمة، مع الإفصاح عن نية إرسال طلبالاسترداد، وبيان الجريمة المطلوب عنها التسليم والعقوبة المقررة لها أو المحكومبها، وزمان ارتكاب الجريمة ومكانها، وأوصاف الشخص المطلوب تسليمه على وجه الدقة ماأمكن، ريثما يصل الطلب مستوفياً شرائطه القانونية. وتُعلم الجهة الطالبة، من دونتأخير، بما اتخذ من إجراءات بشأن طلبها (اتفاقية الرياض).
واختصاراً للزمن،فقد جاء في الاتفاق القضائي السوري ـ اللبناني أن طلبات الاسترداد تقدم من النائبالعام في الدولة طالبة الاسترداد إلى النائب العام في الدولة المطلوب منها التسليم. ويفصل النائب العام في الطلب الوارد إليه بقرار معلّل الأسباب. أما الاتفاق القضائيالسوري ـ الأردني فيوجب أن تقدم طلبات الاسترداد من وزير العدل إلى وزير العدلمباشرة. وكانت اتفاقية الجامعة العربية تقضي بتقديم طلبات التسليم بالطرقالدبلوماسية. ولكن اتفاقية الرياض اتجهت إلى تبسيط الإجراءات، فقبلت أن يقدم طلبالاسترداد من الجهة المختصة لدى الدولة طالبة الاسترداد إلى الجهة المختصة لدىالدولة المطلوب إليها التسليم مباشرة.
والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية لهادور مهم في استرداد المجرمين الفارين. فعندما يفر المجرم إلى خارج البلاد في أيدولة منتسبة إلى «الأنتربول» ـ ومنها الدول العربية ـ يطلب المرجع القضائي المختصبطلب الاسترداد مباشرة، أو عن طريق قيادة قوى الأمن الداخلي، إلى المكتب الوطنيللشرطة الجنائية الدولية في بلده، أن يبلغ المنظمة في مركزها بباريس بالأمر، فتقومهذه على الفور بإذاعة بحث على الصعيد الدولي عن المجرم الفار. وإذا كان الطلبمتفقاً مع دستور «الأنتربول»، يصدر الأمين العام للمنظمة مذكرة فردية ذات شارةحمراء، تعمم على جميع المكاتب الوطنية للشرطة الجنائية الدولية في بلدان العالم. ويطلب فيها التحري عن المجرم الفار، وإلقاء القبض عليه، وتوقيفه احتياطياً. كماتنشر المنظمة في كل شهر جدولاً يحتوي على المذكرات الخاصة بالأشخاص المطلوبين، وفيالحالات الاستثنائية الطارئة، تستعمل شبكة البث السلكي أو اللاسلكي أو البريدالإلكتروني التي تربط قيادة المنظمة بالمكاتب الوطنية في دول العالم، لإذاعة البحثعن هؤلاء الأشخاص.
إجراءات التسليم: يتنازع دول العالم فيما يتصل بإجراءاتالتسليم نظامان: النظام الإداري والنظام القضائي.
ففي النظام الإداري: يكونالتسليم عملاً من أعمال السلطة التنفيذية. فطلب الاسترداد يتلقاه وزير العدل، الذييحيله على كل من وزير الخارجية ووزير الداخلية لاستطلاع رأيهما، ثم يرفع أخيراً إلىرئيس الدولة أو إلى رئيس الوزراء، المرجع الأخير في قبول التسليم أو رفضه. والدولالتي تأخذ بهذا النظام قليلة جداً. فإذا كانت محاسنه هي السرعة والبساطة، فإن منعيوبه الخطيرة عدم توفير الضمانات الكافية للشخص المطلوب استرداده للدفاع عنحقوقه.
أما النظام القضائي: فأصوله في الدول الأنكلوسكسونية. وفيه يكونالتسليم عملاً من أعمال القضاء. فالشخص المطلوب استرداده يدعى للمثول أمام القاضيالمختص، الذي يجري له محاكمة علنية، يترافع فيها الخصوم، ويستمع إلى أقوال الشهود. وللمطلوب استرداده الحق في توكيل محام عنه، والدفاع عن قضيته بمختلف الوسائلالقانونية. وبعد اكتمال الإجراءات، يقرر القاضي قبول طلب الاسترداد أو رفضه. وقرارههذا قابل للطعن بطريق الاستئناف. وعندما يصبح القرار القضائي مبرماً، تلتزم السلطةالتنفيذية بالقبول به وتنفيذه. ومن محاسن هذا النظام أنه يضمن للفرد حقوقه فيالدفاع عن نفسه، ومن عيوبه أنه بطيء، ويخشى أن يؤثر القرار القضائي في القضاة الذينسيحاكمونه في الدولة طالبة الاسترداد، وأن يتخذ هذا القرار قرينة على ثبوت التهمةالمعزوة إلى الشخص المطلوب استرداده.
والنظام القضائي مطبق حالياً في كل منإنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية.
أما النظام المعمول به في الدولالعربية فإن اتفاقية الرياض لا تتعرض لأسلوب التسليم، وهي بهذا تترك الأمر للقوانينالمحلية النافذة في كل دولة عربية، لتطبق الأسلوب الذي تراهمناسباً.
والواقع أن الدول العربية لم تتبع الأسلوب الإداري أو القضائيبأكمله، بل اختارت نظاماً وسطاً، تترجح فيه كفة الأسلوب القضائي. ففي الأردنوالعراق، تطبق أصول قضائية مستقاة من الأصول الإنكليزية، ولكن قرار القاضي لا يلزمالحكومة، فهو رأي استشاري صرف. وفي المغرب تبت طلب الاسترداد الغرفة الجنائيةالتابعة لمجلس أعلى، فإذا ارتأى هذا المجلس رفض التسليم فإن رأيه يكون نهائياً، ولايرخص بتسليم الشخص المطلوب استرداده. أما إذا ارتأى الموافقة، فإن التسليم لا يتمإلا بمرسوم يأذن بالتسليم، ويوقعه رئيس الوزراء بناء على اقتراح وزيرالعدل.
أما في سورية فنظام تسليم المجرمين هو في الأساس، نظام قضائي، مطعمبالنظام الإداري. فـ «لجنة تسليم المجرمين»، هي الجهة المختصة بالنظر في طلباتالاسترداد، وهي لجنة قضائية. وهذه اللجنة مخولة سلطة تدقيق طلبات الاسترداد من حيثالشكل والموضوع معاً، والبحث في توافر الشروط القانونية للتسليم أو عدم توافرها. وهي مخولة أيضاً، إذا رأت ضرورة لذلك، تمحيص التهمة المعزوة إلى الشخص المطلوباسترداده، وتقدير الأدلة، بعد الاستماع إلى الشخص المطلوب استرداده، وإلى دفاعمحاميه. وإذا قررت اللجنة رفض التسليم، فالحكومة تكون ملزمة به. أما إذا قررتالتسليم، فالرأي النهائي يعود للسلطةالتنفيذية، إذ لا يتم التسليم إلا بمرسوم بناءعلى اقتراح وزير العدل.
تعدد طلبات الاسترداد
إذا تعدد تطلبات الاسترداد من دول مختلفة عن جريمة واحدة، فتكون الأولوية في التسليم وفقأحكام اتفاقية الرياض، بحسب التسلسل التالي: الدولة التي أضرت الجريمة بمصالحها (الاختصاص العيني)، ثم الدولة التي ارتكبت الجريمة في إقليمها (الاختصاص الإقليمي)،ثم الدولة التي ينتمي إليها الشخص المطلوب استرداده بجنسيته عند ارتكاب الجريمة (الاختصاص الشخصي). أما إذا اتحدت الظروف، فتفضل الدولة التي هي أسبق في طلبالاسترداد. وإذا كانت طلبات الاسترداد عن جرائم متعددة، فيكون الترجيح بينها بحسبظروف الجريمة وخطورتها والمكان الذي ارتكبت فيه. ومع ذلك فقد تركت اتفاقية الرياضللدولة المطلوب إليها التسليم حق الفصل في الطلبات المقدمة إليها من مختلف الأطرافالمتعاقدة بمطلق حريتها، مراعية في ذلك جميع الظروف.
آثارالاسترداد
عندما يصدر مرسوم التسليم، تعلم الدولة التي أصدرتهالدولة طالبة الاسترداد بذلك، وعلى هذه الأخيرة أن تتسلم الشخص المطلوب بوسائلهاالخاصة، في التاريخ والمكان المحددين لذلك، وإذا لم يتم تسلم الشخص بعد مرور 15يوماً على هذا التاريخ، جاز الإفراج عنه. وفي جميع الأحوال فلا بد من الإفراج عنهبانقضاء 30 يوماً على التاريخ المحدد للتسليم، ولا تجوز المطالبة باسترداده مرةأخرى عن الفعل أو الأفعال التي طلب من أجلها الاسترداد. على أنه إذا حالت ظروفاستثنائية دون تسلمه، وجب على الدولة صاحبة الشأن أن تخبر الدولة الأخرى بذلك قبلانقضاء الأجل، وتتفق الدولتان على أجل نهائي للتسليم، يخلى سبيل الشخص عند انقضائه. ولا تجوز المطالبة باسترداده بعد ذلك عن الفعل نفسه أو الأفعال التي طلب من أجلهاالتسليم (اتفاقية الرياض).
وإذا تم استرداد الشخص المطلوب، فيجب أن يشملالاسترداد الأشياء والوثائق والنقود والأدوات الجرمية التي ضبطت حين إلقاء القبضعليه، والتي صودرت منه أو من غيره، لصلتها بالجريمة المقترفة.
يجب علىالدولة المستردة أن تتقيد بمحاكمة الشخص المسترد عن الجريمة التي طلب استرداده منأجلها، ولا يجوز لها توجيه اتهام إليه أو محاكمته أو حبسه تنفيذاً لعقوبة محكوم بهاعن جريمة أخرى غير الجريمة التي سلم من أجلها، والجرائم المرتبطة بها، أو الجرائمالتي ارتكبها بعد التسليم، إلا في الحالتين التاليتين: الأولى إذا كان الشخص المسلمقد أتيحت له حرية ووسيلة الخروج من إقليم الدولة المسلم إليها، ولم يغادره خلال 30يوماً بعد الإفراج عنه نهائياً، أو خرج منه وعاد إليه باختياره، والثانية إذا وافقتعلى ذلك الدولة التي قامت بالتسليم، وذلك بشرط تقديم طلب جديد مصحوب بالمستنداتاللازمة، وبمحضر قضائي يتضمن أقوال الشخص المسلم بشأن امتداد التسليم.
ولايجوز للدولة المستردة للشخص المطلوب أن تسلمه إلى دولة ثالثة إلا بناء على موافقةالدولة التي قامت بالتسليم، أو إذا كان الشخص المسلم قد أُتيحت له حرية ووسيلةالخروج من إقليم الدولة التي سلم إليها، ولم يغادره في 30 يوماً بعد الإفراج عنهنهائياً أو خرج منه وعاد إليه باختياره (اتفاقية الرياض).
وتتحمل الدولةالمطلوب إليها التسليم جميع النفقات المترتبة على إجراءات التسليم التي تتم فوقأراضيها. وتتحمل الدولة طالبة الاسترداد نفقات مرور الشخص خارج إقليم الدولةالمطلوب إليها التسليم. كما تتحمل أيضاً جميع نفقات عودة الشخص المسلّم إلى المكانالذي كان فيه وقت تسليمه، إذا ثبت عدم مسؤوليته أو حكم ببراءته (اتفاقيةالرياض).
الموسوعة العربية
اترك تعليقاً