علاقة قانون الطوارئ بالدستور
وفقا للمعايير القانونية المتعلقة بمبادئ حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان المعمول بها في كافة المنظمات والمؤسسات الدولية ذات العلاقة , فان قوانين الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية مرتبط في أذهان كل النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بكارثة مقننة إعمالا لأعمال السيادة الممنوحة للدول على أراضيها تتمثل في انتهاك صارخ للحريات العامة ولمبادئ حقوق الإنسان كونها تشرع لقواعد وإجراءات استثنائية تؤدي فورا الى التضييق على المواطن وفي أقصى درجاته لان قوانين الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية تعني وبكل بساطة اعتقال أي مواطن في أي مكان وزمان ومهما كانت الأسباب وتعني أيضا مصادرة او الحد من الحريات العامة وحقوق المواطنين فرادى وجماعات وذلك بسبب تعطيل القوانين الاعتيادية بان يتم سلب اختصاصات السلطات التشريعية والقضائية وإسنادها للسلطات التنفيذية التي ستستعين بالأجهزة الأمنية صاحبة اليد الطولى في عرض البلاد وطولها.
وفي العادة تحدد الدساتير الجهة المسئولة عن إعلان حالة الطوارئ والحالات التي يسمح بها هذا إلاعلان كتعرض الدولة إما لكوارث طبيعية او قلاقل أمنية تهدد امن وسلامة الوطن والمواطن (( أعمال الشغب والتمرد المدني والنزاعات المسلحة إما داخلية او خارجية كالاعتداء على الدولة من أطراف خارجية)).
وهذا ما نصت عليه المادة (64) من دستورالمملكة الليبية المتحدة الصادر سنة 1951م والتي جاء فيها(( إذا طرأت أحوال استثنائية تتطلب تدابير مستعجلة ولم يكن مجلس الأمة منعقدا فللملك الحق أن يصدر بشأنها مراسيم يكون لها قوه القانون على أن لا تكون مخالفة لأحكام الدستور , وتعرض هذه المراسيم على مجلس الأمة في أول اجتماع له, فإذا لم تعرض أولم يقرها احد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون)) وكذلك المادة (70) جاء فيها ((الملك يعلن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ على أن يعرض إعلان الأحكام العرفية على مجلس الأمة ليقرر استمرارها آو إلغاءها , وإذا وقع ذلك الإعلان في غير دور الانعقاد وجب دعوة مجلس الأمة للاجتماع على وجه السرعة)) أما المادة (195) فقد نصت على ما يلي((لا يجوز بأية حال تعطيل حكم من أحكام هذا الدستور إلا أن يكون ذلك وقتيا في زمن الحرب أو في إثناء قيام الاحكام العرفية , وعلى أي حال لا يجوز تعطيل انعقاد مجلس الأمة متى توفرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور)) .
ففي هذه النصوص محاولات خجولة للحد من تغول من لديه سلطة تنفيذ أحكام قانون الطوارئ وفيها إشارة واضحة بضرورة احترام أحكام الدستور وذلك للمحافظة على اكبر قدر من الحريات و حقوق الإنسان .فالأحكام العرفية او حالة الطوارئ تفرض إما على كافة أرجاء الوطن أو على جزء منه مع تحديد فترة زمنية محددة لا ينبغي تجاوزها وذلك وفقا لنصوص صريحة في الدستور المعمول به أثناء تقرير هذه الأحوال الطارئة.
ولما كان مثل هكذا أحوال استثنائية قد تطرأ في كل حين ومكان من العالم,,فالأمر أضحى جائزا ومشروعا وفقا للعهود والمواثيق القانونية,,فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد جاء في هذا نص صريح في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحديدا في المادة ( 4) التي جاء فيها :
(( 1- في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.
2. -لا يجيز هذا النص أي مخالفة لأحكام المواد 6 و 7 و 8 (الفقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18.
3. – على أية دولة طرف في هذا العهد استخدمت حق عدم التقيد أن تعلم الدول الأطراف الأخرى فورا، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تنهى فيه عدم التقيد، أن تعلمها بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.))
ولقد عودتنا التجارب في مثل هكذا أحوال تفرض فيها الأحكام العرفية بان العديد من الدول بالأخص الشمولية والاستبدادية أو تلك التي تتحكم فيها ميليشيات مسلحة بان تقوم تلك الدول بفرض إرادتها وحكمها على الشعب رغما عن إرادته وبالتالي العمل على سلب حريته وحقوقه المكفولة له بموجب القوانين والعهود الدولية ذات العلاقة.وللحيلولة دون انتشار ما يجسد الانتهاكات للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان حرص المشرع الدولي على وجوب حمايتها حتى في ضل أحكام الطوارئ الاستثنائية فالنص المبين أعلاه واضح وصريح في التنبيه الى عدم جواز مخالفة العديد من المواد المذكورة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كما مبين في الفقرة الثانية من المادة المشاراليها أعلاه.
وذلك للمحافظة على حياة المواطنين وعدم تعرضهم للاهانة والتعذيب والعقوبات القاسية واللاأنسانية او الحاطة بالكرامة..ومن باب أولى عدم التعرض لعمليات الحجز الادارى الغير محدد المدة ووجوب وجود ضمانات تكفل استيفاء الحق لمن تعرض لانتهاك حقوقه أثناء تطبيق تلك القوانين الاستثنائية وذلك بعد انتهاءها وعودة الحياة الى طبيعتها والى ماكانت عليه سابقا .
من هنا فوجود الدستور قبل الخوض في مسألة إصدار مثل هكذا قوانين استثنائية يعد صمام الأمان للمحافظة على الحريات العامة ومبادئ حقوق الإنسان بأكبر قدر ممكن في ضل ظروف قاهرة تستوجب اللجؤ الى هكذا إجراءات استثنائية.حتى لا يستفرد من له حق إدارة الدولة بهذا الحق المطلق المؤدي حتما الى ديكتاتورية جديدة.
ووجود الدستور أصلا يعني وجود دولة متكاملة الأركان بمؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية القادرة على تسيير شئون البلاد والعباد في الظروف الاعتيادية والمسيطرة على مجريات الأمور من خلال السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية,,عندها يمكن للدولة السيطرة على شئونها الداخلية بكل يسر وسهولة إثناء تطبيق قوانين الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية .
أما في دولة كدولتنا هذه الأيام,,فالأمر جد خطير..مؤسساتها المدنية لم تكتمل بعد ان لم تكن لم توجد أصلا,, مؤسستها الأمنية المتمثلة في أجهزة الشرطة التابعة لوزارة الداخلية,,هي الأخرى ليست متواجدة على الأرض بالصورة التي يجب ان تكون عليها,,والأخطر من ذلك مؤسستها العسكرية التي من المفترض ان تستلم زمام الأمور أثناء تطبيق الأحكام العرفية فهي أيضا حدث ولا حرج,,لم تقم لها القيامة بعد لا بل والأدهى والأمر إنها لازالت تستعين ببعض تلك الكتائب الغير مؤطرة عسكريا وهنا الطامة الكبرى,,لان الاستعانة بها في تطبيق قانون الطوارئ يعني المواجهة بها مع تشكيلات وكتائب أخرى قد يتم تصنيفها على إنها غير شرعية مع الوجود الفعلي لكتائب وميليشيات غير شرعية حسب التصنيف الذي خرج به علينا كلا من رئيس الأركان والمؤتمر الوطني العام. ناهيك على عدم إعادة هيكلة السلطات القضائية لأهميتها في هذه المرحلة الحساسة وفي المراحل القادمة لتفعيل رقابتها القضائية على أية مخالفات قد تحدث أثناء تطبيق الإحكام العرفية بتوثيقها وحفظها للعمل على النظر فيها عندما تعود المياه الى مجاريها,,
وطالما ليبيا على هذه الشاكلة وهي في طريق عبورها من مرحلة الثورة الى مرحلة الدولة,,ولم يوجد بها حتى ألان دستور ينظم هذه المراحل المتتابعة للوصول بالتالي الى الدولة المنشودة,,وبالتالي عدم وجود محكمة دستورية او إدارية عليا للنظر في أية تجاوزات قد تمس حرية الإنسان وحقوقه وكرامته,,فان قانون الطوارئ هنا وفي غياب الرقابة الدستورية فانه يشكل خطرا حقيقيا على الحريات العامة وعلى مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في غياب مؤسسات الدولة الطبيعية وفي وجود تخبط إداري وامني ملحوظ مع انتشار الكتائب والميليشيات المسلحة التى قد تجد ضالتها في تنفيذ أجندات من يقف وراءها الأمر الذي قد يزيد الطين بله وعندها سنقول(( جاء يطبب فيها عماها))!!!
اترك تعليقاً