أزمة المالية العامة في المغرب
لمقاربة موضوع أزمة المالية العامة في المغرب سأحاول التركيز على ثلاثة محاور أساسية تتعلق أولا بالمشارب الفكرية للميزانية العامة ، ثم ثانيا ببنية نفقات وموارد الميزانية العامة بالمغرب، ثم ثالثا وأخيرا تقييم التوجهات العامة لهذه الميزانية.
أولا: المشارب الفكرية للميزانية العامة
من المعلوم أن الميزانية العامة هي عبارة عن آلية قانونية لتنظيم نفقات الدولة ومواردها، كما أنها في نفس الوقت أداة سياسية تترجم مصالح وفلسفة مراكز القوى السائدة في المجتمع. لذلك فإن تحليل المشارب الفكرية للميزانية العامة بالمغرب لا يجب أن ينفصل عن البحث عن أشكال سيطرة القوى السائدة وعن أسلوب ترجمة مصالح هذه القوى عبر القوانين المالية.
لذلك يجب العودة بسرعة إلى كيفية تطور الفكر المالي بالموازاة مع تطور القوى التي نسجت هذا الفكر وفرضته على المحيطين الدولي والمحلي وأصبح بالتالي يترجم من خلال القوانين المالية السنوية.
فقد تطور الفكر المالي عبر ثلاث مراحل، تترجم كل مرحلة منها شكل الهيمنة الاجتماعية السائدة، وتتعاقب هذه المراحل على مدى قرنين من الزمان أي منذ سنة 1800 وهو تاريخ سيطرة القوى البرجوازية على جهاز السلطة وتسخيرها لخدمة مصالحها. فالمرحلة الأولى تبدأ سنة 1800 وتنتهي سنة 1929 وهو تاريخ إنفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، بينما تبدأ المرحلة الثانية من سنة 1930 وتنتهي سنة 1979 وهو تاريخ صعود مارغريت تاتشر الى الحكم في بريطانيا. أما المرحلة الثالثة فتبدأ سنة 1979 ولا تزال مستمرة لحد الآن. ففي كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث ساد فكر مالي واقتصادي معين ينسجم مع شكل السيطرة الاجتماعية السائدة.
(1) – الفكر المالي قبل عقد الثلاثينات من القرن العشرين
تميزت المرحلة الأولى بالسيطرة المطلقة للطبقة البرجوازية على جهاز الدولة فكان لا بد أن تنعكس هذه السيطرة على أداء الدولة الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي وضع كل ذلك في خدمة المصالح الطبقية السائدة. وقد عمل بعض المفكرين الاقتصاديين من أمثال أدام سميث وريكاردو وجان باتيست ساي على تنظير هذه المرحلة وترجمة مصالح الطبقة البرجوازية في مبادئ وقواعد للتدبير المالي والاقتصادي. وتوجد على رأس هذه المبادئ مقولة دعه يعمل دعه يمر واليد الخفية التي تعيد التوازن الاقتصادي والاجتماعي تلقائيا عبر السوق الحرة وقانون العرض والطلب.
لقد كانت المصالح البرجوازية خلال هذه المرحلة تقتضي وجود أمن قوي للدفاع عن مصالحها في مواجهة الطبقات الكادحة التي كانت أوضاعها تزداد تفاقما يوما بعد يوم. كما كانت مصالح هذه الطبقة تقتضي وجود جيش قوي للدفاع عن حدود سيطرتها الإقليمية وكذلك لغزو الشعوب الأخرى وإخضاعها للاستعمار المباشر. كما كانت القوى السائدة في حاجة إلى دبلوماسية نشطة لتصريف مصالحها لدى الشعوب الأخرى. فهذه الحاجيات الثلاثة هي التي كانت تشكل ما يسمى بنفقات الدولة الدركية. لذلك كانت نفقات هذه الدولة محدودة، كما كانت الموارد المالية اللازمة لتغطية هذه النفقات هي أيضا محدودة، فكانت الضريبة تطبق بسعر نسبي منخفض.
إذا كان النظام الذي ساد خلال هذه المرحلة قد حقق للطبقة البورجوازية طفرة نوعية في مجال الصناعة وتراكم الثروات الهائلة فقد أدى في المقابل إلى انتشار البؤس والفقر في في صفوف الطبقة الكادحة ولدى شعوب الدول المستعمرة كما أدى إلى اندلاع الحروب بين القوى الرأسمالية حول المستعمرات. وقد كان من شأن هذا التناقض الصارخ أن انفجرت الأزمات والمظاهرات في كل مكان. وظهر مفكرون يساندون قضايا العمال والشعوب المقهورة من أمثال كارل ماركس وانجلس ولينين ويقترحون تنظيم اشتراكي بديل للرأسمالية. وقد أثمرت الأفكار الثورية المناهضة للنظام الرأسمالي في اندلاع الثورتين الروسية والصينية وفي تمرد الشعوب الأهلية في المستعمرات من أجل التحرر والاستقلال كما أدى تفاقم التناقضات إلى ظهور أنظمة فاشية يمينية متطرفة تتطلع إلى الهيمنة المطلقة على العالم كما يحدث حاليا مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل.
(2) – الفكر المالي منذ عقد الثلاثينات وإلى غاية سنة 1979
عقب اندلاع الأزمة الإقتصادية العالمية لسنة 1929، وأمام التهديد الذي بدأت تشعر به القوى البرجوازية أمام امتداد الوعي السياسي للطبقات الكادحة والشعوب المستعمرة، ومخافة من ضياع مصالحها، بدأت تخضع نفسها لبعض الضوابط الاقتصادية والمالية لاستمالة القوى العمالية والطبقات الشعبية لمواجهة تهديد الفكر الاشتراكي والقوى الفاشستية، وقد كان المعبر الأمين عن هذه المرحلة هو المفكر الإنجليزي جون ماينارد كينز الذي دعى إلى ضرورة تدخل جهاز الدولة لتحقيق مطامح الطبقات العاملة في التشغيل والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. ونتيجة لتبني القوى الرأسمالية الغربية لأفكار كينز حدثت تسوية تاريخية بين رأس المال والعمل الشيء ساعد على ظهور ما يسمى بمشروع دولة الرفاه. وقد كانت أهم العوامل التي ساعدت على هذه التسوية التاريخية تمفصل القوى الإجتماعية على الصعيد الدولي حول ثلاث مشاريع متوازنة هي:
– مشروع دولة الرفاه في الدول الرأسمالية الغربية الذي تميز بسيادة الأداء الاقتصادي الكينيزي الذي ارتكز على عدالة توزيع الدخل عبر العديد من الميكانيزمات وقيام الدولة بتوفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية.. الخ بالمجان. ونتيجة لذلك أخذت ميزانية الدولة تتضخم سنة بعد أخرى نتيجة تزايد نفقاتها والتوسع في ايجاد الموارد اللازمة لتغطيتها. وكانت الحكومات تلجأ إلى استعمال منهجي لعجز الميزانية لتحريك الاقتصاد واستعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
– كما أدى انتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب واندلاع الثورة الصينية الى قيام المشروع الاشتراكي الذي خلق إطارا آخر ملائم للنضال السياسي شجع بدوره على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال التحدي الذي فرضه نمط الإنتاج الاشتراكي على رأس المال فألزمه بقبول التسوية التاريخية مع الطبقة الكادحة. وقد كانت المجتمعات الاشتراكية تلجأ إلى اقتطاع جزء من فوائض الوحدات الإنتاجية ذات التسيير الجماعي من أجل تغطية مصاريفها التي تفاقمت مع متطلبات الحرب الباردة وتحدي السباق نحو التسلح وغزو الفضاء الشيء الذي إلى رفع مستوى الاقتطاعات من فوائض الوحدات الانتاجية وبالتالي إلى ظهور عجز مالي مزمن وقصور اقتصادي واجتماعي عميقين أصبح يهدد نمط الانتاج الاشتراكي.
ورغم المؤاخذات التي أثيرت حول النظام السوفيتي الذي تم نعته برأسمالية الدولة وباستغلال البيروقراطية للمشروع الاشتراكي وغياب الديموقراطية وحرمان النظام من فرصة إعادة إنتاج نفسه مما أدى إلى انهياره، فإن كل ذلك لم يخفي المفعول المشجع للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على الصعيد العالمي والذي ترتب نتيجة المنافسة السياسية والإيديولوجية بين “الشرق” و “الغرب”.
– كما استغلت حركات التحرر الوطني في العالم الثالث ظروف الحرب العالمية الثانية ومساهمة شعوبها فيها من أجل المطالبة بالاستقلال وظهور مشروع باندونغ للتنمية في بلدان الجنوب، وقد استغلت هذه الشعوب المستقلة حديثا ظروف المنافسة القائمة بين الشرق والغرب لتدعيم استقلالها وشروط تنميتها. وقد لعبت الأفكار الكينيزية دورا مهما في تنظيم ميزانيات هذه الشعوب ووضعها في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير أن النزعة الكومبرادورية لحكام هذه البلدان كانت تميل لخدمة مصالحها أكثر من خدمة مصالح شعوبها.
(3) – الفكر المالي منذ سنة 1979
إذن فالازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي الذي جاء عقب الحرب العالمية الثانية كان يدين بقيام رأس المال بتكييف استراتيجياته مع مقتضيات العلاقات الاجتماعية التي فرضتها القوى الديموقراطية والشعبية. وهو الوضع الذي أفرزته تنافسية المشاريع المجتمعية الثلاثة في الشرق والغرب والجنوب. لكن هذا التوازن بين رأس المال والعمل سيبدأ في التآكل تدريجيا مع بداية عقد السبعينات.
– فمشروع دولة الرفاه سيتآكل تدريجيا نتيجة الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي التي انفجرت مع بداية عقد السبعينات. حيث استغلت الأحزاب اليمينية والرأسمال العالمي هذه الأزمة لتسليط هجومها الإيديولوجي على النمط الاقتصادي الكينيزي وعلى الدور التدخلي للدولة. وقد تبنت هذه القوى اليمينية عند استيلائها على السلطة ابتداء من سنة 1979، وهو تاريخ صعود مارغريت تاتشر الى الحكم في بريطانيا، حلولا قديمة لتدبير الأزمة. وتقوم هذه الحلول على نفس المبادئ التي سادت خلال المرحلة الأولى للرأسمالية والتي تتلخص في إطلاق الحرية الكاملة لرأس المال على الصعيدين المحلي والعالمي لتمكين الشركات متعددة الاستيطان من بسط نفودها عبر العالم. وقد مكن هذا الأسلوب من تفكيك الآليات القانونية التي تتدخل بواسطتها الدول في المجالات الاقتصادية والاجتماعية حيث تم فرض مفهوم حرية الأسواق ومقولة دعه يعمل دعه يمر، كما عمل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واتفاقيات الكات على دعم وتكريس هذه المبادئ عبر ما يسمى بسياسات التقويم الهيكلي.
وبطبيعة الحال أصبحت ميزانية الدولة مقيدة من جهة عبر تقليص النفقات من خلال التخلي عن إدارة القطاع العام والتراجع عن دعم التوازن الاجتماعي ومن جهة أخرى عبر التقليص من موارد الدولة خصوصا ما يتعلق منها بالضرائب الجمركية والضرائب المفروضة على أنشطة الطبقات البرجوازية. وقد مكنت هذه النزعة منذ سنة 1979 إلى الآن من تفاقم التناقض بين الثراء الفاحش وبين تفاقم الفقر والبؤس على الصعيدين المحلي والدولي.
– أما المشروع الاشتراكي السوفيتي فقد تآكل تدريجيا نتيجة غياب الديموقراطية ومركزة القرارات وعدم القدرة على إعادة إنتاج النظام، فبدأ التحول التدريجي من نموذج رأسمالية الدولة إلى رأسمالية الأفراد ونظام السوق نتيجة تحكم المافيات الكومبرادورية في هرم السلطة في هذه البلدان.
– أما مشروع باندونغ لتنمية بلاد العالم الثالث فقد انهار هو أيضا مع تفاقم مديونية هذه الدول وهيمنة المؤسسات المالية الدولية على عملية صنع قراراتها حيث عملت على تكييفها مع شروط تراكم الرأسمال العالمي. وتوجد أغلب دول العالم الثالث اليوم تحت هيمنة الكومبرادوريات التي تقوت بفعل تأثير سياسات التقويم الهيكلي على حساب شعوبها. وقد تم اللجوء في هذا الإطار إلى اعتماد الأرثودوكسية المالية لتصريف سياسة الميزانية للتماثل مع توصيات المؤسسات المالية الدولية.
◄ النتيجة إذن هي أن انهيار التوازنات السابقة خلق ظروفا جديدة ملائمة للعودة الى التحكم المطلق لمنطق رأس المال الأحادي الجانب في مختلف بقاع العالم. ويتخفى اليوم هجوم رأس المال وراء ستار العولمة الليبرالية. فهو يسعى إلى استغلال ظروف التوازن الاجتماعي الجديد في صالحه من أجل إلغاء المكاسب التاريخية للطبقات الكادحة والشعوب المقهورة.
ثانيا: بنية نفقات وموارد الميزانية العامة بالمغرب
إن المغرب كغيره من الدول الرأسمالية التبعية يخضع لتأثير موازين القوى السائدة على الصعيد الدولي. وتترجم ماليته هذا الخضوع بشكل واضح. ولا يخفى على أحد اليوم أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية المتبعة في بلادنا منذ عقدين من الزمن لا تنبع من رغبات الشعب وطموحاته بقدر ما تنبع عن إملاءات المؤسسات المالية الدولية. فالمغرب يخضع منذ سنة 1983 لبرامج تدبير أزمة المديونية الخارجية قصد تحرير الفوائض المالية الكافية لسداد مدفوعات خدمة الدين العمومي. فإعداد القانون المالي في المغرب يخضع إذن لإملاءات خارجية أكثر مما يخضع لضرورات المصلحة الوطنية.
(1) – بنية النفقات العمومية
نتيجة تطبيق الأرثوذكسية المالية عبر تجميد الأجور وإلغاء مناصب الشغل التي يحال أصحابها على التقاعد وتخفيض مستوى التوظيف إلى أدنى حد في تاريخ المغرب وتراجع دعم القطاعات الاجتماعية ستعرف النفقات العمومية في ظل مشروع القانون المالي لسنة 2003 تراجعا بنسبة 1,5 % مقارنة مع سنة 2002 وذلك بمبلغ 165,8 مليار درهم. لكن رغم ذلك تبقى بنية نفقات الميزانية العامة على حالها تتسم بنفس الاختلالات المزمنة، المتمثلة في هيمنة حصة نفقات التسيير بنسبة 56 % أي بمبلغ 78,2 مليار درهم ومحافظة نفقات خدمة الدين العمومي بالمرتبة الثانية بنسبة 30 % أي بمبلغ 41,7 مليار درهم منها 38 % مخصصة لمدفوعات المديونية الخارجية و61,8 % منها مخصصة لمدفوعات المديونية الداخلية. أما نفقات الاستثمار العمومي فتضل في أسفل السلم بنسبة 14 % فقط أي بمبلغ 19,5 مليار درهم، بل ومسجلة لتراجع عن الميزانية السابقة. وحتى إذا ما أضفنا نفقات الاستثمار المتعلقة بكل من المؤسسات العمومية والجماعات المحلية وصندوق الحسن الثاني للتنمية فلن تتجاوز هذه النسبة 20 %.
ويشير مشروع القانون المالي لسنة 2003 أن النفقات العمومية تستهدف أولا محاربة الفقر والفوارق الاجتماعية والجهوية. وثانيا الرفع من نسبة الاستثمار، وثالثا تحسين تدبير القطاع العام عبر تقليص النفقات العرضية وما يسمى بالتسيير العادي للإدارات ، ورابعا ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية عبر ضبط وثيرة الأجور. وهذا بالإضافة إلى تخصيص بعض الاعتمادات لدعم المواد الأساسية وأداء متأخرات الصندوق المغربي للتقاعد… الخ.
ومعلوم أن المؤسسات المالية الدولية تشير بإصبع الاتهام إلى الأجور التي تشكل 66% فقط من مجموع نفقات التسيير وذلك بهدف دفع الحكومة إلى تقليصها. فيقال أن قطاع التعليم الابتدائي والثانوي يستحوذ على 21 % تقريبا من نفقات التسيير. لكن هذا الاتهام غير صحيح في الوقت الذي تتفشى فيه معدلات الأمية ويتراجع فيه مستوى التعليم بهدف خوصصته إضافة إلى أن رجال التعليم إذا كانوا يشكلون حوالي 60 % من مجموع الموظفين فإنهم لا يتقاضون سوى 21% من نفقات الميزانية، فهذا القطاع يعاني من حيف كبير في هذا المجال. فأجر امرأة أو رجل التعليم لا تتجاوز في أغلب الأحوال 4000 درهم شهريا بينما تتجاوز أجور بعض موظفي وزارة الداخلية أو المالية 20.000 درهم شهريا.
كما تفند هذه الحقائق ادعاء مشروع الميزانية استهداف محاربة الفقر ومحاربة الفوارق الاجتماعية والجهوية. ونجد في هذا المجال أن قطاع الصحة يعاني هو الآخر من حيف كبير، في وقت يحتاج فيه الشعب المغربي إلى ثلاث أضعاف ما هو متوفر من أطباء وممرضين وأدوية وبنيات تحتية على امتداد التراب الوطني. كما أنه في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 2 مليون عاطل من حاملي الشهادات من عواقب البطالة فإن ميزانية الدولة لا تلتفت إليهم حيث لم تعتمد سوى 7000 منصب شغل وهو أقل عدد سجلته الميزانيات العامة في المغرب منذ الاستقلال علما أن 4000 منصب شغل من هذه المناصب ستخصص لترقيات الموظفين. بينما ستسند المناصب المتبقية عبر قنوات العلاقات الزبونية المستشرية داخل الإدارة.
يحدث هذا التجاهل في الوقت الذي تمنح فيه إعفاءات ضريبية مغرية لأصحاب رؤوس الأموال والشركات كما تمنح لهم إعفاءات من أداء متأخرات مساهمات الضمان الاجتماعي. فالبرجوازية الهجينة في المغرب تتمكن بفضل نفوذها وتغلغلها في أجهزة السلطة من تحقيق كل ما تريده من امتيازات لكنها في المقابل لا تقوم بأية استثمارات.
(2) – بنية الموارد العمومية
أما بالنسبة للموارد العمومية التي تبلغ 160,6 مليار درهم فستعرف زيادة خفيفة بنسبــة 0,55 %. لكن هذه الزيادة ترجع بالأساس إلى المداخيل الاستثنائية كمداخيل الخوصصة التي ستصل إلى 12,5 مليار درهم والاقتراضات الخارجية التي ستصل إلى 35,3 مليار درهم. أما بالنسبة للمداخيل العادية فسيعرف بعضها نموا ضعيفا بينما سيعرف البعض الآخر تراجعا كبيرا كما هو الشأن بالنسبة للرسوم الجمركية ومداخيل احتكارات الدولة.
ومعلوم أن مداخيل الدولة تتدهور سنة بعد أخرى بفعل بيع الدولة للمرافق العمومية وبفعل تفكيك الرسوم الجمركية. فإذا كانت الخوصصة تؤدي إلى بعض المداخيل الاستثنائية فإنها تؤدي بالمقابل إلى حرمان الدولة من المداخيل العادية التي تدرها ممتلكات واحتكارات الدولة. فهذه المداخيل لا تمثل في مشروع القانون المالي لسنة 2003 سوى 5 % فقط من مجموع النفقات بدلا من 10 % في القانون المالي لسنة 98/1999. أما مداخيل الخوصصة التي كانت تقدر في القانون المالي لسنة 98-1999 بنسبة 2 % فقط من مجموع الموارد فقد ارتفعت في مشروع القانون المالي لسنة 2003 لتصل إلى 9 % أي بمبلغ 12 مليار و500 مليون درهم حيث يتوقع خوصصة وكالة التبغ والبنك الشعبي وكذلك 16 % من أسهم اتصالات المغرب. والملاحظ أن مداخيل الخوصصة إما أن تذهب لتغطية عجز الخزينة العامة فلا يتم توظفها في مجال الاستثمار أو أن يتم وضعها في صناديق لا توجد مراقبة ديموقراطية عليها ولا علاقة لها بميزانية الدولة.
كما تعرف مداخيل الرسوم الجمركية تراجعا سنة بعد أخرى نتيجة تفكيك هذه الرسوم تطبيقا لإملاءات اتفاقيات مراكش حول التجارة الدولية واتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية التي تلزم المغرب بإزالة كل الحواجز الجمركية في أفق سنة 2010. إن عواقب تراجع هذه المداخيل لن تستشعر بحدة إلا حينما لا يتبقى للمغرب ما يبيعه من مقاولات عمومية مربحة.
فمنذ بضعة سنوات أصبحت نسبة المداخيل العادية تتراجع أمام نسبة المداخيل الاستثنائية لميزانية الدولة فالمداخيل الضريبية تبلغ 60 % من ميزانية الدولة، بينما تبلغ مداخيل الخوصصة والقروض الجديدة وعائدات احتكارات الدولة 40 % من هذه المداخيل، و تعتبر هذه الظاهرة خطيرة بالنسبة للمستقبل، لأن النفقات ستتزايد دائما.
فأمام التدهور الحاصل في مداخيل الميزانية لن تجد السلطات العمومية أمامها سوى القيام بمزيد من الاستدانة الخارجية والتي لا يمكن للدولة أن تتجاوز حدود معينة لها، أو الزيادة في معدلات الضرائب التي تعتبر وسيلة سهلة. ونظرا لهيمنة العقلية البرجوازية على دواليب السلطة فإن الزيادات المتوقعة في الضرائب ستهم بالأساس الضرائب على الإنفاق التي يؤديها أوسع الجماهير ولا تميز بين الغني والفقير وكذلك ستتزايد الضرائب على دخل الطبقة العاملة في المقابل ستتزايد الإعفاءات الممنوحة للشركات ولأرباب العمل وللمداخيل العليا.
إن كلمة الاصلاح في المغرب لا تعني بالنسبة للطبقة العاملة وعموم الجماهير في جميع المجالات وخاصة في المجال الضريبي سوى تكريس مزيد من الحيف ومزيد من اتساع الفوارق الطبقية. فالإصلاح الجبائي الذي اعتمد في المغرب منذ أواسط عقد الثمانينات لم يكن هدفه هو تحقيق العدالة الجبائية وتقليص الفوارق الاجتماعية بل كان يسعى إلى تكريس المزيد من هذه الفوارق. ففي اطار هذا الاصلاح تم تخفيض معدلات الضريبة العامة على الدخل المفروضة على المداخيل العليا وتكريس الضغط الجبائي على الشرائح الدنيا من المداخيل. كما تم تخفيض الضريبة على الشركات من 48 % الى 35 % وتخفيض معدلات الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على السلع الكمالية مثل الويسكي والذهب والتحف النادرة…الخ من 30 % إلى 20 % لتصبح في نفس مرتبة المواد الأساسية. فهذا الإصلاح جاء لتدعيم توجهات سياسة التقويم الهيكلي التي تخدم بالأساس مصالح الكومبرادور والشركات متعددة الاستيطان
ثالثا: تقدير توجهات مشروع ميزانية 2003
(1) – هاجس التوازنات الهيكلية
إن ما يستفاد من مشروع القانون المالي لسنة 2003 هو استمرار البحث عن سبل المحافظة علــى التوازنات المالية الكبرى: كحصر عجز الميزانية فــي حدود دنيا تقل عن 3 % من الناتج الداخلي الإجمالي والمحافظة على مستوى منخفض من عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات في حدود 1 % في المتوسط والحفاظ نتيجة لكل ذلك على مستوى منخفض من التضخم في حدود 1,6 % في المتوسط.
وتظهر كلفة الحفاظ على التوازنات الكبرى في ظل مديونية داخلية وخارجية متفاقمة من خلال الضغط الممارس على النفقات العمومية سواء على مستوى الاقتصاد في نفقات خدمة الدين الخارجي والذي بلغ نسبة 0,2 % أو عبر ضغط نفقات التسيير من خلال تجميد رواتب وأجور الموظفين(ففيما عدا تمويل الترقية الاستثنائية لقسم من الموظفين تطبيقا لما يسمى بالحوار الاجتماعي، لا يبدو بأن الحكومة تفكر في زيادة الرواتب والأجور المتآكلة والتي ستداهمها الزيادات في الأسعار مع مطلع السنة المقبلة) أو من خلال حصر نسبة التوظيف العمومي وتقليص نفقات دعم المواد الأساسية.
إن الطريقة التي يتم بواسطتها تقليص العجز المالي تفتقد إلى الشفافية. فوضعية القطاع العمومي متأزمة ونفس الشيء بالنسبة لأوضاع الجماعات المحلية، فإذا أخذنا بعين الاعتبار وضعية ما يسمى بالحسابات الثابتة Comptabilité consolidé سنجد أن العجز المالي الثابت يفوق العجز المالي الرسمي بمعدل 2 الى 3 نقط مقارنة مع الناتج الداخلي الإجمالي. كما أن العجز المالي الرسمي لا يفي بالغرض لأنه لا يأخذ بالحسبان محاسبات احتكارات الدولة وممتلكاتها. فمن حيث الكيف يعتبر تقليص العجز المالي هدفا بحد ذاته. فماذا يعني تخفيض عجز الميزانية العامة بالنسبة للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية الملحة؟
– هل سينتج عن هذا الانخفاض تحسن في الوضعية الاقتصادية والاجتماعية؟.
– وهل سينتج عنه توزيع عادل للدخل الوطني وتوزيع عادل للعبء الضريبي؟
– أو أنه سيؤدي ألى تحسن في وضعية حقوق المرأة ؟
– وهل سيؤدي تخفيض العجز ألى التشغيل وتراجع معدلات البطالة؟
– وهل سيؤدي إلى تحسين في جودة خدمات المرافق العمومية؟
(2) – التوجهات الانكماشية لسياسة التوازنات الهيكلية
إن ظروف الجفاف والارتفاع الكبير والمتسارع لسعر النفط إضافة إلى تقلبات سعر الأورو بالنسبة للدولار وكذا تقلبات مبيعات الفوسفات، لا تقف وحدها وراء التوجهات الانكماشية لسياسة الميزانية التي دأبت الحكومات المتعاقبة على ممارستها والتي تتجلى من خلال ضعف مستوى الاستثمار والتشغيل العمومي مثلا… بل تقف ورائه كذلك املاءات الدائنين ومتطلبات متابعة برامج التقويم الهيكلي PAS التي تغير اسمها إلى اسم خادع وهو برنامج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي PRES والتزامات المغرب اتجاه المنظمة الدولية للتجارة والشراكة الأورومتوسطية إضافة إلى الاختلال البنيوي للميزانية العامة (هيمنة نفقات التسيير ونفقات المديونية على نفقات الاستثمار).
لذلك يصعب في ظل هذه الوضعية التكهن بنسبة النمو المعلنة خلال السنة المقبلة وهي 4,5 %، خصوصا وأن السلطات العمومية تبني افتراضاتها التوقعية على أهداف غير يقينية، كتوفر سنة فلاحية جيدة واستقرار سعر صرف الدولار واستقرار سعر النفط وكالتطلع إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية الخاصة وخوصصة باقي المقاولات العمومية و تحفيز الاستثمار عبر منح المزيد من الحوافز الجبائية للمقاولات الخاصة (المحلية والأجنبية). فلسان حال السلطات العمومية يؤكد مقولة أن أرباح اليوم (التي سيحققها القطاع الخاص عبر الحوافز المقدمة له) سوف تؤدي إلى عدد من مناصب الشغل في الغد. لكن أغلب هذه الافتراضات لا تتحقق بشكل أتوماتيكي خصوصا إذا ما اندلعت الحرب في العراق وارتفع سعر النفط.
إن سياسة التوازنات الكبرى الانكماشية تؤدي إلى التضحية بالتنمية والى خلق حالة من الادخار الإجباري تهدف فقط إلى دفع أعباء الديون الخارجية، بينما يفترض في المقابل مزاولة سياسة مالية تنموية توسعية عبر الزيادة في حجم الدخل وفرص التوظيف والزيادة في مستوى المعيشة وبعث الحيوية في قدرة الدولة على أداء وظائفها والزيادة طبعا في قدرة البلاد على دفع أعباء ديونها الخارجية.
(3) – غياب أي رؤية استراتيجية تنموية عن القوانين المالية المتعاقبة
فقد تحولت الميزانية العامة من أداة تنموية إلى هدف بحد ذاتها تختزل نفسها في تدبير اللحظة. فالميزانيات العامة المتعاقبة ظلت وفية للمنهجية المتبعة في المغرب منذ سنة 1983 في تحضير قوانين المالية والقائمة على الأرثوذكسية المالية. وفي هذا الإطار تختزل القضايا الكبرى في المراهنة على جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة عبر خوصصة مختلف المرافق العمومية وعبر انتظار أن تنفتح الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تفرضها أوروبا على المنتجات المغربية. كما يتم اختزال إشكالية العالم القروي في تزويد القرى بالماء والكهرباء والى حد ما في تشجيع التعليم الأساسي، غير أن هذه العناصر لا أثر لها على تعمق ظاهرة انتشار الفقر والأمية في البوادي المغربية نتيجة الإهمال والاستغلال الفاحش ونتيجة للجفاف كما لم تستطع الحد من الهجرة القروية المتزايدة؟
فغياب سياسة مندمجة لتدبير الفضاء الجغرافي قد يؤدي أولا إلى إضفاء الطابع القروي على المدن بمعنى أن المدينة ستفقد روحها وتصبح مجرد تجمعات سكنية. ومن شأن هذه الوضعية أن تؤدي إلى تفاقم المشاكل في المراكز الحضرية من بطالة وانتشار للجريمة وأزمة السكن إلى غير ذلك من المآسي، وتعميق الهوة ما بين الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية.
(4) – علاقة القطاع الخاص بالدولة
فيما يتعلق بعلاقة الدولة بالقطاع الخاص لا زال منظور القطاع الخاص للدولة هو منظور البقرة الحلوب، حيث تتحالف طبقة أوليغارشية بيروقراطية مع هذا القطاع الذي يغتني عبر الريوع المتنوعة التي تمنح له عبر الإعفاءات الجبائية أو عبر منح الأراضي والتجهيزات الأساسية والمساعدات المادية ومنح رخص استغلال المناجم والمقالع والصيد في أعالي البحار … وما دام هذا المنظور الاستغلالي قائما، فليس هناك من سبيل إلى تحقيق الصالح العام من خلال السياسة المالية؟.
لقد راهن المواطنون سنة 1998 على حكومة التناوب لتجاوز مثل هذه الوضعية، لكن خاب هذا الأمل فيها انطلاقا منذ سنتها الأولى حينما تأكد بالملموس أنها تنكرت لخطابها السياسي ووعودها للشرائح الاجتماعية الوسطى التي تعلن أنها تمثلها فأقبلت على إعطاء مختلف الامتيازات المغرية لقطاع خاص مدلل لا رغبة له في الاستثمار. فقد أعفي هذا القطاع من مساهمات الضمان الاجتماعي وخولت له مختلف الامتيازات الجبائية بل تم مؤخرا عقب تنصيب جطو وزير أول إقبار قانون حوادث الشغل الذي سبق أن صادق عليه البرلمان نتيجة ضغوط أرباب العمل وكذلك لأن الوزير الأول ينتمي لهذه الطبقة.
(5) – ممارسة العنف بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية
لقد أصبح القانون المالي يشكل أيضا ما يمكن تسميته بأداة لممارسة العنف الاقتصادي والاجتماعي، ومن بين مظاهر هذا العنف المتوارثة هناك مسألة إعفاء حكومة التناوب للأراضي الحضرية غير المبنية من الضريبة والذي قدم كهدية لصالح الطبقة البرجوازية بينما لم يتم إعفاء الخدمات الطبية وعدد من النوادي الاجتماعية والرياضية من الضريبة على القيمة المضافة كما لم يتم إعفاء استيراد معدات الأشخاص المعاقين من الرسوم الجمركية ومن الاقتطاع الضريبي، ولم يتم العمل على تفعيل السلم المتحرك للأجور، بينما تم تجميد أجور المياومين والعرضيين في الإدارة حيث ضلت دون الحد الأدنى للأجور. كما تم الإبقاء على التوزيع الجغرافي غير العادل للاستثمارات العمومية …. فقد كانت المعارضة السابقة والأغلبية الحالية تضع هذه الأمور من بين أولوياتها قبل دخولها الحكومة لكنها تجاهلتها تماما بعد ذلك وسارت في الاتجاه المعاكس خلال الخمس سنوات الفارطة.
ومن بين مظاهر الجديدة المستحدثة في مجال العنف الاقتصادي والإجتماعي نشير إلى التصرف في أجور ورواتب الموظفين بكل حرية وفرض إقتطاعات إما برسم الصندوق المغربي للتقاعد أو إقتطاعات برسم الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي بدون سابق إعلان ودون إذن مسبق. ومقابل منح الامتيازات والحوافز والهدايا إلى أصحاب الثروات نجد الحكومات تستعمل خطابا متشددا اتجاه الطبقة العاملة خصوصا العاملة منها بالقطاع العمومي. فمنذ مدة تلجأ الحكومة إلى التذمر من ثقل الكتلة الأجرية التي تصل إلى 11 % من الناتج الداخلي الإجمالي وتحاول تبرير تدمرها من خلال إجراء مقارنة تلك النسبة بدول مثل مصر 6 % أو كوريا الجنوبية أقل من 6 % ، بينما تتجنب الإشارة إلى وضع بعض الدول كفرنسا مثلا التي تتجاوز كتلتها الأجرية 12 %. كما يتجنب هذا الخطاب الإجابة عن تساؤلات متعددة كالتساؤل عن دور ضعف مستوى الناتج الداخلي الإجمالي وضعف نسبة التنمية في ارتفاع هذه النسبة؟ وهل كل مكونات هذه الكتلة تعتبر أجورا صرفت مقابل استهلاك حقيقي لقوة العمل أم صرفت كعلاوات خيالية للأوليغارشية البيروقراطية النافذة؟ ثم ما هي بنية هذه الكتلة؟ وما هي درجة تمركزها؟
(6) – تخبط السياسة المالية وسوء التدبير
وبالإضافة إلى الخلل الهيكلي الذي يمس بنية الميزانية العامة وتوجهاتها فإن السياسة المالية تتسم على العموم بالتخبط وسوء التدبير الناجم أساسا عن عدم كفاءة النخبة المسيرة للشأن العمومي، مثل ارتفاع نسبة الفائدة مقارنة مع سنة 1997 خصوصا ما يتعلق بفوائد الدين الداخلي التي تفوق نسب النفقات الجارية، كما تتجاوز نفقات الفائدة حجم نفقات الاستثمار. إضافة إلى أن تمويل العجز يؤدي إلى تشديد الضغط على الموارد المالية المحلية نظرا للرصيد السلبي للقروض الخارجية.
أما بالنسبة لما يسمى بالتدبير النشيط للمديونية الخارجية فالملاحظ أنها إذا كانت تسير نحو الانخفاض فإن المديونية الداخلية تسير في اتجاه تصاعدي حيث بلغت في مشروع ميزانية سنة 2003 26 مليار درهم وهو مبلغ يتجاوز نفقات الاستثمار التي تبلغ 19,5 مليار درهم بكثير. كما أن المديونية الخارجية إذا كانت قد عرفت بعض الإنخفاض منظورا إليها بالدرهم فإنها تبقى مرتفعة جدا منظورا إليها بالدولار والعملات الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن مشكلة المديونية لا تكمن في الحجم فقط، بل تكمن أيضا في كيفية استعمال وتوظيف القروض، والمشكل هنا هو أن مردودية المشاريع التي يتم تمويلها مشكوك فيها أو أنها ذات مردودية منخفضة.
بدلا من الخاتمة
نستخلص في الأخير أن القانون المالي لسنة 2003 تم إعداده كسابقيه في ظل تعليمات المؤسسات المالية الدولية وأن لا علاقة له برغبات وطموحات الجماهير الشعبية . وأنه بالإضافة إلى كونه يخدم بالأساس مصالح طبقة أوليغارشية بيروقراطية وحلفائها من البورجوازية الهجينة التي تتغذى على الريوع المستخلصة من مصادر الثروة البحرية والمنجمية والغابوية … ويفتح المجال أمام سيطرة مطلقة للرأس مال الأجنبي على مختلف القدرات الاقتصادية الوطنية، فإنه يفضح عدم كفاءة الأوليغارشية الحكومية عبر أخطاء جسيمة تكرس معاناة دافعي الضرائب من عامة الطبقات الكادحة وتزيد أوضاع الطبقات الكادحة وعموم الجماهير سوءا.
وأشير هنا ألى أنه ورد في جريدة الصباح ليوم الخميس 7 نونبر 2002 على لسان رئيس الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين السيد عمر باعزيز بأن “القانون المالي هو الآلية الأساسية التي تكرس الفقر والتهميش والبطالة لذلك فهو مرفوض من طرفنا”. فهذه المقولة لا تفسر فقط معاناة حملة الشهادات المعطلين وإنما تبوح بما تشعر به كافة شرائح الطبقة الكادحة. فمن يستعرض التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب منذ الاستقلال سيقف على حجم الهوة السحيقة التي أصبحت تفصل ما بين الطبقات الاجتماعية نتيجة السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة.
اترك تعليقاً