مقال قانوني حول الاهمية القانونية للمحاكم الاقتصادية
بقلم : د. برهان أمر الله
رئيس محكمة القاهرة الاقتصادية
ترجع فكرة إنشاء المحاكم الاقتصادية الي السيد رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي, ثم في بيان سيادته في افتتاح الدورة البرلمانية2005 ـ2006 وذلك لتكون بمثابة قضاء متخصص لنظر المنازعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في البلاد, فإنشاء المحاكم الاقتصادية بهذا المعني مطلب قومي ملح يأتي استجابة لضرورات عصر العولمة من ناحية وأهمية العامل الاقتصادي لاستقرار المجتمع وازدهاره من ناحية أخري, فالمعاملات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي سواء محليا أو دوليا تفرز بالضرورة انواعا من المنازعات التي يحتاج حسمها الي درجة عالية من التخصص فضلا عن المرونة الاجرائية, ومن هنا كانت فكرة المحاكم الاقتصادية كضمان لعدالة ناجزة توفر اقصي حماية للنشاط الاقتصادي وتساعد علي نجاح خطط التنمية كما تحقق مناخا آمنا للاستثمار. ويتميز نظام المحاكم الاقتصادية بالذكاء واعتماد حلول غير تقليدية غير مسبوقة سواء فيما يتعلق باختصاصها وتشكيل دوائرها واجراءات التقاضي امامها. فمن حيث اختصاص المحاكم الاقتصادية فهو اختصاص حصري شامل للمنازعات والدعاوي المتعلقة بالنشاط الاقتصادي المنصوص عليه في المواد من4 إلي7 من القانون,
ومن ثم فهو يتناول كل ما يتعلق بشركات المساهمة والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة وشركات تلقي الأموال لاستثمارها, وضمانات وحوافز الاستثمار, وسوق رأس المال, وعمليات البنوك والوكالة التجارية ونقل التكنولوجيا, وتنظيم الاتصالات وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية, وحماية حقوق الملكية الفكرية, وحماية المستهلك, وتنظيم التوقيع الالكتروني, والتأجير التمويلي والتمويل العقاري, وقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد, ونظام الإفلاس والصلح الواقي منه والتفالس, والإشراف والرقابة علي شركات التأمين, وإيداع وقيد الأوراق المالية وحماية المستهلك. ويتميز اختصاص المحاكم الاقتصادية بالمنازعات والدعاوي سالفة البيان بأنه اختصاص متكامل, بمعني أنه يتناول الدعوي أو المنازعة في جميع جوانبها بما في ذلك الجانب الجنائي إن وجد, بحيث لا تنقطع أوصال الدعوي الواحدة بين محكمتين أحداهما تنظر الجانب المدني من المنازعة والأخري تحكم في الجانب الجنائي منها.. وهي فكرة غير مسبوقة تتسم بالذكاء لم نجد لها مثيلا في تشريعات أخري, التشريع الفرنسي والألماني والتركي مثلا,
ذلك أنها تضمن سرعة الفصل في الدعويأو المنازعة برمتها دفعة واحدة, فضلا عن أن القاضي المختص بالجانب المدني من الواقعة أقدر علي الحكم بالنسبة للشق الجنائي. وضمانا للسرعة والتبسيط فإن قاضي المحكمة الاقتصادية يختص بالفصل في المسائل المستعجلة واصدار اوامر الاداء في المسائل الداخلة في اختصاص تلك المحكمة وتحديد جلسة لنظر الدعوي أمام احدي الدوائر المختصة في حالة امتناعه عن إصدار الأمر, وتختص المحاكم المذكورة بالحكم في منازعات التنفيذ الوقتية والموضوعية عن الأحكام الصادرة منها, كما تختص بنظر الطعون في الأحكام التي تصدر في تلك المنازعات, فضلا عن اختصاص رؤساء الدوائر الابتدائية بها بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ, علي أن يكون التظلم منها أمام إحدي الدوائر المذكورة.
وفيما يتعلق بتشكيل المحاكم الاقتصادية, فتوجد محكمة اقتصادية في دائرة كل محكمة استئناف يندب لرئاستها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد, وقد روعي في تشكيل المحاكم الاقتصادية توفير قدر عال من الخبرة في قضائها, إذ تتشكل المحكمة الاقتصادية من دوائر ابتدائية تتألف كل منها من ثلاثة من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية, ومن دوائر استئنافية تشكل كل دائرة منها من ثلاثة من قضاة محاكم الاستئناف يكون أحدهم علي الأقل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف. وإلي جانب درجة الخبرة التي اشترطها القانون في قضاة المحاكم الاقتصادية, فقد اهتمت وزارة العدل باختيار قضاة هذه المحاكم علي أساس من الكفاءة وطبقا لرغبتهم, كما تعهدتهم ببرامج مكثفة للتدريب سواء في الداخل والخارج. أما عن الإجراءات أمام المحاكم الاقتصادية فتتميز بالبساطة والسرعة واتباع نظام التحضير في غير الدعاوي الجنائية والاستئنافية والدعاوي والأوامر المنصوص عليها في المادتين7,3 من القانون. فيوجد في كل محكمة اقتصادية هيئة لتحضير الدعاوي والمنازعات التي تختص بها هذه المحكمة,
وتتولي هذه الهيئة التحقق من استيفاء مستندات الدعوي ودراستها والاستماع إلي أطرافها وإعداد مذكرة بطلبات الخصوم وأسانيدهم وبالجملة تهيئة الدعوي للحكم فيها, ويحدد القانون لإنجاز هذه المهمة مهلة لا تجاوز ثلاثين يوما يجوز مدها بحد أقصي ثلاثين يوما أخري.
وفيما يتعلق بتوزيع القضايا والمنازعات التي تختص بها المحكمة الاقتصادية بين الدوائر التي تتشكل منها, تختص الدوائر الابتدائية بهذه المحكمة بنظر مواد الجنح والقضايا التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه, بينما تختص الدوائر الاستئنافية بنظر طعون الاستئناف الخاصة بالأحكام التي تصدرها الدوائر الابتدائية, كما تختص بالنظر ابتداء من قضايا الجنايات والمنازعات والدعاوي الداخلية في اختصاص المحكمة إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة. وهكذا نري أن للدوائر الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية نوعين من الاختصاص فهي تحكم بصفة انتهائية في طعون الاستئناف التي ترفع أمامها, ومن ناحية أخري فإنها تقضي بصفتها درجة أولي وأخيرة في قضايا الجنايات والمنازعات التي تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه أو تكون غير مقدرة القيمة. وفيما عدا قضايا الجنايات والجنح والمنازعات والدعاوي التي تختص الدوائر الاستئنافية بنظرها ابتداء لا تقبل الأحكام الصادرة من المحكمة الاقتصادية الطعن فيها بطريق النقض, الأمر الذي يضمن تحقيق السرعة في حسم المنازعات واستقرار المراكز القانونية للخصوم,
ومن أجل تحقيق نفس الغاية بالنسبة لأحوال الطعن بالنقض في الأحكام التي تصدرها المحاكم الاقتصادية.
والخلاصة أن نظام المحاكم الاقتصادية بما قام عليه من تخصص قضائها وتوافر درجة عالية من الخبرة فيهم مع استمرار تدريبهم, وبساطة ومرونة في الإجراءات تضمن سرعة الفصل في القضايا, وعدم التوسع في إجراءات الطعن في أحكامها, وضم الدوائر الابتدائية والاستئنافية في منظومة واحدة توفر السرعة وتتجنب تضارب الأحكام والرؤي بين تلك الدوائر, والجمع بين الشق المدني والجنائي أمام محكمة واحدة بما يحققه من سرعة إصدار الحكم وسلامته, ونظام التحضير الذي يكفل تهيئة الدعوي والفصل فيها في أسرع وقت, كما يسهم في تخفيف العبء علي المحكمة وسرعة وصول الحقوق إلي أصحابها بما يوفره من فرص انتهاء الدعوي صلحا قبل نظرها, ثم إفراد هذه المحاكم بجداول للخبراء المتخصصين المعتمدين أمامها وتقدير أتعاب حقيقية لهم, ثم تشكيل لجنة دائمة لمتابعة سير العمل بالمحاكم الاقتصادية ودراسة المشاكل التي قد تعترض حسن سيرها, واقتراح الحلول المناسبة لها, واقتراح برامج تدريب قضاتها وسائر العاملين الإداريين والكتابيين بها,
كل ذلك يمثل منظومة ذكية وغير مسبوقة في مجال تنظيم العدالة سيكون لها بإذن الله نتائجها المضمونة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وجذب الا ستثمارات الأجنبية, كما يعتبر في ذات الوقت قفزة إلي الأمام في طريق الإصلاح القضائي بحيث يمكن اعتبار نظام المحاكم الاقتصادية نموذجا وطليعة لما ينبغي أن تكون عليه سائر المحاكم وهو أمر ليس بعسير علي قضاة مصر العظام.
اترك تعليقاً