الرهن التجاري و أهميته للبنوك التجارية
تقوم البنوك التجارية بتقديم القروض والتسهيلات المالية التي يطلبها العملاء لمقابلة التزاماتهم و أعمالهم التجارية و يعتبر تقديم القروض وغيرها من التسهيلات المالية لعملاء البنوك من أهم النشاطات والأعمال المصرفية، إن لم نقل الأهم. ونظير تقديم القروض والتسهيلات يجب علي البنوك التجارية أن تطلب من المقترضين تقديم الضمانات القانونية التي تراها مناسبة ويتم الاحتفاظ بهذه الضمانات إلي حين السداد التام لكل المبالغ المقترضة، أو تسييل الضمانات لتغطية الديون التي يفشل المقترض في سدادها وفق الاتفاق.
من الضمانات القانونية الشائعة الاستعمال والتي تطلبها البنوك، في بعض الحالات، ما يعرف بالرهن التجاري or lien Commercial Mortgage ويجب التنبيه إلي أن هذا الرهن أي الرهن التجاري يختلف تماما عن الرهن العقاري وللتوضيح و من الناحية القانونية يكون الرهن تجاريا بالنسبة للأطراف – البنك و العميل – إذا تقرر أن يتم هذا الرهن علي مال منقول Moveable Asset وأن يكون هذا المال المنقول ضمانا لدين يعتبر تجاريا بالنسبة للمدين. و للعلم فان كافة و جميع الديون أو القروض التي تقدمها البنوك للعملاء تعتبر ديونا تجارية لان جميع أعمال البنوك وفقا للقانون تعتبر من الأعمال التجارية.
في الغالب الأعم فان البنوك تطلب تقديم رهون أو رهونات عقارية لضمان القروض لما تتمتع به الرهون العقارية Real Estate Mortgage من عدة فؤائد مادية ملموسة أهمها ثبات الشئ المرهون في مكانه و أيضا ثبات سعره إن لم نقل زيادة سعره مع مرور الزمن مع عدم تعرضه للتلف، و لكن هناك بعض الاستثناءات لهذه القاعدة حيث لا يتم تقديم رهون عقارية لأي سبب من الأسباب تخص العميل أو البنك أو غيرهما، و لذا تقبل البنوك بالرهن التجاري لتغطية و ضمان ديونها والرهن التجاري يشمل المال المنقول أو ما يقوم مقام المال المنقول …… من بضائع أو ذهب أو منتجات صناعية أو منتجات زراعية أو أسهم أو سندات أو كمبيالات و سندات اذنية أو أوراق تجارية أخري أو محتويات مخازن أو مصانع أو مواد بناء أو سيارات أو ناقلات أو مقتنيات أثرية عالية القيمة ………………………………………. و خلافه.
و من الجدير بالذكر أن الرهن تمت الإشارة إليه في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالي جل جلاله في كتابه الكريم:
“وان كنتم علي سفر و لم تجدوا كاتبا فرهن مقبوضة فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته و ليتق الله ربه و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فانه إثم قلبه و الله بما تعملون عليم” صدق الله العظيم – سورة البقرة – آية 283. و الرهن المشار إليه في الآية يعتبر كضمان للدين و علي الذي يقدم هذا الرهن أن يلتزم به و أن يؤديه في وقته و ليتق الله في ذلك…………..
و بصفة أساسية يشترط لنفاذ الرهن التجاري في حق الغير، و وفقا لأحكام القانون التجاري، أن تنتقل حيازة المال المرهون إلي الدائن المرتهن أي البنك مقدم القرض أو إلي جهة أو شخص عدل يعينه المتعاقدان وأن يبقي هذا المال المرهون في حيازة من تسلمه حتى انقضاء الرهن. و هناك مسئوليات قانونية كبيرة تقع علي كاهل الشخص الذي التزم بوضع المال المرهون في حيازته و حراسته و عليه تحمل كل النتائج القانونية إذا أهمل أو فشل في الحفاظ علي المرهون، وفي واقع الأمر، فان هناك قضايا قانونية عديدة أمام المحاكم نظير ضياع أو فقدان المال المرهون خاصة و انه من الأموال المنقولة التي قد تختفي لأي سبب من الأسباب أو قد يتلاعب فيها الشخص الذي في حيازته.
و بما أن القانون التجاري يشترط انتقال حيازة المال المرهون كشرط لنفاذ الرهن التجاري فان الدائن المرتهن أي البنك التجاري أو الشخص العدل المعين يعتبر حائزا للمال المرهون إذا وضع هذا المال المرهون تحت تصرفه بكيفية تحمل الغير علي الاعتقاد أن الشيء المرهون أصبح في حراسته مثل وضع البضائع في مخازن أو مستودعات تخص الدائن المرتهن أو إذا تسلم صكا يمثل المال المرهون و يعطي حائزه دون غيره حق تسلمه و التصرف فيه مثل مستندات ملكية السيارة أو الناقلات.
أو المصنع و للتوضيح نبين أن حيازة الحقوق تنتقل بتسليم الصكوك الخاصة بها، وإذا كان الصك مودعا عند الغير اعتبر تسليم إيصال الإيداع بمثابة تسليم الصك ذاته بشرط أن يكون الصك معينا في الإيصال تعيينا نافيا للجهالة وأن يرضي المودع عنده بحيازة الصك لحساب الدائن المرتهن. وفي هذه الحالة لا بد من القول أن المودع عنده يعتبر قد تخلي عن كل حق له في حبس الصك لحسابه بسبب سابق علي الرهن وذلك ما لم يكن قد احتفظ بهذا الحق عند قبوله حيازة الصك لحساب الدائن المرتهن. هذه نقطة هامة و يجب التأكد منها خاصة و أن بعض القضايا و المنازعات بين الأطراف قد نشأت لعدم وضوح هذه النقطة الهامة.
يتم رهن الحقوق الثابتة في الصكوك الاسمية بحوالةLetter Assignmentيذكر فيها أنها علي سبيل الرهن و تقيد في دفاتر المؤسسة التي أصدرت الصك و علي الصك ذاته. و يتم رهن الحقوق الثابتة في الصكوك للآمر بتظهير Endorsement يذكر فيه انه للرهن أو أية عبارة أخري تفيد ذلك و يتم رهن رهن الحقوق الاخري غير الثابتة في صكوك اسمية أو صكوك لأمر بإتباع الأحكام و الموجهات القانونية المنظمة لحوالة الحق Assignment of Right .
تتمثل أهمية الرهن التجاري الذي يتم كما مبين أعلاه في انه يعتبر نافذا في حق المدين دون حاجة إلي إعلانه بالرهن أو قبوله له ولهذا فان الدائن المرتهن يكون مطمئن البال لان لديه في حيازته سواء فعليا أو قانونيا رهن تجاري نافذ في جميع الأوقات و هذا النفاذ يعطي الدائن المرتهن الحق في التصرف في المال المرهون وفق كل حالة و مقتضياتها ووفقا لما يراه لحماية حقوقه، و لهذا نلاحظ أن البنوك التجارية درجت علي أن تقبل الرهن التجاري كأحد الضمانات القانونية للقروض أو الديون التي تقدمها للعملاء، خاصة و كما ذكرنا فإنها من الناحية القانونية نافذة في حق المدين لمصلحة الدائن المرتهن.
كما أوضحنا فانه ووفقا لأحكام القانون التجاري يشترط لنفاذ الرهن التجاري انتقال المال المرهون إلي الدائن المرتهن لحين انقضاء الرهن غير أن القانون لا يشترط لنفاذ الرهن التجاري في حق الغير أن يكون الرهن مكتوبا أو أن تكون الورقة التي يدون فيها الرهن ثابتة التاريخ، هذا و يجوز إثبات الرهن التجاري فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير بكافة طرق الإثبات المقبولة أيا كانت قيمة الدين المضمون بالرهن.
و بالرغم من هذا، فان علي الدائن المرتهن أن يسلم المدين الراهن إذا طلب منه ذلك إيصالا مبينا به ماهية الشيء المرهون و نوعه و مقداره ووزنه و عير ذلك من الصفات المميزة له. و إذا ترتب الرهن علي مال مثلي بقي الرهن قائما و لو استبدل بالشئ المرهون شئ آخر من نوعه. و إذا كان الشئ المرهون من الأموال غير المثلية جاز للمدين أن يستبدل به غيره بشرط أن يكون متفقا علي ذلك في عقد الرهن وأن يقبل الدائن البدل و ذلك مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن الني، و في هذا مراعاة للعدالة بين الجميع.
إن المحافظة علي المال المرهون يعتبر من الأمور الهامة و لذا فهناك مسئولية قانونية تقع علي الدائن المرتهن و هذه المسئولية تلزمه أو تحتم عليه أن يباشر الأعمال اللازمة للمحافظة علي المال المرهون وعليه أن يستعمل لحساب المدين جميع الحقوق المتعلقة بالمرهون وأن يقبض قيمته وأرباحه و فؤائده وغير ذلك من المبالغ الناتجة منه علي أن يستنزل ما قبضه من المصاريف والفوائد من اصل الدين المضمون بالرهن مالم ينص القانون أو يتفق الطرفان علي غير ذلك.
إذا كانت الصكوك المسلمة علي وجه الرهن لم تدفع كل قيمتها الاسمية وجب علي المدين عند المطالبة بالجزء غير المدفوع أن يقدم إلي الدائن المرتهن المبالغ اللازمة للوفاء بهذا الجزء قبل انتهاء الأجل المحدد لذلك و إلا جاز للدائن المرتهن أن يقوم ببيع الصكوك.
في العادة فان الدين أو القرض يجب أن يتم سداده وفق ما تم الاتفاق عليه و أن يتم هذا السداد دون إبطاء أو تأخير و لكن هذا قد لا يحدث لأي سبب من الأسباب و عليه إذا لم يدفع الدين المضمون بالرهن التجاري في ميعاد استحقاقه كان للدائن المرتهن بعد انقضاء خمسة أيام من تاريخ التنبيه علي المدين بالوفاء أن يتقدم بعريضة إلي المحكمة المدنية المختصة يطلب فيها الأمر ببيع الشئ المرهون كله أو بعضه و لا يجوز تنفيذ الأمر الصادر من المحكمة المدنية ببيع الشئ المرهون إلا بعد انقضاء خمسة أيام من تاريخ إبلاغ المدين أو الكفيل العيني، إن وجد، مع بيان المكان الذي سيجري فيه البيع و تاريخه و هذا بشرط عدم تظلم من صدر الأمر ضده خلال الميعاد المذكور وفي جميع الأحوال يكون لمن صدر ضده الأمر التظلم خلال خمسة أيام من إعلانه به و يكون الحكم الصادر في التظلم غير قابل لأي طعن. و يجري البيع في الزمان و المكان اللذين تعينهما المحكمة المدنية المختصة و بالمزاد العلني وفقا للإجراءات التي يعينها القاضي الآمر و يستوفي الدائن المرتهن بطريق الامتياز اصل الدين زائدا الفؤائد و المصاريف من الثمن الناتج من البيع. و طريق الامتياز يجعل الدائن المرتهن في مرتبة متقدمة علي بقية الدائنين وهذه المرتبة المتقدمة أصبحت حقا مكتسبا بموجب القانون.
في بعض الحالات قد يتم الرهن التجاري علي عدة أموال و في عدة أماكن و في مثل هذه الحالات يكون من حق الدائن المرتهن أن يعين المال الذي يجري عليه البيع ما لم يتم الاتفاق بين الأطراف المعنية علي غير ذلك و في جميع الأحوال لا يجوز أن يشمل البيع إلا ما يكفي للوفاء بحق الدائن فقط وإذا كان الشئ المرهون معرضا للتلف أو الهلاك أو كانت حيازته تستلزم نفقات باهظة و لم يشأ المدين تقديم شئ آخر بدله جاز لكل من الدائن و المدين أن يطلب من المحكمة المدنية المختصة الترخيص له في بيع المال المرهون فورا و بأية طريقة يعينها رئيس المحكمة المدنية و ينتقل الرهن إلي الثمن الناتج من البيع.
كما أتضح أعلاه فان القانون التجاري قد كفل حقوق الدائن المرتهن و منحه كل الصلاحيات المناسبة لحفظ حقوقه إلي حين انقضاء الدين و سداد القرض و لكن من الجدير ذكره و التنبيه له أن القانون التجاري أيضا كفل بعض الحقوق للمدين و من النقاط الهامة التي ينص عليها القانون الحكم الذي ينص علي أنه يعتبر باطلا كل اتفاق يبرم وقت تقرير الرهن أو بعد تقريره يعطي الدائن المرتهن، في حالة عدم استيفاء الدين عند حلول اجله، الحق في تملك المرهون أو بيعه دون مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في القانون و التي تم توضيحها أعلاه و تحديدا اللجوء إلي المحكمة المدنية المختصة التي تقوم بإتباع كل الإجراءات القانونية المنصوص عليها بالنسبة لبيع المال المرهون بالكيفية و في المكان و الزمان الذي تحدده المحكمة المختصة مع منح المدين حق التظلم، إذا أراد ذلك، وفق المتطلبات و الإجراءات القانونية. وبعد اكتمال إجراءات البيع بالمزاد العلني، بغية الحصول علي أحسن الأسعار، يحصل الدائن المرتهن علي ما يستحقه فقط و في حالة وجود فائض فان هذا الفائض يسلم لصاحبه أي المدين و من هنا يتضح أن القانون لا يسمح للدائن المرتهن الإثراء علي حساب المدين وذلك بمنعه الحصول علي أية أموال تعتبر إضافية أو أكثر مما يستحق و في هذا عين العدالة.
إن الرهن التجاري يعتبر من أهم الضمانات المقبولة للبنوك التجارية كتامين وضمان للتسهيلات المالية و القروض التي تقدمها للعملاء ومن هذا يتضح أن الرهن التجاري، و جنبا إلي جنب مع الرهن العقاري و غيره من الضمانات الاخري، يلعب دورا كبيرا في توسيع دائرة العمل المصرفي و تطوير و ترقية الأعمال و النشاطات المصرفية لما فيه مصلحة المجتمع التجاري والتنمية الاقتصادية و هذا قطعا سيعود بالنفع العام علي كل البلاد.
اترك تعليقاً