النظام العام والآداب
يعدّ النظام العام والآداب قيداً يرد على مبدأ سلطان الإرادة وعلى حرية التعاقد.
ـ النظام العامl’ordre public : هو مجموعة القواعد التي تهدف إلى حماية مصالح المجتمع الأساسية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وهو مجال تطبيق القواعد القانونية الآمرة، ومن ثمّ لا يجوز للأفراد أن يتفقوا في عقودهم على ما يخالف هذه المصالح. ومفهوم النظام العام هو مفهوم نسبي يختلف من دولة إلى أخرى؛ وفي الدولة الواحدة من زمن إلى آخر، ومن ثمّ فإن مجال النظام العام يضيق في ظل المذهب الفردي الذي يطلق العنان للحرية الفردية، ويتسع في ظل المذهب الاشتراكي أو مذهب التضامن الذي يرجح المصلحة العامة على مصلحة الفرد.
ـ الآداب: ويقصد بالآداب les moeurs مجموعة القواعد التي تسود علاقات الأفراد الاجتماعية، والملزمة لهم طبقاً لناموس أدبي فرضته المعتقدات الموروثة والعادات المتأصلة في زمان معيّن ومكان معيّن. ويترتب على ذلك أن مفهوم الآداب هو أيضاً مفهوم نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان.
أنواع النظام العام
ـ النظام العام النصي والنظام العام المضمر:
ـ النظام العام النصي: وهو الذي يحدده المشرع صراحة، حيث يقوم بتحديد الأحكام التي تعدّ من النظام العام، ومن ثمّ يمنع الأفراد من الاتفاق على مخالفة هذه الأحكام تحت طائلة البطلان.
ـ النظام العام المضمر: وهو الذي يستخلص من معنى النص، حيث لا تدل عبارته على ما إذا كانت القاعدة التي ينص عليها هي قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، أو أنها قاعدة مفسرة يجوز الاتفاق على خلافها. ويجب على القاضي في مثل هذه الحال أن يبحث عن المصلحة التي تحميها القاعدة، فإذا تبين له أنها مصلحة أساسية من مصالح المجتمع، كانت القاعدة آمرة، ومن ثمّ تتعلق بالنظام العام.
ـ النظام العام السياسي والنظام العام الاقتصادي:
ـ النظام العام السياسي: وهو الذي يهدف إلى حماية الدولة والأسرة والفرد من اتفاقات الأفراد التي تلحق ضرراً بهم، ومن ثمّ فإن كل ما يمس تنظيم الدولة يعدّ من النظام العام، ويترتب على ذلك أن أحكام القانون العام بكل فروعه ـ مثل القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي والقانون الجزائي ـ هي من النظام العام، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، وكذلك الحال فإن القواعد المتعلقة بتنظيم الأسرة هي ـ عموماً ـ من النظام العام. وكذا فيما يتعلق بالقواعد التي تنظم حالة الفرد حيث إنها تعدّ من النظام العام، فلا يجوز مثلاً أن يتنازل الفرد عن اسمه أو لقبه. ويتصف النظام العام السياسي بأنه نظام عام تقليدي.
ـ النظام العام الاقتصادي: وهو النظام العام الحديث. وقد يهدف إلى حماية الطرف الضعيف اقتصادياً في بعض العقود، كالقواعد التي تهدف إلى حماية العامل في عقد العمل، وقد يهدف أيضاً إلى توجيه الاقتصاد الوطني إلى اتجاه محدد، ومثال ذلك النظام العام النقدي الذي يحظر التعامل بالذهب في العقود الداخلية.
مؤيد النظام العام والآداب
يعدّ العقد المخالف للنظام العام والآداب عقداً باطلاً بطلاناً مطلقاً، ومن ثمّ يحق لأيّ من العاقدين أن يثيره، وكذلك يحق للمحكمة أن تثيره من تلقاء ذاتها، وهذا ما نصت عليه المادة /136/ من القانون المدني السوري بقولها: «إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً « وكذلك المادة /137/ التي تنص على أنه: «إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب؛ كان العقد باطلاً».
الأصل أن تطبق القواعد المتعلقة بالنظام العام بأثر مقتصر، ولكن يمكن للمشرع أن يقرر تطبيقها بأثر رجعي، وذلك لأن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي ولا يقيد المشرع. ويترتب على تطبيق القواعد المتعلقة بالنظام العام بأثر رجعي بطلان العقود التي نشأت صحيحة في ظل القانون المطبق في أثناء تكوينه. وفي الحقيقة فإن تطور النظام العام الاقتصادي يقضي في بعض الأحيان بتطبيق القواعد المتعلقة به بأثر رجعي.
اترك تعليقاً