ضمانات الحرية الفردية والأمن الشخصي للمتهم في القانون الجنائي المغربي
عبد الرحيم خالص
باحث في علم السياسة،
كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض، مراكش
تَعرف مُعظم القوانين الجنائية بالعالم، ترسانة من الضمانات التي تُحيط بالحرية الفردية، والأمن الشخصي والذاتي لكافة المواطنين بدون أي استثناء. ومن ذلك، مبادئ وقواعد العدالة الجنائية التي تتضمنها -أو يجب أن تتوفر عليها- القوانين والمساطر الجنائية الوطنية، حماية لحرية وأمن مواطنيها، سواء في الداخل أو الخارج.
ويُسَخر القانون الجنائي المغربي والمسطرة الجنائية، في هذا الإطار، عدة مبادئ وقواعد عامة في مجال العدالة الجنائية، بحيث تُراعي -ومن الدرجة الأولى في أهداف- هذه الأخيرة، الحماية القانونية للحرية الفردية، والحفاظ على الأمن الشخصي للمواطن المغربي، وفق مسطرة قانونية تحترم مبدأ المحاكمة العادلة أثناء محاكمة الشخص المعني بارتكاب المخالفة أو الجنحة أو الجناية؛ والتي تستدعي، بعد ثبوت الإدانة في حق المتهم، إنزال العقاب والجزاء المناسبين لفعله الإجرامي.
غير أن إنزال العقاب بالمتهم الذي تَثْبُت في حقه ارتكاب الجريمة، قد يتعرض في بعض الأحيان لتجاوزات السلطة المعنية، سواء كان ذلك، في فترة ما قبل المحاكمة (مثل فترة الاعتقال الاحتياطي على سبيل المثال)، أو أثناء مباشرة المحاكمة أو في فترة ما بعد الإعلان عن الحكم النهائي. وهو الأمر الذي يطرح –بنظرنا- سؤالا في غاية من الأهمية، وهو: كيف يمكن ضمان المحاكمة العادلة لكل متهم بارتكاب جريمة؟ وهل يمكن حماية الحرية الفردية والأمن الشخصي للمتهم طيلة أطوار المحاكمة، من تعسف سلطة الدولة في العقاب، متى تَبُثَت إدانته (أو براءته)؟
وتجدر الإشارة، بأن الحرية الفردية، هي ذلك الإطار القانوني المعترف به للفرد في مواجهة سلطة الدولة، والذي يُعطيه -حسب أستاذة الحريات العامة، زهرة الصروخ- الحق في إمكانيات إلزام السلطة عن الامتناع بالتعرض لبعض نواحي نشاطه المادي أو المعنوي. فالحرية هي “أصل حقوق الإنسان، فجميع الحقوق هي ممارسة للحريات” و”أن تجاهل أو نسيان أو احتقار حقوق الإنسان هي أسباب انحلال النظم الحكومية”، كما يؤكد جون ريفيرو Jean RIVERO، في كتابه عن “حقوق الإنسان والحريات العامة”. وعليه، فإذا كانت الحرية الفردية، بهذا المعنى، تُشكل قيدا على السلطة، فإنها ستكون، بالتالي، نقطة احتكاك هامة، تجعل الدساتير المعاصرة تَخُصُّها بنصوص مُستفيضة ودقيقة، يكون الهدف منها، هو إخضاع الدولة -وسُلطتها الجنائية- لمنطق القانون وشرعيته.
أولا: الحرية الفردية والمبادئ العامة للعدالة الجنائية
يمكن تلخيص المبادئ العامة للعدالة الجنائية، التي تهدف إلى حماية الحرية الفردية والأمن الشخصي من تعسف سلطة الدولة في العقاب، إلى ما يلي:
– المبدأ الأول: تحريم الإكراه البدني لتنفيذ الالتزامات. والذي يضمنه الفصل 11 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يقرر بأنه، لا يجوز سجن إنسان فقط بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي. وذلك، مراعاة لبعض الاكراهات الاجتماعية والاقتصادية أو الطبيعية التي قد يتعرض لها الإنسان خارج قدرته المعهودة. ومن ذلك، فقدانه للسيطرة والتحكم في نشاطه المادي أو المعنوي، جراء الأحداث والكوارث الطبيعية المفاجئة كالفيضانات والزلازل، والتي تفقده التحكم الذاتي والإرادي على مختلف أو بعض التزاماته الشخصية أو العائلية.
– المبدأ الثاني: مبدأ افتراض البراءة أصلا حتى تثبت الإدانة. لا يتمتع بضمانة دستورية، لكن يجد أساسه أيضا في العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، في فصله 14، الفقرة الثانية، التي تقول: “لكل شخص مُتَّهَم بتُهَم جنائية الحق في أن يعتبر بريئا ما لم يثبت إدانته طبقا للقانون”. ونجد بجانبه، المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية المغربية، رقم 22.01، (الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255، المؤرخ في 3 أكتوبر 2002، كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب وبالقانونين رقم 23.05 و القانون رقم 24.05)، والتي تنص على نفس المبدأ، حيث، “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات القانونية. ويفسر الشك لفائدة المتهم”. ومن تبعات هذا المبدأ: عدم الاعتداد بكل اعتراف يثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه.
– المبدأ الثالث: مبدأ الشرعية، حيث، “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”. وينص عليه الدستور المغربي المراجع لسنة 1996، في الفصل 10، بقوله: “لا يُلقَ القبض على أحد ولا يُعتقل ولا يُعاقَب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون”. وهو ما يشدد عليه الفصل 9، الفقرة الأولى، من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، بحيث يؤكد على أن، “لكل شخص الحق في الحرية والسلامة الشخصية، ولا يجوز إيقاف أحد ولا إلقاء القبض عليه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته لأسباب وطبقا للمسطرة المحددة بالقانون”.
– المبدأ الرابع: مبدأ عدم رجعية القوانين. ويؤكده الفصل 4 من الدستور المغربي 1996، حين يقول: “القانون هو أسمى تعبير للأمة ويجب على الجميع الامتثال له وليس للقانون أثر رجعي”. ولهذا، يجب أن “لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه”، حسب مضمون الفصل 4 من القانون الجنائي المغربي. وهو نفس المبدأ، الذي يؤكده العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، من خلال فصله 15، يقول، “لا يجوز إدانة شخص لقيامه أو امتناعه عن القيام بأفعال لا تعتبر جريمة بموجب القانون الوطني أو القانون الدولي في وقت القيام بها”.
– المبدأ الخامس: مبدأ “حُرمة الشخص”، التي تعني في الواقع “شجب التعذيب”. تنعدم في الدستور المغربي أية إشارة إلى هذا المبدأ، في الوقت الذي ينص فيه الفصل 399 من القانون الجنائي المغربي على أنه، “يُعاقَب بالإعدام كل من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمالا وحشية لتنفيذ فعل يُعد جناية”، وهو نفس مضمون الفصل 231 من نفس القانون، والذي يذهب في نفس الاتجاه الذي يَشجب كل أشكال التعذيب التي يتعرض لها الإنسان في ذاته وكرامته. بينما يؤكد الفصل 7، من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بأنه، “لا يَخضع أحد للتعذيب ولا للعقوبات والمعاملات القاسية أو غير الإنسانية أو المهنية”.
لكن الذي يدفعنا أكثر إلى التساؤل، هو: ما إذا كانت هذه المبادئ فعلا، تُسَخَّر لحماية حرية الفرد الشخصية والأمنية، في مختلف أطوار المحاكمة العادلة، سواء قبل المحاكمة، أي أثناء إلقاء القبض على المتهم أو أثناء مباشرة محاكمته أو بعد صدور الحكم، لحظة التنفيذ؟
ثانيا: حقوق المتهم عبر مختلف مراحل المُحاكمة (العادلة !)
تَتَهَدَّد، جملة من التجاوزات والانزلاقات غير القانونية، العديد من الحقوق والحريات الفردية، في مختلف مراحل المحاكمة العادلة: سواء ما قبل المحاكمة (المرحلة الأولى)، أو أثناء مباشرة أطوارها (المرحلة الثانية)، أو ما بعد صدور الحكم النهائي بالإدانة والتنفيذ، أو بالبراءة والإفراج (المرحلة الثالثة).
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل بدء المحاكمة
تندرج في هذه المرحلة، العديد من الحقوق الدستورية التي ينص المشرع المغربي على حمايتها. غير أن المتابعة الإجرائية المتعلقة بمراحل ما قبل المحاكمة، قد تُعرض تلك الحقوق للخرق والتعسف من طرف السلطة المختصة في البحث والمتابعة. وتأتي حقوق السلامة البدنية، والكرامة الفردية، وحُرمة السكن، وكل ما يرتبط بالحياة الخاصة للأفراد من تعبير عن الرأي والتنقل والشغل، في مقدمة الحقوق التي تُهددها بعض التجاوزات غير القانونية للسلطات المعنية. ونذكر على سبيل المثال، بعض الأفعال التي لا تحترم سرية المراسلات بين الأشخاص، أو التّنَصُّت على المكالمات الهاتفية بين الأفراد، بدون سند قانوني أو إذن مسبق.
غير أن أكثر الحقوق التي يتم الاعتداء عليها، وبشكل ملفت للانتباه، هي التي تتمحور حول الاعتقال التعسفي والتعذيب من جهة، وتفتيش الأماكن الذي لا يستند على مبرر قانوني أمام حُرمة المسكن والأشخاص من جهة أخرى (وبخاصة في بعض الفترات التي لا يُجيز فيها القانون التفتيش إلا بترخيص، مثل الفترة الزمنية ما قبل السادسة صباحا أو ما بعد الساعة التاسعة ليلا)، فضلا عن بعض المحلات والإدارات التي تحميها قواعد السر المهني من التفتيش، والتي يضمن لها القانون، حق التحفظ على مصادر بعض المعلومات أو كلها، باعتبار المصدر المعتمد مُشَرّعا في إطار قواعد السر المهني، ولا يمس بدوره بقواعد الأمن الشخصي للأفراد والجماعات، إلا في الحدود التي يُجيزها قانون الصحافة مثلا (أو يُرخّص فيها بشكل استثنائي أي قانون آخر، لكن مع ذكر المبررات التي تُشخص ضرورة الاعتماد على هذا الاستثناء كاعتباره مثلا الحل الوحيد المتبقي).
وما تثيره نماذج الحقوق السابقة، من الإشكالات القانونية المعقدة، تُثيره أيضا وضعيات احتجاز المتهمين ووضعهم رهن الحراسة النظرية، أثناء سير التحقيقات، وما قبل تقديم المتهم للمحاكمة الفعلية، أمام سلطة النيابة العامة. هذه الأخيرة، التي لا يُقيد المشرع المغربي ولا يُقنن من مساحات تدخلها، التي تتجاوز -وبشكل سافر- الحدود القانونية في بعض الأحيان.
فعلى سبيل المثال، أضحت تدخلات سلطة النيابة العامة مصدر تفويض واسع للشرطة القضائية، في العديد من النقط الحساسة، مثلا: تمديد أوقات الحراسة النظرية، وتأخير اتصال الشخص المشتبه فيه -والمعتقل- بالمحامي، بل في بعض الحالات يتم منع الاتصال بشكل نهائي بينهما. وما يزيد الطين بلة، هو انعدام أية إمكانيات لمراقبة التعسفات التي يمكن أن تحصل من طرف السلطات المختصة في التحقيق والمتابعة، دون توفير أدنى إمكانية للطعن القضائي أو طلب الإلغاء الإداري في حق كل قرار تثبت في حقه ممارسات بالشطط في استعمال السلطة، أو حتى توجيه طلبات رفع التظلم في القرارات الصادرة عن النيابة العامة أو من تفوضه للقيام بهذه الأعمال. ثم، إن المشروع المصادق عليه منذ ماي 2003، والمتسم بالقرار 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، قد تجاهل أي إشارة إلى الضمانات القانونية لمنع التعذيب ضد المشتبه فيهم، خلال مراحل البحث والتقصي، وكذلك عدم إجراء فحص طبي قبل الإذن بتمديد فترة الحراسة النظرية، حماية للحرية الفردية والأمن الشخصي للمتهمين، وذلك في إطار الاستعداد للمرحلة الحاسمة من فترة المحاكمة.
المرحلة الثانية: مرحلة بدء المحاكمة ومباشرتها
يؤكد العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، في مادته 14، على حق المتهم في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة متخصصة ومستقلة ومحايدة، مُنشئة باسم القانون. ومن الضمانات الواجب احترامها، حماية لحقوق وحريات المتهم، نجد: المحاكمة العادلة، دون أدنى تأخير غير معقول وغير مبرر، كتحديد آجال لإنجاز بعض الإجراءات القضائية، والبت في القضايا المتسمة بطابع الاستعجالية بغية تحقيق السرعة والفعالية في أداء العدالة الجنائية، فضلا عن ضرورة حضور الشخص المتهم أثناء المحاكمة ليتمكن من الدفاع عن نفسه أو بمساعدة محام من اختياره الحر.
وإذا كان معوزا أو فقيرا، حق له تعيين مساعدة قانونية دون مقابل، وكما له الحق في استجواب شهوده، له الحق أيضا في استجواب شهود خصومه. أما إذا كان المتهم غير قادر على فهم اللغة التي يُخاطَب بها أو يستعصي عليه النطق بها، جاز له أن يؤازر بمترجم دون مقابل، تستعين به ضابط الشرطة القضائية حسب الفصل 21 و47 من قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01، المشار إليه سابقا.
وباعتبار المبدأ، البراءة هي الأصل، فإنه لا يُعْتَدّ بأي اعتراف يثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه. كما يحق له، الطعن في قرار تقديمه للمحاكمة، والمطالبة في حالة ثبوت خطأ قضائي بالتعويض عن كل ما لحق به من معاناة خلال هذه المرحلة؛ لكن إذا ثبت العكس وأنزلت بحقه أحكاما نهائية، فإنه يكون لذلك أيضا سبب في المطالبة بحماية حريته الفردية وحقوقه الشخصية، حتى ولو بعد صدور الحكم النهائي عليه بالإدانة.
المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد النطق بالحكم النهائي
نجد، في الدول الديمقراطية، بعد الحكم على المتهم وتجريمه، عدة مؤسسات لمتابعة تنفيذ الحكم النهائي بحق المدان، سواء بعد انتهاء النطق بالحكم مباشرة أو بمتابعة أحوال المحكوم عليهم، بعد إيداعهم داخل المؤسسات السجنية. شأن ذلك، شأن مؤسسة قاضي التنفيذ، الذي يختص في مراقبة الكيفية التي تطبق بها العقوبات السالبة للحرية على المحكوم عليهم. إذ تجدر الإشارة، أنه كيفما كان نوع الجريمة المرتكبة والحكم المعلن عنه في حق المدانين، يبقى هؤلاء المحكوم عليهم، أُناسا، يجب احترام كرامتهم وآدميتهم.
وتضمن مؤسسة قاضي التنفيذ، للمحكوم عليهم، إمكانية الطعن في كل ما يتعلق بظروف السجين المادية والمعنوية، حماية لحقوقه الذاتية وكرامته الإنسانية، وذلك من تعسف السلطة المكلفة بالسجون وكذا الأشخاص المسئولون عن تسييرها. وقد استجاب المشرع المغربي، في إطار قانون المسطرة الجنائية، لإنشاء هذه المؤسسة، غير أنها لا تزال تُعاني من عدم فعالية دورها كما ينبغي، حيث لا تزال تتطلب وضعياتها، شروطا وظروفا أكثر استقلالية لتحفيز عمل قُضاة تنفيذ العقوبات.
ختاما، تجدر الإشارة، بالرغم من كل ما سبق، بأن قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01، قد جاء بعدة إيجابيات، تُكرّس بعضا من مبادئ حقوق الإنسان، التي أعلن الدستور المراجع لسنة 1996، في ديباجته التشبث بها، كما هو متعارف عليها عالميا. ونذكر منها، ما يلي:
تكريس مبدأ البراءة والمحاكمة العادلة (المادة 1)؛ وعدم الاعتداد بكل اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه (المادة 293)؛ وحصر الاعتقال في المؤسسات السجنية التابعة لوزارة العدل، وهو ما يعني إلغاء السجون الإدارية (المادة 608)؛ ثم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية كآلية تكلف سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقدا لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية (من المادة 159 إلى 174).
وبالإضافة إلى هذا، نجد القانون رقم 22.01، قد جاء أيضا بمستجدات أساسية فيما يخص حماية الأحداث وتقويم سلوكهم بهدف إعادة إدماجهم داخل المجتمع. وتأتي المادة 596، بامتياز جديد، حين تقول: “يُعهد إلى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل”.
وبُغية تحقيق كل هذه الإجراءات، على وجه دقيق، جاءت المواد من 52 إلى 83، تنص على توسيع مجال التحقيق من التحقيق الاختياري إلى التحقيق الإجباري، وكذا إمكانية التقاضي على درجتين (المادة 457). وبالرغم من كل هذا، فيؤخذ على القانون 22.01، ما يلي: من حيث المساواة، إعادة النص على الامتياز القضائي لفائدة بعض سامي الموظفين. أما من حيث الضمانات، عدم توفير حق الدفاع للمشتبه فيه، أثناء فترة الوضع تحت الحراسة، أو إخضاعه على الأقل لفحص طبي، أو فرض التزام الضابطة القضائية بإخبار المتهم بالأفعال المنسوبة إليه وقت إلقاء القبض عليه. وأما من حيث الإفراج والبراءة، فلا تقدم القوانين الحالية، أية ضمانات -كما هو سائد في أغلب الدول الديمقراطية- بالتعويض للأشخاص المعتقلين احتياطيا، بعد أن يتم الإفراج عنهم بالبراءة أو بعدم المتابعة أو بالإعفاء.
وعلى الرغم من أن جل هذه المبادئ مُضمَن في قانون المسطرة الجنائية، إلا أن ثغرات كبيرة، لا زالت تتخلل بعض نصوص هذه الأخيرة، سواء على مستوى ترجمة المبادئ المعترف بها إلى نصوص قانونية صريحة وواضحة، أو على مستوى ترجمة تطبيق تلك النصوص، تطبيقا سليما على أرض الواقع.
اترك تعليقاً