المـــــــــرأة والقضــــــــاء
القضاء يراد به فصل الخصومات بقول ملزم صادر عن ذي ولاية عامة، ولما كان القضاء بين الناس وفض النزاع بينهم فهو فرض كفاية على حد قول فقهاء الشريعة واعتبروه من اهم فروض الكفايات على قول ابي اسحق ابراهيم بن ابي الدم الشافعي وقد عرفه الفقيه زين االدين الجعبي العاملي المعروف بـ(الشهيد الثاني).
هو واجب كفاية في حق الصالحين له الا انه مع حضور الامام(وظيفة الامام(ع) او نائبه) فيلزمه نصب قاض في الناحية ليقوم به ويجب على من عينه الامام القبول وفي زمن الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الافتاء ومنها البلوغ والعقل والذكورية والايمان.. الخ.
ويفهم من اقوال الفقهاء فان القضاء فرض كفاية وهو ولاية عامة ولا يتقلده الا الصالحون من الرجال وقد قورنت درجته بدرجة المفتي، لذا فان مهمة القضاء صعبة ومضنية ويجب على من يعتلي دست القضاء ان يكون اهلا لهذا المنصب من حيث الورع والعدل والعلم والشجاعة فمن الضروري ان يتصف القاضي بهذه الصفات فما قيمة العلم بدون عدل وما قيمة العدل بدون شجاعة وسيد تلك الصفات الورع، ومن هنا كان علم القضاء كما يقول القاضي والفقيه ابن ابي الدم هو من اجل العلوم قدرا واعزها مكانا واشرفها ذكرا لانه مقام علي ومنصب نبوي به الدماء تعصم وتسفح والابضاع تحرم وتنكح والاموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب. لذلك كان منصبه لتولي القضاء خطيرا ودوره كبيرا وقد اشترط الفقهاء لتولي القضاء شروطا وهي الاسلام والذكورة والبلوغ والعدالة والصبر والسمع والنطق والعلم بالاحكام الشرعية والكتابة والحرية وقد اختلف الفقهاء في شرط البصر والكتابة والحرية واجمعوا على الشروط الاخرى، والذي يهمنا في هذا البحث جواز تقلد المرأة القضاء فان جمهور الفقهاء لا يصح عندهم تولي المرأة القضاء وخاصة فقهاء المذاهب الخمسة التي يتعبد باحكامهم اتباع الى وقتنا الحاضر، وعلى العموم انهم ذهبوا الى مذاهب او آراء.
الرأي الاول : عدم تولي المرأة القضاء مطلقا واصحاب هذا الرأي فقهاء الشافعية والامامية والمالكية والحنابلة، حيث اعتبر ابن ابي الدم وهو من فقهاء الشافعية الذكورة شرطا لتولي القضاء من الشرائط التي تعتبر في صفات القاضي ودليلهم الآية الكريمة(الرجال قوامون على النساء) فقد جعل الله القوامة للرجال على النساء وفي قضاء المرأة نوع ولاية وقوامة مخالفة لما نصت عليه الآية الكريمة وفي السنة الشريفة، فقد ذكر صاحب كتاب منتقى الاحكام الشرعية الشيخ مجد الدين عبد السلام الحراني الحنبلي حديث الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) (لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة) وقد ثبت عندهم هذا الحديث برواية الامام احمد والبخاري والنسائي وصححه الترمذي،
اما فقهاء الامامية فلم يجيزوا تولي المرأة القضاء وذكر صاحب كتاب الجواهر(للاجماع والحديث لا يفلح قوم ولتهم امرأة وفي آخر لا تتولى المرأة القضاء) ويقول الشيخ العاملي الشهيد الثاني في شرح اللمعة(واما الذكورية فلم ينقل احد فيها خلافا ويبعد اختصاص قاضي التحكيم بعدم اشتراطها) فالثابت عندهم عدم تولي المرأة القضاء واجازوا لها ان تكون محكما وهو ان يتراضى به الخصمان ليحكم بينهما مع وجود قاض معين وان جرى هذا محل خلاف عندهم فالعلامة الطوسي وولده فخر المحققين والمحقق الحلي اشترطوا الذكورية في قاضي التحكيم وقد روى الفقيه والمحدث الحر العاملي في وسائل الشيعة الحديث المروي عن الامام الصادق(عليه السلام) عن ابائه وصية النبي(صلى الله عليه واله وسلم) لعلي(عليه السلام) (قال يا علي ليس على المرأة جمعة الى ان قال ولا تولي القضاء) وقد تبنى شرط الذكورة متأخر فقهاء الامامية فقد اشترط الفقيه والاستاذ السيد ابو القاسم الخوئي الذكورة لتولي القضاء(مسألة 7 من منهاج الصالحين-احكام القضاء).
الرأي الثاني : اجازتها لتولي القضاء الا في الحدود والدماء واصحاب هذا الرأي فقهاء الحنفية فقد اجازوا تولي المرأة القضاء في كل شيء الا في الحدود والدماء فاستدلوا بالقياس بان القضاء كالشهادة فمن لم تجز شهادته لم يجز قضاؤه فالمرأة يصح قضائها فيما تصح شهادتها وشهادتها تصح في كل شيء الا الحدود والدماء(بدائع الصنائع للكاساني وكذلك فتح الغدير لابن همام الحنفي).
الرأي الثالث: يرون جواز تولي المرأة القضاء مطلقا.
ان اصحاب هذا الرأي ذهبوا الى تقليد المرأة القضاء مطلقا ابن جرير الطبري وابن حزم ودليلهم بأن الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) قد ولى الشفاء السوق وفسروا حديث الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) (لن يفلح قوم-المذكور آنفا) ينصرف الى الامر العام وهو الخلافة وامرة الولايات وبما ان للقضاء ولاية عامة ونعتقد ان فعل الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من باب الحسبة هو تطبيق احكام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة عمل مختلف عن اعمال القضاء.
نجد ان ما استقر عليه رأي جمهور الفقهاء ان المرأة لا يجوز لها تولي القضاء لان الرسول(ص) لم يول امرأة القضاء ولم يولها احد من اصحابه لان طبيعتها تتنافى مع ذلك كون المرأة من حيث تكوينها تغلب على تصرفاتها واقوالها قوة العاطفة والوداعة والرقة والصبر ولربما تكون عاطفتها وقتية ولان المرأة لما جبلت عليه من الحياء يلزم عدم دخولها في امور لا تتفق وما جبلت عليه كما قال ابن قدامة(المغني) لان القاضي يحضر محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه الى كمال الرأي وتمام العقل وقد نبه الله تعالى عن ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى ( ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى) ولا تصلح للامامة العظمى(الخلافة) ولا لتولية البلدان ولهذا لم يول النبي (ص) ولا احد خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء وبما ان القضاء حكم وقد تصاحب هذا الحكم قسوة وخصوصا في الجنايات فليس من الصالح ان تبدل رقتها وعواطفها التي جبلت عليها الى القسوة والشدة وفي جانب آخر ان المتداعيين لا تدخلهما الرهبة والخشية في قضاء المرأة، فضلا عما تقدم فان جمهور الفقهاء لم يجوزوا للمرأة البالغة الراشدة ان تباشر عقد الزواج بنفسها او لغيرها ولهم فيها مذهبان بين متشدد ومخفف.
فالمتشددون هم فقهاء(الشافعية والمالكية والحنابلة والزيدية) اعتبروا العقد باطلا وموجبا للفسخ، اما المخففون فهم فقهاء(الاحناف والامامية) فقد اشترطوا اذن الولي للبكر العاقلة الراشدة لكنهم اختلفوا مع الفريق الاول في البطلان. فكيف لها ان كانت قاضية ان تأذن بزواج من تقدم لطلب عقد الزواج من القضاء باعتبار ان القاضي ولي من لا ولي له وقد نصت المادة(8 بفقرتيها 1 و 2) من قانون الاحوال الشخصية للقاضي ان يأذن بالزواج من اكمل الخامسة عشرة من العمر بشرط موافقة وليه واذا امتنع حدد له القاضي مدة خلالها يعطي موافقته وبانتهاء المدة وعدم اعتراضه او كان اعتراضه غير جدير يقرر القاضي الاذن بالزواج واذا لم يوجد ولي للقاصر الذي اكمل خمس عشرة سنة من العمر ووجد القاضي ضرورة قصوى تدعو الى الزواج يأذن له بالزواج.
اما التشريع العراقي فان المادة(32) من قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 (الملغي) حددت شروط تعيين القضاة فان(يكون عراقيا بالولادة وان لا يقل عمره عن ثلاثين سنة..الخ) فان حكم المادة المذكورة خاطبت الرجال وهذا هو المعروف لغة فضلا عن ذلك لم تتول القضاء امرأة منذ تشكيل الحكومة العراقية عام 1921 وحتى 1979 وبعد نفاذ قانون المعهد القضائي رقم (33) لسنة 1976 ونفاذ قانون التنظيم القضائي رقم(160) لسنة 1979 تم قبول المرأة في المعهد القضائي وتعيين بعضهن قاضيات مع العلم لا يوجد نص صريح في قانون المعهد القضائي وقانون التنظيم القضائي يسمح بتعيين المرأة قاضية فان المادة(36/اولا) من قانون التنظيم القضائي اشترطت من يعين قاضيا ان يكون عراقيا بالولادة ومتزوجا ومتخرجا من المعهد القضائي، كما ان المادة(7) من قانون المعهد القضائي حددت شروط القبول في المعهد القضائي وهي ذات الشروط التي حددتها المادة(32) من قانون السلطة القضائية(المذكورة آنفا) مع اختلاف في المدد والصياغة وليس جوهريا.
وفي عام 1985 صدر توجيه يمنع قبول المرأة في المعهد القضائي وتعيينها قاضية او عضو ادعاء عاماً وجاء هذا المنع متفقا مع احكام الشريعة الاسلامية الغراء باعتبار ان الاسلام دين الدولة الرسمي كما نص على ذلك دستور عام 1970، يتضح ان تولي المرأة القضاء مخالف لاحكام الشريعة الاسلامية ومخالف لاحكام الدستور النافذ وقانون ادارة الدولة حيث ان المادة(7/أ) من قانون ادارة الدولة نصت على ان الاسلام دين الدولة الرسمي ويعد مصدرا للتشريع ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة
الانتقالية يتعارض مع ثوابت الاسلام المجمع عليها، ويؤكد النص احترام الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي وقد اكد ذا النص الدستور النافذ في المادة(2) منه، وبما ان قواعد الشريعة الغراء لا يجوز مخالفتها فضلا عن عدم وجود نص صريح في القوانين العراقية وفي الدساتير العراقية منذ تشكيل الحكومة العراقية عام 1921 والى يومنا هذا، يسمح للمرأة تولي القضاء، وان معظم الدول العربية والاسلامية لن تسمح قوانينها بتولي المرأة القضاء وهذا لا يعد عيبا على المرأة او نقصا في ذاتها وانما تلك مشيئة الخالق سبحانه وتعالى.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً