إعادة نشر بواسطة محاماة نت
كثيراً ما نسمع في وسائل الإعلام أو في حياتنا اليومية عن أشخاص فقدوا أمتعتهم الشخصية أثناء سفرهم بالطائرات أو أثناء التنقل بين المطارات أو عدم شحن تلك الأمتعة من مطار الإقلاع إلى المحطة الأخيرة في سفرهم كما ينبغي، أو حدوث نقص فيها أو تلف بعضها، وغير ذلك من الحوادث.
فما هو القانون الواجب التطبيق في مثل هذه الحالات وما هي الإجراءات المقررة للحصول على التعويض عند حدوث ذلك؟
حددت اتفاقية وارسو لعام 1929 والبروتوكولات والاتفاقيات المعدلة والمكملة لها عدة التزامات على الناقل الجوي تجاه مستعملي الطائرة، وإذا ما أخل الناقل بهذه الالتزامات كان من حق المضرور مداعاته أمام المحاكم المختصة للحكم له بالتعويض. وقد أوجبت هذه الاتفاقية على المضرور بعض الإجراءات تحت طائلة عدم قبول دعواه وأن لا يتراخى في إقامتها تحت طائلة سقوطها. وعلى هذا نصت المادة 29 من الاتفاقية المذكورة على أنه:
“1ـ تقام دعوى المسؤولية في بحر سنتين اعتباراً من تاريخ الوصول أو من اليوم الذي كان يتعين وصول الطائرة فيه أو من تاريخ وقف النقل وإلا سقط الحق في رفع الدعوى؛
2ـ ويعين قانون محكمة النزاع طريقة احتساب المدة المذكورة”.
يستفاد من هذا النص أنه يتوجب على المضرور من مستعملي الطائرة رفع دعواه على الناقل الجوي خلال مدة سنتين من تاريخ وصول الطائرة أو من اليوم الذي كان يتعين أن تصل فيه إلى المطار مقصدها، ويلاحظ هنا، أن القضاء مستقر على أنه إذا وصلت الطائرة وتأخر الناقل في تسليم الأمتعة أو البضاعة إلى مستحقيها، فإن مدة السنتين لا تبدأ من تاريخ وصول الطائرة، بل من تاريخ تسليم تلك الأمتعة أو البضاعة. كما تسري أحكام السقوط لعدم مراعاة المدة المنصوص عنها أعلاه على جميع صور النقل الجوي الدولي أياً كان موضوعه (نقل أشخاص ـ أو نقل أمتعة أو نقل بضائع)، وعلى جميع الدعاوى الناشئة عن عقد النقل. ويرد السقوط كذلك على دعوى المسؤولية المرفوعة على الناقل الجوي سواء كان ناقلاً متعاقداً أم ناقلاً فعلياً وتبقى مدة السقوط ذاتها حتى ولو كان الخطأ المنسوب إلى الناقل غير مغتفر.
وفي هذا السياق، وحرصاً من المشرّع في اتفاقية وارسو أن يكون هناك دائماً نوعا من التوازن بين مصالح أطراف عقد النقل الجوي، ولمصلحة مستعملي الطائرة، افترضت الاتفاقية خطأ الناقل الجوي ومسؤوليته عن الأضرار التي تلحق بالركاب والأمتعة والبضائع، وأعفت الركاب أو المستفيد من عقد النقل من عبء إثبات هذا الخطأ. ومن أجل تسيير سبل مقاضاة الناقل، فقد منحتهم عدة خيارات بالنسبة للمحكمة التي سيقاضون الناقل أمامها، وبالمقابل لم يغب عن بال المشرّع الدولي الأخذ بعين الاعتبار مصالح الناقل الجوي. ولذلك أجاز للناقل الدفع بعدم قبول الدعوى إذا كان المرسل إليه قد قصّر في اتخاذ إجراءات معينة عند تسلم البضاعة والأمتعة، وذلك من أجل أن يطمئن الناقل على أن عملية النقل للأمتعة والبضائع قد تمت سليمة وصحيحة وفق القانون، وعلى مقتضى ذلك نصت المادة 26 من اتفاقية وارسو المعدلة ببرتوكول لاهاي على أنه:
“1ـ يعتبر تسليم الأمتعة والبضاعة دون اعتراض من جانب المرسل إليه قرينة إلى أن يثبت العكس وأن البضائع والأمتعة قد تم تسليمها في حالة جيدة ووفقاً لسند النقل.
2ـ في حالة التلف على المرسل إليه أن يقدم إلى الناقل احتجاجاً مباشرة بعد اكتشاف التلف وعلى الأكثر في ميعاد سبعة أيام بالنسبة للأمتعة، وأربعة عشر يوماً بالنسبة إلى البضائع من تاريخ استلامها. وفي حال التأخير يجب تقديم الاحتجاج خلال واحد وعشرين يوماً من اليوم الذي توضع فيه الأمتعة أو البضائع تحت تصرفه.
3ـ يجب أن يثبّت كل احتجاح في شكل تحفظ على سند النقل، أو في صورة محرر آخر يرسل في الميعاد المقرر لهذا الاحتجاج.
4ـ فإذا لم يرد الاحتجاج في المدد المنصوص عليها، وجب الحكم بعدم قبول الدعاوى التي تقام ضد الناقل إلا إذا صدر غش من جانبه”.
وقد ثار خلاف كبير في الفقه والقضاء حول ما إذا كان الاحتجاج متطلباً في حالة الضياع أو الهلاك الجزئي للأمتعة أو البضاعة؛ كأن يكون سند نقل البضاعة يشتمل على عشرة طرود ولم يصل منها سوى سبعة فقط؛ فالبعض من الفقه والقضاء، يرى أنه قياساً على حالة التلف التي تؤدي إلى الانتقاص من قيمة البضاعة أو الأمتعة المنقولة ـ والأمر كذلك في حالة الهلاك أو الضياع الجزئي ـ يكون من الواجب إذن توجيه الاحتجاج إلى الناقل لإعلامه بالحالة المذكورة تحت طائلة عدم قبول الدعوى.
أما البعض الآخر، فيرى أن النقص قد اقتصر بشكل صريح وواضح على توجيه الاحتجاج في حالة التلف فقط، لأن أحكام الدفع بعدم قبول الدعوى قد جاءت على سبيل الاستثناء، لذلك لا يجوز التوسع في تفسيرها.
وما يراه الفقه في سورية، أنه لدواعي الحكمة والحرص ودفعاً لكل طارئ غير متوقع، من المفيد لكل من المرسل إليه والناقل أن يعلن احتجاجه للناقل في كل مرة يتحقق له وجود هلاك أو ضياع جزئي في الأمتعة أو البضاعة حين استلامها.. وإن كان النص السابق قد أغفل ذكر الراكب من واجب تقديم الاحتجاج، لكن التعامل جرى على إلزام الراكب بتقديم الاحتجاج.
كما أنه وفقاً للمادة الرابعة من اتفاقية “جواداد لاخارا”، يمكن ارسال الاحتجاج إلى الناقل الفعلي أو إلى الناقل المتعاقد، ويكون لهذا الاحتجاج نفس الأثر سواء وجّه إلى الأول أو الثاني. وأوجبت الاتفاقية أن يثبّت الاحتجاج كتابة منعاً للجدل في حصوله ويتم ذلك على شكل تحفظ يرد على سند النقل، أو في صورة محرر آخر يرسل في المدة المقررة للاحتجاج؛ كأن يتم ذلك عن طريق فاكس.
ويتحقق وقوع الاحتجاج بمجرد تسليمه إلى الناقل أو تسليمه إليه في البريد، ولو لم يتسلمه الناقل في الحالة الأخيرة بامتناعه عن ذلك؛ فالعبرة هي بإرسال الاحتجاج لا بوصوله إلى الناقل الجوي. ومع ذلك ولو أن المرسل إليه قد أرسل الاحتجاج إلى الناقل في المهلة المحددة قانوناً، فإنه لكي تقوم مسؤولية الناقل تجاهه عليه، أن يثبت أن هناك تلفاً قد لحق البضاعة وأن هذا التلف قد وقع قبل استلامه لها تحت طائلة رد دعواه.
ولا بد من الإشارة إلى أن اتفاقية وارسو حدّدت المحكمة التي يجب أن ترفع دعوى المسؤولية أمامها في المادة 28 بالقول أنه:
“1ـ يجب على المدعي رفع دعوى المسؤولية طبقاً لاختياره في إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة؛ إما أمام محكمة موطن الناقل أو المركز الرئيسي لنشاطه أو الجهة التي يكون له فيها منشأة تولت عنه إبرام العقد وإما أمام محكمة جهة الوصول؛ 2ـ وينظم قانون محكمة النزاع إجراءات الدعوى”.
وتجدر الملاحظة أيضاً أن اتفاقية مونتريال لعام 1999 قد أضافت إلى المحاكم السابقة محكمة مختصة أخرى بالنسبة لنقل المسافرين عندما يكون الضرر ناجماً عن وفاة الراكب أو إصابته، فإنه يجوز للمضرور أو ورثته رفع الدعوى أمام محكمة تقع في إقليم إحدى الدول المتعاقدة، وذلك كي تضمن تقيّد المحكمة المعروض عليها النزاع بنصوص وأحكام هذه الاتفاقية. واختصاص المحكمة هنا يشمل جميع أنواع دعاوى المسؤولية التي يدفعها المتضررون أو ورثتهم بخصوص حوادث الطيران، لذلك يجوز مباشرة الدعوى أمام محاكم الإقليم محل الإقامة الرئيسي والدائم للراكب وقت وقوع الحادثة، أو أن يكون الناقل يشغل في الإقليم المذكور خطوطاً لنقل الركاب جواً، ويزاول فيه أعماله بنقل الركاب في مبان يستأجرها أو يمتلكها ذاته أو ناقل آخر يرتبط معه باتفاق تجاري.
وأخيراً، جعلت اتفاقية وارسو وتعديلاتها ـ والتي سورية عضو فيها ـ قواعد الاختصاص من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو تعديلها بالنسبة لمكان المحكمة أو نوعها. والقضاء مستقر أنه لا يجوز رفع دعوى المسؤولية المدنية للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم الجزائية ولو كان الأمر يتعلق بخطأ ارتكبه الناقل أو أحد تابعيه ويرقى إلى حد الجريمة.
اترك تعليقاً