بدائل الدعوى الجنائية
التفكير في بدائل الدعوى الجنائية يجب أن يبدأ من خلال تقييمنا لسياسة التجريم والعقاب التقليدية ، لأن قانون العقوبات بوصفه منظم السلوك الاجتماعي و يعبر عن القيم و المصالح السائدة في المجتمع والتي تنبع من ضميره الحي ، يجب أن يلزم الأفراد بإتباعه ليس لأن مصدره القانون ، بل القيم التي يؤمن بها المجتمع والمصالح التي يستهدف إشباعها ، فقيمة احترام المال العام ، تنعكس على تصرفاتنا بما فيها البسيطة كعدم الإتلاف و في أمانة الموظفين و تشجيع الناس في الإبلاغ عن الحوادث ، وقيمة احترام الأسرة تكون بترابط أعضائها وتسوية خلافاتهم صلحا دون اللجؤ إلى الشرطة والنيابة العامة ودون أن تتولد لدي أعضائها الرغبة في الانتقام من الأب أو الأم لإهمالهما دورهما وتسببهما بسوء تربيتهما في الإساءة إلى الأطفال … الخ ، لذلك فمن الضروري أن نرسخ قيمة احترام الأخلاق والقيم الاجتماعية السامية دون حاجة للتهديد بالعقاب ،
لارتباط ذلك بما تعانيه العدالة الجنائية من بطء وتأخير في نظر في القضايا حتى باتت النيابة العامة مضطرة إلى اللجؤ للحبس الاحتياطي لضمان وجود المتهم تحت الطلب لعدم تمكنها من الاطلاع على القضية ، هذا ناهيك على القاضي الذي وفى غياب تخصص المحاكم وتراكم القضايا إلى جانب الظروف المحيطة بعمله والتي لم يتم تهيئتها لتوفر له الجو المناسب للاضطلاع بدوره ، يصبح غير قادر على إعمال مبدأ تفريد العقاب ، مما تسبب في ظهور أزمة العقوبة التي لم تفلح في خفض معدلات الجرائم التي ترتفع بين الشباب على وجه الخصوص وتنوعت صورها وأشكالها .
و بات من الضروري البحث عن بدائل الدعوى الجنائية التي اعتمدت على أن الحق في العقاب مظهر لسيادة الدولة وغلبت المصالح العامة على الخاصة حتى في القضايا الشخصية بحجة أن العقاب يستهدف مصلحة الجماعة ، وهو ما أثقل كاهل الدولة وزاد من تكاليف العدالة الجنائية وأدى إلى فشل العقوبات السالبة للحرية على وجه الخصوص ، ويقصد بالبدائل الحلول المقترحة لتحقيق غايات السياسة الجنائية دون الاعتماد على الوسائل الإجرائية المتمثلة في قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات . وجديرا بالذكر بأن قانون الإجراءات الجنائية الليبي تضمن بعض الصور التقليدية التي تندرج ضمن مفهوم بدائل الدعوى نذكر منها : 1- الصلح : الذي قررته المادتين 110-111 من قانون العقوبات في المخالفات التي لم يقرر لها عقوبة الحبس وجوبا ، وما قررته بعض القوانين الجنائية الخاصة – التكميلية مثل قانون ضرائب الدخل الذي خول رئيس المصلحة التصالح وعدم رفع الدعوى الجنائية وقانون ضريبة الدمغة وقانون مكافحة إخفاء وتهريب السلع وجرائم التهريب والمخالفات المشمولة بأحكام قانون الجمارك وقانون حماية البيئة . 2-الأمر الجنائي الذي يصدره وكيل النيابة في المخالفات أو القاضي الجزئي من الوسائل الهادفة إلى تيسير إجراءات الدعوى بالنسبة للجرائم قليلة الأهمية مثل المخالفات والجنح بالنسبة للقاصي الجزئي التي قرر لها عقوبة الحبس أو الغرامة التي تزيد على عشرة دنانير . 3- كما وأن قيود الدعوى الجنائية التي تقييد سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى ومباشرتها ، ورغم ما يشوب هذا الأمر من مثالب عندما يتعلق الأمر بالطلب والأذن دون الشكوى التي تمنح وفق معيار عام للجميع وترتبط بالحق الخاص الذي تقع الجريمة اعتداء عليه أو تقرر للحفاظ على علاقات اجتماعية بما وهو ما يرجح مصلحة المضار على ما تعارف عليه بأن العقاب هو حق للمجتمع ، وهو ما يتيح مجالا للتصالح بين الناس أو التنازل عن الدعوى بعد رفعها بسبب مساعي الوساطة والتسوية التي يقوم بها أهل الخير لا جهة بعينها بما يتفق مع طبيعة المجتمع الليبي وهو ما يخفف اكتظاظ السجون الذي أصبح هاجسا يؤرق المسئولين على هذه المؤسسات … وهو ما سنعرض له في مقال لاحق .
بقلم الدكتورة فايز الباشا
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً