تطبيق المحكم الدولي لقواعد مقررة في الاتفاقيات الدولية
إن إرادة الأطراف هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق الذي يحكم موضوع النزاع، ولا توجد مشكلة في حالة اتفاق الأطراف صراحة على إخضاع نزاعهم لقانون معين فلا يجوز للمحكم أن يطرح القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه في موضوع النزاع ليطبق قانونا آخر، إلا في حالة التعارض مع النظام العام. وعند عدم نص الأطراف صراحة على القانون الواجب التطبيق يترك للمحكم أو لهيئة التحكيم اختيار هذا القانون، وذلك تحت تسميات متعددة. فتارة يبرر ذلك بفكرة الإرادة الضمنية للأطراف، أو بفكرة الإرادة المفترضة، أو بتطبيق المبادئ العامة للقانون .
ومع ازدياد الاهتمام الدولي بالتحكيم التجاري الدولي والتوسع في العلاقات الاقتصادية والمعاملات التجارية وعدم وجود قضاء دولي ولا قانون دولي مختص في حل المنازعات الناشئة عن المعاملات التجارية على الصعيد الدولي، هذا أدى إلى إبرام عدة معاهدات على الصعيد الدولي والإقليمي. تعالج القواعد الخاصة بشأن القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وعليه سوف أقوم بدراسة أهم الاتفاقيات الدولية في هذا المجال من خلال المطالب التالية:
الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري (عمان 1987)
إن أهم الأحكام التي تضمنتها هذه الاتفاقية هو أن نطاقها يقع فقط على المنازعات التجارية الدولية كما أن هذه الاتفاقية لم تعتمد معيارا خاصا لدولية النزاع أو لكي تصبغ النزاع بالصبغة التجارية كذلك لم تأخذ الاتفاقية بعين الاعتبار جنسية أطراف النزاع أو مكان العقد الذي نشأ عنه النزاع. حيث جاء نص المادة الثانية بأن: (تطبق هذه الاتفاقية على النزاعات التجارية الناشئة بين أشخاص طبيعيين أو معنويين أيا كانت جنسياتهم ويربطهم تعامل تجاري مع إحدى الدول المتعاقدة أو أحد أشخاصها أو تكون لهم مقار رئيسية فيها).
ويعاب على هذا النص أنه ليس دقيقا ويحتمل تفسيرات عديدة، فمثلا هل تطبق أحكام الاتفاقية على نزاع نشأ بين مواطن إحدى الدول المتعاقدة مع إحدى المؤسسات لتلك الدولة، وهل يخرج مثل هذا النزاع عن الولاية القضائية للدولة على إقليمها ورعاياها، وهل تنطبق أحكام الاتفاقية على أشخاص لهم مقار رئيسية في إحدى الدول المتعاقدة أي أن طرفي النزاع يقيمان في دولة متعاقدة واحدة، ولم تفصل الاتفاقية في موضوع شكل اتفاق التحكيم بشكل صريح هل يكون مكتوبا أم لا، ولكن يفهم ضمنا من المقترح الخاص بشرط التحكيم (المادة الثالثة) في العقود أن الشرط يجب أن يكون مكتوبا وعليه فالاتفاق اللاحق والخاص بحسم النزاع بالتحكيم يجب أن يكون مكتوبا.
أما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فقد قررته المادة (21) من الاتفاقية حيث نصت في فقرتها الأولى على أنه: (تفصل الهيئة في النزاع وفقا للعقد المبرم بين الطرفين وأحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا إن وجد وإلا فوفق أحكام القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع على أن تراعى قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة). يستدل من هذا النص على أن هيئة التحكيم أو المحكم عندما يريد معرفة القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع إتباع نصوص العقد الذي تم بين طرفي النزاع وإتباع أحكام القانون الذي أراده الطرفان ليطبق على موضوع النزاع. وفي حالة عدم ذكر ذلك صراحة تحاول هيئة التحكيم معرفة ما انصرفت إليه الإرادة الضمنية للطرفين. أما إذا تعذر ذلك على هيئة التحكيم، ففي هذه الحالة فلها الحق في تطبيق قواعد القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع. على أن تراعى قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة. وهذا تطور كبير في المجال القانوني حيث أخذت الاتفاقية بما يذهب إليه الفقه الحديث بالنسبة للقانون الواجب التطبيق في حالة عدم اتفاق الأطراف على تعيين القواعد القانونية الواجب تطبيقها على موضوع النزاع.
أما الفقرة الثانية من المادة (21) والتي تنص أنه: (على الهيئة أن تفصل في النزاع وفق قواعد العدالة إذا اتفق الطرفان صراحة على ذلك).
فتطبق فقط عندما يوجد نص صريح في اتفاق الأطراف على تخويل المحكمين إنهاء النزاع طبقا لقواعد العدالة. وهذا ما يطلق عليه حسم النزاع بالصلح ولا يجوز في هذه الحالة الاستناد إلى الإرادة الضمنية للأطراف المتنازعة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً