مشاركة المراة المصرية في السياسة
تواجه المشاركة السياسية للمرأة المصرية تحديات صعبة . فرغم أن مصر كانت أول دولة فى العالم العربى تحصل فيها المرأة على حقوقها الإنتخابية كاملة من حيث حق الترشيح و الإنتخاب على قدم المساواة مع الرجل ، لا تزال مؤشرات التمثيل السياسى للمرأة المصرية ضعيفة للغاية. إذ تشغل السيدات الآن ثلاث عشرة مقعدا من 454 مقعدا بمجلس الشعب ، تسعة منهن حصلن على مقاعدهن بالانتخاب بينما شغلت أربعة مقاعدهن بالتعيين . و بذلك تنخفض نسبة تمثيل المرأة فى مجلس الشعب إلى نسبة 2.86 % .
و هذه النسبة هى أقل نسبة تمثيل للمرأة فى البرلمان فى كل الدول العربية التى تجرى فيها الإنتخابات باستثناء لبنان ، مع ملاحظة أن العالم العربى يعانى من أقل نسبة تمثيل برلمانى للمرأة فى العالم كله (6.4 %).
و تعكس هذه النسبة المنخفضة ضعف مشاركة المرأة فى العمل السياسى و بطء التقدم على صعيد التمثيل السياسى للمرأة .
و هناك مجموعة من التدابير التى يجرى العمل على صعيدها بالفعل لزيادة المشاركة السياسية و التغلب على ضعف التمثيل النيابى للمرأة المصرية . و منها زيادة عدد و نسبة المسجلات من السيدات فى الجداول الإنتخابية و دعم ثقافة المشاركة السياسية و تعميق وعى النساء بقضايا المجتمع و تأهيل عناصر نسائية للمشاركة فى العمل السياسى و الحوار مع الأحزاب لحثها على إكتشاف و تصعيد قيادات نسائية .
لكن هذه الإجراءات تتسم – بطبيعتها – بطول المدى و إتساع الفجوة الزمنية بين بذل الجهد و القيام بالفعل من ناحية و تحقق النتائج المتوقعة من ناحية أخرى .
لذا تطبق العديد من الدول نظام تخصيص نسبة للمرأة فى مجالات التمثيل السياسى ( و يطلق عليه إختصارا الكوتا أو الحصة ) و تشمل نسبة فى مقاعد البرلمان و المجالس المحلية و قوائم الترشيح الحزبية .
و قد شهد العالم زيادة متصاعدة فى عدد الدول التى تأخذ بنظام الكوتا الإنتخابية حتى بلغ عددها اليوم 81 ( واحد و ثمانون ) دولة.
و دوافع تطبيق نظام التخصيص ( الكوتا ) هى ضعف التمثيل السياسى للمرأة فى أغلب الأنظمة السياسية ، و محاولة التغلب على هذا الضعف بإنجاز نقلة نوعية فى عدد السيدات المشاركات فى السياسة و القفز فوق المعوقات التى تمنع المرأة من الحصول على حقوقها السياسية . و ينتظر من السيدات اللاتى يصلن للبرلمان عن طريق الكوتا الإضطلاع بمهمة طرح المشكلات و بحث المعوقات التى تقف حاجزا أمام تحقيق مشاركة سياسية فعالة للمرأة المصرية و إرساء قواعد المساواة السياسية.
ما هى الكوتا ؟
تسعى الكوتا إلى حشد نسبة حرجة من النساء للمشاركة فى العمل السياسى ، و بذلك يصبح للمرأة وجودا متماسكا فى الحياة السياسية بدلا من وجود النساء وجودا فرديا متناثرا و يتحقق إنتقال المرأة من هامش العمل السياسى إلى التيار الرئيسى فى الحياة السياسية .
● و يلقى نظام الكوتا عبء دعم المشاركة السياسية للمرأة ليس فقط على كاهل المرأة وحدها ، إنما أيضا على كاهل كافة المؤسسات السياسية .
● و يسعى نظام تخصيص المقاعد البرلمانية إلى الوصول إلى نسبة حرجة للسيدات فى البرلمان و يحدد أساتذة العلوم السياسية و خبراء العمل السياسى بين 20% و 40 % لضمان التوازن النوعى فى العمل السياسى .
● و تطبق بعض الدول نظام الكوتا كتدبير مرحلى و إجراء مؤقت حتى يصل المجتمع إلى مرحلة تسقط فيها العوائق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية أمام مشاركة المرأة فى السياسة .
● و يهاجم البعض نظام الكوتا باعتباره نظاما للتمييز الإيجابى . إلا أن النظرة المعاصرة ترى فى نظام الكوتا تحقيقا للحياد الاجتماعى . فالحياد النوعى بين الرجال و السيدات يعنى أن يحظى كل نوع بنصف التمثيل السياسى . لذا يرى هؤلاء أن العدالة تقتضى أن يحصل كل نوع على تمثيل يتراوح بين 40 % و 60 % فى كل المجالس المنتخبة و كل مواقع اتخاذ القرار .
● و بصفة عامة يمكن اعتبار نظام الكوتا انتقالا من أحد مفاهيم المساواة إلى مفهوم آخر .
المفهوم الليبرالى التقليدى يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص باسقاط كافة الحواجز الرسمية أمام خوض المرأة الحياة السياسية و منح المرأة نفس حقوق الترشيح و الانتخاب .، و اعتبار هذه الإجراءات كافية .
إلا أن العقود الأخيرة شهدت تطورا فى مفهوم المساواة ليتحول إلى تكافؤ النتائج بدلا من تكافؤ الفرص . و يقوم مبدأ تكافؤ النتائج على أساس أن اسقاط الحواجز الرسمية ليس كافيا فى ظل معوقات واقعية و عملية . و هى معوقات مركبة و ذات أبعاد اجتماعية و اقتصادية و ثقافية .
لذا يعد نظام تخصيص المقاعد وسيلة لتحقيق تكافؤ النتائج و القفز فوق المعوقات الحقيقية العلنى منها و الخفى . و هى بهذا المنطق ليست تمييزا ضد الرجل بل تعويض للمرأة عن التمييز ضدها.
أسباب معارضة الكوتا
ومع ذلك فهناك معارضة لتخصيص مقاعد للمرأة فى البرلمان . و يسوق المعارضون الأسباب التالية :
● اعتبار الكوتا خرقا لمبدأ المساواة و مناقضا لتكافؤ الفرص و ليس تحقيقا لهما .
● و إجراءا غير ديموقراطى بإجبار الناخبين على الإختيار من بين المرشحات فى حين قد يفضل البعض اختيار مرشح من الرجال.
● و يعترض البعض لأن الكوتا ستؤدى إلى منح فرص لمرشحات بمقتضى النوع الإجتماعى و ليس على أساس الكفاءة ، مما قد يقلل من فرص أصحاب الكفاءة . بالإضافة إلى إحتكال ألا تتوفر الشروط الموضوعية اللازمة لبعض المرشحات .
● و أن بعض السيدات لا يرضيهن الوصول للبرلمان لمجرد أنهن سيدات .
● و يضاف إلى هذه الأسباب الاحتقان و الخلافات داخل الأحزاب التى قد تنشأ بسبب الكوتا ، على أن الكوتا تضمن عددا من المرشحات من بين السيدات بينما المرشحون المحتملون من الرجال يتنافسون على نيل ترشيح الحزب .
مميزات نظام الكوتا
و يتجاهل معارضو الكوتا أن المشاركة السياسية للمرأة المصرية لم تتقدم طوال 49 عاما . و منذ إلغاء مقاعد المرأة فى مجلس الشعب عام 1986 و نسبة التمثيل البرلمانى للمرأة تتراوح حول نسبة 2.5 % . و تشير مختلف التجارب السياسية إلى مميزات نظام الكوتا و هى مميزات يؤكدها الواقع السياسى فى العديد من الدول . و يمكن تلخيص تلك المميزات فى الآتى :
● لا يمكن إعتبار الكوتا تمييزا ضد الرجال و إفتئات على حق الرجل بل تعويض للمرأة عن التمييز الذى تعانيه بالفعل خصوصا فى المجال السياسى ، و مسعى لتحقيق المساواة و إجراء يهدف إلى تحويل تكافؤ الفرص من مبدأ إلى واقع . فالواقع الإقتصادى و الإجتماعى للمرأة أدنى من الرجل . و فى ظل الضعف الإقتصادى و الإجتماعى لا يمكن أن ننتظر زيادة تلقائية فى المكانة السياسية للمرأة . بل إن زيادة المشاركة السياسية و المكانة السياسية للنساء مدخل من مداخل تطوير الأحوال الإقتصادية و الإجتماعية للمرأة .
● إن الأحزاب هى التى تقوم باختيار و تقديم المرشحات و المرشحين و ليس الناخبين أنفسهم ، و بذلك لا تعد الكوتا إجتراء على حقوق الناخبين فى إختيار مرشحيهم ، إنما حافز للأحزاب لصناعة كوادر نسائية و التقدم بمرشحات من السيدات لشغل المقاعد المخصصة بالفعل للسيدات.
و فى الوقت نفسه تفسح الكوتا الفرصة للناشطات سياسيا بخوض الإنتخابات مستقلات بغض النظر عن المعارك و المنافسات داخل الأحزاب ، و بعيدا عن فرض العقوبات على المرشحات بحجة خرق الإلتزام الحزبى .
● و تؤدى زيادة المشاركة السياسية للمرأة إلى زيادة ممارستها لحقوق المواطنة و هى التعبير السياسى و المدنى عن المساوة فى الحقوق و الواجبات المنصوص عليها فى الدستور.
● كما أن نظام الكوتا يؤدى إلى خلق تجمع من النساء فى المجالس النيابية مما يخفف من الضغوط التى تعانيها السيدات المنتخبات فرادى و نتيجة لندرة وجودهم فى مواقع اتخاذ القرار .
و بذلك يتشكل تجمع من النساء فى المجالس النيابية . و هو ما يؤدى إلى تقدم قضايا الأسرة و المجتمع على أجندة الحكومة . و يساعد على مناقشة خطة الدولة من زاوية عائدها المباشر على الأسرة بالإضافة إلى طرح قضايا المرأة و الأسرة بصورة أكثر فعالية .
● و لا يكتمل التمثيل السياسى و النيابى إلا بمشاركة المرأة بنظرتها المتميزة لمشاكل مجتمعها و برؤيتها المختلفة للحلول المطروحة حول قضايا التنمية .
● تسعى الإنتخابات لتمثيل الجماهير و ليست مقياسا للمؤهلات الأكاديمية ، و فى كل الأحوال هناك سيدات مؤهلات كالرجال و أكثر. و لكن الكثيرين يميلون للتقليل من قيمة قدراتهن و كفاءتهن .
● وإذا سببت الكوتا بعض الاحتقان داخل هذا الحزب أو ذاك ، فهو إحتقان مؤقت يصاحب كل تغيير و يعقب كل تحول . و مع إستقرار النظام الجديد تتبدد المخاوف و بالتدريج تتكشف مميزاته و يكتسب القبول و يصبح جزءا من العملية السياسية .
إن ضعف المشاركة السياسية للمرأة واحد من أهم أسباب الضعف العام للمشاركة السياسية و ليس فقط واحدا من مظاهره . فالتنشئة السياسية هى أولى خطوات ترسيخ المشاركة السياسية للرجال و النساء . و تقع على المرأة مسئولية أساسية فى التنشئة السياسية . فإذا كنا بصدد مضاعفة المشاركة السياسية و المجتمعية و تدعيم دور الأحزاب و الدعوة إلى تعظيم روح المبادرة و الإنتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور الديموقراطى ، فإن دعم المشاركة السياسية للمرأة يجب أن ينطلق هو الآخر إلى مرحلة جديدة تتسم بنقلة نوعية إيجابية .
و قد أصبحت تلك النقلة النوعية بالتدخل الإيجابى ضرورة ملحة . ذلك أن إحداث التقدم لا يكون بإنتظار التطور الإجتماعى ، إنما بصناعته . و قد كانت الدولة فى مصر دائما صانعة التقدم .
إن ترك المجتمع لنفسه دون تدخل لن يسفر إلا عن إعادة إنتاج الأوضاع القائمة و الظروف السائدة . بينما التجربة المصرية تؤكد عبر تاريخها أن التقدم كان مطلبا لا يتحقق على أرض الواقع إلا بدور فعال للدولة .
أنظمة الكوتا
و هناك العديد من أنظمة تخصيص نسبة للمرأة فى التمثيل السياسى (الكوتا) . و على وجه العموم هناك أربعة أنظمة رئيسية للكوتا و هى الحصة الدستورية و الحصة القانونية للبرلمان و الحصة القانونية للمجالس المحلية و الحصة الحزبية . و تأخذ العديد من الدول بأكثر من نظام فى الوقت نفسه .
الكوتا الدستورية :
و هى نظام تخصص فيه مقاعد للمرأة فى البرلمان بنص فى الدستور .
و تأتى فرنسا و الأرجنتين و الفلبين و نيبال و رواندا و أوغندا و بوركينا فاسو ضمن 14 دولة تأخذ بهذا النظام، و به حققت رواندا أعلى نسبة تمثيل للمرأة فى البرلمان فى العالم (48.5 %) .
الكوتا القانونية :
و هى نظام تخصص فيه مقاعد للمرأة فى البرلمان بنص فى قانون الإنتخابات .
و الدول الأربع عشر التى تأخذ بنظام الكوتا الدستورية تقع ضمن 32 دولة صدرت فيها قوانين تنص على تخصيص نسبة من المقاعد فى البرلمان للمرأة . و تتوسع دول أمريكا اللاتينية فى الأخذ بنظام الكوتا القانونية و منها البرازيل و الأرجنتين و المكسيك ، و من أوروبا تطبق هذا النظام العديد من الدول و منها فرنسا و بلجيكا ، و باكستان و إندونيسيا فى آسيا و من الدول العربية السودان .
الكوتا القانونية فى المجالس المحلية :
و قد أخذت الهند بهذا النظام لتخصيص ثلث المقاعد بالمجالس المحلية للسيدات ، و كذلك فعلت جنوب إفريقيا لتصل إلى نسبة مماثلة . أما فى فرنسا فقد نص القانون على تخصيص نسبة النصف (50%) فى قوائم الأحزاب إذا كان عدد المقاعد ستة مقاعد أو أكثر ، حيث تجرى الإنتخابات المحلية بنظام القوائم . و من الدول الأخرى التى تأخذ بهذا النظام باكستان و اليونان و تايوان و بيرو. و هذا النوع من الكوتا ينص عليه فى الدستور أو بالقانون .
نظام الحصة الحزبية :
تطبق هذا النظام 61 دولة ، و أهمها الدول الاسكندنافية ، و فيها تلتزم الأحزاب بترشيح نسبة النصف على قوائمها من السيدات و هو التزام اختيارى دون تشريع فى بعض الأحيان كإيطاليا و النرويج و إجبارى فى أحيان أخرى كالسويد ، و هى دول تجرى فيها الانتخابات بنظام القوائم.
و من الدول التى ترشح فيها الأحزاب عددا من السيدات إلتزاما بالقانون ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و السويد و إسبانيا و بلجيكا و النمسا و سويسرا و بولندا و أيرلندا و استراليا و اسرائيل و باراجواى .. و الهند و البرازيل و كندا و من الدول العربية الجزائر و تونس و المغرب .
و قد ينص القانون على أن ترشح الأحزاب سيدات بوضع عدد محدد من المرشحات ضمن قوائمها أو على أن تخصص نسبة للسيدات ضمن الترشيح المبدئى داخل الحزب مثل بريطانيا.
و فى فرنسا تجرى إنتخابات الجمعية الوطنية بالنظام الفردى . لذا لا يلزم القانون الأحزاب بتخصيص نصف الترشيحات للسيدات و لكنه يوقع عقوبة مالية على الحزب الذى لا تمثل السيدات نصف عدد مرشحيه فى الإنتخابات العامة التى تجرى بالنظام الفردى .
و قد لاحظ أساتذة العلوم السياسية أن اقدام حزب الأغلبية على الالتزام بترشيح نسبة من السيدات يدفع الأحزاب الأخرى لاتباع نفس الأسلوب .
و يسهل تطبيق الكوتا فى ظل التمثيل النسبى حيث الإنتخابات بنظام القوائم . و مع ذلك يمكن تخصيص مقاعد للنساء فى ظل نظام الإنتخاب الفردى كما هو الحال فى فرنسا .
هناك ثلاث مستويات للكوتا و هى :
● كوتا داخل الأحزاب بين المتقدمين للترشيح المبدئى – بريطانيا
● كوتا بين المرشحين ترشيحا رسميا – فرنسا
● كوتا بتخصيص مقاعد فى البرلمان – المغرب
و من المهم ملاحظة أن تطبيق نظام الكوتا بمفرده لا يعنى إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة فى مجال العمل السياسى . إذ لا بد من تعزيز تطبيق هذا النظام بحزمة من الإجراءات و التدابير لمساندة الناشطات فى العمل السياسى و دعم المنظمات العاملة فى مجال حقوق السياسية للمرأة و إيجاد و تأهيل الكوادر النسائية و تشجيع المشاركة الواعية للمرأة فى الإنتخابات العامة و المحلية و كذلك فى الإنتخابات الرئاسية التى ستجرى هذا العام بنظام الإقتراع السرى المباشر بين أكثر من مرشح لأول مرة فى تاريخ مصر .
دستورية الكوتا
ينص الدستور المصرى على مبدأ المساواة فى ثلاث مواد هى المواد 8 و 11 و 40 ،
و بنص المادة 8 تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين .
و بنص المادة 11 تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها و عملها فى المجتمع ،
و مساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية .
أما المادة 40 فنصها : المواطنون لدى القانون سواء ، و هم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .
و يتطلب البحث فى مدى دستورية نظام الكوتا تعمقا مبدئيا فى مفهوم المساواة .
هل المساواة حقيقة واقعة فى الحاضر الإجتماعى المصرى خاصة فيما يخص الأحوال الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية أم أن المساواة هدف و غاية نسعى إلى تحقيقها ؟
و هل تعنى المساواة كما نص عليها الدستور مساواة فى الإجراءات و التدابير أم هى مساواة تتحقق كنتيجة نهائية لعدد من الإجراءات و التدابير ؟
فاذا لم تكن المساواة هى الواقع الإجتماعى المصرى الآن ، فإن تحقيق المساواة يصبح واجبا على الدولة بنص الدستور الذى يؤكد على كفالة الدولة للمساواة .
و إذا لم تكن المساواة هى الحاصل فى الحياة السياسية المصرية اليوم ، فمن الضرورى أن تكون المساواة حصيلة لعدد من الإجراءات و التدابير التى تدخل فى باب الفعل الإيجابى .
و من واجب الدولة أن تتدخل بحزمة من التشريعات و السياسات لتغيير الواقع الذى لا تتحقق فيه المساواة و يختل فيه التكافؤ فى سبيل تمكين الفئات الضعيفة و الأقل قدرة من بلوغ درجة المساواة . تلك رؤية إصلاحية لمفهوم المساواة . و هى رؤية تستند إلى أن المساواة غاية و هدف، و فى سبيل تحقيقها يمكن – و قد يجب – إصدار القوانين و سن التشريعات و إتباع السياسات التى تؤدى إلى بلوغ هذا الهدف . و قد تكون القوانين و الإجراءات المطلوبة مرحلية و مؤقتة حتى تصبح المساواة حقيقة راسخة . و فى كل الأحوال من الضرورى أن تتوفر آليات لرصد الواقع لتصحيح أوجه الخلل سعيا لتحقيق المساواة .
أما مفهوم المساواة الذى يقوم على أساس المساواة فى الإجراءات و التدابير فهو تكريس للواقع و إبقاء على مافيه من خلل و تثبيت للأوضاع السياسية و المعطيات الإقتصادية و الإجتماعية القائمة بالفعل .
و هو مفهوم محافظ للمساواة . و طبقا لهذا المفهوم فإن الواقع يحمل فى طياته آليات التغيير و دوافع التطور و هو بذلك لا يحتاج إستحداث آليات جديدة أو إقرار سياسات مختلفة . فمبدأ تدخل الدولة مرفوض و التغيير بالتشريع يبقى بلا مبرر . إنما ينبغى الإستمرار على ذات النهج و إتباع نفس المسار .
فاذا كانت نسبة التمثيل النيابى فى مصر لا تزال عند 2.8 % بعد 49 عاما من حصول المرأة على حقوق الإنتخاب و الترشيح ، فليس من المتوقع أن يؤدى إستمرار المجتمع فى نفس المسار دون تغيير أو تدخل إلى تحقيق المساواة فى المشاركة السياسية بين المرأة و الرجل .
و يبلور فقهاء القانون الدستورى معنى المساواة بالقول بأن مبدأ المساواة يقوم على :
أن المساواة تكون بين المتماثلين و المخالفة تكون بين المختلفين ..
و أن المساواة فى المراكز القانونية شرط للمساواة فى المعاملة .
و يشير الفكر السياسى المعاصر إلى مفهومين للمساواة :
المفهوم الليبرالى التقليدى الذى يقوم على تكافؤ الفرص .
و المفهوم الإصلاحى الذى يقوم على تكافؤ النتائج .
و يعنى تكافؤ الفرص إسقاط الحواجز الرسمية و التشريعية ، أما ما دون ذلك فيقع على عاتق المرأة .
أما مبدأ تكافؤ النتائج فيستند إلى أن تكافؤ الفرص و إن أكدت عليه النصوص ، فهو غائب فى الواقع . و فى الواقع تعانى المرأة من عدم تكافؤ الفرص لأسباب متعددة ثقافية و إجتماعية و إقتصادية و سياسية . لذا فإن المساواة فى النتائج لا تتحقق بالمساواة فى الوسائل .
بل إن تحقيق المساواة كنتيجة تحتاج إجراءات و أدوات قد تبدو – أحيانا – غير متساوية .
و يؤكد خبراء القانون الدستورى أن ما يشاع عن صدور حكم للمحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تخصيص مقاعد للمرأة غير صحيح . إذ لم يصدر عن المحكمة الدستورية أو أى محكمة فى مصر ما يشير إلى عدم دستورية الكوتا . و كل ما هناك أن تقرير مفوضى الدولة فى الدعوى رقم 131 لسنة 6 قضائية فى و هو تقرير مؤرخ فى أغسطس 1986 قد تعرض فى الهامش و دون مبرر ، إنما على سبيل الإحتياط و فى عجالة ، إلى مسألة تخصيص مقاعد للمرأة على إعتبار أن هذا النظام قد أخل بالمساواة التى نص عليها الدستور حيث أصبح الرجل و الحال كذلك فى وضع دستورى أدنى من المرأة !!
و فى صلب تقرير المفوضين إقرار بأن لا مصلحة للطاعن فى الطعن على الحكم التشريعى المحدد لإحدى و ثلاثين دائرة إستلزم المشرع وجود مقعد خاص للمرأة بها . و هو ما أخذت به المحكمة .
أما الأحكام التى صدرت عن المحكمة الدستورية فكانت ثلاثة أحكام .
الأول فى 16 مايو 1987 بعدم دستورية ثلاث مواد تقصر الحق فى الترشيح لعضوية مجلس الشعب على المنتمين للأحزاب السياسية ، و بذلك تكون قد حرمت المواطنين غير المنتمين للأحزاب السياسية من حق كفله الدستور و أخلت بمبدأ تكافؤ الفرص .
و أكدت نفس المبدأ فى الحكم الثانى الصادر فى 15 إبريل 1989 .
أما الحكم الثالث فى 19 مايو 1990 فقد كان بعدم دستورية الجمع بين نظام الإنتخاب الفردى و الإنتخاب بالقائمة الذى نص على أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم إنتخابه بالنظام الفردى .
و كان جوهر الحكم أنه يستحيل على المرشح الفردى المستقل مباشرة حقه الدستورى فى الترشيح على قدم المساواة و فى منافسة انتخابية متكافئة مع مرشحى القوائم المنتمين للأحزاب السياسية التى تساندهم بإمكانياتها المادية و البشرية .
لقد طالب الرئيس مبارك فى خطابه فى إفتتاح الدورة البرلمانية بتوفير الحماية التشريعية و السياسية للمرأة المصرية لكى توازن بين واجباتها نحو أسرتها و عملها فى المجتمع و مساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية . و هو ما تنص عليه المادة 11 من الدستور .
و نتصور أن تطبيق هذه المادة و الإستجابة لدعوة الرئيس تتطلب صدور قانون تحصل بموجبه المرأة المصرية على حصة عادلة فى التمثيل النيابى كمدخل لترسيخ المشاركة السياسية للمرأة المصرية
اترك تعليقاً