تدوين القانون الدولي العام
التدوين هو تحويل القواعد العرفية غير المكتوبة إلى قواعد مدونة في شكل مواثيق واتفاقات دون المساس بمضمونها، ويعني من جهة أخرى تبني القاعدة القانونية الدولية عن طريق المعاهدات الجماعية بين الدول في إطار موضوعات قانونية دولية معينة.
وسبب التدوين هو عدم وضوح القواعد القانونية الدولية وتعددها مع التطور البطيء الذي صاحب تكوين هذا القواعد.
وقد ظهرت حركة التدوين في القرن الثامن عشر على يد الفيلسوف الإنجليزي بنتام الذي كان أول من اقترح تدوين القانون الدولي، ولكن النقلة النوعية كانت عام 1899 حيث عقد مؤتمر لاهاي الذي نجم عنه وثيقتين دوليتين من أهم الوثائق التي يمكن اعتبارها بمثابة تقنينات للقواعد القانونية الدولية وكانت الوثيقة الأولى لحل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وترجع أهميتها إلى أنها أنشأت محكمة التحكيم الدائمة التي فصلت في كثير من المنازعات آنذاك، أما الوثيقة الثانية فكانت تتعلق بقوانين وعادات الحرب البرية ثم عقد مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907 ونجم عنه اتفاقية تنظم فض المنازعات الدولي بالطرق السلمية وقواعد الحرب البرية والبحرية وأحكام الحياد.
ثم تلاها عدة اتفاقيات أهمها اتفاقيات جنييف لعام 1949 والتي استحدثت قواعد خاصة بحماية الأسرى والمرضى والجرحى والسكان المدنيين أثناء الحرب.
لكن كل ذلك لا يغني عن تقنين عام وشامل لقواعد القانون الدولي، فهي قواعد لا تلزم إلا الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات دون غيرها، كما أنها لم تتضمن كافة المسائل الحيوية الأخرى التي تهم الجماعة الدولية.
لذلك بنهاية الحرب العالمية الأولى وإنشاء عصبة الأمم بدأت حركة التدوين تأخذ شكلاً أكثر تنظيماً تحت إشراف العصبة حيث شكلت لجنة الخبراء وبدأت أعمالها عام 1925 واختارت ستة موضوعات تم تحضيرها باعتبار أنها أنسب الموضوعات وأكثرها قابلية للتقنين. وهي: الجنسية، والبحر الإقليمي، ومسئولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بأشخاص وأموال الجانب في إقليمها، واستثمار ثروات البحار والقرصنة، والحصانات والامتيازات الدبلوماسية، ويعرض هذه الموضوعات على الجمعية العامة للعصبة وافقت على البدء في تقنين الموضوعات الثلاثة الأولى.
وبعد إنشاء الأمم المتحدة اهتمت الأخيرة بتدوين القانون الدولي ومواصلة الجهود في ميدان التقنين، حيث تم إنشاء هيئة خاصة دائمة في ظل هيئة الأمم المتحدة عرفت باسم “لجنة القانون الدولي” وصل عدد أعضائها إلى خمسة وعشرين عضواً، وقد بدأت لجنة القانون الدولي عملها سنة 1949 وتناولت بالبحث بناءً على طلب الجمعية العامة المسائل التالية:
إجراءات التحكيم – الجنسية – نظام البحار – العلاقات والحصانات الدبلوماسية والقنصلية – المعاهدات. ولقد حققت اللجنة كثيراً من الإنجازات في تلك المجالات وغيرها.
الفصل الثاني : العقبات التي تعترض التقنين
لعل النزاعات القومية والمصالح السياسية هي من أهم العقبات التي تعترض عملية التقنين الشامل لقواعد القانون الدولي، ففي ظل المناخ الدولي الحالي بما يسوده من تضارب في المصالح وتباين في الأفكار السياسية واختلاف الإيديولوجيات، يصبح اتفاق الدول على مضمون القواعد التي تعرض عليها للتقنين أمراً بالغ الصوبة والتعقيد، ومن الضروري – في ظل هذه الظروف – أن يتم التمهيد التقنين لا عن طريق وضع المشروعات وإنما عن طريق تقريب وجهات النظر بين الدول في المسائل المختلف عليها.
وعملية التقنين على ما فيها من مزايا في تثبيت القانون الدولي وتدعيم قواعده إلا أنها لم تسلم من النقد من جانب بعض الفقهاء الذي يرون أن التدوين سيصيب قواعد القانون الدولي بالجمود ويفقدها المرونة التي تتميز بها مما يؤدي إلى صعوبة تطورها ومجاراتها للأحداث الدولية، حيث يمكن أن يكون هناك حاجة للتعديل ولكن رغم ذلك لابد من الحصول على موافقة جميع الدول التي أقرت التقنين وفي ذلك صعوبة لأنه من الممكن أن تعترض بعض الدول على التعديل.
ولكن في الانتقاد مغالاة فمن الممكن عند وضع أي تقنين أن يراعى فيه معالجة كل هذه المشاكل مسبقاً بأن يقصر التدوين على القواعد الثابتة أما القواعد المتغيرة فيتفق على طريقة مبسطة لتعديلها بشكل مسبق كالاكتفاء بموافقة الأغلبية على التعديل.®
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً