البيوع البحرية
البيوع Sales جمع بيع، والبيع في جوهره العام عقد يلتزم فيه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي. والبيوع البحرية Maritime Sales، عقود بيع تجارية تتم عادة بين بائع ومشتر تابعين لدول متباعد بعضها عن بعض تتفاوت في ثرواتها وإنتاجها. ومن الخصائص الرئيسة المهمة في مثل هذه البيوع أن يتم نقل البضائع موضوع هذه العقود بحراً، ومن هنا أطلق عليها صفة «البيوع البحرية» إبرازاً للجانب المهم في هذه البيوع وهو نقل البضاعة المبيعة بحراً.
أهمية البيوع البحرية
تُعد التسهيلات التي تقدمها البيوع البحرية للحياة التجارية عامة، والحياة التجارية الدولية خاصة، كافية في حد ذاتها لتوضيح سبب أهميتها واحتلالها مكانة مهمة في عالم التجارة. فهي أولاً الأداة الفعالة في التجارة الدولية، إذ يتم بموجبها استيراد السلع وتصديرها بين أسواق الإنتاج وأسواق الاستهلاك التي يفصل البحر بينها.
ويساعدها في أداء هذه الوظيفة الدور الرئيس المهم الذي تؤديه «وثيقة الشحن»[ر]Bill of Lading في هذا النوع من البيوع.
ومما زاد في أهمية البيوع البحرية أيضاً المزايا الكثيرة التي تحققها لأطرافها الذين ينتمون إلى بلدان تفصل بينها مسافات شاسعة، فهي تمكن المشتري أحياناً من تخطي الصعوبات التي قد يواجهها للحصول على العملات الأجنبية لتسديد نفقات النقل والتأمين في مرفأ الشحن الذي يكون غالباً في دول أجنبية تختلف عملته عن العملة المستعملة في دولته. كما أن بعض أنواع البيوع البحرية تُغني المشتري عن حاجته إلى وجود ممثل له في مرفأ الشحن لإبرام عقدي النقل والتأمين على البضاعة.
أمّا ما يتصل بالبائع، فإن بعض هذه البيوع يمكّنه من قبض ثمن البضاعة فور تسليمها إلى الناقل في مرفأ الشحن دونما حاجة لانتظار وصولها إلى مرفأ الوصول وهذا يتفق وطبيعة الأعمال التجارية التي تتطلب السرعة.
كما زاد في أهمية البيوع البحرية أيضاً التطور النوعي الذي طرأ على صناعة النقل البحري، وساعد على نمو المبادلات التجارية وزيادة حجمها بين الدول.
أنواع البيوع البحرية
تنقسم البيوع البحرية إلى زمرتين رئيسيتين:
الأولى: وتتعلق بالبيع الجاري في مرفأ الوصول.
الثانية: وتتعلق بالبيع الجاري في مرفأ الشحن.
1 ـ البيع الجاري في مرفأ الوصول: عُرف هذا النوع منذ القديم حين كانت الملاحة الشراعية هي الملاحة السائدة بين الدول، وكان المشتري لا يطمئن على البضاعة التي يشتريها إلا عند وصولها، لذلك فإن هذا البيع لم يعد يجاري التطور النوعي في صناعة النقل البحري، فصار قليل الاستعمال في وقتنا الحالي. يمتاز هذا النوع من غيره بأن تسليم البضاعة المشحونة من قبل البائع يتم في ميناء الوصول.
ويظهر هذا النوع من البيوع البحرية في أحد الطريقين الآتيين:
أ ـ البيع بشرط الشحن على سفينة معينة.
ب ـ البيع والشحن على سفينة غير معينة.
أ ـ البيع بشرط الشحن على سفينة معينة: هو بيع لبضاعة مفرزة، إذ يتم تعيين البضاعة والسفينة في عقد البيع. وفي هذا البيع تظل البضاعة المشحونة في ملكية البائع طوال الرحلة البحرية، ولا تنتقل إلى المشتري إلا في مرفأ الوصول، لذلك فإن المخاطر التي قد تتعرض لها هذه البضاعة وهي في الطريق تقع على عاتق البائع من دون الشاري. كما يقع على عاتق البائع القيام بإجراء عقدي النقل البحري والتأمين. ويساعد البيع المذكور، بتعيين السفينة الشاحنة، في إثبات قيام البائع بالتزاماته كما يمكن المشتري من معرفة تاريخ وصول السفينة إلى مرفأ الوصول.
ب ـ البيع والشحن على سفينة غير معينة: هو بيع لبضاعة غير مفرزة، إذ تُفرز في مرفأ الوصول. كما أن البائع فيه غير ملزم بتعيين اسم السفينة الناقلة. ومن مساوئ هذا البيع، فيما يخص المشتري، أنه لا يستطيع أن يتثبت من تنفيذ البائع تعهده إلاّ بعد وصول البضاعة إلى مرفأ الوصول.
2 ـ البيع الجاري في مرفأ الشحن: وتسمى البيوع عند القيام، أو الإقلاع ويطلق عليها Vent au départ أيضاً بيوع التحميل Ventá l’embarquement فهي التي تُسلم البضاعة المبيعة فيها في ميناء الشحن. ومنذ إتمام عملية التسليم يصير المشتري هو المالك للبضاعة، وهو المسؤول عن تحمل تبعات مخاطرها في أثناء الرحلة البحرية.
ولملاءمة هذه البيوع لأحوال التجارة الدولية فقد ذاع استعمالها كثيراً، لكن للطابع الخاص الذي تتصف به، لأنها تبرم بين تجار ينتمون إلى بلدان مختلفة، ولما قد يثيره استخدامها من مشكلات بسبب تداخل تنفيذ عقد البيع مع تنفيذ عقد النقل البحري، فقد ظهرت الحاجة إلى وضع قواعد خاصة بشأنها على المستوى الدولي. وتحقيقاً لهذا الغرض قامت غرفة التجارة الدولية بوضع مجموعة من القواعد لتفسير المصطلحات التجارية أطلق عليها قواعد التجارة الدولية «أنكوترمز» Incoterms (International Commercial Terms) سنة 1936م وعدلت عام 1953م، ثم عام 1980م. وتشمل هذه القواعد مجموعة من الأحكام والتطبيقات المتعلقة بالبيع «سيف» والبيع «فوب». وبعض أنواع البيوع الأخرى. وتعد هذه الأحكام قواعد اتفاقية وليست إلزامية، فلا تطبق إلا إذا اتفق طرفا عقد البيع البحري على الأخذ بها. ومع ذلك فإن القواعد المذكورة عُمل بها في معظم الدول، لا بل إن بعض التشريعات الحديثة التي قنَّنت البيوع البحرية استقت منها الأحكام المتعلقة بهذه البيوع مثل فرنسة، والعراق، والكويت، وتونس.
وأهم أنواع هذه البيوع: البيع «سيف» CIF والبيع «فوب» FOB والبيع «سي أند اف» C&F والبيع «فاس» FAS.
أ ـ البيع سيف: كلمة «سيف» CIF مأخوذة من الحروف الأولى للكلمات الإنكليزية Cost, Insurance and Freight وهذه الكلمات الإنكليزية الثلاث تعني بالتسلسل: ثمن البضاعة، بدل التأمين، وأجرة النقل.
هو بيع لبضائع يتم فيه التسليم في ميناء الشحن، كما يلتزم فيه البائع مقابل ثمن جزافي بشحن الرسالة وتغطيتها بتأمين ضد مخاطر الرحلة. وتنتقل ملكية البضاعة ومخاطرها إلى المشتري مع بدء الشحن.
ويتفرع عن هذا العقد نوعان من الالتزامات، التزامات تقع على عاتق البائع، إذ يجب عليه تسليم البضاعة المتفق عليها في عقد البيع إلى الناقل، لشحنها ضمن المدة المتفق عليها في هذا العقد. كما يلتزم تغليف البضاعة المبيعة بما يتفق مع طبيعتها ومع شروط نقلها. وتقع عليه أيضاً مسؤولية هلاك البضاعة أو إصابتها بعيوب في أثناء نقلها من مكان الإنتاج إلى ميناء الشحن حتى تحميلها على ظهر السفينة.
ـ وعلى البائع أن يبرم على نفقته عقد نقل البضاعة إلى ميناء الوصول المتفق عليه، وأن يشحن البضاعة في التاريخ المحدد بالعقد وعند عدم وجود نص بذلك، ففي مدة معقولة، وفقاً لما يقضي به العرف الجاري في ميناء الشحن.
ـ كما يلتزم البائع، بمقتضى عقد البيع، أن يؤمن على البضاعة من جميع مخاطر الرحلة البحرية، إلا إذا اتفق صراحة في عقد البيع على أن تشمل وثيقة التأمين جميع المخاطر التي قد تتعرض لها البضاعة منذ خروجها من مخازن البائع حتى وصولها إلى مخازن المشتري.
ـ ويلتزم البائع أيضاً أن يرسل إلى المشتري، وبأسرع ما يمكن، المستندات التي تخوله تعرّف البضاعة واستلامها؛ وتسلمها إذ إن تسلم البضاعة في مرفأ الوصول لا يكون إلا بتسليم السندات التي تمثل حيازتها. وتقوم وثيقة الشحن الخالية من التحفظات بالدور الأساسي في هذا الشأن، وتضم إلى هذه الوثيقة المستندات الأخرى التي يلتزم البائع إرسالها، وهي: وثيقة التأمين، وشهادة المنشأ، وشهادة المراقبة والوزن، وفاتورة البضاعة وغيرها من الوثائق التي يتفق بشأنها.
أما الالتزامات التي تقع على عاتق المشتري فتتحدد بدفع قيمة البضاعة وأجرة النقل وبدل التأمين والمصاريف الأخرى حال تسلم المستندات من البائع إذا كانت الوثائق مطابقة لشروط البيع. وقد يكلف المشتري أحد المصارف الموجودة في بلد البائع تسديد ثمن البضاعة مع النفقات الأخرى كلها، عند تقديم المستندات من قبل البائع إلى هذا المصرف. ويتم ذلك عادة عن طريق فتح اعتماد مستندي[ر] Credit documentaire ويكون المصرف في هذه الحالة وكيلاً عن المشتري في تسلم المستندات ودفع الثمن. ويترتب على قبول المصرف للمستندات ـ المقدمة من البائع ـ الآثار القانونية نفسها التي تترتب على قبول المشتري للمستندات عند تقديمها إليه مباشرة.
ب ـ البيع «سي. أند. إف»: البيع «سي.أند.إف» موضوعه بضاعة يلتزم البائع نقلها إلى ميناء الشحن وإبرام عقد نقلها إلى بلد المقصد مقابل ثمن إجمالي يشمل قيمة البضاعة المبيعة وأجرة النقل البحري. ويتحمل المشتري بموجبه مخاطر النقل البحري اعتباراً من الشحن. ويترتب على المشتري إجراء عقد التأمين ضد مخاطر النقل.
يتمتع العقد «سي.أند.إف» بالخصائص نفسها التي يتمتع بها عقد البيع «سيف»، إلاّ أن التأمين في هذه الحالة يكون على عاتق المشتري. وتلجأ الدول عادة إلى مثل هذه العقود لتشجيع شركات التأمين الوطنية ودعمها، وكذلك للتغلب على صعوبة مقاضاة شركات التأمين الأجنبية وملاحقتها عند تحقق المخاطر المشمولة بالتأمين.
حـ ـ البيع «فاس»: كلمة «فاس» FAS مأخوذة من الحروف الأولى للكلمات الإنكليزية Free Along Side وهذه الكلمات الإنكليزية تعني أن البائع يلتزم تسليم البضاعة على الرصيف، لتكون في متناول رافعات الشحن.
وفي هذا البيع يتولى المشتري إبرام عقدي النقل البحري والتأمين على البضاعة، كما هي الحال في عقد البيع «فوب» إلاّ أنه يختلف عنه في أن المشتري في عقد البيع «فاس» هو الذي يتحمل أجور الشحن والتحميل على ظهر السفينة لأن التزام البائع هنا هو تسليم البضاعة على رصيف الميناء وليس على ظهر السفينة.
د ـ البيع «فوب»: وكلمة «فوب» FOB مأخوذة من الحروف الأولى للكلمات الإنكليزية الآتية Free on Board وهذه الكلمات الإنكليزية تعني أن البائع قد قام بالتزاماته متى وضع البضاعة فوق ظهر السفينة.
وهو بيع بحري يلتزم فيه البائع تسليم البضاعة المبيعة في الأجل المحدد على ظهر السفينة التي يعينها له المشتري في ميناء الشحن المتفق عليه، ويتحمل البائع نفقات البضاعة حتى التسليم المذكور وما قد يصيبها من مخاطر.
ويتصف عقد البيع «فوب» بأن مخاطر البضاعة تنتقل إلى المشتري متى سلم البائع البضاعة، على ظهر السفينة، للناقل البحري الذي تعاقد معه الأخير. وأن المشتري هو الذي يبرم عقد النقل البحري الخاص بالبضاعة المبيعة. وأن التسليم يتم وتنتقل ملكية البضاعة إلى المشتري بوضعها على ظهر السفينة.
يستنتج مما تقدم أن عقد البيع «فوب» يتفق مع عقد البيع «سيف» في كثير من الصفات والخصائص من حيث انتقال ملكية البضاعة من البائع إلى المشتري في مرفأ الشحن، إلاّ أنه يختلف عنه في أن البائع في عقد البيع «فوب» لا يلزم بإجراء عقدي النقل البحري والتأمين على البضاعة ويقوم بذلك المشتري. وينتج عن ذلك أن تعيين شركة النقل الملاحية أو السفينة يعود إلى المشتري، وهذا من مزايا عقد البيع «فوب» إذ إن مصلحة المشتري أن يدفع قيمة بدل التأمين وأجرة النقل بالعملة الوطنية، كما أن المصلحة الوطنية تقتضي أن يختار المشتري سفناً دولية للقيام بعملية النقل.
اترك تعليقاً