الجزاءات في إطار قانون الصحافة
كما هو الشأن في كل جريمة ، يعاقب من ثبتت مسؤوليته الجنائية بعقوبات قد تكون مالية أو حبسية أو سجنية ، وباعتبار خرق قانون الصحافة بشكل جريمة ، فإن هذا الاخير يتضمن عقوبات مختلفة في حق كل شخص ثبت ارتكابه للفعل الإجرامي المجسد لخرق سافر لما يقضي به قانون الإعلام والإتصال .
لعل أهم ما يلاحظ كل باحث في الميدان الزجري للصحافة هو طغيان العقوبات الحبسية والغرامات بشكل يوحي إلى عدم وجود عقوبات سجنية الواردة في حالات ضيقة.
إن المؤسسة الصحفية لم تسلم بدورها من الجزاءات التي تلائم وضعيتها كمؤسسة ، وتتراوح العقوبات المقدرة لها قانونا بين الحجز الإداري والقضائي والتوقيف والمصادرة والمنع من التداول .
في إطار تحليل هذا الموضوع سنميز بين الجزاءات المقررة للمسؤول عن الجريمة الصحفية وتلك الجزاءات المقررة للمؤسسة الصحفية .
أولا: الجزاءات المقررة في حق المسؤول عن الجريمة الصحفية
بشكل مقتضب، سوف نتطرق للجزاءات المقررة في حق المسؤول عن الجريمة الصحفية المرتكبة ، وللتوسع أكثر ، يرجى الرجوع إلى ما تطرقنا له في الفصل الأول الخاص بالجرائم المرتكبةعن طريق الصحافة ، وبهذا الصدد ، ولتوضيح هذه الجزاءات سنتولى اعتماد التقسيم الذي أثنى به المشرع في قانون الصحافة .
1- التحريض على ارتكاب الجرائم : لم تتضمن الفصول الواردة في هذا القسم عقوبات تقل عن شهر واحد وتفوق خمس سنوات إلا في الفصل 38 الذي يغتبر التحريض غلى ارتكاب جناية مشاركة في ارتكابها ومن تم تكون العقوبة سجنية ، أما الغرامات فهي لا تتجاوز 100.000 درهم بينما لاتقل عن 3000 درهم ، وهي غرامات مرتفعة نسبيتا .
2- الجرائم المرتكبة ضد الشؤون العامة : والتي يمكن اعتبارها الأخطر من بين الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة إذ تمس بالدين الإسلامي والوحدة الترابية والمؤسسة الملكية، إلا أنه رغم خطورتها ، فهي لا تبتعد عن العقوبات المقررة حالة التحريض على الجرائم ، وذلك فهي تتضمن عقوبات حبسية أدناها شهر وأقصاها خمس سنوات حسب نوع وشكل الجريمة ، أما الغرامات فهي تتراوح بين 1200 و100.000 درهم.
3- الجرائم الماسة بالأشخاص : في هذا القسم تتراوح العقوبات الحبسية في حق الشخص المسؤول بين (6) ستة أيام وسنة وغرامة أقصاها 100.000 درهم أما أقلها فلا تقل عن 1200 درهم.
-الملاحظ أن هذا النوع من الجرائم – الجرائم الماسة بالأشخاص تتضمن جزاءات أقل شدة من الجرائم الماسة بالشؤون العامة أو جلرائم التحرض وهي غالبا جرائم تهم السب والقذف.
4- الجنح المرتكبة ضد الدبلوماسيين والأجانب: تتراوح عقوباتها بين شهر واحد وسنة وغرامات تتراوح بين 5000 و30.000 درهم .
5- النشرات الممنوعة والحصانات : فكل نشر لوثائق الإتهام أولبيانات عما يدور حول قضايا القذف والسب يؤدي إلى توقيع جزاءات مالية تتراوحبين 1200 و100.000 درهم وأخرى حبسية تصل إلى سنة واحدة دون أن تقل عن شهر واحد.
6- النشرات المتنافية مع الآداب والأخلاق العامة : فكل مخالفة لما ورد في القسم السابع من الباب الرابع يؤدي إلى الحكم على من ثبتت مسؤوليته الجنائية بعقوبة حبس متراوحة بين شهر وسنة وغرامة يتجاوز مداها 1200 درهم دون أن تتحدى 5000 درهم .
إذا كانت هذه هي مختلف الجزاءات المطبقة في حق المسؤول عن الجريمة الصحفية باعتباره شخصا طبيعيا ، فما هي نوعية الجزاءات المطبقة على المؤسسة الصحفية.
ثانيا : الجزاءات المقررة في حق المؤسسة الصحفية .
تقتضي حرية الصحافة التفعيل الحقيقي لمبدأ عدم جواز حظر تداول الصحف ، إلا أن التخلي عن المبدأ المذكور يكون ضروريا متى تم التذرع بالحفاظ على النظام العام والآداب العامة ، ومن تم ، يجيز القانون حظر تداول الصحف ، وذلك ما هو معمول به في مختلف التشريعات العربية ، إذ تبدأ الجزاءات المخصصة للمؤسسة الصحفية بالحجز والمصادرة الإداريين وانتهاءا بالمنع المنصوص عليه في التشريع المغربي.
من الملاحظ أن مختلف التشريعات الغربية أقصرت الجزاءات المطبقة على المؤسسة الصحفية على القضاء وحده دون الإدارة إلا أن هذه الأخيرة ، وبعد الإخلال بمقتضيات قانون الصحافة تتذرع بالنظام العام والآداب العامة لتوقيع الجزاءات ، فقد أجاز قانون الصحافة ( الصادر تنفيده بموجب ظهير 15 نونبر 1958 ) لضباط الشرطة القضائية مصادرة النشرات ومطبوعات المتنافية مع الأخلاق العامة ، كما أجاز الأمر نفسه للسلطة المحلية ثم لوزير الداخلية وكل ذلك طبعا وفق شروط لابد من توفرها سنتطرق لكل نوع من هذه الجزاءات كل في نسق خاص به .
1- الحجز الإداري
أجاز القانون لوزير الداخلية أن يأمر بالحجز الأداري للصحف أو الدوريات إذا كان من شأنها المساس بالنظام العام أو أفعال المنصوص عليها في الفصل 41 ، يتعلق الأمر بالجرائم المرتكبة ضد الشؤون العامة في شقها الخاص بالمساس بكرامة الملك والأسرة الملكية والدين الإسلامي والوحدة الترابية ، وكل ذلك منصوص عليه بموجب الفصل 77 من قانون الصحافة .
إن الحجز الإداري المسموح به لوزير الداخلية مسموح به كذلك لضباط الشرطة القضائية إلا أن حقهم مرهون بعامل زمني هام يقتضي عدم وقوع أي متابعة في نفس الموضوع طبقا لما ينص عليه الفصل 64 من قانون الصحافة .
يفهم من خلال الفصل 64 من قانون الصحافة أن هذا الحجز يجب أن يكون تاليا لتداول الصحيفة إضافة إلى إشتراط علانية الجنحة ، أي عرض الجريدة على أنظار العموم وتكون منطوية على خطر عاجل على الأخلاق العمومية نظرا لطبيعتها الإباحية ومنافية للأخلاق الحسنة .
من خلال ماسبق يتضح لنا أن حجز الجريدة لا يتم إلا بتوفر شرطين أساسيين .
** توافر شرط العلانية
** المساس بالأمن العمومي
فبإنتفاء الشرطين التاليين ، يكون قرار الإدارة بالحجز عملا تعسفيا قابلا للطعن بسبب الشطط في إستعمال السلطة ، ومن الأمثلة العملية على ذلك ما تعرضت له جريدة التحرير التي تم حجزها في 14 دجنبر 1959 على العدد : 246 و247 في اليوم الموالي كما حجز العدد 257 قبل السحب في يوم 16 دجنبر 1959 .
2- المصادرة والحجز القضائي
المصادرة والحجز القضائي غالبا ما يتم اللجوء إليها وفق ما هو منصوص عليه في قانون الإعلام والإتصال المغربي ، وذلك في حالة صدور العقوبات بشأن الجرائم والجنح الماسة بكرامة جلالة الملك وكرامة أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات ، وذلك ما تنص عليه المادة 41 ، وتطبق أيضا المصادرة والحجز القضائي على الجنح المرتكبة ضد رؤساء الدول والممثلين الدبلوماسيين والأجانب ، قد كرس ذلك بنص المادتين 52 و53 كما سبقت الإشارة إلى ذلك، كما يطبق نفس الجزاء على الجرائم والجنح المتعلقة بالتحريض مباشرة على السرقة أو القتل أو النهب أو الحريق وعلى التخريب بالمواد المتفجرة وكذا الإشادة بهذه الأعمال أو التحريض على الأعمال الماسة بالسلامة الداخلية والخارجية للدولة وفق المادة 39 من قانون الصحافة ، وكذا تحريض الجنود البرية والبحرية وأعوان القوة العمومية على الإخلال بواجبهم والخروج عن الطاعة . ففي حالة إرتكاب إحدى الأفعال المذكورة من طرف جريدة ما ، يمكن استصدار حكم قضائي بمصادرة المطبوعات والمكتوبات والمعلقات ، وفد تحجز أو تحرق وتتلف جميع النظائر التي تكون معدة للبيع والتوزيع والعرض على أنظار العامة.
3-التوقيف الإداري للصحف
لم يرد تدبير التوقيف الإداري للنشرات الدورية والجرائد في النص الأصلي ، وإنما أدخل بموجب التعديلات 28 ماي 1960 في ظل ظروف سياسية خاصة ، من المعلوم أن صلاحية هذا التدبير تدخل ضمن اختصاصات وزير الداخلية ، وذلك متى كانت الجريدة أو المطبوع الدوري متضمنا ما من شأنه إحداث اضطراب في الرأي العام بغية تدمير الأسس السياسية والدينية للدولة ، إلا أن هذا الحق لم يعد من حق وزير الداخلية ممارسته بعد تعديلات 77.00 .
4- التوقيف القضائي
يجيز قانون الصحافة للمحكمة توقيف الجرائد والنشرات الدورية بناءا على أمر أو حكم قضائي طبقا لما أتت به المادتان 23 و 75 من القانون المذكور ، فالمادة الأولى تطبق التوقيف القضائي لأجل غير محدد –بناءا على طلب النيابة العامة – كل مؤسسة صحفية خالفت أحكام المادة 12 من قانون الصحافة والتي تنص على ضرورة كون أرباب الصحف والشركاء المساهمين ومقرضي الأموال والممولين والمساهمين الأخرين في الحياة المالية للنشرات المطبوعة بالمغرب حاملين للجنسية المغربية ، والمؤاخذ على هذا التوقيف هو اكتساب طابع الديمومة كما سبق وأشرنا ، وذلك عكس المادة 75 التي حددت التوقيف في مدة لا تتجاوز ضد كل جريدة أو نشرة دورية إنطوت على ما يخالف الفصول 38 و39و40و42 وهي المتعلقة بالتحريض بصفة عامة ونشر الأخبار الكاذبة .
باعتباره إجراءا غير محمود ، يهدد كيان النشرة الصحفية أكثر مما يخدم مصالحها ، نجده في مقدمة مطالبات النقابة الوطنية للصحافة المغربية .
5- منع الصحف من التداول
يعد منع الصحف من التداول إجراءا عقابيا تقوم به السلطة الإدارية أو القضائية ويهدف إلى منع التوزيع أو بيع أو عرض الصحيفة أو أعداد معينة منها إلى جمهور القراء ، ويتم هذا الإجراء بعد الإنتهاء من إعدادها وطباعتها بدعوى إرتكابها جريمة نشر يعاقب عليها القانون .وعلى الرغم من كون الأصل هو ضمان حرية التداول كعنصر هام من العناصر التي تضمن حرية الصحافة ، إلا أن المشرع المغربي أجاز في بعض الحالات منع الصحيفة من التداول كإجراء قد تتخده السلطة الإدارية سواء بالنسبة للصحف التي تصدر داخل البلاد أو خارجها ، وقد تم التنصيص على حالات المنع في قانون الإعلام خاصة في الفصول 2 و 7 و 66 و 77 ويختلف حسب نوعية الفعل المرتكب ، فقد يكون مؤقتا أو دائما ، ولعل أبرز مثال على ذلك في المغرب ومن صحيفة لوجرنال من طرف الوزير الأول لتتحول إلى جريدة الصحيفة الجديدة .
أقصر المشرع المغربي المنع على الجرائم الأتية :
-أن تكون متناقية مع الأخلاق والآداب العامة وتكون كذلك إذا شكلت خطرا على الشباب لصبغتها الإباحية أو لإخلالها بالمروءة أو لتشجيعها على الجرائم ، والشباب المقصودين هنا هم أولائك الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة إضافة إلى ضرورة تحقق عنصر العلانية وسوء النية .
اترك تعليقاً