مقال قانوني مميز حول الطلاق الإلكتروني
ناريمان أحمد عدنان الأستاذ
(من فرع دمشق)
طرأت في المجتمع حالات طلاق جديدة تمت عبر البريد الإلكتروني (الإيميل) أو عبر رسالة الهاتف المحمول ، حيث تقص هذه الرسالة فيما بعد شريط الفصول اللامتناهية من الإجراءات والتنقلات بين الجهات العدلية وغيرها …
قد يستغرب البعض فيما إذا كان من الممكن وقوع حالات طلاق بهذا الأسلوب إلا أنها وقعت في الحقيقة في عدد من دول العالم الإسلامي وأثارت جدلاً واسعاً حول القبول والرفض .
فقد عارض العديد الطلاق بهذه الأساليب زاعمين أنه يفتح الباب واسعاً للتحايل ونشر الفتن والخلافات بين الأزواج لاحتمال قيام البعض بإرسال رسالة الطلاق إلى الزوجة من بريد الزوج أو من جهاز هاتفه فتظن الزوجة أن زوجها هو المرسل مع أنه لا يعلم عنها شيئاً … أو قد تلجأ الزوجة التي تريد الطلاق إلى إرسال طلاقها من هاتف زوجها مفتعلة صدور الطلاق منه . فهل تحولت الرسائل النصية والاتصالات الخليوية والبريد الإلكتروني إلى وسائل مهمة لتحديد مسيرة الحياة الزوجية ؟
وما هو رأي علماء الشرع في الطلاق الإلكتروني ؟
وكيف يتم الطلاق الإلكتروني أمام القضاء ؟
وما هو موقف القانون السوري من الطلاق الإلكتروني؟
تساؤلات تفرض نفسها حول هذا النوع المعاصر من الطلاق تبحث عن إجابات توضح الرأي الشرعي في الطلاق الإلكتروني وطرق إثباته وموقف القانون السوري منه .
وهذا ما سأتناوله بشيء من التفصيل والإيضاح ضمن صفحات هذا البحث .
الصيغة التي يقع بها الطلاق :
يقع الطلاق بكل لفظ يدل عليه سواء أكان اللفظ صريحاً أم كنائياً ، فالصريح هو كل لفظ لايستعمل إلا في الطلاق غالباً بحيث يفهم السامع حين سماعه هذا اللفظ أن الزوج طلق زوجته ، وألفاظ الطلاق الصريح يقع بها الطلاق دون حاجة إلى نية فلو قال الزوج لزوجته : (أنت طالق) فقد طُلقت منه ولو لم ينوِ الطلاق.
وأما ألفاظ الكناية فهي الألفاظ التي تستعمل في الطلاق وفي غيره فلا يقع الطلاق بهذه الألفاظ إلا بالنية أو بقرينة تدل على أن المراد بهذا اللفظ هو الطلاق كقول الزوج لزوجته : (أنتِ خلية ، أنتِ برية ، اذهبي إلى بيت أهلك ، اعتدّي …) .
وتقوم الكتابة المستبينة مقام اللفظ في الطلاق ويقع بها وهي التي تبقى بعد كتابتها ويمكن قراءتها مع اشتراط النية .
ويقع الطلاق من الأخرس بإشارته المفهومة الدالة على ذلك(1) .
الرأي الشرعي في الطلاق الإلكتروني :
أجمع علماء الشرع على وقوع الطلاق الإلكتروني بشروط دقيقة وضمن ضوابط شرعية لأن هذا الطلاق من القضايا الحديثة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد وبحث عن نظائرها في الفقه الإسلامي والقواعد الشرعية التي تستنبط منها الأحكام ، وأقرب الأمور التي من الممكن أن تقاس به هذه المسألة ما تحدّث عنه الفقهاء في حكم وقوع الطلاق في الكتابة ، فقد بحثوا هذه المسألة بناء على الأدلة الشرعية باعتبار أن الكتابة إقرار في الدين ، وكتابة الرسول (ص) لدعوة الملوك إلى الإسلام واعتبار ذلك حجة مع أن النبي – عليه الصلاة والسلام – لم يشافههم بذلك .
ويقع الطلاق إذا نطق الإنسان به عند كتابته ، سواء أكان في الحاسوب أم الهاتف ، وكان قاصداً واعياً مختاراً ، وإذا تثبتت المرأة وصول هذه الرسالة من زوجها فإن حكم الطلاق في حقها واقع(2) .
وذهب رأي آخر(3) إلى أن الطلاق مرتبط بلفظ من القادر على النطق به وألفاظه الصريحة هي : الطلاق والفراق والسراح ، فمن استعمل لفظاً من هذه الألفاظ في قطع العلاقة الزوجية فقد وجب ولا يقبل منه ادعاء أنه لم يقصد الطلاق فجدهنّ جدٌّ وهزلهنّ جدٌّ … ، ونية الطلاق ليست طلاقاً ما لم تقترن بلفظ ، وفي الحديث الشريف : « إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به » . ولا يشترط في الطلاق المواجهة مع الزوجة فيمكن للرجل أن يطلق زوجته في غيبتها ومن غير حضورها ومن هنا فإن الطلاق بالمراسلة إذا كان مقصوداً به أنه طلق زوجته غيابياً ثم أعلمها بهذا الطلاق عن طريق رسالة بعثها إليها فهو طلاق واقع لا شك ، حتى قبل المراسلة وكل ما أضافته المراسلة أنها أعلمت الزوجة بما حدث من الفراق بينها وبين زوجها ، أما إذا كتب الرجل لفظ الطلاق في الرسالة إلى زوجته دون أن ينطق بهذا اللفظ فلا يقع الطلاق بمجرد الكتابة ما دام الرجل قادراً على النطق وفي حال العاجز عن النطق فيقع طلاقه بالإشارة المفهمة أو الكتابة المعبرة عما في صدره .
في حين ميّز بعض العلماء بين نوعين من الطلاق الإلكتروني(4) :
أولهما الطلاق مشافهة عن طريق الإنترنت : فإذا تلفظ الزوج بالطلاق فهذا واقع شرعاً لأن الطلاق لا يتوقف على حضور الزوجة ولا رضاها ولا علمها ، كما أنه لا يتوقف على الإشهاد فالطلاق يقع بمجرد تلفظ الزوج به ، فإذا أتى الزوج بصريح الطلاق وقع ما نواه أم لم ينوِه ويبقى أن تتأكد الزوجة من أن الذي خاطبها هو زوجها وليس هناك تزوير لأنه ينبني على ذلك اعتداد الزوجة واحتسابها لبداية العدة في وقت صدور الطلاق الذي خاطبها به الزوج .
والنوع الثاني من الطلاق كتابةً مرسلاً بواسطة البريد الإلكتروني أو عبر رسالة الهاتف النقال فإذا كتب الزوج طلاق زوجته وهو يريد إيقاع الطلاق وقع. وإن لم يرد الطلاق ولم ينوِه لم يقع فتعتبر الكتابة كناية تفتقر إلى النية وهذا هو الرأي الراجح في قول الفقهاء .
إثبات الطلاق الإلكتروني أمام القضاء في بعض البلدان العربية :
بعد أن انتشرت ظاهرة الطلاق الإلكتروني في الأردن فوصلت حالات الطلاق وفق هذه التقنية في المملكة العام الماضي لنحو 450 حالة طلاق أعدت دائرة قاضي القضاة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية يضبط مسألة وقوع الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة أو ما أطلق عليه الطلاق الإلكتروني حيث جرى النص في مسودة المشروع على اعتبار الطلاق بتلك الصور من باب الطلاق الكنائي غير الصريح الذي لا يقع إلا بنية الزوج إيقاع الطلاق مع تحقق الشروط الشرعية والقانونية للحكم بوقوع الطلاق .
وأما الشروط والضوابط الشرعية والقانونية للحكم بوقوع الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة وفق مسودة المشروع الجديد فهي :
1- أن يكون واضحاً في الرسائل الإلكترونية بشكل لا شك فيه أن الزوج هو من بعث الرسالة لزوجته وأن يقوم ما يثبت ذلك أمام القضاء .
2 – أن تكون عبارة الطلاق واضحة بأي من ألفاظ الطلاق الصريحة وأن تكون موجهة مباشرة للزوجة .
3 – أن تكون نية الزوج إيقاع الطلاق ، على أن يثبتها مدعي الطلاق أمام المحكمة . أما إذا انعدمت النية فعلى الزوج أن يحلف أمام المحكمة بأنه لم يقصد الطلاق .
4 – أن يكون الزوج في الحالة المعتبرة شرعاً وقت كتابته للرسالة بمعنى أن لا يكون مكرها ً ، أو مدهوشاً فَقَدَ تمييزَه مِن غضبٍ أو غيره فلا يدري مايكتب .
إذاً على المحكمة دعوة الزوج وسؤاله عن الطلاق الوارد عبر التقنية الإلكترونية بأنه هو من أصدر هذا الطلاق فإن أقرَّّ يؤخذ بإقراره .
وفي حال إنكاره تلجأ المحكمة إلى وسائل إثبات أخرى كاعترافه أمام آخرين بأنه أرسل لزوجته طلاقاً بواسطة البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف الخليوي . وهنا نكون أمام حالة الإثبات بشهادة الشهود وإذا تعذر كلّ ذلك فإن القاضي يطلب اليمين من المطلق على صحة ما ورد في المادة الإلكترونية فإن لم يحلف طلقها القاضي وثبتت الطلقة .
كما ذهب القضاء السعودي إلى الحكم بصحة الطلاق الإلكتروني استناداً إلى إقرار الزوج أو بشهادة شهود يؤكدون صدور الطلاق من الزوج نفسه ، أو من خلال الاستعانة بأصحاب التخصصات التقنية إذا لزم الأمر للتثبت من شخصية المرسل الحقيقية(5) .
فالوسائل المقبولة قانوناً لإثبات الطلاق الإلكتروني في بعض البلدان الإسلامية (كالأردن والسعودية …) هي الإقرار والبينة الشخصية (الشهادة) واليمين الحاسمة .
موقف القانون السوري من الطلاق الإلكتروني :
لا يوجد في قانون الأحوال الشخصية أية مادة قانونية تتعلق بموضوع الطلاق الإلكتروني نظراً لقدم تاريخ صدوره في عام 1953 ، فالطلاق يقع بمجرد مخاطبة الرجل زوجته متلفظاً بعبارات الطلاق دون حاجة إلى النية . ويقع الطلاق أيضاً بالكتابة وبالألفاظ الكنائية التي تحتمل معنى الطلاق وغيره بالنية عملاً بأحكام المادتين 87 و 93 من القانون المذكور .
كما أن القانون رقم /4/ لعام 2009 والمتضمن (المراسلات والمعاملات والوثائق والتواقيع الإلكترونية وخدمات الشبكة) استثنى من نطاق سريان أحكامه المعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية ومنها الطلاق .
وتثور المشكلة فيما إذا أرادت الزوجة تثبيت طلاقها الذي يتم بهذه الطريقة : فإذا ادعت الزوجة أنها تلقت طلاقاً من زوجها بواسطة وسيلة إلكترونية وأقر الزوج بأنه هو من قام بإرسال الإيميل أو الرسالة وأنه يريد مضمونها تمَّ تثبيت الطلاق استناداً إلى إقراره وعملاً بأحكام المادة 99 من قانون البينات . أما إذا أنكر الزوج صدور الإيميل أو الرسالة منه فلا يقضى به ولا يمكن اعتبار الرسالة واقعة مادية يجوز إثباتها بالشهادة … استناداً إلى المادة 13 من القانون رقم /4/ لعام 2009 .
وأخيراً على الرغم من إجماع الفقهاء على وقوع
الطلاق الإلكتروني باستكمال شرائطه إلا أن الطلاق بهذه الأساليب فيها امتهان لكرامة المرأة وحطٌّ من شأنها إذ إن قراراً مصيرياً مثل الطلاق يجب أن يتم بناء على دراسةٍ وتروٍّ ولقاءٍ بين الزوجين . لأن الله سبحانه وتعالى وإن كان قد سمح بالطلاق وأجازه لما فيه من ضرورات كتعذر واستحالة الحياة الزوجية إلا أنه جعله أبغض الحلال إليه ووضع من التدابير والإجراءات كالهجر والتحكيم والعدة ما يحاول لأقصى قدر ممكن التقليل من اللجوء إليه . كما أن في استخدام هذه الوسائل إضعافاً لعلاقة الزواج والطلاق وهو ما يتعارض مع حكمة الشرع من هذه العلاقات من كونها ميثاقاً غليظاً .
اترك تعليقاً