رجال الاعمال وجرائم التزوير/ القاضي سالم روضان الموسوي
في تاريخ القانون الجنائي نجد مصطلح جرائم ذوي الياقات البيضاء كناية عن الافعال التي تنسب الى رجال الاعمال الذين كانوا يميزون انفسهم بلبس الياقة البيضاء في منتدياتهم الخاصة، وهذه الافعال التي جرمها القانون تتداخل مع الجرائم الاقتصادية التي عرفها فقهاء القانون بانها (كل فعل غير مشروع مضر بالاقتصاد القومي إذا نص على تجريمه في قانون العقوبات ، او في أي قانون آخر من القوانين التي تتعلق بخطط التنمية الاقتصادية الصادرة من السلطة المختصة)
حيث ان هذه الجرائم هي التي تتعلق بالاقتصاد الوطني واقرنت جرائم رجال الاعمال بها لانهم يستهدفون الاقتصاد وذات كلف عالية يتحملها المجتمع اقتصاديا ومنها جرائم الامتناع عن اداء الضريبة وجرائم سحب الشيك دون رصيد وغيرها وبعد التطور الهائل الذي شهدته الانسانية ودخول العالم الافتراضي الى كافة مناحي الحياة ومنها الحياة الاقتصادية اصبح لرجال الاعمال جرائم تتعلق بافعالهم في مجال جرائم المعلوماتية والغش التجاري كذلك بانفتاح العالم وتلاشي الحدود ظهرت الجريمة المنظمة وجرائم غسيل الاموال، وفي المنظومة القانونية العراقية نجد انها ما زالت قاصرة تجاه هذه الاشكالية، اذ انها تعالج مستجدات الحياة المعاصرة باليات قديمة عفا عنها الزمن، ومنها ما جاء في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وبعض القرارات التي لها قوة القانون وبعد عام 2003 صدر امر سلطة الائتلاف رقم 93 لسنة 2004 باصدار قانون مكافحة غسيل الاموال الذي ولد قاصرا عن احتواء الكم النوعي والعددي الهائل في جرائم غسيل الاموال فضلا عن تعطيل الياته وعدم تفعيلها لحد الان ومؤشر ذلك عدم وجود اي شكوى جزائية حركها البنك المركزي او مكتب مكافحة غسيل الاموال بموجب الامر أعلاه
ومن خلال المتابعة وجدت هناك طائفة من الاعمال الجرمية المعاقب عليها يمارسها رجال الاعمال للحصول على منافع ومكاسب مالية كبرى تهدم الاقتصاد وتنخر في جسد المجتمع الا انها تعامل معاملة الجريمة التي يرتكبها المواطن العادي وتتمثل في تزوير خطابات الضمان والوثائق التي تدخل في الحصول على المناقصات والمزايدات في العقود التي تبرم مع الدولة وهذه فضلا عن كونها تؤثر في الحياة الاقتصادية فانها تسهم في تعطيل المرفق العام والضرر فيه مفترض، فمن يرتكب مثل هذه الجرائم لا يعاقب الا بمقدار ما يعاقب به من زور هوية او وثيقة دراسية للحصول على وظيفة موظف خدمات (عامل نظافة) او عتال او غير ذلك واحيانا للوجاهة التي يتمتع بها رجل الاعمال بحكم ملائته المالية لا تنفذ بحقه العقوبة وانما يتم توقيف تنفيذها ويبقى ذلك المواطن العادي الذي قادته ظروفه الاقتصادية الى اقتراف جريمة التزوير في وثيقته الدراسية يرزح خلف اسوار السجون،
وعند اجراء احصائية لمقدار خطابات الضمان والشيكات والاعمال المماثلة وكفالات حسن الاداء وغيرها من الوثائق المقدمة الى الدوائر الحكومية للحصول على المناقصات سنجدها تمثل مقدار المال الذي تعرض للهدر والسرقة والاختلاس من الميزانية العامة والذي يشكل رقم هائل وكبير، وفي الواقع اليومي للعمل القضائي نجد ان بعض الذين استلموا القروض او صدرت لامرهم خطابات ضمان او كفالة حسن الاداء قدموا مستمسكات ثبوتية مزورة كأن تكون هوية احوال مدنية او بطاقة سكن مزورة مما يؤدي الى استحالة الوصول اليهم لاستيفاء الدين وادى ذلك الى افلاس بعض المصارف التي وضعت تحت وصاية البنك المركزي عملا بأحكام المادة (60) من قانون ادارة المصارف رقم 94 لسنة 2004 .
وهؤلاء على فرض القبض عليهم وعرضهم على القضاء فان فعلهم لا يتعدى ان يكون جنحة معاقب عليها في حدها الاعلى بالحبس او الغرامة عملا بأحكام المادة 292 عقوبات التي جاء فيها الاتي (يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تزيد عن ثلثمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين من توصل بانتحال اسم كاذب او شخصية كاذبة الى الحصول على اية رخصة رسمية او تذكرة هوية او تذكرة انتخاب عام او تصريح نقل او انتقال او مرور داخل البلاد. ويعاقب بالعقوبة ذاتها من زور او اصطنع محررا من هذا القبيل.)
والملاحظ ان هؤلاء قد شملهم قانون العفو رقم 19 لسنة 2008 بالنسبة للذين وقع فعلهم في فترة نفاذه ولا يقوى القضاء على مساءلتهم وإنما يشملهم القانون اعلاه لذلك نجد من الضروري ان نلتفت الى هذه الحالة وجعل جريمة التزوير في الوثائق المبرزة للحصول على العقود والمناقصات والمزايدات سواء بتقديم الوثائق المطلوبة او ما يحصل بعد التعاقد وارى ان يتدخل مجلس الوزراء بتقديم مشروع قانون لتحديد جرائم رجال الاعمال وانشاء توصيف جرمي لهذه الافعال ووضع العقوبة اللازمة لها او تعديل الاحكام القانونية النافذ باعتبار هذه الصفة ظرف مشدد وجعل حد ادنى للعقوبة دون ان تكون قابلة لوقف التنفيذ لتحقيق عامل الردع والحفاظ على المال العام ومنع ذوي الياقات البيضاء من التحكم في الاقتصاد بهدف التدمير وسلب حق المواطن في العيش الرغيد .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً