الطبيعة القانونية لسند الطلب
محمد العسري
حاصل على شهادة الماستر في القانون العام
وحدة قانون المنازعات العمومية بفاس
مقدمة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
كل عقد تبرمه الإدارة يعتبر عقدا إداريا يخضع لأحكام وقواعد القانون العام بل يقتصر على فئة خاصة من العقود وهي التي يصطلح عليها بالعقود الإدارية، هنا يطرح تساؤل كبير عن كيفية التمييز بين العقود الإدارية والعقود التي تبرمها الإدارة وتخضع لأحكام وقواعد القانون الخاص.
والعقود الإدارية هي التي تتم باتفاق الإدارة مع الآخرين على القيام بمهام عامة فينشأ بينهما عقد يحدد حقوق وواجبات كل الطرفين، فهاته العقود لا تخضع كلها لنظام قانوني موحد فقد يكون عقد الإدارة عقدا من عقود القانون الخاص عندما تتصرف كالأفراد العاديين دون اعتبار لما لها من سيادة أو سلطان، وقد يكون العقد من عقود القانون العام عندما تتمتع الإدارة بقواعد وامتيازات السلطة العامة.
فالقضاء الإداري يعد صانع نظرية العقد الإدارية مصدر جل أحكامه ومبدع لأهم القواعد المنظمة لعقود الإدارة ومبتكر معظم الحلول المتعلقة بالمشاكل المستجدة في هذا الميدان.
وهكذا فمعايير تمييز العقود الإدارية تخضع بالإضافة إلى المعيار القضائي (فقرة ثانية) إلى المعيار التشريعي (فقرة أولى).
فقرة أولى: المعيار التشريعي
يرتبط هذا المعيار ارتباطا وثيقا بمفهوم السلطة، وعملية تحديد العقد الإداري وفق هذا المعيار تكون ناتجة عن إرادة واضحة، إذ بمقتضاه يحدد المشرع طبيعة العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه، مع الإشارة إلى أن وصف العقود التي تهم هذه المجالات قد يكون بشكل مباشر عندما تصدر قوانين تحدد طبيعتها، أو بشكل غير مباشر عندما يسند التشريع مهمة الاختصاص للبث في النزاعات المرتبطة بها إلى هذه الجهة القضائية أو تلك.
من خلال هذا المعيار يتم تحديد العقد الإداري بواسطة النص القانوني، وتعد عقود الصفقات العمومية من بين العقود التي أضفى عليها المشرع صبغة العقد الإداري بحكم القانون كما جاء في مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2007، ونفس الأمر منصوص عليه في مشروع المرسوم الذي لم ير النور بعد، وإلى جانب هاته العقود يوجد عقد الامتياز والعمل وغيرها التي جعل لها المشرع صفة العقد الإداري بقوة القانون بغض النظر عن مدى اشتمالها على الشروط الغير المألوفة في القانون الخاص نتيجة ارتباطها بالمرفق العام ومساهمتها في تسييره.
فالقاضي الإداري أكد بدوره هذا المعيار من خلال بعض الأحكام والقرارات، وعلى هذا الأساس قضت الغرفة الإدارية:” الصفقة تعتبر عقدا إداريا بنص القانون وبالتالي لا حاجة للبحث عن وجود شروط غير مألوفة في العقد المتعلق بالصفقات المبرمة لصالح الإدارة للقول بان الأمر لا يتعلق بعقد في مجال القانون الخاص”.
وإذا كان القانون يحدد صفة العقد الإداري فانه أيضا قد يضفي الطابع الخاص على عقود أخرى تكون الإدارة طرفا فيها مثل عقد الإجازة مقابل رسم بلدي… وعموما فان موضوع العقد ومحتواه هو الذي يتحكم في تحديد طبيعته وليست إرادة الإدارة هي التي تحدد ذلك بالرغم من حرية الاختيار الممنوحة لها في ظل ازدواجية العقود التي تبرمها كما أكد ذلك الفقيه دوليبادير.
إجمالا يقصد بهذا المعيار تلك العقود التي ينص القانون صراحة على أنها عقودا إدارية ويضع لكل منها نظاما قانونيا خاصا وهي ما يطلق عليها العقود الإدارية المسماة، بمعنى العقد الذي أصبغ عليه المشرع وصف الإدارية وسماها، كصفقات الأشغال والتوريدات التي تم تنظيمها بمقتضى مرسوم 5 فبراير 2007 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام الصفقات العامة والمقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها.
كما رأينا سابقا فيما يخص تنازع الاختصاص القضائي المعتمد أساسا على تحديد الطبيعة القانونية للعقد الرابط بين الإدارة والمتعاقد. وهكذا إذا رست المحكمة على إدارية العقد كان الاختصاص للمحكمة الإدارية، والعكس في حالة العقد العادي، وعليه كان من الأجدر اعتبار سندات الطلب عقود إدارية نظرا لنص القانون على كون الصفقات العمومية هي عقود إدارية وبالتالي ورود سندات الطلب ضمن نفس المرسوم، وكذا اعتبار الإدارة طرفا في العقد الذي يهدف لتسيير المرفق العام وضمان استمراريته تفاديا لضياع الجهد في البحث عن سبل تعليل الأحكام كون هذا العقد إداري آم عقد عادي.
فقرة ثانية: المعيار القضائي
حاول القضاء المغربي في اغلب الأحيان تحديد طبيعة عقد الصفقة انطلاقا من البحث عن مدى توفر العقد على الشروط الثلاثة المستقر عليها فقها وقضاءا في كل من فرنسا ومصر لاعتبار عقد ما عقد إداري. فيلاحظ من خلال استقراء مجموعة من الأحكام القضائية أن موقف القضاء لازال متذبذبا ، فتارة يشترط لاعتبار الصفقة عقدا إداريا توافر الشروط الثلاثة وأحيانا أخرى يكتفي بتوافر شرطين فقط بل وقد اكتفى في بعض الأحيان كون احد طرفي العقد شخص معنوي ليصف العقد بأنه عقد إداري وسأتطرق لكل حالة بأحد القرارات أو الأحكام الصادرة في ذلك:
1- ضرورة توافر الشروط الثلاثة.
ذهب المجلس الأعلى في احد قراراته بتاريخ 9 أكتوبر 1997 عدد 1428 في الملف الإداري رقم 1307-5-97 جاء في حيثياته:”…إن الاجتهاد القضائي قد استقر كما لاحظ ذلك المستأنف نفسه على اعتبار العقد إداريا في حالة توافر شروط أساسية معينة.
وحيث إنه إذا كان شرط المؤسسة العامة قائمة بالنسبة للطرفين وإدارة مرفق عام وتوفير عناصر المنفعة ماثلة. فإن الأمر يتوقف على توفر شرط أساسي آخر لا يمكن إغفاله وهو أن يلجأ إلى استعمال وسائل القانون العام أو بعبارة أخرى أن تكون هناك شروط غير مألوفة في العقود الإدارية تخول أحد الطرفين اللجوء إلى جزاء معين في حالة إخلال الطرف الآخر بالتزاماته التعاقدية “.
وفي حكم لإدارية البيضاء عدد 422 بتاريخ 2006-04-19. حيث جاء في حيثياته انه: “وحيث إذا كان من الواجب لإضفاء الصفة الإدارية على عقد ما أن تكون الإدارة طرفا فيه، وان يتصل بمرفق عام، إلا أن هذين الضابطين غير كافيين لوصف العقد بأنه إداري إذ ينبغي إضافة كما تقدم إتباع الإدارة حال إبرامها للعقد أساليب القانون العام وتضمين العقد شروطا غير مألوفة في العقود المدنية التي تقوم على إعمال مبدأ المساواة والتوازن بين طرفيها “.
2- الاكتفاء بكون أحد طرفي العقد شخص معنوي عام ولها صلة بالمرفق العام:
هناك قرارات وأحكام عديدة صدرت في هذا الشأن قد تجعل من الباحث يعتقد أن الاجتهاد المغربي يميل إلى الاستقرار على هذا التوجه. ومن أمثلة القرارت الصادرة في هذا الشأن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالعيون بتاريخ 2006-02-08 تحت عدد 06-84 جاء في حيثياته:
“وحيث تبث من وثائق الملف أن المدعية مؤسسة الخنشي كانت تقوم بتزويد المدعى عليها الجماعة القروية لبوجدور بقطع الغيار ولوازم السيارات وبذلك تكون المدعية قد تعاقدت مع المدعى عليها حول تزويدها بتلك اللوازم باعتبارها مرفقا عاما تابعا للدولة وان موضوع المعاملة التي كانت تتم بين الطرفين يتعلق موضوعها بتغطية حاجة مرفق عام في التسيير مما يجعل المعاملات التي تتم بين مؤسسة الخنشي والجماعة تندرج ضمن العقود الإدارية “.
وسلك المجلس الأعلى نفس الاتجاه في القرارين التاليين:
قرار عدد 105 بتاريخ 2006-2-15 الذي جاء فيه: “لكن حيث أن الأمر في النازلة يتعلق بعقد توريد مبرم من طرف شخص من أشخاص القانون العام المتمثلة في الجماعة الحضرية لاكادير من أجل خدمة المرفق العام الذي تسهر على خدمته، وهو شكل من أشكال العقود الإدارية التي تختص بالبث في النزاعات المثارة بشأنه المحكمة الإدارية”.
قرار عدد 55 بتاريخ 2007-01-17 الذي جاء فيه:” وحيث بالرجوع إلى وقائع النزاع يتبين أن الطلب يتعلق بأداء مستحقات ترتبت عن تزويد المعهد بمواد غذائية و…أي مواد لازمة لتسيير المعهد لممارسة نشاطه كمرفق عام مما تقوم معه عناصر اختصاصا القضاء الإداري…”.
3- القول أن مجرد كون احد طرفي العقد شخص معنوي يجعل منه عقدا إداريا:
ذهبت إدارية الرباط في هذا الاتجاه في حكم لها تحت عدد 804 بتاريخ 2006-5-30 جاء فيه:
“وحيث دأب الاجتهاد القضائي والفقهي على اعتبار العقد إداريا إذا كان احد طرفي العقد شخص من أشخاص القانون العام، الشيء المتوفر في نازلة الحال. إذ أن إدارة المياه والغابات تعتبر كذلك مما يضفي على العقد المعروض أمام المحكمة صبغة العقد الإداري.
من خلال استقراء لهاته القرارات والأحكام القضائية التي تسير في اتجاه إدارية هاته العقود وبالتالي اختصاص المحاكم الإدارية ومقارنتها بالأحكام والقرارات التي تذهب عكس هذا الاتجاه التي تعتبر أن هاته العقود هي عقود خاصة وتخضع لقواعد القانون الخاص كالقرار الصادر عن الغرفة الإدارية الذي جاء في إحدى حيثياته:” أن القانون رخص للإدارات العمومية والجماعات المحلية الحق في إبرام اتفاقات في إطار القانون عن طريق سندات الطلب إذا كانت المبالغ المتعامل من أجلها لا تتجاوز مائة ألف درهم مما يضفي على العقد صبغة العقد العادي ويكون الاختصاص قائما في هذه الحالة لجهة القضاء العادي. يتبين عدم استقرار التوجه القضائي في مسالة تحديد الطبيعة القانونية لهاته العقود الناتجة عن التعامل بواسطة سندات الطلب.
ألم يكن على القضاء اعتبار هاته العقود عقودا إدارية بقوة القانون؟ وبالتالي عدم التكلف بعناء تحديد الطبيعة القانونية للعقد موضوع النزاع. انطلاقا من البحث عن مدى استجماعه للشروط الواجب توافرها لوصف عقد ما بأنه عقد إداري. بل كان يجب ترك هذا المعيار جانبا والتصريح بدون عناء الاستدلال والتعليل كون الصفقة عقد إداري بقوة القانون أو انه كذلك بطبيعته. وهذا التوجه تتبناه القضاء الإداري مؤخرا في مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية.
عقد الصفقة عقد إداري بقوة القانون: هناك مجموعة من الأحكام والقرارات التي اعتبرت عقد الصفقة عقد إداري بقوة القانون كالقرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 622 بتاريخ 1998-06-18 الذي جاء في إحدى حيثياته:” وحيث مما لا جدال فيه أن الصفقة العمومية إذا كانت تعتبر فعلا عقدا إداريا بنص القانون…”.
وحكم صادر عن إدارية البيضاء عدد 402 بتاريخ 2005-11-30 الذي جاء فيه: “وحيث انه من الثابت قانونا وقضاءا بأن عقود التوريد هي عقود إدارية بقوة القانون مما تكون معه المحكمة الإدارية مختصة نوعيا للبث في النزاعات الناشئة عنها… إضافة إلى ذلك حكم عدد 396 بتاريخ 2006-11-9 الصادر عن إدارية اكادير والذي جاء فيه : ” وحيث أن الصفقة عقد إداري بقوة القانون … لتوفر شروط غير مألوفة في هذا العقد كما يزعم ذلك المدعي….
عقد الصفقة عقد إداري بطبيعته: هذا الاتجاه تبنته المحكمة الإدارية بوجدة في مجموعة من الأحكام الصادرة عنها ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في الأحكام عدد 61-2002 و 05-185 و 172-05 الصادرة على التوالي في 2002-7-17 و 2005-07-19 و 20056-30 والتي أكدت فيها أن عقود الصفقات هي عقود إدارية بطبيعتها.
المراجع المعتمدة
محمد الأعرج، نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الثالثة عدد 88، 2011.
محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 66 الجزء الأول، 2011.
هناء العلمي، كوثر أمين، العروسي الإدريسي الحسني، منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني وواقع الاجتهاد القضائي المغربي، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، عدد 8، الطبعة الأولى 2010.
محمد الزياتي، القاضي الإداري والصفقات العمومية بالمغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات وأبحاث، العدد 78-79 سنة 2008.
أحمد بوعشيق، الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دلائل التسيير عدد 16 سنة 2004.
محمد باهي، تسوية المنازعات المترتبة عن مخالفة شروط إبرام الصفقات العمومية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 87-88 يوليوز– أكتوبر 2009.
محمد قصري، بعض الإشكاليات المتعلقة بالمنازعة في مجال الصفقات العمومية، مجلة القصر، العدد 22، يناير 2009.
اترك تعليقاً